العالم يتحول من نقصٍ إلى وفرة محتملة في لقاحات كورونا

الطلب العالمي على اللقاحات يتراجع بالتزامن مع دخول منتجين جدد
الطلب العالمي على اللقاحات يتراجع بالتزامن مع دخول منتجين جدد المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تواجه صناعة اللقاحات العالمية تراجعاً في الطلب، مع تصارع العديد من المنتجين، الذين دخلوا متأخراً على سوق متباطئة، وذلك بعد سباق عالمي من أجل بناء القدرات وتلبية الطلب على جرعات لقاح كوفيد-19، والذي بدا في وقت ما أنه بلاد حدود.

من المقرر أن يتسبب هذا الاتجاه في كبح جماح المبيعات الضخمة التي شهدها عمالقة الأدوية العالميين، من "فايزر" إلى "أسترازينيكا"، في ذروة الوباء.

كما أنه يخلق أيضاً مشكلات جديدة للجهات المصنعة المحلية من الهند إلى إندونيسيا، التي بنت قدرة هائلة على صنع جرعات اللقاح، لكنها تعاني الآن من فائض المعروض.

حتى مع احتمالية حفاظ الجرعات المُعززة على استمرار الطلب على لقاحات كوفيد حول العالم، فقد تلاشى النقص الشديد الذي تواجد في معظم أوقات العام الماضي، وبدلاً من ذلك أصبح حدوث تخمة عالمية الآن أكثر ترجيحاً، وهو ما يشكل انعكاساً دراماتيكياً.

"فايزر" تكبح توقعاتها لمبيعات لقاح كورونا وسط تنبؤات خافتة

في جميع أنحاء العالم، تم إعطاء أكثر من 11 مليار جرعة، مع تزايد مستوى استفادة الدول الفقيرة التي تنخفض فيها معدلات التحصين.

لكن بعد مواجهة نقص حاد العام الماضي، قالت "كوفاكس"، مبادرة تبادل اللقاحات التي تدعمها منظمة الصحة العالمية وتمد الدول منخفضة إلى متوسطة الدخل باللقاحات، في يناير، إن المخزونات تتجاوز الطلب.

فقد أصبح التوزيع والقدرة الاستيعابية والتردد حالياً من التحديات الرئيسية التي تحول دون أخذ جرعات اللقاح في أماكن مثل أفريقيا.

بالمثل، تراجعت أسهم الشركات التي صنعت أسماءها خلال الوباء، مع تخفيف قيود الحركة والسفر في أنحاء كثيرة من العالم.

تقلص الطلب العالمي

يوضح تقرير "بلومبرغ إنتليجنس" هذا الشهر أن التوقعات التي تفيد بأن عائدات لقاح كوفيد لدى "فايزر" و"موديرنا" و"أسترازينيكا" و"جونسون آند جونسون" قد تتجاوز 61 مليار دولار هذا العام، أي أعلى بقليل من مبيعات 2021، ربما تعكس "إفراطاً في التفاؤل".

وأشار إلى أن الافتقار للحماس تجاه الجرعات الرابعة في إسرائيل يُعدّ مؤشراً مبكراً على تقلص الطلب العالمي.

وزير: الكويت تخاطب مؤسسات عالمية لنقل تكنولوجيا اللقاحات وتصنيعها محلياً

قال سكوت روزنشتاين، مستشار الرعاية الصحية الخاص في نيويورك لدى "يوراسيا غروب" (Eurasia Group)، إن "العرض يفوق الطلب في كثير من أنحاء العالم، حتى مع بدء تطبيق دول عدة لفكرة الجرعات المُعززة".

يتوقع روزنشتاين خفض الإنتاج هذا العام والعام المقبل، ما لم يظهر متغير حقيقي "بشكل مفاجئ".

وأضاف روزنشتاين: "بمجرد أن انتشرت المعتقدات التي تفيد أن متحور أوميكرون أقل احتمالاً في التسبب بالإصابة بعدوى خطيرة، وأن اللقاحات لا تؤدي دوراً جيداً في الوقاية من العدوى رغم أنها ما زالت توفر حماية قوية ضد العدوى الشديدة، تراجع الطلب على لقاحات كوفيد بشكل كبير".

مستقبل غير واضح للقاحات المُعززة.. هل هي ضرورية فعلاً؟

من المتوقع انخفاض عدد الجرعات المطلوبة في الأعوام المقبلة مقارنة بالأيام الأولى لتفشي الوباء، لكن على الرغم من ذلك يتزايد ظهور عدد الشركات المصنعة في السوق.

