خرق الصين للعقوبات المفروضة على روسيا سيكون حماقة

شي جين بينغ، خلال إحدى جلسات مجلس الشعب الصيني. يتعين على أي مسؤول تنفيذي صيني أن يتذكر أن أي مخالفة لقواعد العقوبات من أي شركة قد يلحق ضرراً بالصين كلها
شي جين بينغ، خلال إحدى جلسات مجلس الشعب الصيني. يتعين على أي مسؤول تنفيذي صيني أن يتذكر أن أي مخالفة لقواعد العقوبات من أي شركة قد يلحق ضرراً بالصين كلها المصدر: غيتي إيمجز
Tim Culpan
Tim Culpan

Tim Culpan is a Bloomberg Opinion columnist covering technology. He previously covered technology for Bloomberg News.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يوجد عديد من الطرق التي يمكن من خلالها لأي شركة صينية أن تتفادى العقوبات الأمريكية وتزوِّد روسيا بمنتجات تكنولوجية. يمكنها مثلاً إخفاء الواردات الأمريكية عن طريق موردين من أطراف ثالثة، أو إجراء المعاملات عن طريق شركات وهمية لإخفاء المصدر والوجهة، أو إنشاء مخططات تفصيلية لإخفاء البيانات من المدققين القانونيين. لكن تلك المحاولات سوف تكون مجرد حماقة، ويُرجح أن تتدخل الصين بنفسها لمنعها.

سارعت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى التحرك بعد غزو موسكو لأوكرانيا، إذ قادت واشنطن تحالفاً يضم أكثر من 30 دولة، لوقف توريد السلع والخدمات الأمريكية، أو تلك التي تستخدم التكنولوجيا أو معدات الإنتاج الأمريكية إلى روسيا، إضافة إلى حزمة من القيود المالية لعزل روسيا عن الأنظمة المصرفية العالمية.

اقرأ أيضاً: الولايات المتحدة تفرض عقوبات جديدة على مشرّعي روسيا وقطاع الدفاع

يمكن لروسيا أن تتأقلم لفترة قصيرة مع هذا الوضع، لكن في ظل استمرار حربها في أوكرانيا وسريان العقوبات لن تنفد في النهاية المكونات اللازمة لبناء أسلحة ومعدات عسكرية فحسب، بل ستنفد أيضاً المكونات اللازمة لتشغيل الخوادم والشبكات التي يستخدمها المدنيون.

قد تميل الشركات الصينية إلى ملء الفراغ. قالت الصين هذا الأسبوع إنّ علاقة بكين وموسكو قوية، و"لا يوجد سقف" لتعاونهما، وإنّ الدولتين متّحدتان في ازدرائهما لما يعتبرانه إمبريالية غربية، وقد تبدو مساعدة صديق عن طريق شحن بعض الرقائق الأمريكية، أو أجهزة الكمبيوتر التي تحتوي عليها، بمثابة لفتة ودّية وربما مربحة.

اقرأ المزيد: إمدادات روسيا بالرقائق في خطر من الدفع الأمريكي لفرض عقوبات

يضاف إلى الطرق التي ذُكرت أعلاه لإخفاء سلسلة التوريد الخاصة بها، أنه يمكن لشركة صينية كبرى أيضاً تضليل المصارف التي تتعامل معها، أو استخدام شركات توظيف خارجية، لتوظيف مهندسين في البلد المستهدف، أو ببساطة تدّعي أن الشركة التابعة لم تكن أكثر من شريك تجاري، وبالتالي لا تخضع لحظر الولايات المتحدة.

فضح الانتهاكات

نحن نعلم جيداً مخططات انتهاك العقوبات المختلفة، التي تمثل الطريقة التي تتجنب بها شركتا الإلكترونيات "زد تي إي" (ZTE) و"هواوي تكنولوجيز" (Huawei Technologies) للقيود المفروضة على المبيعات لإيران. ولكن جرى فضحهما، وكانت العقوبات شديدة، إذ تعرضت شركة "زد تي إي" في مارس 2017 لغرامة قدرها 1.2 مليار دولار، ومُنعت من شراء المكونات الأمريكية اللازمة لصنع عديد من منتجاتها. وقد اضطرت الشركة إلى تعليق عملياتها، وإقالة مجلس إدارتها، والاستبدال بفريق الإدارة التنفيذية، فيما تسبب ذلك في تراجع الإيرادات، وما زالات الشركة تعاني منذ ذلك الحين، لتعويض خسارتها.

