الوكالات الحكومية تكافح للتعامل مع الكمّية "الهائلة" من العملات المشفرة المصادَرة

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في أحد أيام فصل الربيع، رأى سكّان إحدى القرى الواقعة غربي لندن رجلاً يُدخَل بالقوة إلى سيارة أمام أحد المنازل في الجوار. وبعد 13 ساعة من ذلك ظهر الرجل مرة أخرى مع جروح وكدمات ظاهرة عليه. حينها كان رجال الشرطة اكتشفوا أن المنزل يُعَدّ مقراً لعمليات زراعة القنّب. لكنّ تفتيشاً منفصلاً لمنزل الرجل الواقع في بلدة مجاورة، كشف عن أمر أكثر إثارة للاهتمام، إذ عثرت الشرطة هناك على بعض أول العملات المشفرة التي صادرتها شرطة المملكة المتحدة.

هذه القضية التي أنذرت ببداية عصر جديد منذ عام 2017، أسفرت عن ضبط صندوق حديدي لحفظ الودائع يحتوي على جواهر وسبائك ذهبية، و263 ألف جنيه إسترليني (345 ألف دولار) نقداً، بالإضافة إلى عنصر عُثر عليه في مكتب المشتبه به، أذهل المحقق الرئيسي في القضية، ماثيو دوركين، الخبير المحنك في شرطة بلدة سري البريطانية لمدة 19 عاماً حينها. كان ذلك العنصر عبارة عن ذاكرة تخزين "يو إس بي" عثر عليها محفوظة داخل مفكرة، كُتب عليها سلسلتان مكونتان من 12 كلمة عشوائية. بعد ذلك استطاع ضابط شاب كان لا يزال تحت الاختبار التعرّف على الجهاز الذي كان عبارة عن محفظة "كيب كي" (KeepKey) مصممة لتخزين العملات الافتراضية، وعرف أن الكلمات المكتوبة هي رموز عبارات الحفظ (seed phrase) اللازمة للوصول إلى المحفظة الإلكترونية. في النهاية، اكتشفت الشرطة أن المحفظة تحتوي على 295 عملة "بتكوين".

يتذكر دوركين، 51 عاماً، أن "ذلك لم يكن يعني شيئاً بالنسبة إليه حتى قال أحدهم إنّ قيمتها تعادل 900 ألف جنيه إسترليني".

العملات المشفرة.. مخزن للقيمة أم فقاعة؟

جرائم جديدة

خلال السنوات الأخيرة، كان على إدارات الشرطة مثل تلك التي عمل بها دوركين، ووكالات إنفاذ القانون في جميع أنحاء العالم، أن تتعلم بسرعة كيفية التعامل مع العملات المشفرة، التي غالباً ما تتجاوز قيمتها أصولاً تقليدية مثل النقود، والذهب، والجواهر، والسيارات، والعقارات. وفي لندن، على سبيل المثال، صادرت الشرطة ما قيمته 300 مليون جنيه إسترليني تقريباً من العملات المشفرة المرتبطة بالنشاطات الإجرامية خلال العام الماضي.

وحسب المتحدثة شونته كيلي، صادرت خدمة المارشال الأمريكية 22 عملة مشفرة تقدر قيمتها بنحو 919 مليون دولار في ديسمبر الماضي. كما صادرت الولايات المتحدة، في فبراير، عملات "بتكوين" تقدر بـ3.6 مليار دولار كانت سُرقت خلال عملية اختراق لبورصة "بتفينيكس" (Bitfinex) في عام 2016، في ما يُعَدّ أكبر عملية مصادَرة مالية تقوم بها السلطات الأمريكية على الإطلاق. كذلك شكلت العملات المشفرة 93% تقريباً من الأصول التي صادرها قسم التحقيقات الجنائية التابع لدائرة الإيرادات الداخلية خلال العام المالي المنتهي في 30 سبتمبر الماضي.

يقول رايان كورنر، مدير الإدارة في لوس أنجلوس: "تفاقم الأمر منذ عام 2017. نحن في مرحلة تدخل فيها الأصول المشفرة تقريباً في كل تحقيق نعمل به بطريقة أو بأخرى. ولذلك نحاول التأكد من تمتّع جميع وكلائنا بالمعرفة اللازمة للعمل في هذه القضايا".

