لويس وغابرييلا، كاراكاس المصور: أندريا هيرنانديز بريسينو لـبلومبرغ بيزنس ويك

تطبيق المدفوعات "Zelle"..طوق نجاة للفنزوليين من أزمات التضخم والدولار

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عندما سافر فيديريكو سواريز في رحلة ليلية إلى فالينسيا الشهر الماضي لزيارة صديقه، كان المحامي البالغ من العمر 24 عاماً، والمقيم في كاراكاس، في مزاج للرفاهية، فاستمتع الاثنان خلال عطلة نهاية الأسبوع بإفطار من الفطائر التقليدية، واشتريا الجبن، والمعكرونة المستوردة، وذهبا بعدها لتناول السوشي.

اشتريا كل شيء باستخدام تطبيق "Zelle"، الذي تملكه مجموعة من أكبر سبعة بنوك في الولايات المتحدة. ويقول سواريز: "يمكنني أن أدفع مقابل الأغراض في كلِّ مكان. المشكلة الوحيدة هي أنني أشتري أكثر مما ينبغي".

تضخُّم خارج عن السيطرة

ربما يكون "PayPal" و"Venom" قد حققَّا انتشاراً واسعاً في الولايات المتحدة، ولكن في فنزويلا فإنَّ "Zelle" أو "Zell-ey" على كل لسان. ففي كل أنحاء كاراكاس، تتدلى من شبابيك المتاجر، ورفوف المنتجات لافتات مصممة في المنزل مكتوب عليها "Aceptamos Zelle" (نقبل Zelle)، ولُصِقَت نُسَخ من شعار الشركة البنفسجي على آلات المحاسبة في المتاجر التي خصص بعضها صفوفاً للعملاء الراغبين في أن يدفعوا بواسطة التطبيق.

وتشير اللافتات المرتجلة إلى أنَّ استخدام فنزويلا لـ"Zelle" بات مُغيثاً من العملة التي تستمر قيمتها في التناقص بسرعة نتيجة معدلات التضخم الخارجة عن السيطرة. وفي حين أنَّ استخدام التطبيق لا يُعَدُّ محظوراً؛ فإنَّه من الممكن وصفه بالتأكيد أنَّه استخدام دون تصريح.

ويصلح التطبيق للعمليات الشرائية الاندفاعية، مثل قطعة من الحلوى، أو حذاء جديد، بالإضافة إلى الاحتياجات الأكثر أهمية. ويقول دكتور أنطونيو فارفان، وهو جرَّاح في عيادة خاصة في كاراكاس: "لولا (Zelle) لكان لدينا عدد أقلّ من المرضى. أعلم أنَّ التطبيق وُجِد للمدفوعات العرضية، ولكن هنا يُستخدَم لكلِّ شيء".

سوء إدارة

ولا يعدُّ الإقبال الكبير من الفنزويليين للنقود الرقمية مسألة اختيار، بل ضرورة، إذ إنَّ قيمة عملتهم الخاصة (البوليفار) باتت تساوي قيمة أوراق المونوبولي، وذلك في نتيجة مباشرة لسوء إدارة حكومة نيكولاس مادورو الاشتراكية، التي منذ توليها الحكم في 2013 حكمت سبع سنوات متتالية سادها الانكماش الاقتصادي. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، فإنَّ الناتج المحلي الإجمالي هو الآن خُمس ما كان عليه عندما بدأت ولاية مادورو، في حين أنَّ التضخم يتجاوز 4000 % وفقاً لمؤشر "بلومبرغ" المربوط بسعر كوب من القهوة مع الحليب، إذ إنَّ أكبر ورقة نقدية فنزويلية، وهي ورقة الـ50,000 بوليفار، تساوي أقلّ من عشر سنتات من الدولار الأمريكي.

وأدَّت هذه التجربة الكارثية التي استمرت 15 عاماً مع ضوابط رأس المال إلى ظهور سوق سوداء مزدهرة للدولار. وفي البداية، غضَّت حكومة مادورو الطرف عنها عندما بدأت متاجر على زوايا الطرقات، والمطاعم، وصالونات التجميل تقبل العملة الأمريكية. وفي العام الماضي، أيّد الرئيس علناً استخدام العملة الأمريكية أملاً بصورة جزئية في أن يساعد ذلك على ترويض التضخم، واستقرار الاقتصاد المتداعي، إذ قال خلال نقل مباشر عبر التلفاز في نوفمبر 2019: "لا أرى ذلك أمراً سيئاً، هذه العملية التي تدعى (الدولرة)"، مضيفاً: "أشكر الرب على وجودها". وتقدِّر شركة "Ecoanalítica" أنَّ أكثر من 60 % من كل عمليات التحويل في فنزويلا تحدث بالدولار حالياً.

فنزويلا ليست الوحيدة

فنزويلا ليست وحدها في ذلك، إذ اعتمد العديد من الدول الدولار الأمريكي كعملة بشكل رسمي، ومن ضمنها الإكوادور، وجزر تركس، وكايكوس. ومن جهة أخرى، تشكِّل فنزويلا مثالاً عمَّا يسميه الخبراء الاقتصاديون "الدولرة" التلقائية.

