هل يدفع "الجنون" أو "اليأس" بوتين لقطع الغاز عن أوروبا؟

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. إذا اتخذ بوتين قراراً بقطع إمدادات الغاز، قد يكون ذلك علامة على الإحباط والقنوط
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. إذا اتخذ بوتين قراراً بقطع إمدادات الغاز، قد يكون ذلك علامة على الإحباط والقنوط المصدر: بلومبرغ
Liam Denning
Liam Denning

Liam Denning is a Bloomberg Opinion columnist covering energy, mining and commodities. He previously was editor of the Wall Street Journal's Heard on the Street column and wrote for the Financial Times' Lex column. He was also an investment banker.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

منذ أن أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته على أوكرانيا، شاعت آراء معقولة إلى حد ما، تشكك في صحته العقلية. ربما أميل إلى الموافقة على مثل هذه الآراء إذا استمر بوتين في تهديداته وقام بقطع إمدادات الغاز الطبيعي عن أوروبا.

إن غزو أوكرانيا عمل فظيع، وغير عقلاني أيضاً. فحتى لو كان أداء القوات الروسية أفضل، فإن الثمن الذي ستدفعه روسيا من الناحية الاقتصادية وحده يبدو أنه يتجاوز كثيراً المكاسب الناجمة عن الشروع في احتلال بلد مجاور كبير، احتلالاً يستنزف الموارد ويستغرق وقتاً طويلاً.

اقرأ أيضاً: على أوروبا أن تفرض رسوماً على غاز روسيا بدل مقاطعته

مع ذلك فإن بوتين وآخرين من حوله، يرون المسألة مختلفة بلا شك. فمن وجهة نظرهم، روسيا قوة عالمية يحيط بها أعداء متطرفون وأصدقاء أعداء مثل الصين. ولديها ثروة تعدينية هائلة وقوة عسكرية كبيرة، غير إنها تعاني أيضاً من جوانب ضعف اقتصادية وديمغرافية متوطنة. وضرورة التوسع في حدودها كوسيلة للدفاع عنها، تعود في الزمن على الأقل إلى عهد الإمبراطورة كاثرين العظمى. علاوة على أن بوتين لم يواجه عواقب تذكر على مغامراته السابقة. أضف إلى ذلك، افتراضاً خاطئاً بأن كل من يتحدث الروسية يحن إلى الوطن الأم، حتى تكتشف أن توظيف كل القدرات والمراهنة بكل شيء الآن، يبدوان خياراً سياسياً صائباً.

اقرأ المزيد: خطة الروبل مقابل الغاز تكشف سبب استبعاد "غازبروم بنك" من العقوبات

من الواضح أن الحرب لا تسير وفق الخطة التي وضعها الكرملين. كذلك، أظهر الغرب درجة من التصميم أعلى من الإشارات التي توحي بها ردود الفعل على شطحات بوتين السابقة.

هذه المشكلات، متواكبة مع رؤية بوتين العامة، تساعد في تفسير، لماذا قد يخاطر بجلب مزيد من الأضرار على روسيا، عبر التهديد بوقف مبيعات الغاز الطبيعي.

الدفع بالروبل

جاء التهديد هذا الأسبوع على صورة المطالبة المتكررة بأن يدفع الأوروبيون ثمن الغاز بعملة الروبل بدلاً من اليورو أو الدولار. في هذه المطالبة زاوية تتعلق بالسياسة النقدية، أي إجبار مشتري الغاز على بيع العملة الصعبة وشراء الروبل المأزوم. لكن الدافع الرئيسي لذلك هو تذكير هؤلاء المشترين بمن يدفئ منازلهم – ومن يتحكم في الصنبور.

في الحقيقة، أعلن الكرملين يوم الخميس خطة معقدة، يستمر العملاء بمقتضاها فعلياً في دفع ثمن الغاز باليورو والدولار، ولكن عبر حسابات مخصصة لذلك في روسيا، تقوم بتحويل تلك الأموال إلى الروبل. ويبدو أن بوتين لم يكن مستعداً تماماً لمتابعة إنذاره حتى النهاية.

ما كان ينبغي عليه ذلك. مثل الأسلحة النووية التي لوح بها خطابياً، كان قطع إمدادات الغاز فعلاً سيترتب عليه بعض الدمار المتبادل بالتأكيد.

دفعت حرب بوتين، الاتحاد الأوروبي إلى إعادة التفكير في علاقته مع روسيا بشأن الطاقة بصورة جذرية، وهي العلاقة التي تحمل أعباءها مدة نصف قرن، حتى أثناء الحرب الباردة.

يظل الحافز بالنسبة إلى الجانبين، هو عدم تحطيم القارب بأكثر مما ينبغي. فأوروبا لا تزال تعتمد على غاز سيبيريا، وهذا هو سبب عدم فرضها عقوبات عليه. وروسيا لا تزال تعتمد على ثمن هذا الغاز. وحقيقة الأمر، أن ثمن الغاز زاد من حيث أهميته، وفق تصريحات ثين غوستافسون، مؤلف تاريخ علاقة الغاز مع أوروبا. وتشير حساباته التقريبية إلى أن مساهمة الغاز في إيرادات صادرات روسيا الهيدروكربونية - التي تبلغ ما يزيد على نصف إجمالي الصادرات – ارتفعت إلى النصف وسط كل هذه الفوضى، وذلك مقارنة مع مستواها المعتاد الذي يبلغ خمس إجمالي الإيرادات.

استثمارات بلا جدوى

المفارقة أن أحد الاستثمارات الكبرى التي نفذت في عهد بوتين، تمثل في تطوير البنية التحتية للغاز بهدف خدمة السوق الأوروبية على مدى جيل آخر. "يامال" (Yamal)، و"بلو ستريم" (Blue Stream) و"نورد ستريم" (Nord Stream)، وكلها الآن في حالة خراب.

التأثير الاقتصادي والاجتماعي في أوروبا من قطع الغاز لفترة طويلة، بما في ذلك احتمال حدوث ركود اقتصادي عميق، سيمثل تصعيداً كبيراً للنزاع. وبقدر ما هو مثير أن نرى في قطع الغاز مجرد رد فعل انتقامي بعد فرض عقوبات على روسيا، فإن ذلك يتجاهل حقيقة أن "الفعل" الأصلي كان هو الهجوم المستمر حالياً على أوكرانيا. وعلى أي حال، إذا قام بوتين فعلاً بقطع إمدادات الغاز، مع كل ما يترتب على ذلك من عواقب، فربما ينبغي أن نفهم ذلك كعلامة على الإحباط والقنوط. أو إنه مهما كان المنهج الكامن في جنونه، فإن الجنون قد أصبح هو المنهج.