بالنسبة للأسواق.. كن متشكِّكاً دائماً لا متشائماً أبداً

متداول في بورصة نيويورك بعد مضي خمسة أيام من الخسارات المتتالية
متداول في بورصة نيويورك بعد مضي خمسة أيام من الخسارات المتتالية المصدر: غيتي إيمجز
Jared Dillian
Jared Dillian

Jared Dillian is the editor and publisher of The Daily Dirtnap, investment strategist at Mauldin Economics, and the author of "Street Freak" and "All the Evil of This World." He may have a stake in the areas he writes about.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

هناك نوع من البحوث الاستثمارية يتنبأ باستمرار بوقوع كارثة اقتصادية أُسمّيها: "الانهيار الكلي". وقد نال هذا النوع من البحوث شعبية كبيرة مؤخراً. حتى بات يبدو اليوم أن الجميع خبراء في الاقتصاد الكلي، وجميعهم يتوقعون حدوث انهيار من نوع ما.

بالنسبة لهذه المجموعة، هناك دوماً ما يدعو للقلق. وفي هذه الأيام يتعلق الأمر بشكل أساسي بالتضخم وكيفية تصاعد أسعار السلع بشكل لا متناهٍ بسبب النقص في كل مادة خام قابلة للتداول تقريباً. كما أن النفط يعد محط تركيز خاص أيضاً، حيث يتوقع المتنبئون بنظرية الانهيار الكلي أن يكون سعر الأساس لبرميل خام غرب تكساس بمتوسط 200 دولار أو أعلى من ذلك بكثير. في حين بدأ البعض في التركيز حالياً على الزراعة، وهناك نقاش مفتوح على "تويتر" حول مجاعة وشيكة.. في الولايات المتحدة!

كوني شخصاً مؤمناً بتأثيرات التضخم إلى حد ما، فأنا أتعاطف مع هذه الآراء. فعلى سبيل المثال، سأوافق الرأي الذي يقول إن حالة صعود السلع الزراعية مبنية بقوة على ارتفاع أسعار الأسمدة، وهو الأمر الذي سيُحفز المزارعين على استخدام كميات أقل من الأسمدة، وسيؤدي بدوره إلى انخفاض غلة المحاصيل الزراعية. إلا أن بعض التوقعات متطرفة جداً لدرجة أنها باتت تذهب إلى حد السخافة المطلقة. حيث سيتطلب حدوث مجاعة في الولايات المتحدة أن تحدث الكثير من الأمور الخاطئة في الوقت ذاته بالضبط. وبالتالي يمكنني أن أصف هذه الآراء بأنها مبالغ فيها لحد كبير.

مزارعو القهوة يعيشون "حالة طوارئ كبرى" بسبب ارتفاع أسعار الأسمدة

لكن لا يتعلق الأمر فقط بالتضخم المفرط. فهناك فرع من أفكار الانهيار الكلي يُركّز على ارتفاع الدولار، الذي سيؤدي إلى الانكماش، والذي سيؤدي بدوره إلى انخفاض عوائد السندات. ولأصحاب أطروحة نظرية (الدولار-الصعود-الانكماش-الدمار) هذه العديد من المناصرين. عن نفسي، أنا لا أفهم هذه النظرية، ولست مهتماً بأن أفهمها حقيقة. وبينما قد تظن أن ارتفاع التضخم من 2% إلى 8% في عام واحد سيُضعف مصداقية هؤلاء الناس، إلا أن أصواتهم أعلى من أي وقت مضى.

ماذا تعلمنّا من الجائحة؟

فضلاً عن ذلك، يعتقد الكثير من الناس أن الاقتصاد معرض للحوادث، وأن الصدمات تحدث في أحيان كثيرة، وأن الأخطار تهدد بإغراق الاقتصاد في ركود عميق، وما جائحة كوفيد-19 إلا مثالاً على ذلك. إلا أن هؤلاء الناس تعلّموا الدروس الخاطئة من الجائحة، وهي أن الاقتصاد معرض للحوادث دائماً، بدلاً من التعلم بأن الاقتصاد في الحقيقة هو مقاوم لهذه الحوادث. فعلى الرغم من كل ما حدث، لم يكن هناك سوى أربع حالات هبوط كبيرة في الأسواق خلال المئة عام الماضية. ونحن نعلم جيداً سبب انهيار السوق، ولكننا لا نملك أدنى فكرة عن سبب صمودها.

