ماذا ستفعل أسواق النفط إذا غاب عنها الطلب الصيني؟

إدمان النفط
إدمان النفط المصدر: بلومبرغ
David Fickling
David Fickling

David Fickling is a Bloomberg Opinion columnist covering commodities, as well as industrial and consumer companies. He has been a reporter for Bloomberg News, Dow Jones, the Wall Street Journal, the Financial Times and the Guardian.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كيف ستتأقلم أسواق النفط العالمية مع غياب الطلب من الصين؟ ربما هي على وشك اختبار مثل هذا الوضع.

كما هي حال كل سلعة على هذا الكوكب، كان للطلب الصيني على النفط تأثير كبير على مدى العقود القليلة الماضية، لكن الاستهلاك الصيني في مجمله يبدو أنه أقل مما هو بالنسبة إلى بعض المواد الأخرى، إذ يبلغ نحو 15% من الطلب العالمي، أي إنّ حصة الفرد من هذا الاستهلاك تعادل أقل بقليل من المتوسط العالمي، مقارنة بحصة تصل إلى 53% تقريباً من إنتاج الصلب على كوكب الأرض. ومع ذلك فإنه من ناحية النمو المتزايد تلعب الصين الدور الأبرز عالمياً، إذ حصلت على 41% من البراميل الإضافية التي جرى ضخها يومياً خلال الفترة الممتدة من عام 2009 إلى عام 2019.

اقرأ أيضاً: "نومورا": الاقتصاد الصيني يواجه أسوأ تباطؤ منذ بداية جائحة كورونا

اقرأ المزيد: الصين تجمع النفط الروسي الرخيص في الخفاء.. والهند تشتري المزيد

مخاطر متزايدة

يمثل ذلك مشكلة لكل من الصين والكوكب، فالنفط يتسبب بنحو ثلث الانبعاثات العالمية، ويأتي في المرتبة الثانية بعد الفحم على هذا الصعيد. لكن استخداماته التي تدخل في أكثر من مليار محرك ومصنع كيميائي حول العالم، تجعل عملية الاستبدال به أكثر صعوبة مما هي بالنسبة إلى الوقود الصلب، الذي غالباً ما يكون استخدامه في مراكز محددة. وبالتالي يُعَدّ الوصول في المدى القريب إلى ذروة استهلاك النفط شرطاً أساسياً لتجنب تغير المناخ المدمر.

اقرأ أيضاً: عملاقة النفط الصيني "سينوبك" تخطط لنفقات رأسمالية قياسية لتعزيز أمن الطاقة

حتى عند فصل الأضرار المناخية، نرى أن أضيق نقاط المصلحة الذاتية للصين تقع في الاتجاه ذاته. فالبلاد تعتمد على استيراد 73% من نفطها الخام. وفي أفضل الأوقات كان ذلك يمثل خطراً على أمن البلاد، إذ يستلزم وجود خطوط أنابيب عبر ميانمار وسيبيريا، ونشاطاً بحرياً في المحيط الهندي، وبناء جزر في بحر الصين الجنوبي. أما اليوم فإن الغزو الروسي لأوكرانيا وردّ فعل الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وحلفائها جعلا هذا الخطر أكثر واقعية. إذا نفّذت بكين تهديداتها بغزو تايوان فلن تواجه فقط الحظر الاقتصادي الذي تعاني منه روسيا، بل قد تنقطع عنها إمدادات الطاقة التي تحتاج إليها لتشغيل آلة الحرب والاقتصاد ككل.

تراجع الطلب

هناك توقعات بانخفاض الطلب الصيني على النفط هذا الأسبوع، حيث أدى فيروس "كوفيد-19" إلى إغلاقات في شنغهاي، وإلى تخفيض حوالي 200 ألف برميل يومياً من الاستهلاك، ما أعطى العالم لمحة بسيطة عمّا قد يبدو عليه الأمر. انخفض سعر خام برنت بنسبة 6.8% يوم الاثنين، وهو أكبر انخفاض يومي له منذ حوالي ثلاثة أسابيع، قبل أن ينخفض أكثر يوم الثلاثاء.

