كيف يستهل البنك المركزي الأوروبي تطبيع سياسته النقدية؟

تحتاج رئيسة البنك المركزي وزملاؤها لدليل جديد لخوض غمار الفترة المتقلبة للنمو والتضخم

كريستين لاغارد
كريستين لاغارد المصدر: بلومبرغ
Lena Komileva
Lena Komileva

Lena Komileva is managing partner and chief economist at G+ Economics, an international market research and economic intelligence consultancy based in London.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

وضعت الحرب الأوكرانية أوروبا بمواجهة اضطرابات أكبر في سلاسل التوريد وارتفاع أسعار المواد الخام، وهي مشاكل تفاقمت نتيجة اعتماد المنطقة على الطاقة الروسية.

يجب على البنك المركزي الأوروبي أن يجد طريقة للحماية من صدمة التضخم الموسعة والتباطؤ الاقتصادي، كل ذلك فيما يتراجع عن دعم الأسواق المالية في خضم الاضطرابات المتزايدة في أسواق السندات والسلع العالمية.

تحتاج رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد وزملاؤها صانعو السياسة لدليل جديد لخوض غمار الفترة المتقلبة للنمو والتضخم والأسواق التي تنتظرنا بدل الركون للمسار المحدد مسبقاً "لتطبيع" السياسة.

أسبوع ساخن في انتظار البنوك المركزية.. هل تتغير خريطة الفائدة حول العالم؟

كشفت الجائحة الطبيعة المعقدة والهشة لسلاسل التوريد. حيث تعني العقوبات المتزايدة على روسيا أن لا مناص أمام القارة من البحث عن مورِّدين تجاريين جدد وإعادة هيكلة طرق التسليم في جميع الصناعات الرئيسية، بدءاً من الطاقة ووصولاً إلى المعادن والأسمدة، مع رفع أثر الصدمة الفورية الناجمة من اضطرابات الأعمال وهبوط ثقة المستهلك بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والغاز والسلع الاستهلاكية. تتجاوز واقعياً هذه القضايا ما يمكن للحكومات أو البنك المركزي السيطرة عليه.

كما تواجه منطقة اليورو صدمة هيكلية في الطلب. تعني زيادة التكاليف المرتفعة للمواد الخام شاملة الوقود والسلع الزراعية ومعادن "الطاقة الخضراء"، وهي من صادرات روسيا الرئيسية، تعني انخفاضاً دائماً فيما يمكن أن تنفقه الشركات والأسر على أشياء أخرى، ما يؤدي لانخفاض الاستثمار وخلق فرص العمل في المستقبل.

خطر الركود

يُقدِّر البنك المركزي الأوروبي أن ضريبة الأمر الواقع الناتجة عن ارتفاع تكاليف الطاقة، قللت من دخول المستهلكين وأرباح الأعمال بمقدار 150 مليار يورو (163.7 مليار دولار) في الربع الأخير من 2021 مقارنة بسابقه. سترتفع الحصيلة النهائية فقط كلما طالت حرب أوكرانيا، التي تُعطّل أسواق السلع، ما يزيد خطر حدوث ركود العام المقبل.

كانت النتيجة ارتفاع التضخم إلى 7.5% في منطقة اليورو، وهو أعلى بكثير من هدف البنك المركزي الأوروبي وهو 2%. كما أن معدلات التضخم مرتفعة عالمياً، ما يعكس اختناقات سلاسل التوريد ونقص الاستثمار في الصناعات الرئيسية، إلا أن ظروف الطلب في منطقة اليورو تختلف، فعلى سبيل المثال، لم يشهد سوق العمل في منطقة اليورو ترك العمال لوظائفهم أثناء الإغلاقات وعدم عودتهم إليها بنفس الدرجة التي شوهدت في الولايات المتحدة، أو استنزاف المهارات الذي شهدته بريطانيا بسبب خروجها من الاتحاد الأوروبي. لذا ظل نمو الأجور حتى الآن ثابتاً لحد كبير ضمن منطقة الراحة للبنك المركزي الأوروبي.

