لماذا تبدو عملية "الدمج" المرتقبة لـ"إيثريوم" مهمّة للعملات المشفرة؟

رمز "إيثريوم" في صورة مركبة في دانبيري، المملكة المتحدة، يوم 17 أكتوبر 2017. ترقية "الدمج" لإثيريوم قد تعبّد أو تعرقل طريق التشفير
رمز "إيثريوم" في صورة مركبة في دانبيري، المملكة المتحدة، يوم 17 أكتوبر 2017. ترقية "الدمج" لإثيريوم قد تعبّد أو تعرقل طريق التشفير المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

من المقرر أن تقوم "إيثريوم" في وقت لاحق من هذا العام، بإجراء أكبر تغيير في تاريخها الذي يبلغ عقداً من الزمان تقريباً، في حدث من المؤكّد أنَّه سينتشر عبر كل الأنظمة التي تتعامل مع العملات المشفرة والأصول الرقمية. فكّر في الأمر بهذه الطريقة: الطريق السريعة التجارية الأكثر أهمية في التشفير، على وشك أن تتم عملية إعادة رصفها بالكامل.

"إيثريوم"، والتي هي في الأصل برنامج كمبيوتر يستخدم ما يسمى بتقنية "بلوكتشين" لتوفير سجل رقمي لتسجيل المعاملات، باتت الأساس الأكثر شيوعاً لمجموعة متنامية من أصول وتطبيقات التشفير التجارية، بما في ذلك منتجات الإقراض والرموز غير قابلة للاستبدال (NFTs)، بالإضافة إلى رمزها الأصلي، "إيثر".

اقرأ أيضاً: "إيثريوم" مازالت بعيدة عن الهيمنة على التمويل اللامركزي

يعرف عن "إيثريوم" أنَّها ليست مملوكة لأي شخص، فقد تم إنشاؤها وصقلها من قبل مجتمع من المطوّرين، وهي تعمل من خلال شبكة من مراكز البيانات في جميع أنحاء العالم. تعمل مراكز البيانات هذه كـ"معدّنين" على الشبكة، وتطلب المعاملات التي يتم ترحيلها إلى السجل الرقمي. في المقابل تتقاضى هذه المراكز أتعابها بعملة "إيثر". وقد أُطلق على هذا النظام اسم "إثبات العمل"، أو (proof of work).

اقرأ المزيد: مبتكر "إيثيريوم" يدعم جهود زامبيا للتحوّل إلى مركز تكنولوجي بأفريقيا

يطرح المطوّرون الذين يعملون على تحسين برنامج "إيثريوم"، ترقيات بشكل دوري، إلا أنَّ أياً منها لم يكن بالحجم الكبير كالتي ستطرح بها ترقية هذا العام، والتي سُميت "الدمج" (Merge)، حيث سيحل فيها محل المعدّنين ما يسمى بـ"المودعين" (stakers). يطلب المعدّنون المعاملات عن طريق حل العمليات الحسابية المعقدة باستخدام الملايين من الخوادم القوية - وهو نظام تم انتقاده بسبب استخدامه الكثيف للكهرباء.

اقرأ أيضاً: أزمة في سوق العملات المشفرة بالهند بسبب فرض ضريبة 1% على القطاع

"بيكون تشين"

على النقيض من ذلك؛ سيطلب "المودعون" المعاملات عن طريق وضع "إيثر" الخاصة بهم على نظام جديد، كان قيد الاختبار منذ ديسمبر 2020. يمكن للأشخاص بالفعل استخدام محافظهم الرقمية لإيداع "إيثر" في نظام الاختبار هذا، الذي يسمى سلسلة الكتل "بيكون تشين" (Beacon Chain)؛ وبعد الدمج؛ سيبدأ اختيارهم عشوائياً، ثم يصبحون ما يُعرف بـ"المدققين" (validators)، ويطلبون المعاملات على السجل الرقمي في "إيثريوم" إلى كتل، ويتقاضون أتعابهم بـ"إيثر" الجديدة. وهذا ما يسمى "إثبات الإيداع" أو (proof of stake).

تعتمد القيمة السوقية لـ"إيثريوم" البالغة 415.3 مليار دولار، على سير عملية الدمج بسلاسة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى آلاف الشركات التي تعمل على "بلوكتشين"، بالإضافة إلى ملايين المستخدمين. تم قفل حوالي 121.5 مليار دولار من رأس المال في تطبيقات التمويل اللامركزي (DeFi) من "إيثريوم"، وفقاً للمتتبع

(DappRadar). وتستخدم معظم الرموز غير القابلة للاستبدال - التي تبلغ قيمتها الإجمالية مليارات أيضاً - "إيثريوم".

يقول تشيس ديفينس، المحلل لدى شركة الأبحاث "ميساري" (Messari): "لم يحدث أبداً، في تاريخ شبكات (بلوكتشين)، تغيير حجم انتقال (إيثريوم) من (إثبات العمل) إلى إثبات الإيداع".

