"أوبك" تريد روسيا حليفاً نفطياً في السلم والحرب

أبراج تكسير البترول مضاءة في مصفاة البترول "لاك أويل نيزهيغورونفت اورغسينتز" التي تديرها "لاك أويل" في نيجني نوفغورود، روسيا
أبراج تكسير البترول مضاءة في مصفاة البترول "لاك أويل نيزهيغورونفت اورغسينتز" التي تديرها "لاك أويل" في نيجني نوفغورود، روسيا المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بالنسبة لتكتل "أوبك+" النفطي؛ فإنَّ الحروب هي أمر معتاد. وفي الواقع، الحروب بين أعضائه هي أمر طبيعي جداً.

ظلت إيران والعراق حليفين في "أوبك" برغم عدائهما خلال حرب 1980-1988. وجلس وزيرا نفط العراق والكويت على طاولة واحدة، حتى بعد غزو بغداد لجارتها عام 1990. واليوم تتحدّث السعودية وإيران عن النفط، حتى عندما تقول الرياض، إنَّ طهران ترعى الحوثيين اليمنيين الذين يستهدفون المملكة بالصواريخ.

وسط هذا النوع من التاريخ؛ فإنَّ أي توقُّع بأنَّ "أوبك" ستفكك ببساطة تحالفها النفطي مع روسيا بسبب الحرب هو قصر نظر. فبالنسبة لمجموعة منتجي النفط؛

ما تزال روسيا اليوم شريكاً أساسياً.

عندما سُئل سهيل المزروعي، وزير النفط الإماراتي، هذا الأسبوع عن سياسة العمل مع موسكو، قال: "لقد مررنا بذلك... لقد شهدنا حروباً".

كان وزير النفط السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان لاذعاً أكثر. إذ ردّ على سؤال حول كيفية وإمكانية الوثوق بموسكو في اجتماع "أوبك+" هذا الأسبوع، بإشارته إلى الهجمات الصاروخية الأخيرة على المملكة، بما في ذلك الهجوم الذي أصاب الأسبوع الماضي مستودع وقود تملكه "أرامكو" السعودية في جدة، متسائلاً: "أسألك: من كان يلقي علينا الصواريخ والقذائف؟ ... من يموّل، ومن يُدرِّب، ومن يمد هذه الأسلحة. إنَّه عضو في (أوبك)"، تاركاً بذلك الجميع يخمنون أنَّه كان يتحدث عن إيران.

هجوم صاروخي يستهدف محطتي توزيع منتجات بترولية في السعودية ولا إصابات

الرسالة كانت واضحة: إذا كانت السعودية تستطيع التحدث مع إيران؛ فبالتأكيد يمكنها التحدث إلى روسيا، التي هي في حالة حرب، لكن ليس مع المملكة.

العلاقة مع روسيا

كان ماضي "أوبك" مع الحروب مفيداً في تبرير سبب احتفاظ المنظمة بعلاقاتها مع موسكو. لكن هذا مجرد عذر سهل الاستعمال. تريد المملكة العربية السعودية بالتأكيد الحفاظ على العلاقة مع روسيا، التي تعتبرها المملكة أحد أكبر إنجازاتها الدبلوماسية. فإلى جانب تحسين العلاقات مع الصين؛ سمح التحالف مع موسكو للمملكة بإعادة التوازن إلى اعتمادها التقليدي على واشنطن.وهذا مفيد بشكل خاص في الأوقات التي تكون فيها الرياض والبيت الأبيض على خلاف في عدّة جبهات.

توفر روسيا أكثر من 11 مليون برميل يومياً من الإنتاج (أكثر من عُشر إنتاج النفط العالمي) للتكتل. كما تساهم دولتان أخريان من خارج "أوبك" تدوران في فلك موسكو - كازاخستان وأذربيجان - بمليوني برميل يومياً.