عضو بـ "المركزي الأوروبي": توقعات رفع الفائدة في 2022 "واقعية للغاية"

لا يملك البنك المركزي الأوروبي خيارات جيدة لتخفيف التضخم في الواقع، حيث إن ارتفاع أسعار الطاقة 40% عن العام الماضي ونمو الطلب في منطقة اليورو بشكل كبير، يجعل الطريقة الوحيدة لإعادة التضخم إلى الهدف، إن لم تكن العثور على مصدر جديد للطاقة الرخيصة كبديل عن روسيا، هي تدمير الطلب. يعني هذا رفع أسعار الفائدة بشكل حاد رغم أن اضطرابات الإمدادات تُجبر الشركات على خفض الإنتاج وتقويض القدرة الشرائية للمستهلكين. لن تحمي زيادات أسعار الفائدة الشركات والمستهلكين من ارتفاع تكاليف الطاقة فحسب، بل ستجعل تكاليف الاقتراض المرتفعة الأمر أكثر تكلفة على الحكومات لتجنب الركود، خاصة بالنسبة لأكبر المدينين في القارة مثل إيطاليا وإسبانيا.

بلدان مثقلة

كما قد يؤدي إلغاء عمليات شراء الأصول من البنك المركزي الأوروبي لارتفاع عائدات السندات السيادية من البلدان المثقلة بالديون في الجنوب أكثر من تلك المحافظة مالياً في الشمال، ما يزيد تكاليف رأس المال التجاري ويُبطئ النمو لجزء كبير من القارة حتى قبل زيادة أسعار السياسة. تعني نهاية التيسير الكمي تعديلاً مؤلماً للاقتصاد الذي اعتمد على شراء البنك المركزي الأوروبي للسندات الحكومية للحفاظ على احتكاكات السوق في أعقاب أزمة الديون السيادية في المنطقة. هذا هو الحال بشكل خاص بالنسبة لإيطاليا، أكبر مقترضي أوروبا بدين يبلغ 2.7 تريليون يورو، أي 150% من الناتج المحلي الإجمالي، ويبلغ متوسط تكلفته 6% قبل أن يطلق البنك المركزي الأوروبي برنامج الشراء الطارئ خلال الجائحة في 2020، وهو أعلى بكثير من نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي في المستقبل.

الحرب تؤخر خروج البنك المركزي الأوروبي من التيسير الكمي

بدل التمسك بمسار محدد مسبقاً في تطبيع السياسة النقدية، سيكون أفضل مسار عمل للبنك المركزي الأوروبي هو الحفاظ على المرونة للاستجابة للمقايضة الناشئة بين مخاطر النمو والتضخم وسط الأسواق الأكثر تقلباً. أي سيتعين على البنك المركزي الأوروبي أن يتعلم ويتصرف مع تغير الظروف. يتطلب هذا مقاربة تدريجية لكيفية استعداد البنك المركزي للخروج من أدوات عصر الجائحة الخاصة بشراء الأصول الكبيرة وأسعار الفائدة السلبية. كما يحتاج صانعو السياسات للذكاء حيال كيفية تعديل توجيهات أسعار السياسة استجابةً للتضخم الأسرع، والتمييز بين التضخم المدفوع بالطلب والمدفوع بالأجور وصدمة العرض الخارجية للدخل الحقيقي والنمو.

كما ستكون المرونة أمراً بالغ الأهمية فيما يخص كيفية إنهاء البنك المركزي للتيسير الكمي. فقد يتطلب الأمر من البنك المركزي الأوروبي التدخل في أسواق السندات الحكومية مباشرة لمنع التقلب المفرط لتكاليف الاقتراض وحماية شروط تمويل المقرضين حتى مع سحب السيولة.

ربما تكون أعظم قوة يمكن للسياسة النقدية أن تمارسها في أوقات الحرب وعدم اليقين غير العادي الذي يحيط بالنمو والتضخم، هي ضمان وجود أسواق استثمار عامة وخاصة تتمتع بالسيولة والهدوء وتعمل جيداً.