الاتحاد الأوروبي بحاجة لشراء الغاز الأمريكي للتخلص من الروسي

لا يمكن بناء محطة للغاز الطبيعي المسال في يوم واحد
لا يمكن بناء محطة للغاز الطبيعي المسال في يوم واحد المصدر: بلومبرغ
Liam Denning
Liam Denning

Liam Denning is a Bloomberg Opinion columnist covering energy, mining and commodities. He previously was editor of the Wall Street Journal's Heard on the Street column and wrote for the Financial Times' Lex column. He was also an investment banker.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

من الصعب التفريق بين السلعة، وما يمكن أن يجعل شيئاً ما سلعة. وبين الحين والآخر، يحدث أمر ما يزيد من قيمة شيء أكثر من الآخر. واليوم، الحرب في أوكرانيا هي ما تفعل ذلك، والشيء المعني هو الميثان، وعلى وجه التحديد، الغاز الطبيعي الأمريكي.

كشفت "المفوضية الأوروبية" مؤخراً عن اقتراح لخفض واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز المتدفق عبر خطوط الأنابيب الروسية بنحو الثلثين بحلول نهاية العام الجاري، على أن يتم الاستغناء عنه بالكامل بحلول 2030. وهذا الاقتراح لطيف وطموح، ولكي نكون أكثر لطفاً، فتفاصيله أولية. ومع ذلك يبقى كسر اعتماد أوروبا على غاز سيبيريا ليس مجرد خيار، بل أمراً حتمياً، في ظل المواجهة الانتقامية القاتلة مع روسيا.

الولايات المتحدة تبرم اتفاقاً لمساعدة أوروبا على استبدال وارداتها من الغاز الروسي

يتركز تحقيق مستهدف العام الحالي إلى حد كبير حول استبدال الغاز الروسي بإمدادات من أماكن أخرى، وتتركز معظم البدائل في الغاز الطبيعي المسال (LNG)، الذي يتم شحنه بدلاً من المتدفق عبر خطوط الأنابيب، مما يوفر المزيد من خيارات التوريد.

التحديات

ولنستخلص شيئاً واحداً بوضوح، هذا لن يفلح. فالحصول على 50 مليار متر مكعب إضافية تعادل نحو سُبع إجمالي سوق الغاز الطبيعي المسال في عام 2021، ويعادل الطلب الإضافي إجمالي استهلاك كوريا الجنوبية، ثالث أكبر سوق في العالم. وعلى الأقل، سيتعين على المشترين الأوروبيين تقديم عروض بأسعار استثنائية، ما قد يتسبب في ركود، في ظل الحاجة لتوفير الأموال اللازمة لسحب تلك الشحنات بعيداً عن آسيا، وحتى لو استطاعوا القيام بذلك، فإن تصدير أزمة نقص الطاقة في أوروبا إلى الدول الآسيوية بهذه الطريقة، لن يشجعهم على التمسك بالجهود الأمريكية والأوروبية لعزل روسيا، أو الانضمام إليها.

ستضطر آسيا وقتها إلى استخدام المزيد من الفحم، ما سيضر بالمناخ، الذي يمثل العامل الثالث بمعضلة الطاقة في أوروبا، إلى جانب الأمن، والقدرة على تحمل التكاليف. وقد شددت "المفوضية الأوروبية" في بيانها، على أهمية التمسك بخطط إزالة الكربون، بل والإسراع بتنفيذها، وقد يصعب تحقيق ذلك إذا ارتفعت درجة الحرارة في المناطق الأكثر سخونة بأنحاء أخرى من العالم.

ولاستخلاص معلومة أخرى واضحة، لن تستطيع الولايات المتحدة تحقيق ذلك الهدف في 2022، فقد نفدت سعة تصدير الغاز الطبيعي المسال لديها بالفعل، ولا يمكن بناء محطات تسييل إضافية بين عشية وضحاها، فلن يكون عرض الرئيس جو بايدن "السعي لتأمين كميات إضافية من الغاز الطبيعي المسال لسوق الاتحاد الأوروبي، بما لا يقل عن 15 مليار متر مكعب" من الغاز كافياً، كما أنه يحمل العديد من المحاذير.

الاتحاد الأوروبي سيحصل على 15 مليار متر مكعب من الغاز بنهاية العام

ورغم ذلك، إذا لم يكن تحقيق كل الأهداف ممكناً، فإن تحقيق جزء منها يعد أمراً جيداً. حيث تحتاج أوروبا إلى إمدادات غاز إضافية، في أسرع وقت ممكن. ومن بين المصدرين الرئيسيين للغاز الطبيعي المسال، تستطيع الولايات المتحدة، القائد الفعلي لـ "حلف الناتو"، توسعة طاقتها الإنتاجية بشكل أسرع.

ماتزال الطاقة التصديرية الأمريكية الجديدة البالغة نحو 45 مليار متر مكعب قيد التأسيس، ومن المقرر أن تبدأ التشغيل بحلول عام 2026، فيما تبقى هناك حاجة إلى المزيد.

يشير نيكوس تسافوس من "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" إلى أن إنتاج الغاز في أوروبا، متضمناً إنتاج بريطانيا، انخفض بمتوسط 8 مليارات متر مكعب سنوياً، منذ 2015. ما يعني أن ضخ 50 مليار متر مكعب إضافية قريباً، سيستبدل الإنتاج المفقود، وليس الواردات الروسية. هذا بالإضافة إلى عدم ضمان تحقق الزيادات المقترحة في إنتاج الغاز الحيوي على سبيل المثال، أو مستهدفات ترشيد استهلاك الطاقة، على هذا النطاق في الوقت المناسب، وقد يوفر الغاز المسال الأمريكي الإضافي تأمين بعض الإمدادات.

