جيروم باول رئيس الإحتياطي الفيدرالي المصدر: بلومبرغ

لا أحد يفهم أسعار الفائدة الحقيقية

تأثير الاحتياطي الفيدرالي في أسعار الفائدة الحقيقية أقوى في عصرنا مما كان عليه في أزمنة مضت

Tyler Cowen
Tyler Cowen

Tyler Cowen is a Bloomberg Opinion columnist. He is a professor of economics at George Mason University and writes for the blog Marginal Revolution. His books include “The Complacent Class: The Self-Defeating Quest for the American Dream.”

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كلما حاولتُ فَهْم الاقتصاد الكلي وجدت نفسي أحياناً ألوذ بمقولة مفضلة لديَّ هي: "كل الطروحات حول أسعار الفائدة الحقيقية مغلوطة".

لنعرّف بداية سعر الفائدة الحقيقي: إذا أُعلن أن سعر الفائدة طويل الأجل 6% مثلاً فهو يعني سعر الفائدة الاسميّ طويل الأجل، ويكون سعر الفائدة الحقيقي هو ناتج تعديل هذا الرقم لاحتساب أثر التضخم. إذا بلغ التضخم 4% يصبح سعر الفائدة الحقيقي طويل الأجل هو 6% مطروحاً منها 4%، أي 2%. كل ما هو أعمق من هذا التعريف تقريباً مشوّش.

بطء البنك المركزي وإمكانية توقع سياسته لهما ثمن

انخفض عجز الموازنة في الولايات المتحدة في تسعينيات القرن الماضي، نتيجة سلسلة من زيادات الضرائب وتقليص الإنفاق الفيدرالي سعياً إلى تحقيق عدة أهداف: ضبط الموازنة العامة، وتخفيض أسعار الفائدة الحقيقية، وتشجيع استثمارات القطاع الخاص. بدا أن جميع هذه الأهداف قد تحققت، فأصبح الاقتصاديون واثقين إلى حد بعيد بأنهم فهموا أسعار الفائدة الحقيقية وأشياء أخرى عديدة.

للأسف لم يحدث ذلك. منذ تولى بيل كلينتون رئاسة الولايات المتحدة عانت البلاد عجزاً كبيراً في الموازنة العامة وتراكمت عليها ديون حكومية بتريليونات الدولارات، منها وأحدثها الديون الناتجة عن جائحة كورونا. رغم ذلك واصلت أسعار الفائدة الحقيقية انخفاضها، وغالباً ما هبطت ما دون الصفر، خصوصاً قصيرة الأجل، فيما كانت النظرية الساذجة تتنبأ بارتفاعها.

مبدأ الطلب

قانون الطلب مبدأ محوري في علم الاقتصاد، فإذا ارتفعت أسعار التفاح انخفض الطلب عليه. عندما ترتفع أسعار الفائدة الحقيقية فليس واضحاً أن الطلب على الاستثمار ينخفض، حتى وإن جرى تعديل الأرقام بحساب تأثير الأسباب المحتملة وراء تغير أسعار الفائدة الحقيقية من الأساس.

يطرح ذلك سؤالاً عميقاً: إذا لم ينطبق قانون الطلب هنا، فإلى أي درجة نحن نفهم الاستثمار وأسعار الفائدة الحقيقية من حيث المبدأ؟

إجراءات الاحتياطي الفيدرالي لا تتماشى مع خطاب باول للأسواق

يزيد هذا اللغز تعقيداً. شهد علم الاقتصاد سجالاً ممتداً حول مدى قدرة الاحتياطي الفيدرالي عبر سياسته النقدية على التأثير في أسعار الفائدة الحقيقية. توصلوا بعد بحوث مكثفة وواسعة إلى نتيجة مفادها أن الاحتياطي الفيدرالي يستطيع أن يؤثر فعلاً بشكل هامشي عبر زيادة السيولة في الأسواق. لكن يبلغ هذا التأثير من الضآلة حداً يبرر المجادلة إحصائياً حيال وجوده من حيث الأساس.

