مستقبل غير واضح للقاحات المُعززة.. هل هي ضرورية فعلاً؟

المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بدأت موجة متحور "أوميكرون" تنحسر أخيراً في الولايات المتحدة، وعاد العمال والموظفون إلى أماكن عملهم مرة أخرى، وفرغت أجنحة المستشفيات من المرضى، ورفعت الولايات قيود ارتداء الأقنعة. ومن ناحية أخرى، انتشر متحور آخر وهو "بي إيه 2" (BA.2) على نطاق واسع في أوروبا، وتزايد انتشاره في الولايات المتحدة، فيما طلبت شركتا "فايزر" (Pfizer) و"موديرنا" (Moderna) من الجهات التنظيمية الأمريكية، عمل مسح إضافي على الجرعات المُعززة، كحماية توفرها الجرعات الثلاث الأولى.

اقرأ أيضاً: الصين تنتفض مجدداً لمواجهة تصاعد تفشي "كورونا"

على الرغم من أن اللقاحات كانت في البداية فعَّالة بشكل ملحوظ في الوقاية من عدوى "كوفيد-19"، إلا أنها أصبحت أقل فاعلية مع ظهور متحورات جديدة للفيروس. وساعدت المعززات التي حصل عليها الأشخاص في أواخر العام الماضي في الحد من بعض الإصابات بفيروس "كوفيد-19" خلال الموجة الأخيرة. ولكن قد لا تكون هذه هي الجرعة الأخيرة بالنسبة إلى أولئك الذين يرغبون في حماية أنفسهم من الفيروس. يقول أرنولد مونتو، عالم الأوبئة وخبير الإنفلونزا في جامعة ميشيغان، والذي صدق على هذه المقولة أثناء انتشار متحور "دلتا": "من الواضح أننا سنضطر إلى تطوير إستراتيجية للجرعة الرابعة، وربما يستمر الأمر لأكثر من ذلك. وظهور متحور (أوميكرون) يعزز هذا التوجه من وجهة نظري".

اقرأ المزيد: "أوميكرون" يبقي كورونا التحدي الأول لعام 2022

انتهت معرفتنا بالأمور عند هذه النقطة، حيث يحيط الغموض بمعرفة المتحورات التي يجب أن تستهدفها الجرعات المُعززة في المستقبل، ومتى قد تكون هناك حاجة إلى الجرعات، ومن الذي يجب أن يتلقاها. وتظل الإجابات عن الأسئلة الأساسية مثل مدة الحماية التي توفرها الجرعة الحالية بينما لا يزال عدد المتحورات الأخرى لـ"كوفيد-19"، غير معلومة.

اقرأ أيضاً: تراجع التمويل الأمريكي لمنظمة الصحة العالمية 25% خلال جائحة كورونا

يقول ستانلي بلوتكين، عالم اللقاحات الشهير الذي اكتشف لقاح الحصبة الألمانية: "هناك الكثير من الآراء في مجتمع اللقاحات بأنه لا يمكننا الاستمرار في مطاردة المتحورات، مثلما فعلنا على مدار العامين الماضيين". ويتم الدفع بعلماء مثل بلوتكين لتطوير "لقاح عالمي لفيروس كورونا" من شأنه أن يعمل ضد فيروسات كورونا ومتحورات "كوفيد"، ما يلغي الحاجة إلى مُعزز لمعالجة كل سلالة جديدة. وعلى الرغم من أن البحث المبكر عن لقاحات عالمية لفيروس كورونا يبشر بالخير، إلا أنه قد تمر سنوات قبل أن يصبح هذا خياراً قابلاً للتطبيق، لأنه مهمة معقدة علمياً.

نتائج مشجعة للجرعات المعززة

يبدو أن جرعات "موديرنا" الموجودة، فضلاً عن الجرعات المُعززة، تعمل بشكل جيد في الحد من الإصابات الشديدة التي تسببت فيها المتحورات الحالية لـ"أوميكرون". كما إن الحصول على جرعتين أو ثلاث من اللقاحات التي صنعتها كل من "موديرنا" أو نظيراتها مثل "فايزر" و"بيونتك" (BioNTech)، قلل من حاجة المرضى إلى استخدام أجهزة التنفس الصناعي بنسبة 90%، وحدّ من نسب الوفيات بسبب "كوفيد-19"، وفقاً لدراسة مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الصادرة يوم الجمعة.