سيكون من الخطأ النظر إلى فترة الراحة المؤقتة هذه في ظل عطش الصين الشره للنفط، باعتبارها من الآثار غير المتكررة الناجمة عن الوباء. يمثل "أمن الطاقة" أحد الموضوعات الرئيسية لخطة بكين الخمسية الرابعة عشرة للطاقة التي صدرت الأسبوع الماضي، إلى جانب "الكفاءة". ويشمل المصطلح السابق كلاً من منع انقطاعات التيار الكهربائي، مثل تلك التي عانت منها البلاد في الخريف الماضي، وتقليل اعتماد الصين الشديد على النفط المستورد.

زيادة متواضعة في الإنتاج

لن يكون تقليص هذه الفاتورة سهلاً، إذ يبدو أن حقول النفط المحلية في الصين قد بلغت نقطة تناقص العوائد. لقد أنفقت شركات النفط المملوكة للدولة مبالغ هائلة مؤخراً، وخصصت شركة "بتروتشاينا" (PetroChina) في العام الماضي نفقات رأسمالية أكثر من شركة "أرامكو" السعودية، فيما وعدت شركة "تشاينا بتروليوم آند كيميكال" ( China Petroleum & Chemical)، أكبر شركة تكرير في البلاد، هذا الأسبوع، بزيادة النفقات الرأسمالية إلى مستوى قياسي يبلغ 198 مليار يوان (31 مليار دولار)، على أن تحصل نشاطات التنقيب عن النفط على حصة متزايدة من الإجمالي. ومع ذلك فقد ارتفع الإنتاج من كل هذا الإنفاق بشكل متواضع فقط. وفي ما يتعلق بالهدف المتمثل في 200 مليون طن متري من الإنتاج في عام 2025، فمن المرجح أن تسجل البلاد بشكل أساسي استقراراً عند المستويات الحالية.

هذا الوضع يترك الصين أمام خيار واحد فقط، ألا وهو التوفير، إذا كانت جادة بشأن تقليل اعتمادها على الوقود المستورد.

اعتماد كثيف على النفط

على هذه الجبهة كثير مما يجب القيام به، فكثافة النفط في الاقتصاد الصيني -كمية النفط الخام اللازمة لتوليد إنتاج بقيمة 1000 دولار- مرتفعة بشكل ملحوظ بالنسبة إلى بلد مكتظ بالسكان ويرزح تحت رحمة الواردات، إذ بلغت نحو 0.22 برميل في عام 2019. وقد تحسن هذا الرقم تدريجياً فقط خلال العقد الماضي، مع تخفيض الولايات المتحدة وروسيا لتعطشهم للنفط بوتيرة أسرع. إذا تمكنت الصين من مضاهاة المستويات الأخيرة في أوروبا الغربية عند نحو 4% من التحسن السنوي في كثافة النفط، فيمكن أن ينمو اقتصادها بنسبة 5% سنوياً على مدار العقد المقبل، دون زيادة الطلب على النفط بشكل ملحوظ.

الاعتماد على الواردات

تحتاج بكين إلى رفع سقف طموحاتها. تعِد الخطة الخمسية بإيصال مبيعات السيارات الكهربائية إلى 20% من مبيعات السيارات بحلول عام 2025، لكن من المحتمل بالفعل أن تتجاوز مبيعاتها نسبة ربع سوق سيارات الركاب في الصين هذا العام. تتوقع "سينوبك" (Sinopec) أن تصل طاقة التكرير إلى مليار طن في العام ذاته، ما يعني زيادة اعتماد البلاد على الواردات، نظراً إلى الأهداف المتواضعة نسبياً لإنتاج النفط المحلي.

عند الأحجام الحالية ومتوسط ​​السعر السنوي المتوقع عند 103 دولارات للبرميل لهذا العام، يُرجح أن يكون النفط بالفعل أكبر واردات الصين هذا العام، بقيمة 389 مليار دولار ليتجاوز حتى رقائق الكمبيوتر. يبدو الآن أن احتياطياتها النفطية الهائلة والسرية، التي امتصت براميل إضافية لسنوات، ممتلئة إلى حد ما.

يجب أن يكون إنهاء هذا الإدمان أولوية. لا تشكل شهية الصين الشرهة للنفط مجرد تهديد لكوكب الأرض، بل مخاطرة أيضاً للحكومة التي تعتمد شرعيتها على النمو الاقتصادي الذي لا يزال يعتمد بشكل كبير على النفط الأجنبي. وبالتالي يجب التعامل بحذر مع التوقعات بأن يستمر الطلب الصيني النهم لمواكبة زيادة الاستهلاك، على غرار ما حدث خلال العقد الماضي.