يمكن إنتاج أكثر من 9 مليارات جرعة من لقاح كوفيد في عام 2022، لكن الطلب عليها قد ينخفض إلى ما يتراوح بين 2.2 مليار و 4.4 مليار جرعة سنوياً في عام 2023 وما بعده، مع وضوح الأمر بمرور الوقت، بحسب شركة التحليلات "إيرفينيتي" (Airfinity).

تراجع المبيعات

كذلك، يتوقع أن تنخفض مبيعات لقاح "فاكسزيفريا" (Vaxzevria) التابع لشركة "أسترازينيكا" في عام 2022، بعد أن سجلت نحو 4 مليارات دولار العام الماضي، على حد قول الشركة.

وحققت شركة "فايزر" مبيعات تقدر بـ 36.8 مليار دولارمن اللقاحات خلال العام الماضي، كما أنها أعلنت في فبراير أنها تتوقع تسجيل مبيعات تبلغ 32 مليار دولار في عام 2022.

يعتمد هذا الأمر على العقود الموقعة في أواخر شهر يناير، ويتوقع المحللون ارتفاع حجم الطلبات خلال العام.

طلبت شركتا "موديرنا" و"فايزر" من الجهات التنظيمية الأمريكية عمل مسح إضافي على الجرعات المُعززة الرابعة.

"أوميكرون" ليس المتحوِّر الأخير.. متى ينتهي الوباء من العالم؟

قال الرئيس التنفيذي لشركة "موديرنا" في مؤتمر عبر الهاتف، إن الحكومة الأمريكية لم تقدم طلبات حتى عام 2022، مما يسلط الضوء على مجالاً للنمو إذا اشترت البلاد كمية كبيرة من الجرعات المُعززة.

ورفضت "أسترازينيكا" التعليق على الأمر. كما لم تتطرق "فايزر" بشكل مباشر للأسئلة المتعلقة بالطلب على اللقاح، حيث قالت في بيان إن هناك قدرة كافية لتلقيح العالم في عام 2022، لكن ما زال هناك عقبات تحول دون الوصول إلى اللقاحات.

ولم تقدم "موديرنا" أي تعليق إضافي.

إمدادات إضافية

مع ذلك، قد تتوفر المزيد من إمدادات اللقاحات قريباً، لكن المشكلة تشتد بشكل خاص في الهند، وهي موطن أكبر صناعة لقاحات بالعالم، التي تعاني من زيادة المعروض المحلي والعالمي.

جدير بالذكر أن بعض الخبراء في الهند شككوا في الحاجة إلى الجرعات المُعززة، وشككوا في فعاليتها في منع العدوى بعد بضعة أسابيع.

استثمرت "بيولوجيكال إي" (Biological E.)، وهي شركة تصنيع كبيرة مقرها مدينة حيدر أباد الجنوبية، نحو 15 مليار روبية (195 مليون دولار) لمضاعفة قدرتها أثناء الوباء إلى حوالي 4 ملايين جرعة لقاح يومياً.

حاز لقاح "كوربيفاكس" (Corbevax)، الذي ينتمي لفئة لقاحات وحدات البروتين الفرعية، لأول مرة على موافقة محلية للاستخدام في الحالات الطارئة للبالغين في شهر ديسمبر، ثم الموافقة للاستخدام مع من تتراوح أعمارهم بين 12 عاماً إلى 18 عاماً الشهر الماضي.

مع ذلك، وفي ظل تلقيح معظم البالغين بالكامل وعدم وجود حاجة ملحة لدى الحكومة لتوسيع نطاق حملتها للجرعات المُعززة، لم يتم التأكيد على عدد جرعات "كوربيفاكس" الإضافية التي سيتم شرائها بجانب الـ300 مليون جرعة التي حصلت عليها نيودلهي.

قالت ماهيما داتلا، العضوة المنتدبة في "بيولوجيكال إي" في مقابلة بحيدر أباد، إن التحدي الحقيقي هو الاستفادة من القدرة المتزايدة.

وأوضحت أن "التكاليف الثابتة يجب أن تخصص لشئ ما، أليس كذلك؟"، مضيفة "لن تتمكن من إرسال الناس لمنازلهم ووقف نصف القدرة التصنيعية لمصنعك".

