يمارسه الأطباء من منازلهم.. علاج المرضى"عن بعد"

تُتيح التطبيقات الطبية عبر الهاتف للأطباء فرصة ممارسة الطب عن بعد بدوام كامل.

رسم تعبيري لمجال الطب الاتصالي
رسم تعبيري لمجال الطب الاتصالي رسم: Nichole Shinn
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يحمل معظم الأطباء الأمريكيين رخصة مزاولة مهنة الطب في ولاية واحدة، أما "ليندسي ماكيلفينا" (Lindsey Mcilvena) فتحمل رخصة لمزاولة المهنة في 26 ولاية؛ حيث تعلق على هذا الإنجاز بقولها: "لربما بالغت في الأمر قليلًا".

ببساطة، تزاول الطبيبة "ماكيلفينا" مهنتها عن بعد، وهي واحدة من بين عدد متزايد من الأطباء يفضلون علاج المرضى عن بعد، وهم مرتاحون في منازلهم، بل وربما وهم يرتدون بيجاماتهم، حيث يتواصل الأطباء مع المرضى عبر الدردشة المرئية، أو من خلال تطبيقات جديدة مثبتة على الهواتف الذكية تمكّن المرضى من التحدث إلى الطبيب، حول إصابتهم بنزلة برد أو للحصول على وصفة طبية.

بدأت "ماكيلفينا"، البالغة من العمر 35 عامًا، بممارسة الطب عن بعد أو ما يعرف بـ"الطب الاتصالي" كعملٍ جانبي، عندما كانت خريجة جديدة في كلية الطب بإنسنيتاس في ولاية كاليفورنيا، لتتمكن من دفع التزاماتها وتوسيع عيادتها التقليدية، إلا أنها أحبت ممارسة الطب الاتصالي لدرجة أنها حققت عام 2015 قفزة كبيرة وانتقلت إلى ممارسة مهنتها (عن بعد) بدوام كامل.

تقول "ماكيلفينا" المتخصصة في أسلوب الحياة والطب الوقائي: "لطالما أحببت المرونة وفكرة العمل من المنزل وتحديد ساعات العمل، وهاتان ميزتان لا تنطبقان على الكثير من الوظائف الطبية".

في البداية، كانت "ماكيلفينا" تستمتع بقدرتها على تلقي درس اليوجا بعد الظهر أو تناول فنجان من القهوة في منتصف النهار مع صديق، أما الآن، فهي تعمل بدوام كامل لدى شركة الطب الاتصالي الناشئة "هاي دكتور" (HeyDoctor)، التي تتيح لها علاج مرضاها عن بعد في وقت تستطيع فيه أيضًا قضاء وقتٍ كافٍ مع طفلها البالغ من العمر 16 شهرًا.

تحسين كفاءة الخدمات الصحية

ووفقًا لمعظم المقاييس، لا يزال العلاج عن بعد مهنةً تخصصية، فقد قامت دراسة نشرتها المجلة الأكاديمية "شؤون الصحة" (Health Affairs) باستطلاع نتائج المسح الذي أجرته الجمعية الطبية الأمريكية عام 2016 ووجدت أن 15.4 بالمئة من الأطباء يمارسون الطب الاتصالي.

لكن ذلك سيتغير عما قريب؛ إذ أصبح العلاج عن بعد، الذي بشرت به الأوساط الطبية منذ فترة طويلة، معروفًا بقدرته على تيسير الرعاية الصحية وتحسين كفاءتها، كما أنه قابل للانتشار أكثر، ما سيفتح الباب بدوره لطرح الأسئلة عن ممارسة الطب عبر التطبيقات الإلكترونية بالمقارنة مع معاينة المريض في عيادة الطبيب.

تجدر الإشارة إلى أن الخطط الصحية الخاصة وبرنامج "ميدياكير" (Medicare) ومعظم البرامج الحكومية ووزارة شؤون المحاربين القدامى في الولايات المتحدة الأمريكية، تغطي بعض المراجعات الافتراضية، كما فُرضت قوانين جديدة في أكثر من 35 ولاية في مقاطعة كولومبيا تُلزم شركات التأمين الخاصة بسداد تكاليف مقدمي الرعاية الصحية عن بعد.

وفي الطب الاتصالي، فإن من يتقنون التعامل مع التكنولوجيا ويتمتعون بمهارات التواصل الجيد وحدهم من يسطع نجمهم. وقادت هذه التغييرات إلى إحداث طفرةٍ في الشركات الناشئة المتخصصة في مجال الرعاية الصحية عن بعد والممولة تمويلًا جيدًا، مثل شركة "هاي دكتور" و"رومان آند هيمز" (Roman and Hims) التي تبيع الفياجرا، وبلغت قيمتها في يناير 2019 نحو مليار دولار أمريكي.

ومن خلال التطبيقات المذهلة والتسويق الكبير، تمكنت الشركات من خلق فرص عمل جديدة للأطباء وتعزيز سوق العمل الذي يعتمد على شركات مختصة بالطب الاتصالي، مثل شركة "إم دي لايف" (MDLive Inc) و"دكتور أون ديماند" (Doctor On Demand Inc)، حتى لم يعد الطب الاتصالي لبعض الأطباء، ولا سيما الذين ترعرعوا على الإنترنت، عملًا جانبيًا بل هدف مهني.

