سندات الشركات تفقد تريليون دولار.. ومشكلات سوق الدين قد تزيد

ناطحات السحاب في مدينة نيويورك التي تحتضن أضخم الأسواق المالية في العالم ويتخذها عديد من كبرى الشركات مقراً، نيويورك، الولايات المتحدة
ناطحات السحاب في مدينة نيويورك التي تحتضن أضخم الأسواق المالية في العالم ويتخذها عديد من كبرى الشركات مقراً، نيويورك، الولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يتأهب المستثمرون في ديون الشركات لمشكلات أكثر في المستقبل عقب فترة ربع سنوية مضطربة، إذ ما زالت المخاوف الاقتصادية قائمة، في حين أن نهاية الحرب في أوكرانيا قد تكون صعبة المنال.

تقلَّص مؤشر ديون الشركات الأكثر أماناً حول العالم بالفعل بمقدار 805 مليارات دولار إلى الآن منذ بداية السنة الجارية، في حين خسرت السوق العالمية لديون الشركات عالية المخاطر 236 مليار دولار، حسب بيانات جمعتها "بلومبرغ". يُعَدّ ذلك أكبر تراجع في القيمة منذ أن بدأ تدوين السجلات قبل ما يزيد على 20 سنة، عقب حالة من النهم للاقتراض مدفوعة بهبوط قياسي في تكاليف التمويل.

اقرأ أيضاً: لماذا تُعتبر خسارة 2.6 تريليون دولار في سوق السندات خبراً مفرحاً؟

يشكل التراجع أكبر خسارة في العائد الإجمالي منذ انهيار بنك "ليمان براذرز" للسندات ذات العائد المرتفع، وأسوأ أداء للسندات عالية المخاطر منذ بداية تفشي الوباء.

ما زالت سوق الائتمان العالمية تخضع لضغوط التضخم المتفشي، وهو ما سيجبر البنوك المركزية على زيادة أسعار الفائدة الأساسية، ما قد يسفر عنه تباطؤ اقتصادي. في هذه الأثناء يزيد الغزو الروسي لأوكرانيا المخاوف حيال مقدرة أوروبا على الوفاء بالاحتياجات الخاصة بها من الطاقة، ويزيد الاضطرابات التي وضعت سلاسل التوريد في وضع صعب فعلاً.

قال إبريل لاروس، رئيس إخصائيي وحدة الاستثمار في شركة "إنسايت إنفستمنتس" (Insight Investments)، التي تشرف على أصول بقيمة 867 مليار جنيه إسترليني (1.14 تريليون دولار): "نمتلك فعلاً كثيراً من الأمور التي يتوجب علينا التصدي لها". ومع الأخذ في الاعتبار أنه "من الممكن أن يجري حديث بلا نهاية وتقدم بسيط للغاية" بين المفاوضين الروس والأوكرانيين، "من الممكن أن يكون وضع رهان كبير على اتجاه معين مسألة غير حصيفة".

التوقعات لأوكرانيا

يقيّم حلفاء الناتو الذين تساورهم الشكوك حول ما إذا كان تعهد روسيا بخفض العمليات العسكرية في أوكرانيا يشكل نقطة تحوّل في الصراع أم أنه تحوّل تكتيكي فقط. ساهم وجود آمال في إحراز تقدم في المفاوضات في تسجيل فروق في عائدات الديون العالمية عالية العائدات دون المستويات التي تحققت آخر مرة قبيل الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير الماضي. حذّر رئيس وحدة استراتيجية الائتمان المختص بالولايات المتحدة وأوروبا في شركة "مورغان ستانلي" من أن هذا قد يكون إشارة، فيما ينتقل التركيز إلى تشديد السياسات لدى البنك المركزي.

