حرب أوكرانيا تعزز نفوذ منتجي النفط في محادثات المناخ

الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي، في الوسط، ينتظر انطلاق الاجتماع الـ177 لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) في فيينا عام 2019.
الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي، في الوسط، ينتظر انطلاق الاجتماع الـ177 لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) في فيينا عام 2019. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لطالما كان منتجو النفط هدفاً سهلاً للانتقاد في محادثات قمم الأمم المتحدة السنوية للمناخ. لكن هذا العام، وفي ظل الحرب الروسية في أوكرانيا التي رفعت الطلب على الوقود الأحفوري، أصبح لديهم فرصة للرد.

مع سعي الدول الغربية يائسة للحصول على بدائل لصادرات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يعمل الكثير منهم على زيادة إمدادات الطاقة، سواء كانت نظيفة أم لا.

تقرير: بنوك عالمية كبرى ضخت 742 مليار دولار لتمويل الوقود الأحفوري في 2021

وأمر الرئيس الأمريكي جو بايدن بالإفراج عن كميات غير مسبوقة من الاحتياطات الإستراتيجية الطارئة للنفط، في حين أشارت بولندا إلى رغبتها في استخدام الفحم لما بعد تاريخ 2050، الذي حدده الاتحاد الأوروبي للوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية.

كما سافر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى المملكة العربية السعودية للمطالبة بزيادة إنتاج النفط.

آسيا تضخ 350 مليار دولار في مشروعات للغاز الطبيعي

أبرز وزير الطاقة الإماراتي، سهيل المزروعي، تغير أحوال قطاع النفط خلال مؤتمر في دبي الشهر الماضي، وقال: "شعر منتجو النفط بأنهم غير مرغوب فيهم خلال قمة المناخ (كوب 26)، كما لو كنا محاصرين في مأزق، لكننا الآن مثل الأبطال الخارقين".

تراجع المقاومة

حظرت المملكة المتحدة شركات النفط من صفقات الرعاية في قمة "كوب 26" بغلاسكو، التي أقيمت في نوفمبر الماضي، قائلة إن أهداف الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية الخاصة بتلك الشركات غير موثوقة.

وكان هذا انتصاراً لدعاة حماية البيئة، ممن انتقدوا بولندا لسماحها لشركات الفحم بإلصاق علامتها التجارية في جميع مؤتمرات "كوب" التي استضافتها في الفترة بين 2013 و2018.

طرق هذا القرار أيضاً على الوتر الحساس لدى المديرين التنفيذين في شركات النفط، بمن فيهم بن فان بيردن، الرئيس التنفيذي لشركة "شل"، الذي اشتكى من عدم الشعور بالترحيب قبل محادثات العام الماضي.

نتائج قمة "كوب 26".. طموحات مناخية هائلة تُختبر على أرض الواقع

من غير المرجح أن يواجه القطاع نفس درجة المقاومة هذا العام. فمصر، التي ستشرف على "كوب 27" في مدينة شرم الشيخ السياحية خلال نوفمبر المقبل، انضمت تاريخياً إلى مجموعة من البلدان النامية التي قاومت الضغط عليها لبذل المزيد من الجهود لخفض الانبعاثات.

وقالت مصر إنه لا ينبغي حرمان الدول الأفريقية من فرصة استغلال احتياطاتها من النفط والغاز، كما شددت على أن أولويات اجتماعات القمة هذا العام يجب أن تركز على تشجيع الدول الغنية لدفع المزيد من المال، حتى تساعد الدول النامية على الانتقال إلى الطاقة النظيفة.

تأييد الهيدروكربونات

رغم أن الإمارات، التي تستضيف قمة "كوب" في 2023، كانت المرشح الأوفر حظاً نسبياً في المنطقة فيما يتعلق بسياسات المناخ، حيث أصبحت أول دولة منتجة للنفط في منطقة الخليج العربي تضع هدفاً للوصول لصافي الانبعاثات الصفرية في أكتوبر الماضي، إلا أنها ما تزال تؤيد بالكامل الاستمرار في استخدام الوقود الأحفوري.

وترغب الإمارات في تحويل رأي قمة "كوب" نحو الهيدروكربونات بحيث تنظر لها على اعتبار أنها جزء من الحل، بدلاً من المشكلة، وفقاً لمصدر مطلع على إستراتيجية الدولة.

وقال المصدر، إن المسؤولين الإماراتيين والمصريين يعملون بالفعل عن كثب للتأكد من توافق المؤتمرين.

أمين عام "أوبك": سوق النفط قد يخسر 7 ملايين برميل يومياً بسبب العقوبات ضد روسيا

هناك أيضاً إشارات على أن المؤتمرين التاليين لقمة "كوب" عرضة لخطر تقييد أهدافهما لخدمة المصالح النفطية، بسبب العلاقة الوثيقة بين السعودية والدولتين المضيفتين.

وتعهدت الرياض بتقديم 15 مليار دولار لدعم مصر مع تعرض اقتصادها لضغوط بسبب الحرب في أوكرانيا، كما أودعت المملكة أول 5 مليارات دولار من المبلغ خلال الشهر الماضي.

قال ألدن ماير، أحد المخضرمين في قمة "كوب" وكبير المشاركين في مجموعة "إي ثري جي" (E3G) البحثية: "لطالما حاول السعوديون تخريب هذا النهج منذ البداية".

