ارتفاع الأسعار بدأ يُغيّر ما نأكل

طبق من لحم الضأن يقدم في مطعم في نيويورك في الولايات المتحدة
طبق من لحم الضأن يقدم في مطعم في نيويورك في الولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ.
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بدأت مخاوف تداعي الطلب تتحقق فباتت مكونات الأطعمة مثل زيت الطهي والدجاج وما سواهما تبتعد عن متناول الأيدي باضطراد.


يقلص أصحاب المطاعم التي تحفّ الطرقات في الهند استخدامها لزيت النخيل إلى النصف متحولين إلى الوجبات الخفيفة المطهية على البخار. فيما يطالب أصحاب المخابز في ساحل العاج بخفض حجم الرغيف الفرنسي القياسي. كما تتجه أكشاك الوجبات السريعة في الولايات المتحدة لتخفيف شرائح اللحم المقدد في الشطائر وأفران البيتزا للشح في إكسائها برقائق الـببروني.

خطر المجاعة

كبّل نقص الإمداد الناجم عن الوباء الاقتصاد العالمي ويعاني الآن جرّاء غزو روسيا لأوكرانيا، فقد ارتفعت أسعار بعض المواد الأساسية مثل الخبز واللحوم وزيوت الطهي حول العالم، ما هزّ أسواق السلع وأضّر بالنظام الغذائي العالمي.

يمثل هذا تهديداً فعلياً بحدوث مجاعة في المجتمعات الأكثر عرضة للمخاطر، مثل اليمن، التي تستورد 90% من طعامها في خضّم صراع طاحن وتراجع بقيمة العملة. يثير ذلك في أماكن أخرى مخاوف حيال ما يسميه الاقتصاديون تداعي الطلب، وهي ظاهرة تحدث عندما تكون السلع باهظة الثمن لدرجة تفوق القدرة على شرائها.

قال جوليان كونواي ماكغيل، رئيس وحدة جنوب شرق آسيا في شركة الاستشارات "إل أم سي إنترناشيونال" (LMC International): "خزائن الناس خالية... سيضطر المستهلكون لتقليص معدلات استهلاكهم".

غلاء السلع عالمياً بدأ يدمر الطلب ويفاقم خطر الجوع

باتت الزيوت النباتية مكوناً لا يمكن الاستغناء عنه في المنازل وصناعة الخدمات الغذائية على حد سواء، حيث تستعمل بقلي الشعيرية الأسيوية سريعة التحضير، وهي ما تضفي الرطوبة على الكعكات وتعطي المعجنات هشاشة القوام. كان المصدرون يعانون نتيجة نقص العمالة والطقس السيء، ثمّ فاقم الهجوم على أوكرانيا اضطرابات في تجارة المحاصيل حول العالم ورفع أسعار اثنين من الزيوت الأكثر انتشاراً، وهما النخيل وفول الصويا، لمستويات قياسية. شرعت الحكومات بالتدخل والحد من الصادرات وضبط الأسعار وممارسة ضغوط شديدة على المحتكرين. لكن بات الناس مضطرين لخفض الاستهلاك، مع انتقال ارتفاع التكاليف إلى فواتير البقالة واقتراب موسم المهرجانات في آسيا.

زيت وبخار

قلّص راجو ساهو، 48 عاماً، الذى يعد الغذاء على جانب شارع في ولاية أوديشا شرق الهند، مشترياته اليومية من زيت النخيل إلى النصف وصولاً إلى 15 كيلوغراماً عبر تقليل بيع الوجبات الخفيفة المقلية والانتقال لتقديم مزيد من الأطعمة المطهية على البخار.

قال ساهو: "أُعدّ حالياً بين 300 و400 قطعة زلابية مقلية يومياً مقارنة مع نحو ألف فيما مضى... شرعت بإعداد كرات عجينة الأرز والعدس المطهية على البخار وأقراص عصيدة السميد المحشوة بالخضار لتوفير خيارات أكثر لزبائني".

تزايد نقص زيت الطهي العام الماضي، حيث هبط الإنتاج بشدة في ماليزيا، وهي ثاني أكبر منتج لزيت النخيل جراء استمرار تراجع العمالة. ثم دمر الجفاف محصول الكانولا في كندا وضرب حجم محصول فول الصويا في البرازيل والأرجنتين. كان المشترون يعولون على أن يردم الفجوة زيت عباد الشمس من أوكرانيا وروسيا، اللتين تمثلان معاً نحو 75% من واردات العالم منه، لكن الغزو بخر آمالهم.

تاجر مُخضرم يتوقع قفزة أسعار زيوت النخيل إلى 955 دولاراً

جاء رد فعل السوق سريعاً فصعدت أسعار زيوت الطهي الأربعة الأساسية، النخيل وفول الصويا وبذور اللفت وعباد الشمس، ومن المنتظر أن ينتقل الصعود في الأسعار للمتسوقين في صورة تكاليف أعلى لكل شيء بداية من الحلوى ووصولاً إلى الشوكولا. أضاف ماكغيل من شركة "إل أم سي" أن منطقتي أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا عرضة لتزايد معدلات الفقر، وقد يتداعي الطلب نتيجة ذلك فجأة لأن الشركات تستعمل كميات أقل من الزيت أو تخفض حجم إنتاجها في نفس الوقت.