وجدت دارسة أخرى في دولة قطر، والتي نُشرت في مجلة "نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين"، أن الحصول على ثلاث جرعات من لقاح "موديرنا"، رفع من معدل الحماية ضد متحور "أوميكرون"، وذلك من خلال توفير حوالي 50% حماية إضافية من الأعراض المصاحبة. ويقول المؤلف الرئيسي للدراسة ليث أبو رداد، أستاذ تحليلات وبائيات الأمراض المعدية في وايل كورنيل للطب – قطر، إن فاعلية اللقاح ضد الحالات الخفيفة قد تضاءلت منذ تقديم الدراسة. وأضاف: "هذه ليست إستراتيجية عملية"، لأنه على حد قوله، نحن بحاجة إلى مواصلة الجرعات المتكررة على المدى الطويل. كما إنه ستكون هناك حاجة للقاحات أكثر ديمومة.

المبيعات والمخاطر المالية

ارتفعت المخاطر المالية الخاصة بكل من شركات "فايزر" و"بيونتك" و"موديرنا" بشكل هائل، حيث وصل حجم مبيعات لقاح "كوفيد" الذي تنتجه شركة "فايزر" إلى 36.8 مليار دولار خلال العام الماضي، ما يجعله المنتج الدوائي الأكثر مبيعاً في العالم. كما بلغت مبيعات جرعات "موديرنا" 17.7 مليار دولار في عام 2021. ومن المتوقع أن تنمو مبيعات لقاحي "موديرنا" لتبلغ نحو 68.4 مليار دولار في عام 2022، وفقاً لشركة الأبحاث "أيرفينيتي" (Airfinity)، ومقرها لندن. ويتوقع المحللون عموماً انخفاض المبيعات بعد ذلك، حيث يعتمد المقدار المتبقي من السوق على ما إذا كان بإمكان الشركات أن تثبت أن الجرعات الرابعة والخامسة والسادسة ستوفر مزيداً من الفوائد.

لم تنتظر بعض البلدان، مثل إسرائيل وتشيلي، الحصول على مزيد من البيانات أو اختبار اللقاحات المُعززة ضد "أوميكرون" التي أُجريت في الوقت الحالي، وبدأت هذه البلدان في طرح الجرعات الرابعة من اللقاحات الحالية للمواطنين الأكبر سناً. ويُوصى باتباع هذا النهج في الولايات المتحدة لمن يعانون من ضعف المناعة. لكن المسؤولين يقيسون عن كثب أشياء أخرى، مثل معدلات الاستشفاء بحثاً عن علامات تدل على ضعف الحماية قبل اقتراح حصول أي شخص آخر على جرعة رابعة.

كانت شركة "فايزر" قد تقدمت بطلب، في وقت مبكر الأسبوع الماضي، للحصول على إذن من الجهات التنظيمية الأمريكية لتوفير الجرعة الرابعة للمواطنين الأمريكيين الأكبر سناً، وهو ما أثار الجدل حول هذه المسألة. واستندت الشركة في طلبها إلى بيانات العالم الواقعي الصادرة عن وزارة الصحة الإسرائيلية، والتي تُظهر ضعف معدلات الإصابة، وكذلك حِدة المرض للمرضى الذين تبلغ أعمارهم 60 عاماً فأكثر، والذين حصلوا على جرعة رابعة. في هذه الأثناء، وجدت دراسة إسرائيلية منفصلة عن "كوفيد" أُجريت على العاملين في مجال الرعاية الصحية الأصغر سناً، فوائد بسيطة بعد تلقي الجرعة الرابعة. ولتسوية الجدل حول الجرعات المُعززة الإضافية لـ"كوفيد"، قامت شركة "موديرنا" بتقديم طلب بعد يومين من تقديم "فايزر" لطلبها بغرض توفير الجرعة الرابعة لجميع البالغين في الولايات المتحدة.

هدف متحرك

يقول أنتوني فوتشي، مدير المعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية، إن حاجة الأمريكيين إلى الجرعة الرابعة من اللقاحات أصبحت "هدفاً متحركا". وأضاف في مقابلة يوم 14 فبراير: "من المحتمل أن تحتاج شريحة معينة من السكان، وخصوصاً كبار السن، إلى جرعة رابعة" في نهاية المطاف. أما بخصوص ما إذا كان السكان سيحتاجون إلى جرعات إضافية، فإن هذا يعتمد على فاعلية اللقاح ضد المرض الشديد وتراجع معدل الاستشفاء بمرور الوقت. ويقول فوتشي: "المحصلة النهائية هي أننا لا نعرف، وسيكون من الصعب وغير المناسب أيضاً الإدلاء بأية تصريحات نهائية الآن حول هذا الموضوع، بما في ذلك تصريحات حول متى تكون هناك حاجة للحصول على مُعزز إضافي، والشكل الذي قد يتخذه".

