هل "الاحتياطي الفيدرالي" جاهز لتقديم دعم طارئ لسوق السلع؟

تقلبات أسعار المعادن والسلع الأساسية قد تكون لها عواقب بعيدة المدى، وهو ما يفرض على بنك الاحتياطي الفيدرالي التدخل في أي لحظة
تقلبات أسعار المعادن والسلع الأساسية قد تكون لها عواقب بعيدة المدى، وهو ما يفرض على بنك الاحتياطي الفيدرالي التدخل في أي لحظة المصدر: بلومبرغ
Steven Kelly
Steven Kelly

Research Associate at the Yale Program on Financial Stability

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

على الرغم من أن العقوبات المفروضة على روسيا - إحدى أكبر الدول المصدرة للمعادن والمواد الهيدروكربونية - تعتبر مبررة، إلا أنها تحمل معها آثاراً مدمرة على أسواق السلع المضطربة فعلاً، بما ينذر بعواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي. ومن أجل تفادي الأضرار التي لا داعي لها، ينبغي على المسؤولين أن يكونوا مستعدين لمواجهة هذا التحدي الاستثنائي برد فعل استثنائي لا يقل عنه. أما رد الفعل هذا، فيتمثل في تقديم دعم طارئ من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.

خلال الأسابيع الأخيرة، أسفرت حالة عدم اليقين بشأن كيفية تأثير الحرب والعقوبات على العرض، عن تقلبات حادة وارتفاع أسعار كل شيء، من النفط إلى النيكل. حتى إن الأسعار تضاعفت في بعض الحالات، أكثر من مرة في أيام معدودة. وقد دفعت هذه التقلبات بدورها، المقرضين وغرف المقاصة، إلى المطالبة بمزيد من الضمانات لدعم المراكز المالية للناشطين في السوق، والتي تشهد توسعاً سريعاً أدى في بعض الحالات، إلى زيادة الطلب على السيولة النقدية عشرة أضعاف.

اقرأ أيضاً: "جيه بي مورغان": أسعار السلع قد تقفز 40% مع زيادة شرائها للتحوط من التضخم

أدت تعقيدات سلاسل التوريد والتي نجمت عنها زيادة أحجام السلع في عمليات النقل، إلى فرض ضغوط هائلة على الموارد المالية لبعض أكبر الشركات التجارية على مستوى العالم، على غرار شركات "غلينكور" (Glencore) و"ترافيغورا" (Trafigura) و"فيتول" (Vitol) – وهي الضغوط التي اضطرت معها بورصة لندن للمعادن في الآونة الأخيرة، إلى وقف عمليات تداول النيكل، لتفادي سلسلة من حالات التخلف عن السداد.

اقرأ المزيد: أمريكا تُنافس بورصة لندن للمعادن باجتذاب متداولي النحاس

من الممكن أن تكون التداعيات طويلة الأجل، إذ إن الشركات التجارية تلعب دوراً مركزياً في ضمان وصول الإمدادات إلى المستخدمين النهائيين، وبالتالي، فإنها إن لم تتمكن من اقتراض الأموال اللازمة للحفاظ على مراكزها، فقد يواجه إنتاج السلع التي تتراوح من البنزين إلى السيارات الكهربائية، صعوبات كبيرة، ما يسفر في النهاية عن تفاقم حدة دوامات الأسعار والمشكلات اللوجستية، مع الأخذ في الاعتبار أيضاً أن نقص الغذاء، وتقنين الكهرباء أو حتى انقطاع التيار الكهربائي، هي أمور يمكن حدوثها في أي وقت.

لقد أنشئت البنوك المركزية أصلاً، لمعالجة مثل هذه الإخفاقات في السوق. وهي، من خلال توفير قروض طارئة مقابل ضمانات جيدة، أو عبر استعدادها لشراء الأصول بشكل مباشر، تقدم حلاً مؤقتاً وبديلاً عن التمويل الخاص، إلى أن تنتهي الأزمة. وهذا بالفعل ما قام به كل من بنك الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي في بداية جائحة كورونا، حيث مدّد الاحتياطي الفيدرالي خلال تلك الفترة دعمه لأسواق السندات المحلية وديون الشركات. وفي العادة، قد يكون مجرد التعهد بتقديم الدعم، هو كل ما نحتاج إليه لتسيير عمل الأسواق مرة أخرى.

التردد في الدعم

حتى الآن، ورغم ذلك، كان محافظو البنوك المركزية مترددين في توفير الدعم لسوق السلع الأساسية. رفض البنك المركزي الأوروبي دعوة من "الاتحاد الأوروبي لتجار الطاقة" (European Federation of Energy)، لتقديم تمويل طارئ لأعضاء البورصة وغرف المقاصة، على أساس أن القوانين الخاصة به لا تسمح بتوفير دعم من هذا القبيل. لكن ماذا عن بنك الاحتياطي الفيدرالي؟ يعطي الفصل 13 (3) من قانون الاحتياطي الفيدرالي البنك، سلطة الدخول إلى أسواق الائتمان بما يتجاوز سلطته الدائمة لإقراض البنوك. ويمكنه، بل وينبغي له، أن يكون مستعداً لاستخدام تلك السلطة، لتجنب كارثة في أسواق السلع الأساسية.

يتطلب تفعيل الفصل 13 (3) استيفاء ثلاثة شروط ذات صلة: يتعين أن تكون الظروف "استثنائية وعاجلة"؛ ويتعين تأمين عمليات إقراضه بطريقة كبيرة لحماية دافعي الضرائب من تحمل الخسائر؛ كما يتعين أن يكون المقترضون علاوة على ذلك "غير قادرين على تأمين تسهيلات ائتمانية ملائمة". تعتبر الحرب الدائرة في قلب أوروبا بكل تأكيد، مسألة عاجلة. يمتلك المشاركون في عمليات السوق أصولاً هائلة يتعهدون بتقديمها كضمان، كما إن الصعوبات التي تواجههم في الحصول على تمويل كاف، تقع في جوهر الأزمة. لا تتمثل المشكلة في ضعف الأصول - بل على النقيض من ذلك، فإن العمل المحفز الأساسي لفجوة التمويل، هو الزيادة الكبيرة في الأسعار.

التصدي للانهيار

لا شك في أن هناك خطراً من أن يشجّع الدعم الذي يقدمه البنك المركزي، على ممارسات غير مسؤولة في المستقبل. وللتخفيف من هذا الخطر الأخلاقي، يتوجب على بنك الاحتياطي الفيدرالي أن يعلن بطريقة جلية، أنه كان يتصدى لانهيار مالي محدد، وليس للتقلبات العادية في الأسعار، أو مخاطر الائتمان. لن يكون التدخل مرتبطاً بإنقاذ أطراف في السوق من سلوك المخاطرة الخاص بها، ولكن سيكون مرتبطاً بالعمل على استعادة قدرة السوق على زيادة العائدات، والدخول في مخاطر التجارة، وسط حالة طوارئ عالمية.

مما لا شك فيه أن عملية إنقاذ تجار السلع الأساسية ونظرائهم، لن تكون إجراء شائعاً. بيد أن هذا لا يمكن أن يكون الهاجس الأساسي لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي. فالأزمة الراهنة تهدد مهمته في ضمان تحقيق الاستقرار في الأسعار والتوظيف الكامل. ولذلك، يتعين على البنك أن يكون مستعداً للتدخل في أي لحظة.