على أوروبا أن تفرض رسوماً على غاز روسيا بدل مقاطعته

ترددت ألمانيا بفرض حظر على غاز روسيا خشية أن يعاني اقتصادها بالتأقلم مع تبعات هذا الحظر

مقر شركة "غازبروم" الحكومية الروسية في برلين
مقر شركة "غازبروم" الحكومية الروسية في برلين المصدر: غيتي إيمجيز
Clive Crook
Clive Crook

Clive Crook is a Bloomberg Opinion columnist and writes editorials on economics, finance and politics. He was chief Washington commentator for the Financial Times, a correspondent and editor for the Economist and a senior editor at the Atlantic.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تتجادل حكومات أوروبا حول كيفية تشديد العقوبات الاقتصادية على روسيا، وتتمثل الفجوة الأساسية في نظامها العقابي باستمرارها في دفع أموال مقابل الغاز الروسي.

ترددت ألمانيا على وجه الخصوص بفرض حظر على غاز روسيا خشية أن يعاني اقتصادها بالتأقلم مع تبعات هذا الحظر.

يقترح علم الاقتصاد أسلوباً أفضل بكثير من ذلك: بدلاً من فرض حظر قانوني على الغاز الروسي ينبغي على أوروبا أن تجعله باهظ التكلفة.

ألمانيا: بوتين يتراجع عن طلبه بدفع ثمن الغاز بالروبل

إن تردد ألمانيا في تبني فكرة الحظر الشامل مفهوم، فهي تستورد تقريباً كل احتياجاتها من الغاز كما أن وارداتها الروسية تُشكل عادة نصف إجمالي تلك الاحتياجات، كما أنه مصدر طاقة يصعب استبداله مقارنة بالنفط أو الفحم لأن البنية الأساسية المرتبطة بهذه المصادر ثابتة نسبياً. رغم أن الشركات والمستهلكين يستطيعون أن يتأقلموا مع مرور الوقت عبر شراء وقود آخر أو الاقتصاد بالاستهلاك، فإن توقفاً مفاجئاً عن استخدام إمدادات الغاز من روسيا سيخفض إجمالي الناتج المحلي لألمانيا بما تراوح بين 2% و3%، وفق عدة تقديرات. قارن ذلك مع نسبة الانكماش التي تسببت بها الجائحة وبلغت نحو 4.5%.

رسوم عقابية

يدافع دانيال غروس من "مركز الدراسات السياسية الأوروبية" (Centre for European Policy Studies) عن قضية فرض رسوم مرتفعة بدلاً عن فكرة الحظر الشامل. سترفع الرسوم الأسعار على المستهلكين الأوروبيين، غير أنهم لن يضطروا إلى تحمل أعبائها كاملة، فستضطر شركة "غازبروم" لاستيعاب بعض زيادة السعر بهدف تعظيم أرباحها، ونتيجة ذلك أن تقتطع الرسوم جزءاً من الريع الذي تحصل عليه الشركة، وهو ينتج عن الفارق في الهامش بين ما تحصله الشركة من ثمن للغاز وتكاليف الإنتاج. تستطيع أوروبا بعدها أن تستخدم إيراداتها من هذه الرسوم لأغراض أخرى، منها تعويض المستهلكين عن الاضطرار لشراء الغاز بأسعار أعلى.

تفعيل خطة الطاقة الطارئة الألمانية يرفع أسعار الغاز في أوروبا

تُحسب النسبة النموذجية لهذه الرسوم على مرحلتين. أولاً احسب القيمة التي تعظم إلى أقصى درجة الفارق بين الإيرادات المحصلة والخسائر الاقتصادية التي تفرض على المستهلكين، ثانياً أضف إلى هذه القيمة عامل الرغبة في معاقبة روسيا إلى العامل الذي تتطلبه المعادلة الأولى بشكل يفيض عنه.

إليكم مثالاً على ذلك: لنفترض أن أوروبا مستعدة للتضحية بقيمة يورو واحد من صافي العوائد الاقتصادية مقابل زيادة العقوبات على روسيا بقيمة يورو واحد، فإن دانيال غروس يحسب نسبة الرسوم عند 60%.

حافز استغناء

إن ضريبة مرتفعة إلى هذه الدرجة ستصبح كافية لتخفيض دخل "غازبروم"، المورد الوحيد للغاز الروسي، بما يزيد على ثلاثة أرباع. أما نسبة انخفاض الكمية المستوردة من الغاز الروسي فستكون أصغر بكثير من ذلك، بما يحد من تأثير الصدمة الأولى على المستهلكين. ومع ذلك ستبلغ الإيرادات المحصلة مبلغاً يكفي لتعويض مستهلكي أوروبا. برفع تكلفة استخدام الغاز الروسي على المستهلكين، فإن هذه الضريبة سيترتب عليها حوافز طويلة المدى تدفع الناس للتحول إلى موردين آخرين.

الولايات المتحدة تبرم اتفاقاً لمساعدة أوروبا على استبدال وارداتها من الغاز الروسي

ما هو الدفاع الذي يناهض هذا الطرح؟ يصعب أن تجد شيئاً من ذلك، فصحيح أن الرسوم التمييزية من هذا النوع غير قانونية وفق شروط وقواعد منظمة التجارة العالمية، لكن قواعد المنظمة تنص على استثناء حالة تهديد الأمن القومي. يبدو أن حرب روسيا على أوكرانيا تندرج في هذا الاستثناء، ناهيكم عن تهديدها بالانتقام نووياً في مواجهة حلفائها. قد تلجأ روسيا لرفع دعوى تعويض، وتقدم نفسها في صورة المدافع عن القوانين والمبادئ الدولية، وهو ما سيكون أمراً مضحكاً على أقل تقدير.

انتقام روسي

الاحتمال الأكبر هو أن تنتقم روسيا عبر تعطيل الإمدادات، غير أن الأمور قد تسير بهذا الاتجاه دون أن تفرض أوروبا رسوماً، فقد طلبت روسيا من الاتحاد الأوروبي أخيراً سداد قيمة الغاز المستورد بالروبل، دعماً لعملة روسيا وتجنباً لعقوبات على بنكها المركزي.

رفضت أوروبا ذلك حتى الآن، وتدرس ألمانيا حالياً ترشيد استهلاك الغاز تحسباً لحظره من جانب روسيا وليس أوروبا.

الاتحاد الأوروبي يخطط للاستغناء عن الغاز الروسي خلال سنوات

إن فرضت أوروبا رسوماً عقابية ثم أوقفت روسيا الإمدادات ستتضرر ألمانيا وشركاؤها بالتأكيد لكن ما سيطالها لن يبلغ مقدار ما سيلحق بروسيا. ستكون خلاصة ذلك أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد فرض على نفسه عقوبات أقسى بكثير.

ما تزال القناة الرئيسية التي تسمح لروسيا بتجنب التأثير الكامل لعقوبات الحلفاء، وهي سوق الغاز، مفتوحة. ينبغي على أوروبا طالما استمر ذلك أن تدرس فرض الرسوم على الغاز وليس حظره، باعتبار ذلك أفضل طريقة من حيث التكلفة لضرب الاقتصاد الروسي.