جوازات السفر الذهبية والمواطنة والهوية في زمن الحرب

الأوكرانيون يقاتلون بشكل بطولي للحفاظ على هويتهم الوطنية المتميزة ضد روسيا. في الصورة جندي أوكراني يتفقد أنقاض مبنى سكني مدمر في كييف في 15 مارس 2022.
الأوكرانيون يقاتلون بشكل بطولي للحفاظ على هويتهم الوطنية المتميزة ضد روسيا. في الصورة جندي أوكراني يتفقد أنقاض مبنى سكني مدمر في كييف في 15 مارس 2022. المصدر: أ.ف.ب
Andreas Kluth
Andreas Kluth

Columnist at Bloomberg Opinion. Previously editor-in-chief of Handelsblatt Global; 20 years at The Economist. Author of "Hannibal and Me."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بوصفي مواطناً مزدوج الجنسية يتسكع مع متعددي اللغات الذين يحمل كل منهم عدة جوازات سفر، يمكنني أن أشهد على أن الهوية أمر معقد؛ حيث لن يتم تجسيدها بشكل كافٍ من خلال قوائم مربعات الاختيار - من العمر والجنس إلى العرق أو الدين أو المهنة أو المواطنة بالفعل. يمكننا إدراك ذلك من مجرد إلقاء نظرة سريعة عبر أوروبا الآن.

في إحدى الزوايا، يقاتل الأوكرانيون بشكل بطولي للحفاظ على هويتهم الوطنية المتميزة ضد روسيا، التي ينكر طاغيتها أن لدى أوكرانيا هويتها الوطنية المتميزة. في الواقع، يتحدّث بعض المدافعين اللغة الأوكرانية كلغة أم، والبعض الآخر يتحدث الروسية أو أية لغة أخرى. كما اعتاد كبار السن أن يكونوا مواطنين في كيان آخر، وهو الاتحاد السوفيتي، إلا أن ولاءهم الآن لأوكرانيا.

الهوية الغامضة

أما الجار القريب فهو الاتحاد الأوروبي، وهو اتحاد يُدرك مستويات الهوية والمواطنة المتداخلة وبالتالي الغامضة، بما في ذلك المستوى الأوروبي والوطني. علاوةً على ذلك، كان العديد من أعضائه في الماضي مرتاحين تماماً بشأن منح الجنسية للأجانب، بشرط امتلاكهم المال. في مقابل الاستثمارات الكبيرة، حصل هؤلاء الأجانب على "جوازات سفر ذهبية".

لكن لم يُعجب الاتحاد الأوروبي بهذه المخططات أبداً، حيث اعتبرها آليات للتهرب من الضرائب، أو القيام بأعمال تجارية أخرى. ولهذا السبب ضغط على دول مثل بلغاريا أو قبرص أو مالطا للتخلي عن مثل هذه الممارسة. ومنذ الهجوم على أوكرانيا، بدأ الاتحاد الأوروبي في اتخاذ إجراءات صارمة، فهو يخشى أن تُقوّض جوازات سفر الاتحاد الأوروبي الذهبية الممنوحة للأوليغارشية الروسية أو المقربين من الكرملين – والتي تمنحهم جميع حقوق الأوروبيين الآخرين - من تأثير العقوبات المفروضة عليهم.

جنسيات متعددة لأسباب مختلفة

علاوةً على ذلك، تُشكّل أوكرانيا والاتحاد الأوروبي دعامتين تحيطان بموضوع متنوع، حيث يكتسب الناس جنسيات متعددة لأسباب مختلفة. وقد تذكّر بعض البريطانيين، في الفترة التي سبقت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، جدة أيرلندية حصلت على جواز سفر من الاتحاد الأوروبي. كما مارس العديد من أحفاد اليهود الألمان أو غيرهم من ضحايا النازيين حقهم في أن يصبحوا مواطنين ألمان. في الواقع يحصل المهاجرون على الجنسية في العديد من البلدان كل يوم.

يقع ثنائيو الجنسية الآخرون، مثلي، ببساطة بين "jus solis" – وهي عبارة لاتينية تعني "حق الأرض" - و"jus sanguinis" – وتعني "حق الدم"، بالرغم من مدى غرابة هذا المصطلح في وقتنا الحاضر. وهذا يعني أننا حصلنا تلقائياً على جنسية واحدة من خلال مكان ميلادنا، وعلى جنسية أخرى من خلال نسبنا.

تقلبات القدر

أحياناً تكون تقلبات القدر هذه منفعة تمنح الناس المزيد من الخيارات في الحياة. إلا أنها تكون في أوقات أخرى لعنة، كما هو الحال بالنسبة لمن يطلق عليهم اسم "الأمريكيون العرضيون" - أولئك الذين ولدوا في الولايات المتحدة لكنهم فقدوا الاتصال بالبلد وهم رضع أو أطفال، وغالباً ما لا يتحدثون اللغة الإنجليزية. ومع ذلك، وبسبب النظام الضريبي الأمريكي الغريب - الذي يعتمد على الجنسية بدلاً من الإقامة - يواجهون كابوساً من أوراق الامتثال وغالباً ما يُمنعون من الاستفادة من الخدمات المالية في وطنهم.