جدير بالذكر أن "بيولوجيكال إي" ليس الصانع الهندي الوحيد الذي يواجه هذه الحقيقة. تمت الموافقة على لقاح الحمض النووي المضاد لكوفيد التابع لشركة "زيديس لايف ساينسز" (Zydus Lifesciences) في أواخر العام الماضي، لكن الحكومة الهندية طلبت 10 ملايين جرعة فقط، بحسب المدير الإداري شارفيل باتيل في مكالمة أرباح عقدت الشهر الماضي، الذي أقر أيضاً بوجود "شكوك" بشأن المزيد من الفرص.

أوقف معهد الهند للأمصال (Serum Institute of India)، المورِّد الرئيسي للبلاد الذي أنتج ملياري جرعة من لقاح كوفيد العام الماضي، التصنيع في ديسمبر بعد تراجع الطلب، وفقاً لما قاله المدير التنفيذي، أدار بوناوالا في حلقة نقاش عُقدت في يناير الماضي.

لم يرد معهد الهند للأمصال، وهو مورِّد ضخم لمجموعة متنوعة من اللقاحات للعالم النامي، على الأسئلة وطلبات التعليق على مستويات إنتاج لقاحات كوفيد لدى الشركة.

قال روزنشتاين، إن "أحد الأسئلة الكبيرة التي ستظهر في المستقبل ستتعلق بما ينبغي فعله بكل هذه القدرة التصنيعية للقاحات في ظل تضاؤل الطلب. ربما لا يوجد طلب كافٍ على أي لقاحات أخرى ليكون هناك خيار قابل للتطبيق بالنسبة لكافة هذه المصانع".

محاولات التغلب على الهزيمة

بالإضافة إلى ذلك، قالت داتلا إن شركة "بيولوجيكال إي"، التي أسسها أجدادها في عام 1953 والتي تمد مؤسسات مثل اليونيسيف باللقاحات اللازمة في مرحلة الطفولة، قد تعيد استخدام خطوط الإنتاج المصممة لجرعات كوفيد.

أشارت داتلا إلى أن شركتها تأمل في إمداد مبادرة "كوفاكس"، التي ستحتاج إلى تجديد المخزونات التي أوشكت على الانتهاء، باللقاحات اللازمة.

بيد أن "بيولوجيكال إي" تحتاج أولاً للحصول على موافقة منظمة الصحة العالمية لنقل مثل هذه الشحنات، كما أن بيانات فعالية اللقاح لم تُنشر بعد. ولم تُقدم داتلا جدولاً زمنياً لإصدار الدراسة.

في الوقت نفسه، يبحث موردو اللقاحات الهنود الآخرين أيضاً عن فرص مبتكرة لإنتاج لقاحات أخرى بخلاف كوفيد.

قالت كيران مازومدار شو، رئيسة شركة "بيوكون" (Biocon)، في حوار مع تلفزيون "بلومبرغ" بداية هذا الشهر: "نعتقد أن لقاحات الإنفلونزا ولقاحات المكورات الرئوية واللقاحات المخصصة للأمراض المهملة الأخرى ستشكل جميعها فرصاً مهمة للغاية، وليس لقاحات كوفيد-19 فقط".

لقد أبرمت شركة "بيوكون" صفقة مع معهد الهند للأمصال خلال العام الماضي للحصول على 100 مليون جرعة لقاح بشكل سنوي.

في الوقت نفسه، يعمل بعض المطورين في أجزاء أخرى من العالم على تخليص أنفسهم من الهزيمة التي عانوا منها.

فقد أوقفت شركة "كالبي فارما" (Kalbe Farma) الإندونيسية العمل على جرعات كوفيد مع شركة "جينيكسين" (Genexine) الكورية الجنوبية هذا الشهر، مشيرة إلى وجود وفرة في المخزون. وتستهدف الشركة حالياً استخدام تقنية الحمض النووي في أنواع أخرى من اللقاحات.

رغم الضغوط الحالية، من المرجح أن تستمر الشركات في تسجيل طلب على الجرعات المُعززة أثناء سعيها لتحسين التلقيح الذي يفوق المنتجات الأولية.

قال غاري دوبين، رئيس وحدة اللقاحات في شركة "تاكيدا فارماسيوتيكال" اليابانية، إن كوفيد يبدو وكأنه يتطور إلى ما سيكون على الأرجح مرض مستوطن، ما يعني أنه من المحتمل أن يظل متواجداً.

مع ذلك، ما زال هناك تساؤلات حول ما إذا كانت هناك حاجة إلى جرعات مُعززة منتظمة وعدد المرات والمتحورات المحتملة التي "يمكن أن تغير الصورة سريعاً"، حسبما قال دوبين.