الحرب الروسية تزيد من تدخل الحكومات في أسواق الطاقة

الرئيس الأمريكي جو بايدن
الرئيس الأمريكي جو بايدن المصدر: بلومبرغ
Liam Denning
Liam Denning

Liam Denning is a Bloomberg Opinion columnist covering energy, mining and commodities. He previously was editor of the Wall Street Journal's Heard on the Street column and wrote for the Financial Times' Lex column. He was also an investment banker.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أوجد هجوم روسيا على أوكرانيا أعداء لها بين عدد ليس بقليل من الدول. لكن عندما يتعلّق الأمر بالطاقة، فإنَّ روسيا بعيدة عن أن تكون عدواً للدولة. لقد سرّعت الحرب من وتيرة تحول الطاقة، لتبتعد عن الأسواق، وتتجه نحو الولايات.

أعلن الرئيس جو بايدن يوم الخميس عن ثلاثة تدخلات فيدرالية في أسواق الطاقة، وليس عبر تدخل واحد فقط، وكان أبرزها سحب 180 مليون برميل من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي، الذي يعد أكبر سحب على الإطلاق، لكنَّه في المقابل قام بتحفيز تطوير المعادن الحيوية مثل الليثيوم محلياً، والذي يدخل في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية والشبكات، مستدعياً قانون الإنتاج الدفاعي لعام 1950. بالإضافة إلى مطالبته "الكونغرس" بفرض غرامات على شركات النفط والغاز التي تمتلك مجموعة من الأراضي الفيدرالية غير المستغلة، أو البدء بالحفر.

اقرأ المزيد: الولايات المتحدة تطلق أكبر سحب من احتياطي النفط الاستراتيجي في التاريخ

ما تمّ على صعيد واحد فقط، وهو المسرح السياسي، وبعيداً عن الشخص الذي أطلق عبارة "ارتفاع الأسعار بسبب بوتين"؛ فإنَّ هذا الأمر انتهى بالتأكيد. يزيد الآن متوسط ​​سعر البنزين عن 4 دولارات للغالون، ونحن على بعد 8 أشهر من انتخابات التجديد النصفي، ويجب على بايدن نقل اللوم إلى روسيا، وبعض منتجي النفط المحليين. وكذلك عليه التصرف وإرضاء فئات متعددة تضم السائقين ودعاة حماية البيئة، وصولاً إلى السناتور جو مانشين (الذي دعا إلى دعم تطوير التعدين محلياً).

لكن ما يدور على المسرح يمتد إلى جوهر أفعال بايدن أيضاً. ففي حين يتسبّب السحب من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي في صدمة مباشرة للأسواق، بسبب تأثيره على توازنات النفط عالمياً؛ تبدو الإجراءات المتعلقة بالبطاريات الكهربائية محدودة نسبياً مقارنة بأهداف بايدن للسيارات الكهربائية. أما بالنسبة لرسوم الأراضي غير المستغلة؛ فإنَّ دعوة "الكونغرس" أمر كان يمكن أن يفعله الرئيس بالتأكيد.

ولكن من قصر النظر اعتبار كل ما يحدث على أنَّه مجرد يوم عادي آخر في واشنطن.

بايدن يفعِّل صلاحيات الحرب الباردة لتعزيز إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية

اتجاهان رئيسيان

هناك اتجاهان سيرسمان مستقبل أسواق الطاقة خلال العقود القادمة، وهما: تراجع العولمة، وإزالة الكربون. والذي يدعم التركيز المفاجئ على تعدين مكوّنات البطاريات الكهربائية محلياً، كما تتراجع شعبية العولمة في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، وسط تزايد المخاوف بشأن الأمن ومرونة الأسواق المحلية، وخلق فرص العمل، في ظل سلسلة الصدمات التي تعرّضت لها الدول، بداية من الأزمة المالية عام 2008، مروراً بالوباء، وأخيراً الحرب في أوروبا.

الاتجاه الآخر هو إزالة الكربون لمواجهة تغيّر المناخ. وبرغم نجاح آليات السوق مثل تسعير الكربون، واستخدامها في بعض الأماكن؛ لكنَّها تسبّبت في عقود من التأخير بمعالجة المشكلة عبر تحفيز مزيد من القرارات القوية، هذا بالإضافة إلى تفضيل واضح هنا في الولايات المتحدة على الأقل لمتاهة الدعم بدلاً من الشفافية القائمة على مؤشرات الأسعار.

تعاني الأسواق بطرق أخرى أيضاً، فمن الناحية النظرية؛ يتعيّن على منتجي النفط الأمريكيين مواصلة الحفر كما لو أنَّه ليس هناك أي غد. ومن الناحية العملية؛ فقد أمضوا فترة طويلة من العقد الماضي يفعلون ذلك، ومع ذلك؛ فإنَّ المستثمرين اليوم لن يدعموا مواصلة التنقيب، بحرب أو من دونها.