تمثل الصفات التي تجعل العملات المشفرة جذابة للمجرمين تحدياً بالنسبة إلى وكالات إنفاذ القانون، إذ يعتقد البعض أن إخفاءها ونقلها أسهل بكثير مقارنةً بعديد من الأصول القيّمة.

التعرّف على الأدلة

في البداية، تعيَّن على المحققين تعلم كيفية التعرف على محافظ العملات المشفرة، ثم كيفية الحصول على المفاتيح الخاصة بها، أو عبارات الحفظ اللازمة لفتحها. فبعد أشهُر من اختراق منصة "غيت هاب" (GateHub) وسرقة 10 ملايين دولار من العملات الرقمية في عام 2019، احتجز قاضي التحقيق الفرنسي باسكال لاتورنالد وزملاؤه أحد المشتبه بهم، وأخضعوه للاستجواب لمدة 48 ساعة قبل أن يعطي الرمز الذي فتح محفظة تحتوي على مليونَي دولار من عملات "بتكوين". على أمل التساهل معه، اعترف المشتبه به المُنهَك بأنه كتب الرمز على قصاصة ورقية وضعها بداخل كتاب طبخ في غرفة معيشة والديه في جنوب فرنسا، وفقاً لضابط مشارك في التحقيق تحدث بشرط عدم ذكر اسمه.

إنفوغراف: كيف يرى مشاهير الاستثمار "بتكوين"؟

وحسب تيغران غامباريان، الذي عمل وكيلاً خاصاً في قسم التحقيقات الجنائية بمصلحة الضرائب الأمريكية لمدة عشر سنوات قبل الانضمام إلى منصة تداول العملات الرقمية "بينانس" (Binance) في سبتمبر، فإنه خلال التحقيق في قضايا مشابهة اكتشف عملاء الولايات المتحدة عبارات حفظ مخبأة، منها ما كتب على غلاف علبة علكة، أو بداخل دليل لتعليمات استخدام التليفزيون، أو على قطعة صغيرة من الورق محشورة في حقيبة بداخل خزانة ملابس.

وفي عام 2018 ضغط قادة الشرطة في المملكة المتحدة على الحكومة للحصول على تمويل لتجهيز نحو 250 ضابطاً، يُلقَّبون بالمستشارين التكتيكيين لجرائم العملات المشفرة، بالمعدّات اللازمة، وتدريبهم على كيفية التحقيق في تلك الجرائم، ومصادرة العملات المشفرة، وتصفيتها.

وفي فبراير الماضي، شكّل مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي وحدة جرائم العملات المشفرة التي تهدف إلى توفير المعدات، وتحليل بيانات "بلوكتشين"، وتدريب وكلاء المكتب، فيما عيّنت وزارة العدل إيون يونغ تشوي مديرةً لفريق مخصص للتحقيق في جرائم عالم التشفير. وتقول تشوي إنّ تركيزها يشمل خدمات تداول العملات الافتراضية المعروفة باسم خدمات مزج العملات المشفرة، التي تحجب تتبع مسار الأموال إلى مصدرها الأصلي. وتحدثت نائبة المدّعي العامّ، ليزا موناكو، في مؤتمر عُقد في ميونيخ، حول عمل مدّعي العموم التابعين لها بشكل أكثر مع الشركاء الأوروبيين لإنفاذ القانون في قضايا العملات الرقمية.

أما لوريل لوميس ريمون، التي عملت في عديد من قضايا غسل الأموال خلال 17 عاماً من عملها في الادّعاء العامّ الفيدرالي، فهي تعتقد أن قيمة المضبوطات الأخيرة "هائلة"، وسيكون لها أثر كبير في المدّعين. وحول ذلك، يقول ريمون، الذي يعمل حالياً في شركة "بول هيستينغز" للمحاماة: "هناك إدارات متنامية تتمتع بهذا النوع من التحليل. وأصبح المدّعون يشعرون براحة أكبر تجاه الأمر".