ورغم ذلك، فإن النشرات الإخبارية المتشائمة تبيعُ أكثر، وهذا على الأرجح هو سبب عدم بيعي للعديد من النشرات الإخبارية هذه الأيام، فأنا ممن يقولون بأن كل شيء سيكون على ما يرام. وبصراحة، تكون حجج الهبوط دائماً أكثر إقناعاً من حجج الصعود لأنها تبدو أكثر ذكاءً. وغالباً ما تكون مغرية بالنسبة للمستثمرين المبتدئين. بالإضافة إلى ذلك، من الصعب ببساطة تطبيق استراتيجيات الهبوط. وهنا أذكرُ أني في عام 2012، تناولت غداء مع مستثمر مبتدئ في مدينتي ميرتل بيتش، في ساوث كارولينا، وقد كان مقتنعاً بأن سوق الأسهم على وشك الانهيار. حينها سرعان ما استطعت تحديد مصدر معلوماته، واقترحتُ عليه التخلّي عن تُرّهات التنبؤ بالدمار هذه. على إثر ذلك شعر هو بالإهانة، ولم أتحدث معه منذ ذلك الحين. لكن في الواقع، ارتفع مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنسبة 250% منذ نهاية عام 2011.

التشاؤم ليس مجديّاً

التفكير بأن أشياء سيئة ستحدث طوال الوقت، وأن تكون متشائماً متوقعاً هبوط الأسواق بشكل رتيب دوماً، ليس بالأمر المُجدي على الإطلاق. في المقابل، فإنه من الجيد أن تكون مشكّكاً، وهناك فرق بين الحالتين. فعلى سبيل المثال، اعتقدتُ أن هناك أسئلة جيدة تُطرح حول الآثار السلبية للاستثمار في المؤشرات قبل بضع سنوات، وكنتُ أحد الأشخاص الذين طرحوا هذه الأسئلة. وأشرتُ إلى أن التدفقات إلى صناديق المؤشرات تُركّز الملكية على حفنة من أسهم الشركات الضخمة، ما أدى إلى ظاهرة تكبر فيها الأسهم الكبيرة وتسيطر على عوائد المؤشر، ما يجعل من الصعب على المديرين النشطين التفوق في الأداء، وهذا بالضبط ما حصل بالفعل.

لماذا تفوقت الإدارة النشطة للاستثمارات في 2021؟

في هذا الإطار، كان هناك الكثير من المتشككين حيال استراتيجية استثمار كاثي وود المتمثلة في شراء أغلى شركات التكنولوجيا ذات التقنيات الواعدة، وقد حصل هؤلاء على مردودات جيدة في حال أصابوا في توقيت الصفقات. حيث إن الأصل في الحجج المتشككة هي المعرفة بوجود عدم توازن أو اختلال، لكنها على الأرجح ستستمر لأن الأسواق دائماً ما تُصحِّح. ومن هنا فإن كونك متشككاً، ولست متشائماً حيال هبوط الأسواق، يُبقيك بعيداً عن المشاكل.

جرعة صحِّية من التشكك

من جهة أخرى، فإنه من المؤكد أن كونك متفائل بالصعود بشكل رتيب دوماً يعد أقل حماقة بقليل من التشاؤم دائماً. إذ إن الأسهم ترتفع بمرور الوقت مع زيادة الأرباح والنمو الاقتصادي، كما يعلم الجميع. مع ذلك، لا توجد قاعدة ثابتة تفيد بأن الأسهم يجب أن ترتفع. فقد شهد التاريخ بين عامي 1929 و1946 هبوط الأسهم لمدة 17 عاماً متواصلة، وهذه مدة طويلة لتطلب خلالها من المستثمر أن يتبع استراتيجية متوسطة التكلفة بالدولار (DCA) على الأصول. وعلى الرغم من العلم بأن الأسهم عادة ما ترتفع بمرور الوقت، فإنه من المنطقي السعي نحو تحقيق مكاسب مستقبلية مع الإبقاء على جرعة صحية من التشكك للمساعدة في إدارة مخاطر استثماراتك.

في نهاية الأمر، لاشك بأن حشد مناصري نظرية الانهيار الكلي يتكوّن من أشخاص أذكياء جداً، ومن المؤكد أنه من الممتع التسكع معهم. بالإضافة إلى ذلك، من الجيد أن تكون لديك مجموعة متنوعة من الآراء التي تتحدى الافتراضات الراسخة. وليس سراً أن الصفقات الكبيرة تبدأ عادة مع مجنون يُغرّد بشكل ما، مثل مايكل بيري في فيلم "ذا بيغ شورت" الشهير. وربما يستطيع حشد الانهيار الكلي أن يثبت أنه على حق في هذه المرة. لكن من المؤكد أن معدلات التضخم المرتفعة الحالية لا تبدو وكأنها ستنخفض في أي وقت قريب، على الأقل دون اتخاذ إجراءات صارمة من جانب الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما يبدو متردداً في فعله. لكن، مَن أحاول أن أخدع؟ كل شيء سيكون على ما يرام. ربما.