كانت الخسائر تأتي من كل الجهات، خصوصاً في السوق عالية العائد التي تُعتبر أشد عرضة للصعود العالمي في عوائد السندات الحكومية مع تشديد البنوك المركزية سياستها النقدية. ويعود ذلك إلى المدة الزمنية الأطول للسندات، والاستجابة لحساسية الأسعار تجاه التغيرات في أسعار الفائدة.

صعدت عائدات سندات الخزانة الأمريكية والسندات الحكومية الألمانية لأجل 10 أعوام إلى أعلى مستوياتها منذ سنة 2019 وسنة 2018 على الترتيب. تجاوزت عائدات السندات الأمريكية لأجل سنتين مستوى السندات لأجل 10 أعوام لفترة وجيزة يوم الثلاثاء لأول مرة منذ سنة 2019، ما يشير إلى أن زيادة أسعار الفائدة من قِبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي من الممكن أن ينجم عنها ركود اقتصادي.

في هذه الأثناء ارتفعت علاوة مخاطر سندات الشركات فوق الديون التي من المفترض أنها تتمتع بالأمان، منذ بداية السنة حتى الآن. وفي حين قلبت فروق العائد جزءاً من نموها المحقق خلال الأسابيع الأخيرة، يتوقع المحللون معاودة الضغوط.

بالنسبة إلى أوروبا، تشكل السندات المُسعَّرة بأقل من قيمتها الأسمية حالياً ثلثَي سوق سندات اليورو ذات العائد المرتفع، بعد أن كانت تمثل نحو الربع في نهاية سنة 2021، وفقاً لبيانات جمعتها "بلومبرغ".

مخاطر متواصلة

ومع ذلك فإن ما يظهر أنه رخيص في الوقت الحالي من الممكن أن يصبح أرخص في وقت لاحق، خصوصاً أن المخاطر التي تسببت في وقوع خسائر خلال الربع الأول يبدو أنها ستتواصل.

قال غريغ فينيزيلوس، وهو محلل ائتمان في شركة "أكسا إنفستمنت مانجرز" (Axa Investment Managers)، التي تشرف على أصول بقيمة 887 مليار يورو: "تُعتبر توقعات فائض العائد على مدى 12 شهراً مقبلة من المستويات الحالية جيدة من الناحية التاريخية". وتابع: "لا يعني هذا عدم وجود هبوط أكثر، إنها نقطة انطلاق جيدة، لكن من الممكن أن تشهد تحسناً خلال الأسابيع القادمة. من الحصافة أن تبقى على حذر نوعاً ما".

لا شك في أن التراجعات الكبيرة في الأسعار أتاحت لبعض المستثمرين اقتناص ما يعتبرونه صفقات منخفضة التكلفة عند مستويات من فروق العائد لم نشهدها منذ بداية وباء كورونا.

قال إريك فانريس، مدير محفظة أصول في شركة "إريك ستوردزا إنفستمنتس" (Eric Sturdza Investments) التي تشرف على أصول بقيمة 1.7 مليار دولار: "نرى أن الديون من الدرجة الاستثمارية المقومة بالدولار فرصة شراء قوية، ومن المحتمل أن تكون أفضل فرصة وسط البيئة الحالية في حال فكرنا من منظور العوائد المتوقعة المعدلة وفقاً للمخاطر".

قال فانريس: "تضخمت الزيادة في فروق العائد بفعل ضعف السيولة النقدية". وتابع: "ستتحسن عندما يقتنص أناس أمثالنا الفرصة ويصبحون مشترين لهذه الفئة من الأصول".

منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا

يأتي مصرف "رابو بنك" ( Rabobank) الهولندي ومجموعة "سي إي زد" التشيكية (CEZ AS) من بين 14 مُصدِّراً جلبوا 18 شريحة في سوق الإصدار الأوروبية يوم الأربعاء، تبلغ قيمتها 8.23 ​​مليار يورو على أقل تقدير. يطرح المقرض الهولندي سندات إضافية من الفئة الأولى، وهي النوع الأشد خطورة من الديون التي تصدرها المصارف، في حين أعدت شركة توزيع الغاز التشيكية سندات ذات حجم قياسي مرتبط بالاستدامة.

