الأمم المتحدة: استمرار تمويل الوقود الأحفوري يُنذر بـ"كارثة مناخية"

العالم في مواجهة مخاطر كُبرى بسبب استمرار تمويل الطاقة الملوثة
العالم في مواجهة مخاطر كُبرى بسبب استمرار تمويل الطاقة الملوثة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

حذّر كبار الخبراء في مجال التمويل المناخي ومجموعة محللين اقتصاديين من استمرار إغداق أموال كثيرة جداً على قطاع الوقود الأحفوري، مقابل توجيه تمويل محدود للغاية للطاقة النظيفة، ما ينذر باحتمالية تجاوز كوكب الأرض للحد المناخي المطلوب لتفادي الاحتباس الحراري الكارثي.

في تقييمها الأخير عن الجهود العالمية المبذولة لاحتواء تغير المناخ، والذي نُشر يوم الإثنين، أطلقت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة تحذيراً شديد اللهجة بأن العالم يتجه نحو زيادة درجات الحرارة بأكثر من 3 درجات مئوية، وهو ضعف مستوى الارتفاع المستهدف في اتفاقية باريس للمناخ. وقالت الهيئة إن التمويل قد يفاقم المشكلة أو يشكّل "عاملاً مساعداً حاسماً" في تحول الطاقة على حد سواء.

تمثّل نتائج تقييم الهيئة سبباً آخر للحذر، وسط الإشارات التي تبين أن تحول الطاقة يشهد انتكاسة، مع تدافع بعض الدول على استخدام مصادر طاقة ملوثة للبيئة بدلاً من الغاز الروسي، عقب غزو موسكو لأوكرانيا. وتضاعفت وتيرة تمويل المشروعات المتصلة بالفحم مقارنة بالعام الماضي.

اقرأ أيضاً: تقرير: بنوك عالمية كبرى ضخت 742 مليار دولار لتمويل الوقود الأحفوري في 2021

قال إدوارد ماسون، الذي يعمل كمدير في "جينيراشن إنفستمنت مانجمنت" (Generation Investment Management)، وهي شركة للتمويل الأخضر شارك في تأسيسها نائب الرئيس الأمريكي الأسبق آل غور، إن العالم يقف عند نقطة تحول، أو ما يسمى بنقطة "انكسار النمط" للوضع الراهن، في إشارة منه إلى أن الحرب في أوكرانيا وعواقبها على تحول الطاقة. وأضاف: "يجب ألا نشتّت تركيزنا بعيداً عن الهدف الأكبر".

عرقلة التمويل

أكّدت الهيئة أن تحقيق العالم لهدفه المناخي يتطلب "تقليص الاستخدام الهائل لكل أنواع الوقود الأحفوري، إذ سيتسبب ذلك في ترك كمية كبيرة من الوقود الأحفوري دون حرقها". مع ذلك، يستمر تدفق التمويل على تطوير هذا النوع من الوقود.

لا يوجد لدى ما يزيد عن نصف الشركات الـ150 الكبرى في العالم أي قيود على تمويل النفط والغاز، كما فشل ثلثا بنوك وشركات إدارة الأصول الكبرى حول العالم في وضع أهداف مناخية ملموسة لهذا العقد، وفقاً لتحليلين منفصلين أجرتهما مؤسستان غير هادفتين للربح.

اقرأ أيضاً: لا تدفعوا الشركات القذرة بيئياً للبحث عن تمويلات الظل

بدورها، لم تحدد نسبة هائلة تقدر ب 83% من أكبر الشركات الملوثة للبيئة حول العالم خارطة طريق مجدية لتحقيق صافي الانبعاثات الصفرية، حسبما أكد تحالف كبير للمستثمرين.

"قلة تقدير نظامية"

وفقاً للهيئة هناك "قلة تقدير نظامية" للمخاطر البيئية في الأنظمة المالية، كما تتناقض أوجه القصور تلك مع التعهدات العلنية التي التزمت بها تلك الشركات المالية، لا سيما التابعة لتحالف الوصول للانبعاثات الصفرية في غلاكسو، فبعد إطلاقه في قمة "كوب 26"، التي انعقدت في نوفمبر الماضي، تعهد أعضاء التحالف بما مجموعه 130 تريليون دولار لتحقيق صافي الانبعاثات الصفرية بحلول 2050 على أقصى تقدير، مع تقديم نصيبهم العادل من تخفيضات الانبعاثات بنسبة 50٪ خلال هذا العقد.

قالت لوسي بينسون، المديرة التنفيذية لشركة "ريكليم فاينانس" (Reclaim Finance)، وهي واحدة من المؤسستين غير الهادفتين للربح اللتين أجرتا الدراستين التحليليتين: "الآن هو الوقت المناسب للمؤسسات المالية حتى تؤكد صدق التزاماتها المناخية، وأنها ليست محاولة خالصة للغسل الأخضر، ومدى جديتها في اتخاذ إجراء هذا العام".