النفط الروسي يجد طريقه إلى الأسواق العالمية لتهدئة مخاوف الإمدادات

عملت المملكة أيضاً بجد لإقناع روسيا على توحيد الجهود. إذ أدركت السعودية منذ فترة طويلة أنَّه من دون روسيا، لن تعمل "أوبك"، كما أنَّ تدفق عوائد النفط الدولارية إلى الخزائن السعودية سيكون في خطر.

في مذكراته، قال علي النعيمي، الذي شغل منصب وزير النفط السعودي لمدة عقدين حتى عام 2016، إنَّ أحد مساعديه سأله في نوفمبر 2014 عن فرصة خفض روسيا للإنتاج. كتب حول ذلك: "رفعت يدي اليمنى، ووضعت علامة الصفر".

نصف إنتاج النفط العالمي

أوضح النعيمي أنَّه من دون روسيا، لم يكن لدى "أوبك" أي مستقبل في التحكم في أسعار النفط، إذ كتب "سوق النفط أكبر بكثير من مجرد (أوبك) ... إذا خفَّضنا نحن، المملكة العربية السعودية، أو (أوبك) ككل، الإنتاج دون مشاركة الأعضاء الرئيسيين من خارج (أوبك)؛ فسنضحي بالإيرادات، وكذلك حصتنا في السوق".

فشلت المملكة في جذب روسيا إلى شراكة حتى ديسمبر 2016، عندما أجرى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان شخصياً محادثات مع فلاديمير بوتين، ومهّد الطريق للتوصل إلى اتفاق. بانضمام روسيا؛ بات "أوبك+" الموسّع الآن يسيطر على أكثر من 50% من إنتاج النفط العالمي.

اليوم، يمكن لـ"أوبك" الاستغناء عن روسيا. إذ يتم تداول النفط أعلى بقليل من 100 دولار للبرميل. وغالباً ما تعاني السوق اليوم من نقص في النفط الخام.

لكنَّ دبلوماسية النفط تفكر على المدى الطويل. يعلم الجميع في المملكة العربية السعودية أنَّ النفط دوري. فالركود الاقتصادي المقبل، الذي قد يأتي قريباً في هذا العام، قد يدفع سوق النفط إلى فائض في المعروض. في الرياض، لا يعتقد أي أحد أنَّ النفط الإيراني أو الفنزويلي – وهما يخضعان الآن للعقوبات الأمريكية - سيبقيان خارج السوق إلى الأبد. قد تحتاج السوق نفسها التي تصيح اليوم للحصول على مزيد من العرض في النهاية إلى خفض الإنتاج.

متى حدث ذلك، تريد الرياض أن تكون روسيا إلى جانبها. فبعد أن أمضت سنوات في التودد إلى موسكو، لا يبدو أنَّ المملكة على وشك التخلي عنها. والسعودية بعيدة كل البعد عن كونها وحيدة. ما يزال لروسيا أصدقاء من البرازيل إلى الصين، ومن الهند إلى إندونيسيا.

الصين تجمع النفط الروسي الرخيص في الخفاء.. والهند تشتري المزيد

بالنسبة لـ"أوبك+"؛ فهذا يعني أنَّ التكتل لن يغير خططه. كما اتفق قبل أشهر، وبدعم من موسكو؛ ستضيف المجموعة، على الورق، أكثر من 400 ألف برميل يومياً كل شهر حتى سبتمبر. في الواقع، هي تضيف أقل من ذلك بكثير، خاصة أنَّ العديد من دول "أوبك+" غير قادرة على زيادة الإنتاج، كما ينخفض إنتاج روسيا الآن. لدى "أوبك" اتفاق مع روسيا حتى نهاية ديسمبر. وبعد ذلك؛ ستكون هناك حاجة للتفاوض بشأن اتفاق جديد.

لكي تنفصل السعودية وغيرها عن روسيا؛ فإنَّها ستحتاج إلى بديل أفضل، وحتى الآن لم يتم طرح أي بديل.