• من المنتظر أن تتخطى أحجام الإصدارات الأسبوعية من سندات الشركات 24.3 مليار يورو، ومن المحتمل أن يتجاوز بذلك حجم الطرح منذ بداية العام 500 مليار يورو.

• لم تسدَّد مدفوعات مرتبطة بسندات مقومة بالفرنك السويسري من قِبل شركة السكك الحديدية الروسية، لأسباب تتعلق بالامتثال للقواعد، وفقاً لملفات الإيداع.

• دخلت شركة تعدين الذهب "بتروبافلوفسك" (Petropavlovsk) في محادثات مع شركات استشارات لعملية محتملة لإعادة هيكلة ديون عقب إلحاق البنك المقرض لها "غازبرومبانك" (Gazprombank) بقائمة الكيانات الموقع عليها عقوبات من قِبل المملكة المتحدة.

آسيا

صعدت سندات الشركات في آسيا، إذ يدرس المستثمرون احتمالات خفض التصعيد في حرب روسيا على أوكرانيا، فيما يعرض ثلاثة مقترضين أوراقهم المقومة بالدولار في سوق الإصدار في المنطقة يوم الأربعاء.

• قال تجار الائتمان إنّ فروق العائد على السندات من الدرجة الاستثمارية في المنطقة تراجعت بنحو 2 إلى 3 نقاط أساس على أقل تقدير، ما يجعلها تسجل أضيق مستوى منذ ما يزيد على شهر، حسب مؤشر "بلومبرغ".

• قد تسعر شركة "غرينكو ويند بروجيكتس موريشيوس" (Greenko Wind Projects Mauritius) سنداتها الخضراء ذات الحجم القياسي المقومة بالدولار اليوم، بالإضافة إلى شركة "ستيت غريد يوروب ديفيلوبمنت" (State Grid Europe Development) وشركة "إم آي إس سي كابيتال تو لابونا" (MISC Capital Two Labuan).

• رغم فترة الراحة الناجمة عن التراجع الأخير في سوق السندات، فإنّ بعض المحللين يحذر من أن هناك مشكلات إضافية قد تكون في انتظار أوراق الدَّين.

• يتعين أن ينتقل المستثمرون إلى مستويات أعلى في جودة الائتمان، إذ إنّ ظروف نقص السيولة ستترك إعادة التمويل أكثر صعوبة للشركات التي تحقق الحد الأدني من هوامش الأرباح، حسب بول لوكاشفسكي، رئيس وحدة ديون الشركات المختصة بمنطقة آسيا والمحيط الهادي في شركة "أبردن" (Abrdn) في سنغافورة.

منطقة الأمريكتين

كانت الشركات عالية المخاطر التي استفادت من سوق القروض الممولة باستخدام الرافعة المالية، التي تبلغ قيمتها 1.4 تريليون دولار، منعزلة بطريقة كبيرة عن صعود معدلات الفائدة قصيرة الأجل. في الوقت الحاضر هم على وشك أن يشعروا بالألم.

• قال رئيس استراتيجية الائتمان الأمريكية والأوروبية في شركة "مورغان ستانلي"، سريكانث سانكاران، إنّ انتعاش أسواق الأسهم والائتمان بفضل مشاعر التفاؤل حيال التقدم في محادثات وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا يُعَدّ بمثابة إشارة مؤقتة فقط.

• شهدت محاكم الإفلاس الأمريكية تقديم ثلاثة طلبات كبيرة خلال الأسبوع المنصرم، وهو ما يجعل شهر مارس الجاري أكثر شهور السنة الحالية اكتظاظاً حتى الآن في ما يتصل بحالات الإفلاس الضخمة.

الأمريكيتان - عائدات السندات الحكومية 10 سنوات