العملات المصادَرة

ونظراً إلى أن جهات إنفاذ القانون باتت أكثر تطوراً من حيث رصد العملات المشفرة والوصول إليها، فقد كان عليها أيضاً مواجهة تحديات تأمين تلك العملات، وتحويلها إلى سيولة في نهاية المطاف. في قضية بلدة سري، سارعت الشرطة إلى شراء محفظة "كيب كي" خاصة بها، وحولت عملات "بتكوين" المصادَرة إليها، ثم وضعت الشرطة الجهاز وعبارة الحفظ في خزينة، لم يعلم رمزها سوى ضابطين.

وكان دوركين سمع بسجن اثنين من العملاء الأمريكيين على خلفية سرقة عملات "بتكوين" في أثناء التحقيق في قضية سوق "طريق الحرير" (Silk Road)، إذ اشتهرت السوق السوداء الافتراضية المغلقة حالياً ببيع المخدرات غير المشروعة. ويقول دوركين: "كنت مدركاً تماماً للشواغل الأمنية، يمكن للأموال أن تغيّر توجهات الأشخاص. ولكن الأهمّ من ذلك كله أنني كنت قلقاً بشأن فقدان العملات المصادَرة، ولم أرغب في الوقوف أمام قائد الشرطة والإقرار باختفاء ما قيمته 900 ألف جنيه إسترليني من عملات (بتكوين)".

"العدل الأمريكية" تشكل فريقاً للتصدي لجرائم العملات المشفرة

حصل فريق دوركين على أمر محكمة كان الأول من نوعه في المملكة المتحدة، مكّنهم من تحويل العملات المشفرة إلى أموال بالجنيه الإسترليني، ومن ثم بيعت الأصول الرقمية مباشرة إلى بورصة دولية موثوق بها مقابل 1.25 مليون جنيه إسترليني، وهو سعر السوق في ذلك الوقت.

يذكر أنه عند مصادرة العملات المشفرة قد تستغرق السلطات سنوات للحصول على أمر مصادرة يسمح لها ببيعها وإعادة العائدات إلى ضحايا الجرائم أو إلى الحكومات. وفي الولايات المتحدة، لا تزال الممتلكات المصادَرة رهناً بمطالبات الأشخاص الذين يزعمون كونها من حقهم.

وفي عام 2018 داهمت السلطات في مقاطعة مونموث، نيوجيرسي، موقعين يستخدمهما تاجر مخدرات مشتبه به يدعي غيديل غونزاليس-إسترادا. وضبطت القوات مادة الكوكايين، ونقوداً، ومسدساً، بالإضافة إلى عملات "بتكوين" و"لايتكوين" و"إيثر" بقيمة 57 ألف دولار. وكان غونزاليس-إسترادا احتفظ بالعملات المشفرة داخل حساب في "كوينباس" (Coinbase). وحصلت سلطات مونموث على موافقة القاضي لمصادرة العملات الرقمية في "كوينباس"، ونقلتها إلى محفظة أنشأها المحققون. ويقول مايكل كوستانزو، نائب المدّعي العامّ للجرائم الخاصة، إنهم احتجزوا العملات داخل جهاز في قبو الأدلة. وفي عام 2019، أقرّ غونزاليس-إسترادا بالذنب، وحُكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات. وعندما وافق القاضي أخيراً على مصادرة العملات في عام 2021، أعاد المحققون العملة المشفرة إلى "كوينباس"، وحصلوا على صافي 198 ألفاً و237 دولاراً أمريكياً لصالح صندوق إنفاذ القانون في المقاطعة.

مزادات علنية

يقول كوستانزو إنّ عمليات مصادرة العملات المشفرة وبيعها باتت أقل صعوبة بالنسبة إلى المدّعين والمحققين على حد سواء. فعلى سبيل المثال، يستعدّ المدّعون في مونموث لمحاكمة مدرب تنس سابق متهم بانتحال هوية وجرائم أخرى. وفي عام 2017، صادروا عملات رقمية بقيمة 200 ألف دولار، ارتفعت قيمتها إلى 1.25 مليون دولار في العام الماضي. ويقول كوستانزو: "كان حول هذا الموضوع كثير من التساؤلات في عام 2018، لكن الآن، وفي عام 2022، إن لم يكن لدى المحققين فهم كامل لتلك القضايا فهم على الأقل يمتلكون فهماً مبدئياً لها".