اقرأ أيضاً: أرباح "هواوي" تقفز 76% بدعم من إصلاحات تفادي آثار العقوبات الأمريكية

كذلك أظهرت "هواوي" هذا الأسبوع مدى الضرر الذي يمكن أن يقع عليها بسبب العقوبات، إذ مُنعت من شراء رقائق الاتصالات والحوسبة الضرورية لتشغيل أحدث هواتف وشبكات الجيل الخامس، واضطرت الشركة التي يقع مقرها في شنزن إلى خفض الإنتاج، ما تسبب في انخفاض المبيعات 29% العام الماضي، وانخفاض الإيرادات المحلية 31%، الأمر الذي يعكس الحقيقة البسيطة بأنه لا يمكنك بيع ما لا يمكنك صنعه.

خطر كبير

يتعين على أي مسؤول تنفيذي صيني يفكر في المخاطرة والالتفاف على العقوبات الروسية أن يتذكر أمرين: الولايات المتحدة تعمل جيداً للتصدي للمخالفين، والعقاب يمكن أن يضر الصين كلها، لا الشركة فقط.

كان الرئيس الأمريكي جو بايدن صريحاً عندما كرر تحذيره هذا الأسبوع للرئيس الصيني شي جين بينغ قائلاً: "سيضع نفسه في خطر كبير" إذا ساعد نظيره الروسي فلاديمير بوتين. وقد رفضت الصين ادعاءات محاولتها تجاوز العقوبات، رغم تأكيدها معارضتها. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وين بين، في إفادة صحفية دورية في بكين هذا الأسبوع: "لقد كان في التعاملات التجارية مع روسيا أضرار غير ضرورية، بما في ذلك بين الصين وروسيا".

ما يميز تلك الجولة من العقوبات هو التحالف الكبير الذي شكّلته واشنطن لفرضها. لديها الآن عشرات الحكومات التي جرى إطلاعها على القواعد وما يجب البحث عنه. ستكون تلك الحكومات بدورها بمثابة عيون وآذان حول العالم. وقد عُقدت جلسات إعلامية مع مجموعات الصناعة وغرف التجارة في دول آسيوية مثل سنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية والصين.

قواعد معروفة

حتى لو اختارت تلك الدول عدم الإبلاغ فإن بكين تعرف القواعد جيداً، وقد التقى ممثلو وزارة التجارة الصينية نظراءهم في واشنطن بعد فترة وجيزة من إعلان العقوبات. وقال ماثيو بورمان نائب مساعد وزير التجارة الأمريكي إنّ لدى الولايات المتحدة ملحقين في دول أجنبية لمراقبة الصادرات، ومن المرجح أن تبلغ الشركات نفسها إذا شعرت بأن آخرين في سلسلة التوريد لا يتبعون القواعد.

بالتالي فإن فرص اكتشاف التحايل على العقوبات ليست فقط أكبر من أي وقت مضى، ولكن أيضاً لدى بكين مصلحة راسخة في ضمان عدم انتهاك أي شخص للقواعد.

ينطبق الحظر على المكونات والأجهزة والبرامج والمعدّات اللازمة لمنتجاتها، فبينما تسعى الصين جاهدة إلى الاستغناء عن الرقائق التي تصنعها شركات "إنتل" (Intel) و"كوالكوم" (Qualcomm) و"إنفيديا" (Nvidia)، لا تزال بحاجة إلى برامج من شركات "سينوبسيس" (Synopsis) و" كادنس ديزاين سيستمز" (Cadence Design Systems)، بالإضافة إلى أدوات من شركتَي "أبلايد ماتيريالز" (Applied Materials) و"لام ريسيرش" (Lam Research)، إذ يخضع أي منتج يجري تصنيعه باستخدام مدخلات هذه الشركات للحظر.

أهمية الامتثال

قد يستغرق الأمر أكثر من عقد من الزمن قبل أن تتمكن بكين من استبدال سلسلة التوريد الخاصة بالتصميم والتصنيع بالكامل. وعدم تمكنها من الوصول إلى تلك السلسلة الآن سيكون كارثياً، وهذا احتمال حقيقي. فإذا جرى العثور على أي شخص يخالف العقوبات على روسيا، وجرى التأكد من مساعدة وتحريض بكين، فقد تضطر واشنطن إلى توسيع عقوباتها، وبدلاً من مجرد منع المبيعات إلى روسيا للمنتجات التي تستخدم التكنولوجيا الأمريكية، يمكن أيضاً منع وصول الشركات الصينية إليها.

سوف يتسبب ذلك في تأخر كبير لمسيرة الصين نحو الاستقلالية في مجال التكنولوجيا. الخطوة الذكية لبكين الآن هي الامتثال للعقوبات، والتأكد من أن شركاتها تفعل ذلك أيضاً. فمساعدة صديق، وتحقيق ربح سريع، لا يستحقان التضحية بخطة الأمّة طويلة المدى لأن تصبح قوة تقنية عالمية يمكن أن تقف على قدميها.