سياسة واجتماع

مثل كل الأشياء المتعلقة بـ"كوفيد"، لن يكون العلم وحده هو المحدد الوحيد لحجم السوق في ما يتعلق بالجرعات الإضافية، حيث يلعب علم الاجتماع والسياسة دوراً كبيراً أيضاً. ويقول مات لينلي، والذي يعمل في شركة "أيرفينيتي"، إن الحكومات لا تزال تشتري لقاحات "كوفيد"، وقد تخطئ الدول الغنية بشرائها المفرط لهذه اللقاحات، مع العلم أنه بإمكان هذه الدول توفير الجرعات غير الضرورية للبلدان الفقيرة التي تعاني من نقص في المعروض، ما سيدعم السوق، ويمنح شركات الأدوية حافزاً لتصنيع جرعات جديدة.

في الوقت الحالي، لا تزال أذهان الناس تحتفظ بذكريات اضطرابات "كوفيد"، حيث يقول العديد من الأمريكيين إنهم مستعدون للحصول على الجرعات المُعززة بشكل سنوي. ووجد استطلاع للرأي أجرته شركة "أكسيوس- إبسوس" (Axios-Ipsos)، والذي نشر في يوم 8 فبراير، أن حوالي 70% من الأمريكيين سيحصلون على لقاح "كوفيد" سنوياً في حال تحول الفيروس إلى فيروس موسمي. ويقول كليف يونغ، رئيس الشؤون العامة الأمريكية في شركة "إبسوس": "لا يزال هناك شعور أكبر بالمخاطر والتهديدات بوجود (كوفيد) مقارنة بالإنفلونزا الموسمية. ومن هذا المنطلق، سيزيد حجم سوق اللقاحات".

لقاحات ثنائية

تختبر كل من "فايزر" و"موديرنا" إستراتيجيات متعددة للقاحات المُعززة الجديدة، وذلك مع العلم أن بعض أشكال التحصين هذه قد لا تكون ذات جدوى في المستقبل. وبدأت الشركتان في شهر يناير الماضي التجارب السريرية للجرعات الخاصة بمتحور "أوميكرون"، كما تدرس الشركتان أيضاً الأعراض التي تظهر على الشخص عند تلقي الجرعة الرابعة من لقاحاتهما الأصلية. وتختبر الشركتان أيضاً ما يُسمى باللقاحات "ثنائية التكافؤ" والتي تحتوي على اللقاح الأصلي ولقاح خاص بمتحور "أوميكرون". وتتوقع شركة "فايزر" إصدار النتائج الأولية الخاصة بلقاح "أوميكرون" بحلول بداية شهر أبريل، بينما تقول شركة "موديرنا" إنها ستحصل على نتائجها خلال الربع الثاني من العام الجاري.

في الوقت الذي تبدو فيه الجرعات المعُززة الخاصة بالسلالة وكأنها الخطوة المنطقية التالية، إلا أن الأبحاث لم تُثبت بعد أنها ستكون ضرورية. وتوصلت دراسة أولية نشرها باحثو المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، إلى أن مُعزز "موديرنا" الخاص بـ"أوميكرون" لم يختلف عن المُعزز الحالي في منع عدوى الرئة المرتبطة بـ"أوميكرون"، وذلك عند اختباره على القرود. ويقول ستيفن هوغ، رئيس شركة "موديرنا"، إن هذه النتائج، التي لم تتم مراجعتها بعد من قبل نُظرائها، لا تتناول ما إذا كان المُعزز الذي يستهدف متحور "أوميكرون" سيوفر حماية تدوم أطول من المعزز الأصلي للشركة أم لا.

الإنفلونزا

يتناقض تطوير الجرعات المُعززة المجانية للجميع مع لقاحات الإنفلونزا، حيث قام نظام دقيق على مدى عقود بمراقبة التغيرات الفيروسية والتوصل إلى توصيات لتغييرات سلالة اللقاح. وتقوم المعامل كل عام في جميع أنحاء العالم بجمع عينات من الإنفلونزا وإرسالها إلى مختلف المختبرات التابعة لمنظمة الصحة العالمية لتحليلها، بما في ذلك جمع العينات مرة واحدة في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في أتلانتا، وغيرها في ملبورن ولندن وبكين وطوكيو، ثم مرتين في العام في شهر فبراير لنصف الكرة الشمالي، وفي شهر سبتمبر لنصف الكرة الجنوبي. وتشكل منظمة الصحة العالمية لجنة من الخبراء الذين يفحصون البيانات ويقدمون توصيات بشأن ما يجب أن يحتويه لقاح الإنفلونزا في الموسم المقبل، ويبذلون قصارى جهدهم لتوقع السلالات التي ستنتشر في فترة من ستة إلى تسعة أشهر.