عالمياً، بيعت العملات المشفرة المصادرة بالمزادات العلنية إلى جانب سيارات "فيراري"، وساعات، وقطع ألماس، وفي حالة واحدة في ألمانيا بجانب قيثارة. وفي عام 2018 تدخلت "ويلسونز"، أكبر دار مزادات مستقلة في المملكة المتحدة وأيرلندا، عندما أدركت الشركة أن هيئات إنفاذ القانون لم يكن لديها حلّ لبيع العملات المشفرة المصادرة في ذلك الوقت. وبالفعل عرضت الشركة 315 عملة "بتكوين" للبيع لصالح السلطات البلجيكية في فبراير 2019. وجذبت عملية البيع، التي حدثت عبر الإنترنت، وكذلك بحضور شخصيّ، مزايدين من أكثر من 90 دولة.

يقول أيدان لاركين، الذي أدار عمليات استرداد الأصول في دار "ويلسونز" آنذاك، إنّ امرأة متوسطة العمر اشترت نصف عملة "بتكوين" بالإضافة إلى بعض الأغراض الأخرى، وعندما أصرّت على أخذ العملة المشفرة معها في حقيبة يدها، كان على فريق المزاد تدريبها على كيفية إنشاء محفظة رقمية بدلاً من ذلك.

التعامل مع الأصول

من جهة أخرى، أجرى مجلس رؤساء الشرطة الوطنية في المملكة المتحدة، وهي الهيئة التمثيلية لجميع القوات، عملية شراء مكّنت الشرطة من الاستعانة بمتعهد تابع لجهة خارجية لتخزين وبيع العملات المشفرة. لذلك تلجأ شرطة بلدة سري والقوات الأخرى حالياً إلى "كوماينو" (Komainu)، المدعومة من شركات "نومورا" (Nomura)، و"ليدجر" (Ledger)، و"كوينشيرز" (CoinShares).

من جهته، ترك لاركن، الذي عمل سابقاً محققاً جنائياً لدى دائرة الإيرادات والجمارك في المملكة المتحدة، عمله في "ويلسونز" لبدء شركة تسمى "أسيت رياليتي" (Asset Reality)، تستهدف تقديم المشورة إلى وكالات إنفاذ القانون حول التعامل مع الأصول المصادرة، بما في ذلك العملات المشفرة.

إنفوغراف: عام 2021 شهد أكبر عدد من عمليات سرقة العملات المشفرة

كذلك واجهت خدمة المارشال الأمريكية، التي تتصرف في أصول مثل المنازل، والسيارات، والطائرات، والقوارب، والأعمال الفنية، صعوبة في العثور على متعهد لإدارة وبيع العملات المشفرة المصادرة. وخلال الفترة بين عامَي 2014 و2020، باعت الوكالة التنفيذية الفيدرالية مضبوطات العملات المشفرة بنفسها. وكان الملياردير تيم درابر أحد المزايدين الذين اجتازوا متطلبات التحقق من الخلفية الأمنية واشتروا العملات المشفرة في المزاد. وجمع الرأسمالي المغامر 30 ألف عملة "بتكوين" في عام 2014 مقابل 632 دولاراً لكل منها، قبل أن ينخفض سعرها إلى 180 دولاراً. ولا يزال درابر يحتفظ بثروته من العملات الرقمية التي تقدر قيمتها الآن بأكثر من 40 ألف دولار لكل "بتكوين" واحدة. ويقول الملياردير الأمريكي إنه اشترى عدداً أقل من العملات الرقمية في المزاد التالي، واستثمر نحو 40 منها في الشركات الناشئة، لكنه سيفكر في شراء مزيد إذا أقامت الحكومة مزادات لعرضها للبيع.