اقرأ أيضاً: بايدن يوقف دعم مشاريع الوقود الأحفوري الجديدة خارج البلاد

راسلت "بلومبرغ غرين" 18 شركة لطلب التعليق على نتائج تحليل "ريكليم فاينانس"، بما فيها: "أليانز" (Allianz)، و"إيه إكس إيه" (AXA)، و"كريدي سويس"، و"يو بي إس".

قلق مستمر

من بين من استجاب لطلب التعليق، أكّدت هذه الشركات مجدداً التزامها بأهداف الوصول لصافي الانبعاثات الصفرية، كما اعتبرت أن السياسات الخاصة بها تتواءم مع تلك الأهداف.

وأشارت معظمها إلى جهودها في إشراك الشركات، بدلاً من تصفيتها، والتي وصفها أحد مديري الأصول بأنها "ليست الأداة الأكثر فعالية للمستثمرين، لأنها تحد من فرصة التأثير بشكل إيجابي على سلوكيات الشركة".

ذكرت كريستا كلاب، مؤلفة مشاركة في الفصل المالي لتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الجديد، أن "الأمر الواضح هنا هو أنه لا يوجد وقت لاتخاذ خطوات عبثية". وتابعت: "رغم الالتزامات الأخيرة، لا تزال هذه المستويات العالية من التمويل العام والخاص للوقود الأحفوري تشكل مصدر قلق كبير".

إذا أُغدق الكثير من التمويل على الوقود الأحفوري؛ سيُنفق القليل جداً على معالجة تغير المناخ والتكيف معه، لا سيما في البلدان النامية.

اقرأ أيضاً: الوقود الأحفوري يُشعل التوترات في اليوم الختامي لقمة المناخ في جلاسكو

أضافت "كلاب"، إن الفجوة بين الاحتياجات التمويلية ومدى توافرها ليست جديدة، لكن "ترتيبها حسب الحجم" تغير منذ إصدار الهيئة لآخر تقرير حول القضية نفسها في 2014.

وجدت الهيئة أن العجز في التمويل المطلوب لمنع المزيد من التغير المناخي يصل إلى 6 أضعاف على مستوى العالم، و8 أضعاف في البلدان النامية. وخلال العقد الماضي، زادت تدفقات الأموال، لكنها ظلت موزعة بشكل غير متساو عبر المناطق والقطاعات، كما تباطأ نموها.

إشارات تفاؤلية

يتخلل تحليل الهيئة بعض الإشارات التفاؤلية، لا سيما تلك الخاصة بـ"الأساليب المبتكرة للتمويل" بما في ذلك السندات الخضراء والمنتجات التي تتسم بمعايير الحوكمة البيئية والاجتماعية، والتي يمكن أن تساعد في تقليص خفض تقييم الخطر المناخي في الأسواق.

يشتمل قطاع الحوكمة البيئية والاجتماعية، أو ما يعرف اختصاراً باسم "إي إس جي" (ESG)، بالفعل على 40 تريليون دولار من الأصول على مستوى العالم، ويمكن تطبيق هذه المعايير على أي شيء من الصناديق المتداولة في البورصة إلى مقايضة التخلف عن سداد الائتمان. وأدت مثل هذه المجموعة الشاملة من المنتجات والمطالبات إلى مزاعم متعلقة بالغسيل الأخضر، والتي ذُكرت في التقرير الجديد باعتبارها "عقبة" أمام فعالية مثل هذه الأساليب.

اقرأ أيضاً: جميع الدول تفشل في تلبية معايير الصحة العالمية لتلوث الهواء

رغم بدء المنظمين على مستوى العالم في تطبيق التدقيق، تركزت جهود النزاهة حتى الآن على الشفافية وإفصاحات الشركات، مثل تلك التي طورتها فرقة العمل المعنية بالإفصاحات المتصلة بالمناخ.

سياسات أقوى

أشار مؤلفو تحليل الهيئة إلى أن إستراتيجيات المعايير البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات وحدها "لا تسفر عن نتائج اجتماعية أو بيئية مؤثرة"، مشيرين إلى الحاجة لتطبيق سياسات حكومية أقوى، وسنّ لوائح تنظيمية مُحسّنة في نهاية المطاف.

رغم التحديات التي ينطوي عليها حجم وجودة وإلحاح احتياجات تمويل المناخ، فإن نتائج التقييم وإصدارها في سياق الحرب تمثل فرصة، وفقاً لإريك هيمان، المحلل الاقتصادي في "دويتشه بنك ريسيرش" (Deutsche Bank Research)، والذي قال إنه يوجد الآن إرادة سياسية أقوى لتعزيز مصادر الطاقة المتجددة.

اقرأ أيضاً: صندوق النقد الدولي: كوارث المناخ تهدّد اقتصادات الشرق الأوسط ووسط آسيا

فيما تساءلت كريستيانا فيغيريس، السكرتيرة التنفيذية السابقة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ والمفاوضة الرئيسية لاتفاقية باريس قائلةً: "هل يمكننا التخلي عن القيود المفروضة على التمويل المناخي؟ الإجابة هي نعم، وعلينا فعل ذلك".