لا يوجد مثل هذا النظام حتى الآن للتعامل مع "كوفيد"، على الرغم من أن منظمة الصحة العالمية تعمل عليه. وتقول كانتا سوباراو، أخصائية الفيروسات في معهد بيتر دوهرتي للعدوى والمناعة بجامعة ملبورن والتي تترأس لجنة المشورة لمنظمة الصحة العالمية بشأن تكوين اللقاح: "هذه هي المرحلة الأولى، ونحن نتعلم الكثير عن الفيروس والعملية بينما نمضي"، حيث تكمن المشكلة في أنه ليس لدى العلماء حتى الآن أي نماذج جيدة للتنبؤ بما سيحدث بعد ذلك عندما يتعلق الأمر بـ"كوفيد-19". وحتى بالنسبة إلى الإنفلونزا، فإن الأمر ليس علماً دقيقاً. فقد وجد باحثون حكوميون أن جرعة هذا الموسم كانت فعالة بنسبة 16% فقط في منع الحالات الخفيفة إلى المتوسطة في الولايات المتحدة.

عقود حتى 2023

عادة ما ترغب الشركات في الحصول على فكرة واضحة عن الأسواق قبل تطوير منتجاتها. لكن الحكومات وخبراء الصحة العامة لم يُجمعوا على متى قد تكون هناك حاجة إلى تغييرات في سلالة اللقاح، أو ماهية هذه التغيرات. والشيء الوحيد المطبق هو الطلبات، حيث أبرمت شركتا "موديرنا" و"فايزر" صفقات معاً تزيد قيمتها على 50 مليار دولار من اللقاحات لعام 2022، كما أبرمت بعض الحكومات عقوداً لشراء جرعات حتى عام 2023، ما قلل من مخاطر البحث والتطوير بالنسبة إلى شركات صناعة الأدوية.

على الرغم من ذلك، فإنه بالنسبة إلى شركات الأدوية التي تفتقر إلى التوجيه من الحكومة، يكون الأمر "أكثر بكثير من مجرد عمل لقاح خاص بفيروس محدد ومتغير"، على حد قول إريك توبول، مدير "معهد سكريبس للأبحاث" (Scripps Research Translational Institute). وسيستغرق ذلك الأمر وقتاً أطول لمعرفة فعالية وجود لقاح عالمي لفيروس كورونا، حيث ستصبح فاعليته واضحة بشكل تدريجي، خصوصاً مع ظهور متحورات جديدة بمرور الوقت. يقول توبول: "لدينا تعارض بين ما نحتاج إليه مقابل الجوانب العملية وما يهتم به هؤلاء المصنّعون".

صعوبة التنبؤ

يقول المسؤولون التنفيذيون في شركتي "فايزر" و"موديرنا"، إنهم يحاولون التخطيط لكل شيء. وسيتحول "كوفيد-19"، في أفضل السيناريوهات، إلى فيروس موسمي يصل إلى ذروته في فصل الشتاء، حسبما ذكر ميكائيل دولستن، رئيس الأبحاث في شركة "فايزر". وأضاف: "هذا من شأنه أن يتناسب مع التطعيم السنوي" في الخريف، مشيراً إلى أن الشركة ستكون جاهزة لطرح الجرعة الأخيرة الخاصة بـ"أوميكرون" في أقرب وقت إذا لزم الأمر، بينما يقول هوغ إن شركة "موديرنا" "تتطلع إلى الخريف" باعتباره الإطار الزمني الأكثر احتمالاً لتوفير الجرعات الجديدة.

بالنظر إلى الوقت الذي تستغرقه الشركات لصناعة اللقاح، لا يمكن لشركات مثل "موديرنا" أن "تجلس وتنتظر" لمعرفة المتغيرات التي قد تظهر في الربيع، أو التوصيات التي ستقدمها لجنة منظمة الصحة العالمية في غضون بضعة أشهر، حيث يحتاج الأمر إلى سرعة في اتخاذ القرارات. ويقول هوغ: "لسنا متأكدين من أي شيء. فلا يعرف الناس ما الذي سيحدث في المستقبل. ونحن نحاول فقط تجاوز المشكلة بأفضل شكل ممكن".