لكن قد لا تتاح الفرصة ذاتها لدرابر مرةً أخرى، فمع تضاعف العملات المصادَرة، طلبت خدمة المارشال الأمريكية عروضاً من الشركات لتخزين وبيع العملات المشفرة. وفي إطار التماسها عروضاً من المتعهدين، نشرت الوكالة 26 صفحة من الأسئلة والأجوبة في مايو 2020. وفي تلك المرحلة بلغت قيمة حافظة المضبوطات 145 مليون دولار، موزعة بين أكثر من 160 محفظة رقمية. وفي أبريل الماضي، فازت شركة "بتغو" (BitGo) بعقد قيمته 4.5 مليون دولار، غير أن الصفقة فشلت لأن العقد كان من المفترض أن يذهب إلى شركة صغيرة، فيما كانت "بتغو"، التي أصبحت الآن جزءاً من "غالاكسي ديجيتال" (Galaxy Digital)، كبيرة للغاية. وفي يوليو حصلت "أنكوراج ديجيتال" (Anchorage Digital)، التي تلقت موافقة مشروطة على ميثاق لإنشاء بنك ائتماني وطني من مكتب مراقب العملة، على عقد بقيمة 6.6 مليون دولار. لكن لا يزال العقد رهناً بالبت في طلب الطعن على قرار إرساء العطاء.

أساليب مختلفة

حالياً، تستعين خدمة المارشال الأمريكية بمنصة آمنة عبر الإنترنت لبيع وتحويل العملات الرقمية بهدف التصرف في الأصول "في الوقت المناسب وبقيمة سوقية عادلة"، كما تقول كيلي، المتحدثة باسم الوكالة.

وفي العام الماضي، أوضح دليل وزارة العدل لسياسة مصادرة الأصول كيفية تعامل المدّعين والوكلاء مع الأصول المشفرة. ونظراً إلى احتمال وجود عدة نسخ من مفاتيح المحافظ المشفرة، فإنه "من الضروري نقل العملات إلى محفظة تسيطر عليها الوكالة بمجرد الحصول على الإذن بمصادرتها"، حسب نص دليل الإجراءات. أيضاً ينبغي الاحتفاظ بالعملات المشفرة التي جرت مصادرتها في جهاز تخزين خامل، أو جهاز آمن غير متصل بالإنترنت، وذلك حتى نقلها إلى محفظة خاضعة لسيطرة الحكومة.

أما في ألمانيا فيقرر المدّعون في كل ولاية من الولايات الـ16 في البلاد كيفية إدارة الممتلكات المصادرة. على سبيل المثال، تستعين وحدة الجرائم الإلكترونية التابعة للمدعية العامة في فرانكفورت، جانا رينجوالد، بـ"بانكهاوس شايك" (Bankhaus Scheich)، وهو مصرف استثماري صغير، لضمان إدارة وبيع العملات المشفرة المصادرة في ولاية هيسن، بطريقةٍ قانونية تضمن الحد الأدنى من التقلبات. وعلى النقيض من ذلك، يعرض المدعون العموم في مدينة كولونيا العملات المشفرة التي صودرت في ولاية شمال الراين وستفاليا، للبيع بالمزاد العلني، شأنها في ذلك شأن السلع المهربة الأخرى. ويمكن للمشترين الحصول على محفظة مادية تحتوي على الرموز بشكل شخصي، أو التقدم بطلب لتحويل العملات الرقمية إلى محافظهم عبر الإنترنت.

التأخير.. ليس سيئاً دائماً

بمرور الوقت، أصبحت السلطات الألمانية أكثر كفاءة في التعامل مع العملات المشفرة، لكن التأخير في التعامل مع الأصول المشفرة ليس سيئاً دائماً. ففي عام 2018 شهدت شرطة برلين ارتفاع قيمة عملاتها المشفرة بسبب انتظارها لإزالة العقبات البيروقراطية قبل إقامة مزاد علني لبيعها.

