أستراليا توجّه رسالة "سيبرانية" إلى الصين بـ7.5 مليار دولار

استعداد على كل الجبهات
استعداد على كل الجبهات المصدر: غيتي إيمجز
Tim Culpan
Tim Culpan

Tim Culpan is a Bloomberg Opinion columnist covering technology. He previously covered technology for Bloomberg News.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

واقع أن أستراليا لا تتمتع بحدود برية ولديها أحد أطول السواحل في العالم يجعل غزوها أو الدفاع عنها أمراً مليئاً بالتحديات. لكن الإنترنت يغير تلك المعادلة، من خلال جعل الأمة أكثر عرضة للتهديدات في الفضاء الإلكتروني منها في ساحة المعركة. لذا فإن الحكومة تزيد جهودها لمواجهة أي تهديدات، مع اهتمام خاص على هذا الصعيد -كما هو واضح- بما قد يأتي من الصين.

يوم الثلاثاء في 29 مارس، كشفت أستراليا عن حزمة إنفاق جديدة تبلغ 10 مليارات دولار أسترالي (7.5 مليار دولار أمريكي)، مخصصة لمديرية الإشارات الأسترالية (Australian Signals Directorate) لمدة 10 سنوات، وهي زيادة هائلة لوحدة وزارة الدفاع المسؤولة عن استخبارات الإشارات والأمن السيبراني. وستساعد هذه الأموال الوحدة على مضاعفة حجمها، ومضاعفة قدراتها الهجومية ثلاث مرات. وقد جرى تخصيص 38 مليار دولار أسترالي أخرى لتعزيز قوة الدفاع في البلاد.

اقرأ أيضاً: قراصنة عمالقة رغم حداثة عهدهم

يطلق على الوحدة اسم "ريدسبايس" (REDSPICE) اختصاراً للكلمات التالية (المرونة، والتأثيرات، والدفاع، والفضاء، والاستخبارات، والسيبراني، والعوامل التمكينية). ويُعَدّ اختصار البرنامج هذا بمثابة تهكم فج على الصين. لكن هدفه واضح، إذ قالت مديرية الإشارات الأسترالية في بيان: "إن البرنامج يستجيب للظروف الاستراتيجية المتدهورة في منطقتنا، التي تتميز بالتوسع العسكري السريع، وتزايد السلوك العدائي، وارتفاع عدد الهجمات الإلكترونية".

اقرأ المزيد: سنغافورة تؤسس قوة عسكرية سيبرانية مع اشتعال حرب أوكرانيا

استمالة الناخبين

يأتي هذا الإعلان، وهو جزء من الميزانية السنوية لحكومة الحزب الليبرالي الأسترالي من يمين الوسط، قبل أقل من شهرين من دعوة رئيس الوزراء، سكوت موريسون، لإجراء انتخابات فيدرالية. وللبرنامج دلالات كثيرة حول الإشارة التي يريد موريسون إرسالها إلى بكين وناخبيه. يُنظر إلى فاتورة الإنفاق ككل -التي تتضمن تخفيضات في ضرائب الوقود، ومدفوعات نقدية تعطى لمرة واحدة للعائلات- على أنها محاولة يائسة من قِبل موريسون لشراء دعم الناخبين، وسط تراجع شعبيته. سيجري تمويل الفاتورة إلى حد كبير من خلال زيادة عائدات الضرائب، مدفوعة بارتفاع أسعار السلع الأساسية.

من الواضح أن موريسون يعتقد أن الناخبين يهتمّون بالتهديد الآتي من الصين، ويريد أن يظهر صرامته تجاه بكين. وسيستخدم ذلك ليظهر اختلافه عن "حزب العمل" من يسار الوسط، الذي تعرض لانتقادات بسبب ضعفه في السياسة الخارجية، وبسبب موقفه المقرّب من الحزب الشيوعي الصيني. يلعب الغزو الروسي لأوكرانيا أيضاً دوراً في موقف الحكومة في ما يتعلق بالأمن القومي، إذ أشار وزير الخزانة، جوش فريدنبرغ، في خطابه المتعلق بالميزانية، إلى أن "الحرب تستعر في أوروبا".

تعزيز القدرات الدفاعية

بشكل متزايد، باتت الشركات والمؤسسات الأسترالية أهدافاً لعمليات معظمها من الخارج، إذ أُلقي باللوم على قراصنة صينيين في هجوم فدية على الشركة المزودة للكهرباء "سي إس إنيرجي" (CS Energy)، وعلى مجموعة روسية يُزعم أنها وراء خرق للخدمات اللوجستية التي توفرها "تول غروب" (Toll Group). في العام الماضي، قالت راشيل نوبل، المديرة العامة لمديرية الإشارات الأسترالية، إنّ هجوماً واحداً كبيراً قد يكلف أستراليا 30 مليار دولار أسترالي و160 ألف وظيفة.

مع ذلك، فإن الإنفاق على القدرات الإلكترونية يُعَدّ أيضاً وسيلة ذكية للحكومة لشحذ دفاعاتها دون الظهور وكأنها تصعّد عسكرياً. في سبتمبر من العام الماضي أعلنت أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة عن اتفاقية أمنية ثلاثية تسمى "أوكوس"، تضمنت صفقة لمساعدة كانبرا في شراء غواصات تعمل بالطاقة النووية.

لكن الصين، وهي واحدة من أكبر أسواق التصدير الأسترالية، استنكرت بشدة هذه الخطوة، وقالت إن التحالف "يفاقم سباق التسلح".

من جهتهما، يكره موريسون ووزير دفاعه بيتر داتون إغضاب الصين، فالبلدان يعتمد كلاهما على الآخر، فلدى أستراليا الموارد الزراعية والطبيعية التي يحتاج إليها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ولدى الصين السيولة لشراء هذه المنتجات. لذلك تبحث كانبرا عن طرق لتكون صارمة مع بكين، من دون أن تبالغ في هذا الأمر.

مجاراة الحلفاء

إنّ تعزيز الأمن السيبراني والإعلان عن حزمة إنفاق ضخمة لدعمه يوفران تلك الفرصة، وفي الوقت ذاته يمثلان استجابة لحاجة حقيقية للغاية. كما أن ذلك يجعل أستراليا أقرب إلى مستوى الإنفاق الذي يتعهد به حلفاؤها الكبار لتعزيز قدراتهم، فقد اقترح الرئيس الأمريكي جو بايدن ميزانية قدرها 2.5 مليار دولار لوكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية التابعة لوزارة الأمن الداخلي العام المقبل، هذا بالإضافة إلى الإنفاق على الإنترنت من قِبل وكالات أخرى، بما في ذلك البنتاغون ومكتب التحقيقات الفيدرالي، علماً بأن الناتج المحلي الإجمالي لأستراليا يبلغ نحو خُمس ناتج الولايات المتحدة، ولذا فإن مخصصاتها المتزايدة تتراكم بشكل جيد.

لتحقيق هدفها، ستقوم الحكومة بالتجنيد بكثافة، وهي تخطط لإضافة 1900 موظف، بما في ذلك القراصنة والمتخصصون في اللغة وعلماء النفس. ومن خلال زيادة تركيزها على المهارات الهجومية تحرص كانبرا على شحذ قدرتها على الرد إذا تعرضت للهجوم.

مع وجود ميزانية قدرها 10 مليارات دولار أسترالي في متناول اليد، توجه أستراليا رسالة إلى منافسيها، مفادها أنها لن تقاتلهم على الشواطئ فحسب، بل على الإنترنت أيضاً.