رغيف مختصر

تطالب منظمة أصحاب المخابز في ساحل العاج بتقليص وزن الرغيف الفرنسي، الذي يحدد القانون سعره، نتيجة ارتفاع سعر القمح بسبب الحرب في أوكرانيا. قالت المنظمة في بيان يوم الجمعة، إنها تقترح تخفيض الوزن إلى 150 غراماً من 200 غرام حالياً.

قد تجعل تغييرات من هذا القبيل الاضطرابات الاجتماعية تلوح في الأفق، لا سيما في الهند، وفق رأي برايس دنلوب، المحلل الرئيسي لقطاع الطعام والشراب لدى "فيتش سوليوشنس" (Fitch Solutions)، الذي قال: "تمتلك الهند تاريخاً طويلاً من الاضطرابات المرتبطة بنقص المنتجات الغذائية الأساسية، وتعد الزيوت النباتية عنصراً أساسياً في عديد من المأكولات الهندية".

أزمة أوكرانيا وروسيا تهدد بزيادة أسعار الخبز عالمياً

كما رفعت الحرب من الصعود القياسي في أسعار الأسمدة، وهو ما سيزيد تكلفة الغذاء. يعتزم المزارع البرازيلي "زيلتو دوناديلو" تقليص استعمال الأسمدة بما يتراوح بين 30% و50% لدى زراعة المحصول الآتي من فول الصويا، وهو ما قد يخفض محصول في مزرعته، التي تبلغ مساحتها أربعة كيلومترات مربعة في شمال ولاية "ماتو غروسو" وسط الأراضي الزراعية لأكبر دولة إنتاجاً لفول الصويا. لم يشتر دوناديلو مغذيات المحاصيل الخاصة بالغرس في سبتمبر، لأنه كان يترقب تراجع الأسعار، بعدما صعدت العام الماضي، حين أتت لطمة اسعار المستهلك الجديدة نتيجة للغزو. زادت أسعار فول الصويا لكنها لم تكن بقدر يكفي لتغطية نمو التكاليف.

قال دوناديلو: "المخاطر عالية للغاية مقابل هامش ربح ضئيل".

تماشت خططه مع توصية من شركة "أبروسوجا" (Aprosoja)، وهي أكبر مجموعة زراعية في البرازيل. قال أنطونيو غالفان، رئيس "أبروسوجا": "لدينا أسمدة تختزنها التربة ويجب الاعتماد عليها في الأوقات التي تشهد اضطرابات من هذا النوع... كنا نقول للمزارعين ألا يشتروا أي شيء بأسعار استغلالية".

دجاج جائع؟

لا يتعلق الأمر بالمحاصيل فحسب. يملك جو فونتانا في شيكاغو وضواحيها 5 مطاعم دجاج مبهّر من سلسلة "فري ذا كووب" (Fry the Coop). زادت أسعار الدجاج منذ أن أغلق الوباء مصانع تعبئة اللحوم قبل عامين. ثّم رفع الجفاف في البرازيل متكالباً مع حرب أوكرانيا أسعار العلف، لترتفع أسعار الدجاج أكثر.

كان فونتانا قد بدأ بالتخلي عن استخدام الزيوت النباتية المصنوعة من البذور مثل الكانولا، تماشياً مع النظام الغذائي العصري الخاص بمجتمع "بتكوين". يقلي الدجاج والبطاطا باستخدام الدهن البقري فقط عوضاً عن الزيت، لكن سعر هذه الدهون زاد أيضاً في ظل متاعب المسالخ وتنامي الطلب على الدهون لإنتاج الوقود المتجدد.

ارتفاع أسعار الدجاج البرازيلي بسبب حرب أوكرانيا

قال فونتانا: "منذ يناير 2021، يبدو أن التكاليف تضاعفت تقريباً في كافة أنحاء القطاع". أوضح أن مكعب يزن 23 كيلوغراماً من دهون البقر كان سعره نحو 29 دولاراً على مدى أعوام، وارتفع حالياً إلى 56 دولاراً.

لقد رفع أسعار شطائر الدجاج عدة مرات، ويخطط لرفع الأسعار، وربما تبلغ أكثر من 10 دولارات. قالت له الزبائن إنها لذيذة، لكنها باهظة الثمن. قال"هناك حد لما يمكن أن تتقاضاه من الزبائن لقاء الوجبات السريعة... ما أخشاه هو أن تصل الأمور لنقطة يبلغ عندها سعر الشطيرة 15 دولاراً".

بدأ يعيد التفاوض حول كافة اتفاقاته مع الموردين لديه، وشرع بإنشاء مطبخ مركزي لإعداد أطعمة، مثل سلطة "كول سلو" لكافة مطاعمه. لأنه بالكاد يحقق ما يكفي لسداد تكاليف العمالة والغاز الطبيعي التي صعدت أيضاً بحدة.

لم تنجُ الأطباق المحببة الأخرى. قالت كريستين مكراكين، المحللة المتخصصة بمنتجات البروتين لدى شركة "رابو بنك" (Rabobank)، إن صناع البيتزا ربما يشرعون بتقليل شرائح الببروني التي يكسون بها البيتزا بمقدار النصف، وليس هذا كل ما هنالك. قالت: "أبق عينك على اللحم المقدد... سترى أصحاب المطاعم يقللون محتوى الشطيرة بمقدار شريحة".