ومن المؤكد أن كثيراً من العملات المشفرة المصادَرة اليوم هو نتاج جرائم حدثت قبل سنوات مثل اختراق بورصة "بتفينيكس" أو عمليات احتيال أخرى . لذلك يتلقّى المحققون الذين يتعاملون مع هذه الحالات تدريباً خاصاً على تحري العملات المشفرة، إذ يقولون إنه قد يكون من الأسهل تتبع الأموال عبر سجل "بلوكتشين" المالي، الذي تقوم عليه العملات المشفرة مقارنة بنظيره في النظام المصرفي التقليدي. يقول غامباريان، المحقق الجنائي السابق في دائرة الإيرادات الداخلية، الذي يشغل حالياً منصب نائب رئيس إدارة المعلومات والتحقيقات العالمية في "بينانس": "توفر منصات (بلوكتشين) الخاصة بمعاملات (بتكوين) قدراً أكبر من الشفافية مقارنةً بالنظام المالي التقليدي. وهذا رأي شخص عمل على قضايا تتعلق بكلا النظامين. لولا (بتكوين) لما أُغلق كثير من القضايا التي كنت أعمل عليها".

عملات رقمية وملياردير أمريكي وحملات تمويل جماعي.. موجة عالمية مبتكرة لدعم ثورة ميانمار

على سبيل المثال، في نوفمبر 2020 صادرت السلطات الأمريكية عملات "بتكوين" من اختراق سوق "طريق الحرير" الرقمي قبل سبع سنوات تقريباً. وعند استردادها من شخص أشير إليه في أوراق المحكمة على أنه الفرد "X" فقط، قُدرت قيمة تلك العملات بمليار دولار. وتمكّنت إدارة الإيرادات الداخلية من حل القضية بعد العمل مع شركة "تشيناليسيز" (Chainalysis) لأبحاث العملات المشفرة. يقول غورفايس غريغ، كبير مسؤولي التكنولوجيا في القطاع العامّ العالمي بالشركة: "يُعَدّ ذلك مثالاً ممتازاً على ديمومة تقنية (بلوكتشين) وثباتها، إذ تظل الجرائم المرتكبة منذ فترة طويلة ذات أهمية بمجرد حصولنا على بعض المراجع لها".

ووفقاً لمايكل شيروين، المدّعي العامّ الفيدرالي السابق، فإنّ عائدات مبيعات العملات المشفرة المضبوطة من قِبل حكومة الولايات المتحدة تذهب لدعم وكالات إنفاذ القانون إذا كانت تلك العملات استُخدمت لتسهيل ارتكاب الجرائم. أما إذا كان للجريمة ضحايا فإنهم يحصلون على المال تعويضاً، كما يقول. على سبيل المثال، قالت وزارة العدل إنها ستعيد عملات "بتكوين" المسروقة خلال عملية اختراق بورصة "بتفينيكس" إلى الضحايا، وهو إجراء قيد الإعداد في المحكمة.

مسائل شائكة

كذلك يمكن لتقلبات العملات المشفرة أن تخلق قضايا شائكة يتعين على المحاكم حلها. حول ذلك يتساءل شيرون، الذي يعمل حالياً في شركة "كوبري أند كيم" (Kobre & Kim): "إذا سُرقت منك 300 عملة في 2018، فماذا ستعطيك المحكمة؟ هل ستحصل على قيمتها في عام 2018، أم أن المحكمة سترد لك العملات التي شهدت زيادة هائلة؟". وتابع شيرون: "أعتقد أنه يتعين اللجوء إلى الخيار الأخير. يجب أن تستعيد ممتلكاتك، حتى لو زادت قيمتها".

لا شك أن الجهات التنظيمية ووكالات إنفاذ القانون باتت أكثر ذكاءً بشأن مصادرة العملات المشفرة والتصرف فيها، وينطبق الأمر ذاته على المجرمين الذين يحاولون تجنب كشف أمرهم. يقول دوركين، كبير مفتشي المباحث في سري: "الأمر ليس سهلاً بالنسبة إلينا، ولا تزال سوق العملات المشفرة شديدة التقلب. إنه أحد المجالات الإجرامية التي كان يتوجب علينا مواكبتها بسرعة كبيرة. لكن الشرطة تلعب لعبة القط والفأر، وهذا ما نقوم به".