بعد غياب.. تجارة السلع الفاخرة تعود إلى الولايات المتحدة

حقائب هيرميس في متاجر الولايات المتحدة الأمريكية
حقائب هيرميس في متاجر الولايات المتحدة الأمريكية المصدر: غيتي إيمجز
Andrea Felsted
Andrea Felsted

Andrea Felsted is a Bloomberg Opinion columnist covering the consumer and retail industries. She previously worked at the Financial Times.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

من متجر "غوتشي" الممتد على مساحة 10 آلاف قدم مربعة (1 قدم مربع = 0.9 متر مربع) والذي يقع في مصنع قديم لأقلام الرصاص في سوهو، إلى متجر "هيرميس" الضخم المكّون من طابقين داخل مركز تجاري ضخم في نيوجرسي، يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية تعشق الترف.

وهذا لحسن حظّ قطاع السلع الفاخرة، فمع دخول شانغهاي في حجر صحي واحتمال تراجع الطلب في أوروبا بفعل الحرب في أوكرانيا، استعادت الولايات المتحدة زمام المبادرة مرّة أخرى في هذا العالم البرّاق.

سويسرا تحرم روسيا ساعاتها الفاخرة محاكية العقوبات الأوروبية

عودة أمريكا

ففي عام 2021، قادت الولايات المتحدة، وليس الصين، نموّ قطاع السلع الفاخرة. بعد أن أسهم تحليق أسواق الأسهم والعملات المشفرة في زيادة الثروات، فيما شجعت شيكات التحفيز الاقتصادي خلال الوباء الكثير من المتسوقين على شراء السلع الفاخرة. ولم يكتف الأثرياء بالإنفاق على حقائب "ديور" أو مجوهرات "كارتييه"، بل قادوا أيضاً الحركة في سوق الأعمال الفنية، بحسب تقرير "أرت بايسل" و"يو بي إس" لسوق الأعمال الفنية الدولي، وهو ما مكّن سوق السلع الفاخرة الإجمالي من تجاوز معدلات ما قبل الوباء.

تأثير الوباء

إلى ذلك، أسهمت بعض العوامل البنيوية في توسع مبيعات السلع الفاخرة، ففيما كانت المبيعات تتركز في محال البيع بالتجزئة في نيويورك ولوس أنجلس وسان فرانسيسكو وشيكاغو سابقاً، تغيّر الوضع اليوم. فمع نقل الكثير من الأمريكيين لأماكن سكنهم خلال الوباء، انتقل بعض سكان نيويورك إلى فلوريدا، وبعض سكان كاليفورنيا إلى أريزونا وتكساس. لكنهم لم يفقدوا شهيتهم المفتوحة على الاستهلاك، وبدلاً من ذلك غذوا الطلب على السلع الفاخرة من سكوتسدايل إلى شارلوت ومن سينسيناتي إلى ناشفيل.

هل الأمريكيون سعداء؟

أدت حركة الانتقال هذه إلى سباق على المواقع المتميزة لإنشاء متاجر للبيع بالتجزئة، وهو ما أسهم في رفع الإيجارات في المواقع الأكثر ملاءمة.

فبينما كانت العلامات التجارية تكتفي في السابق بفتح متجر ضخم في مناطق مثل "فيفث أفينيو" أو "روديو رود"، بدأت الآن تفتح متاجر كبرى في مراكز تجارية تقع في الضواحي، وتدرس إنشاء متاجر فرعية في الأحياء المحلية والبلدات السياحية التي يقصدها الأثرياء. كذلك ثمّة أسباب أخرى أيضاً تدفع للتوجه نحو الضواحي، بينها موجة السرقات التي سجلت في بعض مراكز المدن، مثل لوس أنجلس وشيكاغو.

في هذا السياق، تجري مجموعة السلع الفاخرة الفرنسية "كيرينغ" (Kering) إعادة تقييم للأماكن التي تختارها لإنشاء متاجرها، فقد عملت على افتتاح وتحديث متاجر لعلامة "غوتشي" على امتداد الولايات المتحدة، كان أولها المتجر الذي افتتح في أوستن مؤخراً. مع العلم أن "غوتشي" تحقق 27% من إيرادات الشركة في أمريكا الشمالية. ومن المقرر أن يعقب ذلك افتتاح عدد إضافي من المتاجر الجديدة في أتلانتا وساكرامنتو. وكان مركز التسوق "أميريكان دريم" في نيوجرسي أعلن مؤخراً أن مجموعة "كيرينغ" سوف تستأجر متجراً بمساحة 10 آلاف متر مربع لعلامة "غوتشي". ولم يقتصر تركيز "كيرينغ" على العلامة الأكبر ضمن مجموعتها، بل امتد أيضاً ليشمل علامات أخرى مثل "سان لوران" التي وسعت هي الأخرى تواجدها في مركز "أميريكان دريم".

