إيلون ماسك يقول إنه لديه خطة "ب" لـ"تويتر"، لكن هل يمتلك خطة "أ" أصلاً؟

إيلون ماسك، مؤسس ورئيس شركة "تسلا"
إيلون ماسك، مؤسس ورئيس شركة "تسلا" المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لا شك أن إيلون ماسك يعرف الكثير عن علم الصواريخ، ويمتلك اطّلاعاً واسعاً على عالم الصناعات المتطورة. وقد قدّم الرجل أيضاً إسهامات غزيرة في نشر استخدام المركبات الكهربائية، وأعاد رسم قطاع الصناعات الفضائية الأمريكية. ولا يقتصر دور إيلون ماسك على كونه الرئيس التنفيذي لشركتيّ "تسلا" و"سبيس إكسبلوريشن"، بل هو يقوم شخصياً بتصميم منتجاتهما. ومن خلال إنشاء هاتين الشركتين، تحوّل ماسك بالنسبة لمعجبيه إلى ما يشبه البطل الخارق في القرن الواحد والعشرين.

الأسابيع التي هزت "تويتر": كيف بنى إيلون ماسك حصته في الشركة؟

لكن كما هو واضح، فإن ماسك في نهاية المطاف هو إنسان عادي، ولديه علاقة إنسانية جداً مع وسائل التواصل الاجتماعي في حياته. حيث قال خلال مؤتمر "تيد" مؤخراً: "أكون أجلس على المرحاض أو ما شابه، وأفكر بشيء ظريف، فأقوم بالتغريد عنه". هذا الكلام كان ليبدو طريفاً إلى حد ما، وذلك لو لم يكن ماسك قدّم للتوّ عرضاً للاستحواذ على المنصة التي تنشر تغريداته هذه التي يكتبها في دورة المياه، في عرض لدفع 54.20 دولار للسهم الواحد، وهو مبلغ يتيح له الاستمرار في إلقاء نكاته المفضلة عن تدخين الماريجوانا، فيما يمنحه السيطرة على واحدة من أكبر شركات وسائل التواصل الاجتماعي في العالم. وكان ماسك وعد عبر "تيد" باستخدام هذه الوسيلة من أجل "دعم الحرية في العالم".

خطة ماسك الكبرى

يدير ماسك شركتين من العيار الثقيل بالفعل، بالإضافة إلى عدد من الشركات الأصغر حجماً، ويصرّ أنها جميعاً أساسية من أجل إنقاذ الحضارة البشرية. فهو يزعم أن "تسلا" سوف تضع حداً للتغير المناخي، فيما تضمن "سبايس إكس" قدرتنا على الانتقال إلى كوكب آخر في حال انهيار عالمنا. وربما يكون الاستحواذ على "تويتر" ينسجم مع ما يطلق عليه ماسك تسمية "الخطة الكبرى، رقم 3"، والتي ضمنها، تتمثل الخطوة الأولى بتوجيه المستهلكين العالميين نحو قطاع النقل العامل بالطاقة الكهربائية، والخطوة الثانية تتمثل ببناء الألواح الشمسية وإنشاء البنية التحتية للبطاريات من أجل توليد طاقة كهربائية نظيفة لتشغيل المركبات، أمّا الخطوة الثالثة فقد تكون بالنسبة لماسك، الترفيه عن نفسه فيما يتم الخطوة الثانية (بينما يجلس على كرسي المرحاض ربما).

رؤية إيلون ماسك لحرية التعبير على "تويتر" قد تُبعد المعلنين

ربما نكون نظلمه بقول ذلك، ولكن ليس كثيراً. فكما ظهر من المقابلة، لا يبدو أن ماسك فكّر مالياً بما سيفعله حين يصبح المساهم الأكبر في "تويتر" (يمكن أن نفترض استناداً إلى ميوله الإدارية، أنه سيصبح الرئيس التنفيذي للشركة وكبير المسؤولين التقنيين فيها). فهو لم يقل بعد كيف يمكن لشراء "تويتر" أن يدعم خطته الكبرى لإنقاذ العالم، كما لم يكشف بعد كيف يخطط لتمويل عرض الشراء. وقال ماسك في مقابلة "تيد" التي أجراها مع كريس أندرسون: "لست واثقاً من قدرتي للاستحواذ عليها (شركة تويتر)"، مضيفاً بشكل مبهم أنه كان يخطط لضمّ مساهمين آخرين. وتعهد بأن لديه خطة "ب" في حال تم رفض عرضه، بدون أن يكشف عنها.

تغيير جذري

ولكن بعد التدقيق، لا يبدو أن ثمة وجود لخطة "أ" حتى. حيث شرح ماسك في رسالته إلى رئيس مجلس إدارة "تويتر" أن العرض الذي تقدم به ينبع من إيمانه بأن "تويتر" بحاجة إلى تغيير جذري حتى "يحقق إمكانياته بأن يصبح منصة لحرية التعبير"، إلا أن ماسك بدا غامضاً حيال ما يعنيه بذلك تحديداً.