أخطاء متوقَّعة

سيكون الدمج مربكاً، لأنَّ أموراً كثيرة قد تسوء. قد تكون هناك أخطاء برمجية أو عمليات اختراق، أو يمكن للمعدنين إنشاء شبكة "إيثريوم" بديلة. خلال ترقية الشبكة لعام 2020؛ قسّم خطأ "إيثريوم" إلى قسمين، مما تسبب في فوضى في أنظمة التمويل اللامركزي الناشئ، والتطبيقات التي تتيح للأفراد التداول والاقتراض والإقراض دون وسطاء مثل البنوك.

من المتوقَّع أن يتم وقف معظم عمليات تبادل العملات المشفَّرة المركزية وعمليات سحب وإيداع "إيثر"، خلال عملية الدمج كإجراء احترازي. قد تتوقف تطبيقات التمويل اللامركزي مؤقتاً أيضاً إذا حدث خطأ ما.

تقول كاتي تالاتي، مديرة الأبحاث في شركة "أركا" (Arca) لإدارة الأصول الرقمية: "على المرء أن يتوخى الحذر عند حدوث كل الترقيات التقنية لجميع هذه السلاسل الكبيرة.. في نهاية المطاف نحن نتعامل مع تكنولوجيا غير معروفة".

مصدر المخاوف

إنَّ المعدّنين هم مصدر معظم المخاوف. قد يغادر الكثيرون الشبكة قبل الدمج مباشرةً معتقدين أنَّ بإمكانهم جني المزيد من المال عن طريق بيع معداتهم بدلاً من انتظار الحصول على آخر المكافآت. قد يؤدي الانخفاض الحاد في قوة التعدين في الشبكة، أو "معدل التجزئة" (hash rate)، إلى إضعاف أمان "إيثريوم"، مما يؤدي إلى حدوث كارثة تدقيقية لرمزها المميز والتطبيقات المختلفة التي تستخدم الشبكة. خطط مطورو "إيثريوم" لهذا السيناريو. يقول تيم بيكو، عالم الكمبيوتر الذي ينسق عمل مطوري "إيثريوم": "إذا رأينا انخفاض معدل التجزئة؛ يمكننا الدفع بعملية الدمج إلى الأمام.. لقد صمّمت كل البرامج مع خيار للطوارئ".

قد يختار المعدنون أيضاً تفريع "إيثريوم"، من خلال أخذ برنامج "إثبات العمل" الحالي والاستمرار في دعمه. سيؤدي ذلك إلى إنشاء نسختين مختلفتين من "إيثريوم" تعملان بشكل متوازٍ: "إثبات العمل"، و"إثبات الإيداع".

يقول داني جونغ، نائب رئيس "بي آي تي مايننغ" (BIT Mining)، وهي شركة مزودة للتعدين، تقوم أيضاً بتوسيع خدماتها لتشمل خدمات الإيداع: "نعتقد أنَّ (إثبات العمل) و(إثبات الإيداع) سيتعايشان لفترة من الوقت بعد التبديل".

إرباك وحيرة

في هذا السيناريو، يمكن أن تكتنف عمليات تبادل العملات المشفَّرة والمستخدمين، الإرباك والحيرة من أمرهم بشأن سلسلة "إيثر" التي يمتلكونها أو يتداولونها. سيعني وجود شبكتين أنَّ هناك المزيد من العمل أمام مطوري التطبيقات، كما يقول ديتر شيرلي، كبير مسؤولي التكنولوجيا في "دابر لابس" (Dapper Labs)، الشركة المصنّعة للعبة تربية القطط القائمة على "إيثريوم"، "القطط المشفرة" (CryptoKitties).

يقول شيرلي: "إنَّ حدوث تفريع مثير للجدل، من المحتمل أن يسرّع خروجنا من أنظمة إيثريوم".

قد تفكر "دابر لابس" في نقل "القطط المشفَّرة" إلى "بلوكتشين" خاص بها، ولمسارها الخاص، كما يقول شيرلي.

من المحتمل جداً أن يحدث التفريع، أو على الأقل أن يتم إصدار الكثير من الانتقادات العامة؛ لأنَّ العديد من معدّني "إيثريوم" لا يعرفون على ما يبدو أنَّ الدمج قادم. يتواصل مطوّرو "إيثريوم" حول الدمج على "ديسكورد" (Discord)، و"تلغرام"، وتطبيقات المراسلة التي لا يستخدمها العديد من المعدّنين بحسب بيكو.

يضيف أنَّ تجمعات التعدين، التي توفر معظم طلبات المعاملات على "إيثريوم" اليوم، تأخذ نسبة مئوية من أرباح المعدّنين، ومن مصلحتها عدم إخطار أعضائها بعملية الدمج، إذ يستمر التعدين على الأقل حتى ترقية الشبكة.

يقول بيكو: "أنا أكثر قلقاً بشأن الأشخاص الذين لا يعرفون أنَّ هذا يحدث أيضاً، وهم يشترون مُعدن بقيمة 3000 دولار، وبعد ثلاثة أشهر سيتوقف عن العمل... إنَّ البدء في التعدين اليوم فكرة سيئة".

