الحرب في أوكرانيا تطال الفضاء بإزاحتها صاروخ "سيوز" الروسي

صاروخ "سبيس إكس فالكون" ينطلق من بمركز كينيدي للفضاء في كيب كانافيرال، فلوريدا.
صاروخ "سبيس إكس فالكون" ينطلق من بمركز كينيدي للفضاء في كيب كانافيرال، فلوريدا. المصدر: غيتي إيميجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

نقل صاروخ "سيوز" الروسي أفراداً وحمولاتٍ إلى الفضاء على مرّ عقود، حيث كان بمثابة ثور الحقل في هذا المجال، وكان له تاريخ من الموثوقية حيث سجّل أكبر عدد من إطلاقات الرحلات الفضائية تاريخياً.

تضاءلت آفاق صاروخ "سيوز" بشدة في غضون أسابيع نتيجة حرب روسيا في أوكرانيا، فقد زعزعت تحركاتها لإعادة صياغة العقود التجارية وتعطيلها التسليمات واستيلائها على أصول يملكها عملاء في الغرب ثقة القطاع بروسيا وبصاروخها المميز.

روسيا تحذر من سقوط محطة الفضاء الدولية بسبب العقوبات

قال كاليب هنري، كبير المحللين لدى "كويلتي أنالاتيكس" (Quilty Analytics)، وهي شركة متخصصة في الأبحاث والاستشارات: "لقد قتلت الحكومة الروسية تماماً الإمكانات التجارية لصاروخ (سيوز)... يهدّد التحرك الروسي بشطب صاروخ (سيوز) نهائياً من قائمة مركبات إطلاق الصواريخ المستخدمة على مستوى العالم".

بينما كان الصاروخ يتعرض فعلاً لمنافسة متنامية من مركبات الإطلاق الحديثة، فإن التحركات الأخيرة تسرّع من الانتقال بعيداً عن صاروخ "سيوز"، وهو ما يفسح المجال أمام الشركات الأمريكية والأوروبية مثل "سبيس إكس"و "روكيت لاب يو أس أيه" (Rocket Lab USA) و"أريان سبيس" (Arianespace). قد تتاح عقود مليارية لحمل أقمار صناعية تجارية إلى الفضاء أو نقل البضائع إلى محطة الفضاء الدولية أو مساعدة البشر على استكشاف الكون.

سد الفجوة

قالت "روكيت لاب"، إنها تقيّم الخيارات المتاحة لتسريع إتاحة أحدث صواريخها في السوق لسد الثغرة التي خلفها "سيوز"، ووقعت "سبيس إكس" التي يملكها إيلون ماسك المعروفة رسمياً باسم "سبيس إكسبلوريشن تكنولوجيز" (Space Exploration Technologies)، اتفاقاً لتقديم خدمات إطلاق في وقت لاحق من هذا العام لشركة "ون ويب" (OneWeb) البارزة، التي تشغل أقماراً صناعية وتملك حكومة بريطانيا حصة فيها، وكانت تستخدم صاروخ "سيوز".

تستطيع شركة "أريان سبيس"، التي سوّقت وأطلقت صاروخ "سيوز" تجارياً كصاروخ أوروبي متوسط ​​الرفع، تحويل عملاء "سيوز" إلى صاروخها "أريان 6" في 2023، حسب تصريحات لرئيسها التنفيذي ستيفان إسرائيل الثلاثاء في مؤتمر الأقمار الصناعية 2022 في واشنطن.

"سبيس إكس" تنقل 3 بعثات خاصة للفضاء بداية من نوفمبر المقبل

استخدم صاروخ "سيوز"، الذي صنعته وكالة الفضاء الروسية "روسكوزموس"، بنحو ألفي رحلة فضائية منذ طرحه في 1966، وبات دوره في الإطلاقات الفضائية أكثر أهمية في الأعوام الأخيرة. اعتمدت أوروبا الصاروخ كمركبة إطلاق متوسطة الرفع في 2011، وكان خروج مكوك الفضاء التابع للإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء الأمريكية من الخدمة في نفس السنة يعني أن صاروخ "سيوز" كان بمثابة الطريق الوحيد لرواد الفضاء الأمريكيين للوصول إلى محطة الفضاء الدولية على مدى قرابة عقد إلى أن بدأت "سبيس إكس" بطرح خيار آخر.

تعاون قائم.. معطّل

خُطط لعودة رائد فضاء وكالة "ناسا" مارك فاند هي من مهمة استغرقت 355 يوماً في 30 مارس على متن صاروخ "سيوز". كما خطط البلدان أيضاً لتبادل مقاعد في مركبتي "سيوز" و"دراغون" التابعة لشركة "سبيس إكس"، وهما الوحيدتان القادرتان على نقل الأفراد حالياً. ما تزال عودة فاند هي على متن مركبة "سيوز" تمضي في مسار صحيح، لكن لم يتضح ما إذا كانت حرب أوكرانيا ستؤثر على خطط تبادل المقاعد، فقد بدأ تعطيل الأنشطة التجارية.