وقال ماسك إنه سيحدث تحولاً في البرنامج الإلكتروني الذي يعتمده "تويتر" لتحديد الرسائل التي تظهر في صفحة الأخبار الموجزة بشكل رئيسي، ليصبح البرنامج منتجاً مفتوح المصدر "ما يجعل أي تغييرات في تغريدات الأشخاص.. ظاهرة"، ويساعد على تفادي "حصول أي تلاعب من خلف الكواليس سواء من خلال الخوارزميات بشكل آلي أو بشكل يدوي". وسيتفادى "تويتر" حظر المستخدمين بشكل دائم، كما سيسمح بظهور كافة الخطابات ما دامت غير مخالفة للقانون.

مع ذلك، تعهد ماسك بعدم السماح بالخطابات التي تشكل خطراً. وتعليقاً على ذلك، قال مدير الجلسة الحوارية أندرسون واصفاً الأمر: "إذ لا يمكنك (في تويتر) أن تتصرف كالشخص الذي يصرخ "حريق!" في صالة للسينما ويروّع الجميع". وأجابه ماسك: "كلا، هذه ستكون جريمة، لا بدّ أن تكون جريمة".

رؤية حالمة

مثلت هذه المقابلة لحظة محبطة لأي من الأشخاص الذين يتابعون الجهود المضنية التي تبذلها شركات وسائل التواصل الاجتماعي من أجل التدقيق بما ينشر على منصاتها. فأولاً، كما يقول جيف كوسيف، الباحث الرئيسي ومؤلف الكتاب الجديد "الولايات المتحدة من المجهولين" يمكنك في الواقع أن تفلت من العقاب حين تقوم بما يرادف إثارة الرعب عبر الصراخ بوجود حريق في صالة السينما. فالدعوى القضائية المقدمة أمام المحكمة الأمريكية العليا عام 1919، والتي ألهمت هذه الاستعارة الشهيرة، تم نقضها بعد خمسين عاماً من ذلك.

لكن بالطبع مجرد كون الخطاب الخطر مسموح به بموجب الدستور، لا يعني أن الشركات الإعلانية ملزمة بنشره، أو أن شركات التكنولوجيا ملزمة بتسليط الضوء عليه. لكن توقيت اتخاذ مثل هذه القرارات وكيفيته، يزداد صعوبة بالنسبة لهذه الجهات.

ماسك: المصالح الاقتصادية لمجلس إدارة "تويتر" لا تنسجم مع المساهمين

في هذا الإطار، فإن مقترح ماسك يفتقر للعملية ويبدو أشبه بمحاولة للفت نظر - وربما للترويج لبيع بعض من سيارات تسلا - معجبيه ومتابعيه من اليمين الذي يحلمون، كما قال تاكر كارلسون في وقت سابق، بأن "يسيطر ماسك على تويتر ويضع حداً للرقابة". فتحت إدارة ماسك، من المرجّح أن يستعيد دونالد ترمب حسابه على "تويتر". ولكن من يعلم ماذا يحدث بعد ذلك؟ فعلى الرغم من شكاوى تيد كروز بأن تغريداته لا يعاد تغريدها بالقدر الكافي، إلا أن "تويتر" في الواقع لا يمارس أي منع خلف الكواليس. وبالتالي، على الرغم من أن وعود ماسك بإنهاء "التلاعب خلف الكواليس" قد تلقى أصداء مرحبة في أوساط اليمين، إلا أنها قد لا ترقى لشيء يذكر على أرض الواقع.

ماذا عن التطبيق؟

وعلى الرغم من أن جعل خوارزمية برنامج منتجاً مفتوح المصدر يبدو أمراً جذاباً، إلا أنه قد يسهّل على مرسلي الرسائل غير المرغوب بها (Spams) نشر محتواهم ليظهر أمام المستخدمين في الواجهة الرئيسية عند تصفحهم. وللمفارقة، فإن هذا الجانب نفسه الذي قال ماسك إنه يرغب بمنحه القدر الأكبر من الاهتمام. حيث قال: "صراحة، الأولوية بالنسبة لي هي القضاء على الرسائل غير المرغوب بها والرسائل المزعجة المولدة عبر البرنامج الإلكتروني (سبام بوت)، والجيوش الإلكترونية المُبرمجة على تويتر". إذ يأخذ ماسك هذه المسألة على محمل شخصي، بما أنه غالباً ما يكون موضوع عمليات احتيال بواسطة العملات المشفرة. إلا أن قطع الطريق أمام مرتكبي عمليات الاحتيال يتطلب الأمر نفسه الذي يزعم ماسك أنه يبغضه، ألا وهو الإشراف على المحتوى، وعلى الأرجح هذا النوع من الإشراف لن يكون شفافاً تماماً، وذلك كي يمنع مرتكبي عمليات الاحتيال من التكيّف ببساطة مع التغيرات الجديدة. وهذا الأمر هو ما يجعل وجود شبكات تواصل اجتماعي تتبنى "حرية التعبير" أمراً صعب المنال.

وفي حين قد لا يمنع أي من ذلك ماسك من السير بمخططاته، إلا أنه قد يدفع المساهمين في شركاته الأخرى إلى التوقف قليلاً. في حين تستعد "سبيس إكس" لإطلاق صاروخها الضخم "ستارشيب" في وقت لاحق في هذا العام، وتواجه "تسلا" خطر التأخر أمام "فورد" في مبيعات الشاحنات الكهربائية. وبالتالي، فإن لدى أثرى رجل في العالم أمور أهم للتركيز عليها.