فكّر في ذلك، بلغت حصة شركات القطاع المدرجة في "مؤشر ستاندرد آند بورز 500" أقل من 4%، برغم ارتفاع سعر النفط فوق 100 دولار للبرميل، وهو مستوى بداية عام 2020 نفسه، عندما كان النفط يقترب من 60 دولاراً للبرميل.

بايدن يلوّح لمنقّبي النفط بغرامات على أراضي الحفر المؤجرة وغير المستخدمة

أما الخطوتان اللتان تم اتخاذهما اليوم، فتدفعان نحو توفير الوقود الأحفوري الملائم في الوقت الحالي، وفي الوقت نفسه تؤديان إلى تراجعه بمرور الوقت، وهنا تأتي صعوبة الطريقة التي ينتهجها بايدن. فعلى صعيد البطاريات الكهربائية؛ تفتقر توقُّعات إنتاج الليثيوم إلى الأهداف التوسعية التي حدّدتها الحكومات وشركات صناعة السيارات للسيارات الكهربائية.

وفي حين أنَّ التأثير الدقيق لتحركات بايدن يقبل النقاش؛ لكن من المفاجئ أنَّه تم اتخاذ تلك الإجراءات، كما أنَّها في الوقت نفسه تمثل تمهيداً لمزيد من الإجراءات. فقانون الإنتاج الدفاعي، على وجه الخصوص، يمثل سكين عسكري سويسري، بمجرد استخدامه، يفتح الباب أمام الاحتمالات كافةً.

التدخل

يلاحظ أيضأ أنَّ توجه بايدن ليس جديداً، فلم يكن سلفه مباشرة من الحزب المعارض يخجل من استخدام الطاقة كأداة سياسية (أو جيوسياسية)، أو محاولة تشكيل العرض والطلب من خلال أمر تنفيذي. كذلك يمكن الوقوف على دوافع للتدخل على مستوى الولاية والمستوى المحلي أيضاً، وخاصة عندما يتعلّق الأمر بشبكة كهرباء أمريكية تحاول الحفاظ على سمعتها وموثوقيتها، في ظل تغيّر أنماط التوليد والاستهلاك (والطقس القاسي).

ويأتي ذلك في الوقت الذي تعزز فيه مخاوف الأمن القومي والمناخ بعضها، لتعيد للأذهان الموقف في عام 2008، مع أسعار النفط المرتفعة، وتأكيد حملتي المرشحين الرئاسيين الحاجة لزيادة الإنتاج المحلي من النفط والغاز، فضلاً عن تقديم وعود باتخاذ إجراءات بشأن الانبعاثات.

ومع الكثير من التغيّرات منذ ذلك الحين؛ حوّلت الولايات المتحدة نفسها من صافي مستورد كبير للنفط إلى صافي مُصدّر صغير. وبرغم أنَّ "استقلال" الطاقة، لم يحمِ من ارتفاع أسعار الوقود في المحطات، وبرغم التحول الكبير في موقف الجمهوريين بشأن التعامل مع المناخ منذ عام 2008؛ لكنَّهم اكتسبوا توجهاً حمائياً يشمل التدخل في السوق، وخاصة في ظل التأثير الواضح للرئيس السابق.

خطة بايدن للإنفاق ولدت ميتة.. وهذا ما تكشف عنه

نميل في الغالب إلى الاعتقاد أنَّ التدخلات في سوق الطاقة تكون فقط لدعم التكنولوجيا النظيفة والتفكير اليساري، لكن يتجاهل ذلك سلسلة قوانين الدولة ذات الفكر اليميني، والتي تحظر التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، أو معاقبة البنوك التي لا تقرض منتجي النفط.

وبينما يصعب تحديد ما يمكن أن ينذر به مثل ذلك التدخل الكبير، ويرجع ذلك نسبياً إلى اعتماد تأثيره على من يعتلي السلطة؛ لكنَّنا دائماً نتوقَّع تناقضات فوضوية تنطوي عليها السياسة.

يتضمّن الوضع الحالي خفض ضرائب البنزين، مما يشجع على زيادة الطلب، مقابل الأسعار المرتفعة بسبب نقص الإمدادات. نتوقَّع ارتفاع التضخم أيضاً وسط تزايد أزمة سلاسل التوريد، والحواجز التجارية، والتي تتضمّن زيادة محتملة في التعريفات بسبب الانبعاثات. ومن ناحية أخرى؛ يمكن للسياسات الصناعية، إذا تم تنفيذها بشكل صحيح، أن تعزز زخم الابتكار والاستثمار في التكنولوجيا النظيفة، مما يؤدي إلى خفض التكاليف.

وبغضِّ النظر عما سيحدث؛ نتوقَّع تزايد تدخل الحكومات في سوق الطاقة التي تعاني من إجهاد وسط مقتضيات التنافس للسيطرة على الكوكب وإنقاذه أيضاً.