مخاطر تلاشي فاعلية سلاح احتياطي النفط الأمريكي

مصفاة تابعة لشركة "توتال" في بورت آرثر بولاية تكساس الأمريكية، يوم 24 أغسطس 2020. تواجه كمية النفط الضخمة التي سيتم سحبها من الاحتياطي الإستراتيجي الأمريكي، صعوبات كبيرة تتعلق برحلة الوصول إلى الأسواق العالمية
مصفاة تابعة لشركة "توتال" في بورت آرثر بولاية تكساس الأمريكية، يوم 24 أغسطس 2020. تواجه كمية النفط الضخمة التي سيتم سحبها من الاحتياطي الإستراتيجي الأمريكي، صعوبات كبيرة تتعلق برحلة الوصول إلى الأسواق العالمية المصدر: بلومبرغ
David Fickling
David Fickling

David Fickling is a Bloomberg Opinion columnist covering commodities, as well as industrial and consumer companies. He has been a reporter for Bloomberg News, Dow Jones, the Wall Street Journal, the Financial Times and the Guardian.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يتمتع الاحتياطي الإستراتيجي من النفط الأمريكي بسمعة في أسواق النفط، تشبه إلى حد ما تلك المعروفة عن القوات المسلحة الروسية، باعتبارها منافساً ضخماً ومخيفاً، ليس من الحكمة أن تشتبك معه.

تعرّضت هالة آلة روسيا العسكرية التي لا تقهر لضربة شبه قاتلة الشهر الماضي في الحقول الموحلة في أوكرانيا، ما يوجب على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الانتباه إلى احتمال انهيار سلاح الطاقة الأمريكي الأكثر قوة أيضاً.

اقرأ أيضاً: الولايات المتحدة تطلق أكبر سحب من احتياطي النفط الاستراتيجي في التاريخ

قالت مصادر مطلعة على الأمر لـ"بلومبرغ"، إن البيت الأبيض يدرس سحب نحو مليون برميل يومياً من الاحتياطيات الأمريكية من النفط الخام على مدار أشهر عدة، لكبح ارتفاع أسعار البنزين، بما قد يصل في مجموعه إلى سحب 180 مليون برميل.

الرقم غير عادي، حيث يعادل مليون برميل يومياً نحو 1% من الطلب العالمي الحالي على النفط، ما يكفي لتلبية معظم استهلاك اقتصادات بحجم أستراليا، وإيطاليا، وإسبانيا، وتايوان.

اقرأ المزيد: "أوبك+" يتمسك بخطته ويرفع إنتاج النفط بـ432 ألف برميل يومياً في مايو

يشبه سحب تلك الكمية – قد تعادل 6 أضعاف أكبر عملية سحب مباشر سابقة من احتياطي النفط الإستراتيجي، وفقاً لكيفية احتسابها – عملية الضغط على زر إطلاق السلاح النووي في أسواق النفط.

الضغط على الزر النووي

لكن ماذا يحدث إذا ضغطت على الزر النووي ولم يحدث شيء؟

يكمن الخطر دائماً، عندما تقرر نشر قوات احتياطي النفط الإستراتيجي. فالتدخلات لا تحمل نتائج مؤكدة، ومن المعروف أنه قد تتبعها زيادات في الأسعار عقب خفض المخزون. فقد ارتفع خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 18% منذ 23 نوفمبر، حتى قبل دخول الدبابات الروسية إلى أوكرانيا أواخر شهر فبراير، عندما تم وقتها سحب 50 مليون برميل لتهدئة أسواق النفط. وقد تراجعت الأسعار بعد ذلك بنسبة 6.3% لتبلغ 101 دولار للبرميل يوم الخميس، ولتعود إلى مستوياتها التي كانت عليها قبل مارس، عندما سجلت أعلى مستوياتها في 8 سنوات.

خفض المخزونات

لا ينبغي أن يكون ذلك مفاجئاً. فالاحتياطي الإستراتيجي من النفط لا يقوم بإنتاج النفط، لكنه تراكم كبير بشكل استثنائي من المخزون، وفي أسواق السلع، تقلص المخزونات دائماً ما يدفع الأسعار إلى الارتفاع. وبالتالي فإن بيع 180 مليون برميل من الاحتياطي الحالي سيخفض المخزون إلى 388 مليون برميل فقط، ليسجل أدنى مستوياته منذ عام 1984، ويزيد بالكاد على نصف الاحتياطي في حالة اكتمال المخزون. بينما تقلص مبيعات الاحتياطيات التي انتهى "الكونغرس" من إقرارها، احتياطي النفط الإستراتيجي، بمقدار مماثل خلال السنوات الخمس المقبلة. ومع سحب آخر إضافي لتلك السحوبات التي تم إقرارها، سيبدأ سلاح النفط الأمريكي في الضعف بشكل واضح.