حتى في الحالات القصوى، نادراً ما تكون المواطنة مشكلة مثل الافتقار إليها. فهناك ملايين الأشخاص حول العالم – الفلسطينيون، والروهينغا، والأكراد وغيرهم – ممن هم عديمو الجنسية، إلا أن إحساسهم بالهوية قوي بنفس القدر، ولكن بدون الأوراق الصحيحة، حيث غالباً ما يعيشون في طي النسيان.

تاريخياً، تحوّلت فكرة المواطنة بما يكفي لجعل المفهوم يبدو شبه تعسفي، حيث نشأ في دول المدن (Poleis في اليونانية، وهي جذر كلمة "السياسة") مثل أثينا القديمة أو طيبة، ووصَفت حقوق وواجبات الرجال الأغنياء من غير العبيد. ولكن خلال العصور الوسطى، اختفت الفكرة تماماً. وبدلاً من ذلك، استندت الهوية والمكانة إلى الطبقة الإقطاعية للفرد - مثل الفلاحين أو رجال الدين أو الأرستقراطيين.

المواطنة في العصر الحديث

لكن عندما عادت فكرة المواطنة في العصر الحديث - خاصة مع الثورتين الأمريكية والفرنسية - استندت مرة أخرى إلى عهد بين الفرد والدولة؛ فقد حصل الأول على الحقوق (التصويت، على سبيل المثال)، ولكن على المسؤوليات أيضاً (مثل دفع الضرائب).

مع ذلك، نادراً ما تتناسب المواطنة تماماً مع المفاهيم الزلقة عن الهوية. فإذا كانت لديك حياة مثيرة للاهتمام في القرن العشرين، كان من الممكن أن تحمل أوراقاً صادرة عن النمسا - المجر ويوغوسلافيا والبوسنة والهرسك – ويُشار إليك دائماً على أنك صربي أو كرواتي أو أي شيء آخر. وهناك الأمريكيون اللاتينيون، والألمان الأتراك، والفرنسيون الجزائريون – حيث تُجمع المزيد من الهويات في العالم الحديث معاً وبالتالي تُعتبر معقدة.

أشقياء الجيش

هذا صحيح، حتى بالنسبة للأشخاص الذين يحملون جنسية واحدة فقط - خاصةً إذا كانوا "أشقياء الجيش" أو أبناء المغتربين (هم أطفال الجنود المحترفين، خاصةً الذين عاشوا في أماكن مختلفة نتيجة للتنقلات العسكرية). حيث نشأ "أطفال الثقافة الثالثة" هؤلاء في بلدان غير تلك المذكورة في جوازات سفرهم، ويميلون إلى العوم بين السياقات، وأحياناً يشعرون بأنهم غير محبوسين ولكنهم يظهرون أيضاً مرونة وتسامحاً غير عاديين؛ حيث يشعر الكثيرون منهم بالانتماء إلى مواطني العالم الآخرين من أية أمة بدلاً من مواطنيهم.

بالنسبة لبعض الأشخاص الذين يشعرون بجذور واضحة في بلدانهم، يمكن أن تكون هذه الهويات المتغيرة استفزازات. حيث جرى إلقاء اللوم جزئياً على الشعبوية فيما يخص رد الفعل العنيف من أولئك المتجذرين محلياً الذين يُسمّون بـ"Somewheres" (مكان ما) مقارنة بالعولميين الذين يتكيفون بشكل جيد مع التغيير "Anywheres" (أي مكان)، والذين يُزعم أنهم طليقون وأحرار في السفر والتنقل.

متعددو الجنسيات

بدورهم يستاء الأشخاص متعددو الجنسيات من استهزاء مواطنيهم الذين لا يعتبرونهم أمريكيين "حقيقيين" أو ألمان أو يابانيين أو أياً كان، حيث يعتبرون هذه التسميات محاولات للإقصاء والاستيلاء على السلطة.

الحقيقة هي أن الهوية والولاء فرديان وذاتيان للغاية. لنأخذ على سبيل المثال إيلين غو، فهي متزلجة حرة أمريكية المولد وأمها صينية، وقد شاركت في البطولات لصالح الولايات المتحدة، قبل أن تفوز بميداليتين ذهبيتين وميدالية فضية في أولمبياد هذا العام لصالح الصين، وهي دولة لا تعترف حتى بالجنسية المزدوجة. هل هذا عادل أم لا؟ لا أرى أنه أي منهما، فالأمر متروك لها ببساطة.

كما أن جزءاً من الحرية هو اختيار مجتمعاتنا وولاءاتنا وإخلاصنا. وجزء من التسامح هو احترام اختيارات الآخرين. وفي العالم الحديث، تكون هذه القرارات مربكة أحياناً، وملحة وواضحة في أحيان أخرى، فقط اسألوا الأوكرانيين الشجعان الذين يقاتلون من أجل بلدهم الآن.