الاتحاد الأوروبي يخطط للاستغناء عن الغاز الروسي خلال سنوات

يتطلب تأمين تلك الإمدادات علاوة إضافية. ولا أقصد هنا دفع المشترين الأوروبيين رسوماً إضافية على السعر العادي بسبب الحرب، ولكن يمكنهم بدلاً من ذلك تقديم حوافز أخرى لجلب الغاز من الغرب بدلاً من الشرق.

تأمين الطلب

يحتاج مشغلو محطات الغاز الطبيعي المسال التأكد من استمرار الطلب لفترة طويلة، أكثر من أي شيء آخر، من أجل استعادة قيمة استثماراتهم.

يفترض المنتجون أن الولايات المتحدة بحاجة إلى نحو 20 عاماً حتى تلجأ لوارداتها من الغاز الطبيعي المسال، ولذلك قد يكون المشغلون حذرين تجاه الشراء الناتج عن طلب إضافي مؤقت مدفوع بالتغيرات الجيوسياسية، خاصة وأن الالتزام بالشراء حتى عام 2030 يعني أن المصنع الجديد يتوقع بضع سنوات من الإيرادات الفعلية فقط، بدلاً من العقدين المطلوبين.

وهنا يمكن أن تلعب أوروبا دوراً محورياً. حيث يقدر المحللون في شركة "أبحاث بيرنشتاين" (Bernstein Research)، أن مشاريع الغاز الطبيعي المسال الأمريكية التي وافقت عليها "اللجنة الفيدرالية لتنظيم الطاقة" سوف تضيف نحو 280 مليار متر مكعب من السعة الإنتاجية، ولم يتم التعاقد سوى على نحو 60 مليار متر مكعب فقط من ذلك الإنتاج، الذي يمثل الحد اللازم لوضع اللبنة الأولى في مصنع جديد. ويمكن للدول الأوروبية زيادة تلك الكمية، من خلال توقيع عقود طويلة الأجل، إما بالدفع مباشرة من المال العام، أو من خلال دعم المشترين من المرافق المحلية، كما يمكنهم أيضاً تقديم قروض البناء، أو ضمانات للديون لتسريع العمل، إذا كانوا مهتمين بذلك.

ولكن كيف يمكن لقارة ملتزمة بإزالة الكربون أن توقع عقوداً متعددة الأعوام للحصول على المزيد من الوقود الأحفوري؟، يشبه ذلك المأزق الذي تجد إدارة بايدن نفسها فيه اليوم، حيث تبقى عالقة بين أهداف المناخ المستقبلية، والأسعار الحالية في محطات الوقود، والضغط على قطاع النفط الصخري لحفر المزيد من الآبار.

يقول تسافوس من "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية"، إنه مع قليل من الخيال، يمكن تحسين الموقف، بداية يجب ألا يؤدي استبدال الغاز الروسي بالأمريكي إلى زيادة الاستهلاك في أوروبا، وأن يقتصر فقط على تغيير مصدر التوريد إلى بلد لا يهدد بالغزو، أو وقف الضخ، أو تفجير بالأسلحة النووية. وفيما يتعلق بالقضية الشائكة في تأمين الطلب طويل الأجل على الغاز، حتى مع استهداف أوروبا لانبعاثات صفرية صافية، قد يكون أحد الخيارات هيكلة العقود في شريحتين، حيث يمكن لأوروبا أن تحصل على الإمدادات خلال العقد الأول، مع تعاقد المشترين الآسيويين لسنوات لاحقة، ما يساعد على إزاحة الفحم في معقله الأخير.

بالإضافة إلى ذلك، رغم أنه يمكن اعتبار أوروبا مشترياً متحمساً، إلا أن حجمها الكبير يوفر لها مجالاً للتفاوض بشأن بعض الشروط. وفي نهاية الأمر، من المتوقع تباطؤ الطلب على الغاز في الولايات المتحدة على مدار العقد الحالي، لتبقى صادرات الغاز الطبيعي المسال أكبر مصدر منفرد لتصريف الإنتاج.

يجب أن يرحب مشغلو الغاز الطبيعي المسال والحفارات بالمبيعات الأوروبية الإضافية، خاصة إذا كانت تساهم في تمويل البنية التحتية. في المقابل، يرى شاريف سوكي رائد صناعة الغاز الطبيعي المسال، والذي يرأس حالياً شركة "تيلوريان" (Tellurian)، ضرورة أن تكون الأهداف المتعلقة بتسربات الميثان صارمة، لأن أحد أبرز الأسباب التي تمنع الغاز الطبيعي المسال الأمريكي من تحقيق إمكاناته الكاملة مؤخراً تتمثل في شهرته بالانبعاثات العالية، قد تكون أية شحنات تتميز بأوراق اعتماد أمنية وبيئية أعلى أكثر تنافسية خلال السنوات القادمة.

بالنسبة لأوروبا، سيكون هناك ثمن في المقابل. ومرة أخرى، لم يعد ترشيد استهلاك الطاقة، وانعدام الأمن المزمن أمرين رخيصين أيضاً.