لذلك، من المرجح أن يتم أي سحب عن طريق التبادل مثلما تم أثناء التدخل في نوفمبر، وليس البيع المباشر. وبموجب ذلك التبادل، يتعين على مصافي التكرير الالتزام برد البراميل التي حصلت عليها في السنوات المقبلة، بالإضافة إلى العلاوة في شكل خام إضافي. ورغم ذلك، لدى تلك التبادلات سجل أسوأ من البيع، لأنها تسحب النفط الخام من السوق على المدى الطويل أكثر مما تضيف إليه، حيث تسبب واحد من تلك البرامج لتعزيز إمدادات زيت التدفئة أثناء الولاية الأولى لإدارة الرئيس جورج دبليو بوش في النهاية، بزيادة أسعار النفط بنحو 8.5%، وفقاً لدراسة أجراها "الاحتياطي الفيدرالي في دالاس" عام 2019.

إنتاج النفط الصخري

التحدي الأكبر أمام واشنطن يتمثل في أن الاحتياطي الإستراتيجي من النفط ليس اللاعب الوحيد في هذه الدراما، أو أقوى عامل مؤثر فيها. فهناك 6 من منتجي النفط الأمريكي وحدهم، ينتجون ما يقرب من مليون برميل يومياً. وتتوقع "إدارة معلومات الطاقة" زيادة الإنتاج من حقول النفط الأمريكية بنحو 400 ألف برميل يومياً هذا العام، ومليون برميل خلال العام المقبل، ولكن في حال أخذ منتجو النفط الصخري الحساسون للسعر في الاعتبار المنافسة مع مبيعات الاحتياطي الإستراتيجي الحكومي، فمن المتوقع تراجع تلك الأرقام مرة أخرى، لأنهم سوف يخفضون الإنتاج. في الوقت ذاته، تسعى السلطات التشريعية في الولايات المتحدة إلى إقرار تخفيضات في الضرائب على البنزين، والتي ستزيد من الطلب على النفط، في خطوة تهدد بتقليص تأثر الأسعار بأي زيادة محتملة في المعروض.

يبقى التساؤل الأكبر، هو كيف يستجيب اللاعبون في الخارج؟ حيث من المتوقع أن يتم طرح كمية كبيرة سيتم سحبها من احتياطي النفط الإستراتيجي الأمريكي في الأسواق العالمية، رغم ما يواجه تلك الكمية من صعوبات متعلقة برحلة الوصول إلى الأسواق العالمية عن طريق عبور خطوط الأنابيب، والمصافي، ومشكلات اختناقات الموانئ على طول ساحل الخليج الأمريكي.

موقف "أوبك+"

إذا كان لهذه الخطوة تأثير إيجابي في خفض تكاليف النفط الخام، فلن يحظى ذلك بقبول أعضاء "أوبك+"، الذين استفادوا من ارتفاع الأسعار وتعزيزها لأوضاع الحكومات المالية التي تم استنفاد خزائنها، حيث تراجعت زيادات الإنتاج التدريجية للتحالف من أدنى مستوياتها الوبائية، عن المستويات المستهدفة العام الماضي. لكن ذلك الفارق في الواقع، أقل بكثير من مليون برميل يومياً التي سيتم سحبها من احتياطي النفط الإستراتيجي.

تفاقم ذلك العجز منذ أن غزت روسيا - إحدى أكبر الدول المنتجة - أوكرانيا، ما وضع 4.5 مليون برميل يومياً من صادراتها تحت رحمة تنفيذ فوضوي للعقوبات، لكن وزراء "أوبك" لم يهتموا كثيراً بمساعدة واشنطن، وإلحاق الضرر بموسكو، من خلال الإسراع بوتيرة زيادة الإنتاج.

نظرياً، يمكن أن يزداد إنتاج "أوبك+" بنحو 3 ملايين برميل يومياً بحلول أكتوبر، مقارنة بالمستويات الحالية، مع انتهاء البرنامج الحالي، ولكن لا يوجد ما يمنع التحالف من تقليص ذلك الرقم بشكل أكبر للرد على ذلك التدخل غير المسبوق من واشنطن.

إذا قررت "أوبك" الرد على خدعة الرئيس جو بايدن، قد تصبح هيمنة واشنطن على أسواق الطاقة في خطر، لم تشهده منذ السبعينيات، حيث ستشبه الإمبراطور العاري في حالة توجيه سلاح الاحتياطي ليصل إلى نصف مستوياته في حالة التخزين الكامل.