الطب الاتصالي

من جهته، صرح "بريندان ليفي" (Brendan Levy)، الرئيس التنفيذي لشركة "هاي دكتور"، الذي يحمل رخصة مزاولة مهنة الطب في 30 ولاية: "الطب الأمريكي ليس رائعًا، فأنت تقضي الكثير من الوقت في الأعمال الورقية والحديث عن التأمين وتقضي المدة ذاتها، سواء كان لديك شخص يعاني من نزلة برد أو مريض مصاب بالسرطان، وهذه ليست الطريقة الأمثل لإدارة وقت المريض أو وقتك كطبيب".

تابع "ليفي" حديثه مبينًا أن العديد من الحالات التي يراجع فيها الناس أطباء الرعاية الأولية بشأنها يمكن معالجتها عن طريق الحديث إلى الطبيب من خلال التطبيقات الإلكترونية، كما تسمح تكنولوجيا الطب الاتصالي للأطباء بتوفير رعاية صحية أفضل للحالات التي قد تستدعي زيارة مراكز الرعاية الأولية الطارئة، مثل الإنفلونزا.

في الوقت ذاته، يُعرب بعض الأطباء عن قلقهم من تقويض هذه الزيارات الافتراضية علاقة الطبيب بالمريض أو بخسها تكلفة الخدمات التي يقدمها. ومن جهتها، تدعم جمعية الطب الأمريكية الطب الاتصالي طالما أنه "يتوافق مع الخدمات الشخصية ذات الصلة"، علمًا بأن من أكبر التحديات التي يواجهها هذا الطب انصياعه لزيارات العيادة التي أصبحت قديمة.

يقول الدكتور "أتيف ميهروترا" (Ateev Mehrotra) أستاذ سياسة الرعاية الصحية في كلية الطب بجامعة هارفرد: "أثبت عدد من التجارب العشوائية المراقبة، أن الطب الاتصالي مكافئ للعلاج وجهًا لوجه"، مبينًا أن الطب الاتصالي رائع في معالجة الأمراض المتعلقة بالصحة العقلية والرعاية الطارئة، فيما يُصبح الوضع أكثر تعقيدًا عندما تتطلب الحالة فحصًا سريريًا، مثل التهاب المسالك البولية أو التهاب الحلق، قائلًا: "صمم الطب الاتصالي ليكون سريعًا وسهلًا في التعامل، ولكن الأمر يغدو أكثر تعقيدًا عندما تتطلب الحالة فحص المريض".

تعيين الأطباء

تُعين الشركات الأطباء عن طريق المواقع الإلكترونية، مثل موقع (Drop Out Club)، وهي منصة إلكترونية لتوظيف الأطباء المهتمين بممارسة الأعمال غير التقليدية، كما أطلقت شركة "إنزيم هيلث" (Enzyme Health) الناشئة المعنية بمساعدة الأطباء في العثور على وظائف عن بعد عام 2018.

وقد بينت "ميشيل ديفي" (Michelle Davey) الرئيسة التنفيذي لشركة "إنزيم"، أن الشركة وجدت أن المهارات السريرية الرائعة التي يتمتع بها الطبيب لا تعكس بالضرورة "مهاراته الإلكترونية"، ففي الطب الاتصالي، من يتقنون التعامل مع التكنولوجيا ويتمتعون بمهارات التواصل الجيد هم وحدهم من يسطع نجمهم.

وقالت أيضًا إن الشركة تهتم على حدٍ سواء بالأطباء اليافعين الذين تخرجوا للتو في كلية الطب ويطمحون لكسب المال، كما بالأطباء الكبار الذي يرغبون بالتقاعد جزئيًا دون التوقف تمامًا عن مزاولة المهنة، وتقدر أن قرابة 25 بالمئة من الأطباء يمارسون الطب الاتصالي بدوام كامل على الرغم من قولها إن هذا العدد آخذ بالازدياد مع شيوع فكرة العمل عن بعد.

"إيمي فان" (Amy Fan)، طبيبة تبلغ من العمر 30 عامًا بدأت عيادتها الخاصة لممارسة طب الأطفال عن بعد وأدارت منصتها الإلكترونية التي أطلقت عليها اسم "كندر"، لم تجد بدورها أي جدوى في النظام الصحي الحالي، حيث واجهت الكثير من الإحباط في تواصلها مع المرضى أثناء عملها كطبيبة مقيمة، نظرًا لعدم قدرة المرضى على التواصل مع الطبيب وطرح أسئلتهم بسهولة وعدم قدرة الأطباء على متابعتهم بسهولة؛ حيث تقول: "لهذا رحت أفكر في إمكانية قيامي بكل ما أفعله شخصيًا عبر الإنترنت، وتوصلت إلى نتيجة مفادها أن بإمكاني القيام بذلك".

من جهتها، تقول "ماكيلفينا" إنها أنفقت نحو 10 آلاف دولار للحصول على 26 رخصة لمزاولة مهنة الطب، وقد كان الحصول على أول خمس رخص، حسب قولها، مرهقًا للغاية، إذ تطلب ملء العديد من الاستمارات وإرسال السجلات والشهادات واضطرت أحيانًا للانتظار عامًا كاملًا كي تحصل على رخصة جديدة.

ولكن بعد أن تم تطبيق ميثاق الترخيص الطبي المشترك بين الولايات، أنُشئت هيئة مركزية تسمح للأطباء بالتقدم للحصول على رخصة مزاولة المهنة من عدة ولايات على نحوٍ أكثر سهولة وباتت أكثر من نصف الولايات المتحدة الأمريكية عضوًا في هذه الهيئة هذا العام.

استعانت "ماكيلفينا" مؤخرًا بشركة "ميدسبوك" (Medspoke) المختصة في جميع إجراءات التراخيص مقابل رسوم معنية، مبينة: "أن الحصول على تراخيص المزاولة في العديد من الولايات استثمار يستحق العناء".