خطّطت "ون ويب" لست إطلاقات باستخدام صاروخ "سيوز" خلال 6 أشهر مقبلة لاستكمال ترتيب مجموعة الأقمار الصناعية في المدار الأرضي المنخفض لتقديم خدمة الإنترنت. أنهت الشركة، التي تملكها أيضاً "بهارتي إيرتيل" (Bharti Airtel) و"يوتلسات" (Eutelsat)، العلاقة في 3 مارس الحالي عقب مطالبة روسيا لشركة "ون ويب" بالتعهد بعدم استعمال أقمارها الصناعية للأغراض العسكرية وأن تبيع بريطانيا حصتها فيها. اعتمدت "ون ويب" على "سيوز" لترتيب نحو ثلثي أقمارها.

ماسك يستجيب لنداء حكومة أوكرانيا ويُفعِّل أقمار "ستارلينك"

قالت روث بريتشارد كيلي، كبيرة مستشاري "ون ويب"، أن مصير الأقمار الصناعية للشركة في روسيا غير واضح.

كما سرحت "روسكوزموس" الموظفين من موقع الإطلاق في إقليم غينيا الفرنسية، ومنعت شحن محركات الصواريخ إلى الولايات المتحدة، وهو ما قد يكون له تأثير على شركتي "نورثورب غرومان" (Northrop Grumman) و"يونايتد لونش أليانس" (United Launch Alliance)، وهي مشروع مشترك بين شركتي "بوينغ" و"لوكهيد مارتن". يستخدم صاروخ "أنتاريس" من "نورثورب"، الذي ينقل البضائع إلى محطة الفضاء الدولية، محركات من طراز "أر دي-181" الروسية، بينما يعمل صاروخ "أطلس في" التابع لشركة "يونايتد لونش أليانس" باستخدام محركات من طراز "أر دي-180".

ثأر روسي؟

ادّخرت "يونايتد لونش أليانس" ما يكفيها من محركات "أر دي-180" لتغطية إطلاقات صاروخ "أطلس في" المتبقية خلال الأعوام المقبلة قبيل خروج تلك المركبة من الخدمة، حسب قول رئيسها التنفيذي توري برونو. لم يرد ممثلون عن "نورثروب غرومان" على طلبات للتعليق على الموضوع.

قال هنري المحلل بشركة "كويلتي أنالاتيكس"، أن إجراءات روسيا تُرى على أنها وسيلة سريعة للثأر من وابل العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية، التي طالت اقتصاد البلاد. أسفرت خسارة صاروخ "سيوز" عن تأجيل حمولات، بما فيها عدة أقمار صناعية ومركبة "إكسو مارس" (ExoMars) التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية التي كانت مقررة في سبتمبر.

أوضح هنري قائلاً: "أعتقد أنهم كانوا يرغبون القيام بشيء من شأنه أن يؤذي الناس سريعاً، ويكون له تأثير ضخم... لقد أضافوا سنة أو أكثر لتأجيلات عديد من البرامج الأوروبية.

كائنات فضائية وأجنَّة معدَّلة... المستقبل سيكون أكثر غرابة مما نتوقع

كان صاروخ "سيوز" فعلاً عرضة لمواجهة منافسة من "روكيت لاب". أخذت مركبتها متوسطة الرفع القادمة، "نيوترون"، نماذج التصميم من صاروخ "سيوز"، التي وصفها بيتر بيك مؤسس شركة "روكيت لاب" بأنها "أكثر الصواريخ تحقيقاً للنجاح والأكثر من حيث عمليات الإطلاق في تاريخ رحلات الفضاء بأسره".

نوّه بيك، وهو أيضاً رئيس الشركة التنفيذي، في مقابلة قائلاً: "يرفع صاروخ (نيوترون) تماماً كحال صاروخ (سيوز) وهذا أمر لم يحدث بطريق الخطأ".

كان ثلث متوسط رحلات صاروخ "سيوز" على مدى العقد الماضي التي تبلغ 20 سنوياً، مخصصاً لعملاء تجاريين ما يجعله "على الأرجح أكبر مصادر (روسكوزموس) للعملة الصعبة"، وفقاً لما جاء بتقرير من "كويلتي إنالاتيكس" في 21 مارس. قال بيك، إن المستجدات التي حدثت خلال الأسابيع القليلة الماضية ستدمر على الأرجح المستقبل التجاري لصاروخ "سيوز"، مشيراً بصفة خاصة إلى "هزيمة" تشارك بها "ون ويب". أضاف قوله: "كيف تستطيع أن تثق بروسيا مجدداً؟... تلك ليست حدثاً عابراً في التاريخ ليُنسى سريعاً".