يبلغ سعر الفائدة الفيدرالية الحقيقي رغم ذلك راهناً مستوى منخفضاً هو -4%، استناداً إلى مقياس معدل التضخم الأساسي. لا يشك أحد في أن سياسة التوسع النقدي من بنك الاحتياطي الفيدرالي، التي تسببت في ارتفاع كبير في التضخم، هي عامل رئيسي وراء ذلك التحول. بمعنى آخر، إنّ تأثير الاحتياطي الفيدرالي في أسعار الفائدة الحقيقية أقوى بكثير في عصرنا الراهن مما كان عليه في أزمنة مضت.

لكنها تشهد مزيداً من التدهور. لم يتصور معظم المراقبين أن تنخفض أسعار الفائدة المتوقعة قصيرة الأجل وأن تظل عند مستوى -4%، فما مبرر الاحتفاظ بتلك الأصول من الأساس؟ ليست لديّ إجابة حقيقية عن هذا السؤال.

هيكل معكوس

أصبح هيكل أسعار الفائدة بالآجال مؤخراً هيكلاً معكوساً، بمعنى أن أسعار الفائدة قصيرة الأجل أعلى من أسعار الفائدة طويلة الأجل. قد تناقش الاقتصاديون على مدى عقود حول ما إذا كانت هذه الحال تعتبر علامة مفيدة في التنبؤ بركود الاقتصاد. يتمثل الأساس النظري لذلك في أن انخفاض أسعار الفائدة طويلة الأجل يعني أن الطلب على الاستثمار مستقبلاً سيصبح منخفضاً، وهي علامة تشاؤمية. تتسم البيانات الحالية بالغموض والإبهام رغم ذلك، إذ إنّ الأمر لا يقتصر على صعوبة التنبؤ غالباً بأسعار الفائدة الحقيقية، بل إن هذه الأسعار نفسها لا تعتبر دلائل واضحة بحد ذاتها.

الاحتياطي الفيدرالي يعتمد على التخمين في تحديد أسعار الفائدة

كذلك هناك نسخ عالمية من هذه الألغاز، فالبلاد التي تكون فيها أسعار الفائدة الحقيقية موجبة ومرتفعة نجد فيها أسعار الصرف الحقيقية أقوى من المستوى الذي قد تتوقعه المعايير النظرية. عندما يتعلق الأمر بأسعار صرف العملة، تصبح أسعار الفائدة الحقيقية أداة أقوى من المتوقع رغم أن تأثيرها عندما يتعلق الأمر بالاستثمار أضعف بكثير. هذه الألغاز لا تزال بلا حل.

التساؤل حول وجود هذا العدد الكبير من الألغاز التي تحيط بأسعار الفائدة الحقيقية مهم. يعزو بعض الآراء ذلك إلى طريقة قياس هذه الأسعار، ومثال ذلك أننا لو افترضنا أن كل شخص يواجه معدل تضخم يختلف عن الآخر، استناداً إلى أنماط الإنفاق والاستهلاك المختلفة، فقد لا تعكس أسعار الفائدة الحقيقية الناتجة عن القياس تلك الأسعار الحقيقية الفعلية التي يواجهها الأفراد. الاحتمال الآخر هو أن مفهوم أسعار الفائدة نفسه مفهوم يختلط على الناس، وأن صعوبة إدماج أسعار الفائدة المستقبلية المتغيرة وأخذها في الحسبان عند اتخاذ القرار هي أكثر اختلاطاً وغموضاً من هذا المفهوم.

قد ينبغي عليّ أن أعدّل مقولتي المفضلة بعض الشيء: ليست كل الطروحات حول أسعار الفائدة الحقيقية مغلوطة. يبدو واضحاً على سبيل المثال أن أسعار الفائدة الحقيقية في الولايات المتحدة كانت تهبط بوجه عامّ على مدى القرن الماضي، لكن ماذا عن لاحقه؟ إن سمعت عبارة "أسعار الفائدة الحقيقية" فعليك أن تختبئ أو حتى أن تمضي مبتعداً عنها مهرولاً.