وسط الحرب.. إعادة قطع فنية روسية من مؤسسة برنار أرنو في باريس إلى موطنها الأصلي

توسّع الترف

"إل في إم إش مويت هنسي لوي فيتون" التي تحقق 26% من إيراداتها في الولايات المتحدة، تنشط هي الأخرى على هذا الصعيد. حيث أنشأت متجراً جديداً لعلامة "لوي فيتون" في "هادسون ياردز" في مانهاتن، ليحلّ مكان متجرها السابق في مركز تسوق "نيمان ماركوس" الذي أغلق أبوابه. كذلك، تقوم "إل في إم إش" بتجديد متاجر "تيفاني" بعد أن استحوذت على علامة المجوهرات في العام الماضي. ولكن باعتبارها أكبر مجموعة للسلع الفاخرة في العالم، فإنها تستطيع التوسع أكثر على الأرجح.

"كيرينغ" و" إل في إم إش" ليستا الوحيدتين الناشطتين على هذا الصعيد. فمجموعة "لانفين" (Lanvin) التي تضمّ بين مالكيها الشركة الاستثمارية الصينية "فوسون" تخطط لإدراج أسهمها في بورصة نيويورك بواسطة شركة شيك على بياض، على أن تستخدم جزءاً من أرباحها من أجل افتتاح 200 متجر خلال السنوات الثلاث المقبلة في آسيا والولايات المتحدة.

تهديدات طفرة الرفاهية

مع ذلك، تواجه كافة شركات السلع الفاخرة التي تتوسع في الولايات المتحدة خطر انفجار فقاعة الترف الأمريكية.

إذ كانت مجموعة تأثيث المنازل الفاخرة "أر إتش" (RH)، المعروفة سابقاً باسم "ريستوريشن هاردوير" (Restoration Hardware) حذّرت الأسبوع الماضي من أن الطلب قد خفّ إثر الغزو الروسي لأوكرانيا في نهاية فبراير. حتى اليوم، ولم ينعكس هذا الأمر بعد على مبيعات السلع الفاخرة في الولايات المتحدة على الرغم من أن زيارات المتاجر تراجعت في مارس الماضي، بحسب شركة "بلاسر" (Placer.ai) المختصة بتقييم زيارات المتاجر.

هذه الطفرة في السلع الفاخرة مهددة أيضاً بتراجع الأسهم الأمريكية خلال هذا الربع من العام، وانخفاض قيمة "بتكوين" إلى النصف بين نوفمبر ويناير (على الرغم أنها استعادت بعض مكتسباتها). وفيما قد لا يتأثر الأثرياء بالتضخم، الذي أدى مثلاً إلى ارتفاع أسعار حقائب "شانيل"، إلا أن الأشخاص العاديين ربما باتوا ينفقون أكثر على الحاجيات الأساسية، فلا يتبقى لديهم ما يكفي لينفقوه على الأشياء التي يتمنون اقتناءها، مثل معطف من "مونكلير" أو حذاء من "بيربيري".

"كارتييه" مدينة بتصاميمها للفن الإسلامي

مع ذلك، وعلى الرغم من أن الأفق الاقتصادية تبدو داكنة في أنحاء أخرى من العالم، إلا أن الولايات المتحدة عادت لتكون شعلة الأمل في قطاع الترف.

الترف خلال الأزمات

انسحبت شركات السلع الفاخرة من روسيا منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، متخلية عن أرباحها في البلاد التي تتجاوز حصتها 5% من مبيعاتها الإجمالية. مع ذلك، قد يكون للحرب تأثير غير مباشر في أوروبا، إذ يمكن اعتبار الحقائب الثمينة والساعات السويسرية احتياطات قيّمة في وقت الأزمات، لكن مع تزايد حالة عدم اليقين، قد يتراجع الإقبال عليها. وفي غضون ذلك، ربما يتردد السياح من الولايات المتحدة وبعض أنحاء القارة الآسيوية في زيارة أوروبا.

كيف تخلق سياسة "الرخاء المشترك" ذوقاً جديداً للأزياء في الصين؟

إلا أن القلق الأكبر بالنسبة للقطاع سببه الصين. فبعد المخاوف التي أثيرت العام الماضي من أن تؤدي مبادرة "الرخاء المشترك" التي أطلقها الرئيس شي جين بينغ إلى كبح استعراض الثروة المفرطة. كما أن شانغهاي، المُساهمة الأكبر في مبيعات السلع الفاخرة في الصين، تدخل في حجر صحي جديد، سيكون له تأثيره على الصناعة. وبالتالي، ليس من الغريب أبداً انخفاض قيمة مجموعات السلع الفاخرة.

مع ذلك، فإنه من المتوقع على المدى الطويل، أن تقود الصين النموّ في قطاع الترف، مع توجّه أكبر تجمّع للمستهلكين في العالم نحو شراء السلع الفاخرة. لكن إلى ذلك الحين، لا زال المتسوقون في حيّ ميت باكينغ في نيويورك الذين ينتقلون بين مقهى "ستاربكس ريزرف" الراقي ومتاجر "هيرميس" و"روليكس" المجاورة، يشكلون بديلاً مؤقتاً مفيداً للقطاع.