وهناك قائمة طويلة من شكاوى العلماء والدبلوماسيين حول تراجع الدولة عن الاتفاقيات العالمية لخفض الانبعاثات، وتقارير من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة تلخص أحدث النتائج العلمية.

محاولات سعودية

أضاف ماير أن السعودية قادت جهود التقليل من شأن تقرير الهيئة الرائد خلال 2018، الذي ذكر الآثار المدمرة لزيادة الاحتباس الحراري عن 1.5 درجة مئوية. كما نجح مسؤولوها -خلال وقت سابق من هذا الشهر- في الضغط من أجل التصدي لتقرير رئيسي حول إستراتيجيات خفض الانبعاثات، في مقابل صب مزيد من التركيز على تقنيات إزالة الكربون، التي من شأنها السماح نظرياً باستمرار استخراج النفط والغاز، حسبما أفاد موقع "كلايمت هوم نيوز". في حين يقول الخبراء إن الجهود يجب أن تركز على خفض الانبعاثات أولاً.

صندوق النقد الدولي: كوارث المناخ تهدّد اقتصادات الشرق الأوسط ووسط آسيا

في مذكرة قُدِّمت مؤخراً للأمم المتحدة، حذرت المملكة الدول الغنية من أن تقليل الوقود الأحفوري قد يأتي بنتائج عكسية عبر خفض الأسعار وزيادة الطلب في الدول النامية.

لم تستجب وزارة الطاقة السعودية لطلبات الاستفسار، وأعلنت المملكة عن هدف صافي الانبعاثات الصفرية الخاص بها بعد وقت قصير من إعلان الإمارات عن ذلك، رغم أنها تهدف إلى تحييد انبعاثات الاحتباس الحراري بعد الإمارات بـ10 سنوات، أي بحلول 2060.

ولا تحسب الأمم المتحدة الانبعاثات المتولدة خارج حدود الدولة، لذلك يمكن لكلا البلدين الاستمرار في تصدير الوقود الأحفوري بينما يحققون أهدافهم تقنياً.

استمرار الطلب

قالت الحكومة السعودية إنها ستستثمر أكثر في طاقتي الشمس والرياح، وستعتمد بشكل كبير على تكنولوجيا احتجاز الكربون. في الوقت نفسه، توقعت المملكة استمرار قوة الطلب على النفط لعقود من الزمن، موضحة أنها ستنفق مليارات الدولارات لتعزيز الطاقة الإنتاجية للبلاد.

حث محمد باركيندو، الأمين العام لمنظمة "أوبك"، مصر والإمارات أيضاً على إعادة تحديد ملامح الحوار بشأن النفط. وقال "إن هاتين القمتين لهما القدرة على مواجهة هذه التحديات، إلى جانب شمول الطاقة والاستثمار".

وتابع أن هذه الاجتماعات يمكنها "إعادة ضبط الوضع"، بحيث توضح أن أهداف إنتاج النفط والغاز ومكافحة تغير المناخ ليست "متعارضة".

لكن الخطر يكمن في إمكانية تقييد إنتاج الوقود الأحفوري بصورة أكبر بعد الأزمات الحالية، كما يقول جويري روغيلج، عضو المجلس الاستشاري العلمي للاتحاد الأوروبي المعني بتغير المناخ.

وسيجعل هذا من الصعب الوصول إلى الهدف الممتد لاتفاقية باريس، والمتمثل في الحد من الاحتباس الحراري، بحيث يصل إلى 1.5 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة، وهو هدف مهدد بالفعل.

أمن قومي

لكن مع ذلك، يمكن النظر إلى هذا الموقف من زاوية أخرى. فرغم أن الحرب ستجبر الدول على اتباع نهج أكثر تعنتاً لمعالجة تغير المناخ، إلا أنها قد تساعدهم أيضاً على إدراك أن أمنهم القومي يعتمد على التحول إلى الطاقة النظيفة المحلية، كما تقول كريستيانا فيغيريس، القائمة على اتفاقية باريس لعام 2015.

وأضافت: "ما أتوقع رؤيته اعتباراً من هذا العام وحتى نهاية العقد الحالي، هو تغيير لهجة التصريحات بحيث يتم الربط بين القضية والأمن القومي، حتى بالنسبة للغرب".

مع ذلك، فإن البيئة الجيوسياسية الحالية تعني أن هناك فرصة ضئيلة لأن ينتهي اجتماع قمة "كوب" -المزمع عقدها في نوفمبر المقبل- بالإجماع على الحاجة إلى التخلص التدريجي من استهلاك النفط والغاز، وفقاً لماير من مؤسسة "إي ثري جي".

إذ يتعين على جميع الدول الاتفاق على الوثيقة الختامية في نهاية القمة، ما يعني أن أي دولة بمفردها يمكن أن تعرقل العملية برمتها.

أكد المزروعي، وزير الطاقة الإماراتي، على مدى صعوبة كسب الدول الأخرى لتأييد منتجي النفط في ضوء الأحداث الأخيرة.

واختتم: "في (كوب 26)، طلبوا من المؤسسات المالية الحد من تمويل مشاريع النفط والغاز الجديدة. وبعد مرور 6 أشهر، أصبحوا يطلبون المزيد منه".