هل التأجيل وارد؟

لا يعتقد بعض المعدّنين أنَّ الدمج قادم حقاً، لأنَّه تم تأخيره في الماضي.

يشرح بيكو قائلاً: "هناك الكثير من الشكوك، لأنَّ (إيثريوم) وعدت بطرح (إثبات الإيداع) لمدة خمس سنوات.. من الصعب إقناع الناس هذه المرة بأنَّها حقيقية".

سيؤدي إغلاق السلسلة القديمة لـ"إيثريوم" إلى إرسال موجات من الصدمة عبر صناعة العملات المشفَّرة. ومن خلال البحث عن استخدامات أخرى لمعداتهم، سينقل المعدّنون أجهزتهم إلى سلاسل أخرى مماثلة مثل "دوج كوين"، و"لايت كوين"، و"مونيرو". يقول سام دكتور، كبير المسؤولين الاستراتيجيين في " بيتوودا" (Bitooda)، وهي شركة تكنولوجيا مالية للأصول الرقمية، إنَّ معدل التجزئة سيزداد على تلك السلاسل الأخرى بمعدل 5 إلى 10 مرات بين عشية وضحاها، ويمكن أن تنخفض الإيرادات الإجمالية لهذا النوع من التعدين بنسبة تصل إلى 90%، مما سيدفع العديد من المعدّنين إلى ترك العمل.

يقول "دكتور"، إنَّ المعدنين في الولايات المتحدة سيتجهون نحو عملاء خارج صناعة التشفير، في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي وتسلسل الجينوم، لكنَّ أحداً منهم ليست لديه أي خبرة في اكتساب العملاء.

قد يستفيد المستثمرون من عملية الدمج. إذ يقول بيكو، إنَّ عدد العملات المشفَّرة الجديدة الصادرة على "إيثريوم" كمكافآت لطلب المعاملات سينخفض 50% إلى 90%، إذ ستقدّم سلسلة (إثبات الإيداع) مكافآت أقل.

وفقاً لمزوّد خدمات الإيداع "ستاكينغ" (Staking)؛ فإنَّه من المحتمل في العامين المقبلين أن تزيد كمية "إيثر" المستخدمة للتخزين من 8% إلى 80%، وسيؤدي ذلك إلى تقليل تداول "إيثر"، مما قد يؤدي إلى ارتفاع قيمتها.

استخدام "إيثر"

سيتمكّن "المودعون" من استخدام عملة "إيثر" التي يتلقونها كمكافآت لإتمامهم طلب المعاملات، ولكنَّها ليست "إيثر" التي يودعونها حالياً، على الأقل حتى إصدار ترقية جديدة للبرنامج، والمتوقَّع صدورها بعد ستة أشهر أو نحو ذلك من الدمج. لذا؛ فإنَّ المودعين غالباً سيحتفظون بـ"إيثريوم" التي يملكونها لفترة أطول مقارنة بالمعدّنين، الذين سيحتاجون على الأرجح إلى بيع بعضها لتغطية تكاليف الكهرباء، كما يقول كايل سماني، المؤسس المشارك لشركة "مولتيكوين كابيتال" (Multicoin Capital).

بعد الدمج، يجب أن ينخفض ​​استهلاك الطاقة لشبكة "إيثريوم" بأكثر من 99%. لطلب المعاملات على شبكة "إثبات الإيداع"، يمكن للمدقق استخدام كمبيوتر محمول متطور بدلاً من مصف الخوادم. من المتوقَّع أن تستهلك عملية إثبات "إيثريوم" بالكامل حوالي 2.62 ميغاوات - أي ما يعادل استهلاك بلدة صغيرة فيها 2100 منزل أمريكي. وعلى النقيض من ذلك؛ فإنَّ الإعداد الحالي لشبكة "إثبات العمل" يستهلك طاقة بلد متوسط الحجم.

يقول بن إيدنغتون، مالك المنتج الرئيسي في "كونسينسيس" (ConsenSys)، التي تبني البنية التحتية لـ"بلوكتشين" التي تستخدمها "إثيريوم": "حتى ابنتي، لاحظت هيستيريا صعوبة استعمال الرموز غير القابلة للاستبدال... أتوقَّع أنَّ تحرير أنفسنا من سلبيات (إثبات العمل) سيساعد بالتأكيد في جعل تطبيقات مثل التمويل اللامركزي والرموز غير القابلة للاستبدال أكثر قبولاً اجتماعياً، مما يؤدي إلى اعتماد سريع وأوسع نطاقاً".

سيعتمد الكثير بالطبع على ما إذا كانت عملية الدمج ستسير بسلاسة أم لا. يقول إيدنغتون: "إذا قمنا بعملنا جيداً؛ لن يلاحظ أحد اللحظة التي تنتقل فيها (إيثريوم) من (إثبات العمل) إلى (إثبات الإيداع)".