ويقول ستيف هانكي، وهو أستاذ في الاقتصاد التطبيقي في جامعة "جونز هوبكنز" وخبير في أمور التضخم: "الحكومات في كثير من الأحيان لا تقول شيئاً للمواطنين عن ذلك، مع أنَّه كثيراً ما يُعَدُّ استخدام الدولار غير قانونيّ، إلا أنَّّ هذا يحدث كثيراً، خصوصاً في حال كانت هناك عقوبات مفروضة على الدولة أو بها جيوش احتلال".

كما أنَّ إدارة ترمب الرئيس الأمريكي السابق، لم تخفِ رغبتها في تغيير النظام الحاكم في فنزويلا، لكنَّها امتنعت عن إرسال قوات إلى البلد الجنوب أمريكي، وبدلاً من ذلك فرضت عقوبات على مادورو، بالإضافة إلى نحو 140 مسؤولاً، وهيئة حكومية حالية وسابقة.

وتُعَدُّ العملة الأمريكية اليوم مطلوبة أيضاً في شوارع هافانا وطهران، إلا أنَّ العقوبات في هذه الأماكن تحدُّ بفاعلية من وجود الدولار الذي يمكن أن يدخل إلى البلاد من قِبل السيَّاح أو المغتربين الزائرين.

ووفقاً لدارشك دولاكيا، وهو شريك في "Dechert LLP" في واشنطن، ويختصّ بتقديم المشورة للشركات حول الامتثال للعقوبات، فإنَّه على عكس هذه الدول المنبوذة؛ فقد تمكَّنت "الدولرة الرقمية" من خلال الخدمات مثل "Zelle" من الحضور في فنزويلا، لأنَّ مواطنيها يستمتعون بالوصول المستمر إلى النظام المالي الأمريكي. ويقول: "فنزويلا في وضع فريد للغاية، كونها الدولة الوحيدة حالياً التي تخضع فيها الحكومة لعقوبات شاملة، دون إخضاع الأفراد العاديين لذلك".

ووفقاً للجهة المنظمة للاستفتاءات في كاراكاس "Datanálisis"، فإنَّه لدى نحو 8 % من الفنزويليين الراشدين حسابات مصرفية أجنبية، أو قدرة على الوصول إلى المحافظ الإلكترونية، إلا أنَّّ هذا الرقم تضخَّم ليشمل نحو 5 ملايين شخص من المغتربين ممن فرّوا من أزمة بلادهم، ومن بينهم مئات الآلاف ممن استقروا في الولايات المتحدة.

همزة وصل

ويشكِّل المغتربون همزة الوصل الأساسية لمستخدمي "Zelle" من الفنزويليين، ومنهم خيراردو زامبرانو، الذي يعيش في بيتاري، أحد أحياء كاراكاس الفقيرة. ويتلقى مصمِّم الغرافيك البالغ من العمر 31 سنة راتبه في حساب صديق له في لوس أنجلوس، ومن ثمَّ يبعث إليه برسالة نصّية ليرسل إليه تحويلاً في كل مرة يريد فيها أن يدفع لشخص ما، إلا أنَّ الأمر لا يكون بسيطاً دائماً، وذلك بسبب فارق التوقيت الذي يصل إلى أربع ساعات بين المدينتين. وفي أغسطس، عندما استفاق والده، ووجد نفسه مغطى بالطفح الجلدي، أمضى زامبرانو ساعات لإيقاظ صديقه حتى يتمكَّن من شراء الدواء له. وقال: "علمت حينها أنَّ صديقي لا يجيب أبداً قبل الظهر".

حياة أسهل

وهناك أيضاً خافيير، الصحفي الذي يبلغ من العمر 32 سنة، ويعيش في ميامي (حجب كنيته خوفاً من تعليق حسابه)، وهو يستخدم "Zelle" ليدفع لقاء بقالته، وزيارات الطبيب، والإصلاحات المنزلية لوالديه في كاراكاس. ويقول والد خافيير، المهندس الميكانيكي المتقاعد، والبالغ من العمر 72 سنة: "التطبيق يجعل حياتنا أسهل بكثير، ولكنَّ ابني يعتني بكل شيء، لأنَّنا لا نعلم كيف يعمل التطبيق".

ولحلِّ مشكلات التعامل مع التطبيق، وجد البائعون الفنزويليون حلولهم التقنية الخاصة، إذ جُهِّزَت محلات "السوبر ماركت" بموظفين متخصصين لمقارنة مدفوعات "Zelle" بإيصالات البريد الإلكتروني التي تصل. ومثلاً، يتوجب على فانيسا مورا، التي تعمل محاسبة في متجر راقٍ للحيوانات الأليفة في كاراكاس، التحقق من إتمام عملية الدفع عبر "Zelle" قبل مغادرة المشتري مع البضائع. وإذا لم تقُم بذلك فسيُلقى اللوم عليها في حال حدوث أيّ نقص. ومؤخراً، نفد صبر أحد العملاء، وخرج مسرعاً مع كيس طعام للكلاب يبلغ سعره 83 دولاراً أمريكياً، وعندما لم يتمكَّن الموظفون من استرجاع الوصل عبر البريد الإلكتروني أو التواصل مع صاحب المتجر الذي يعيش في ميامي، لتأكيد أنَّ المال قد أُودِع في الحساب، قالت مورا، التي يبلغ معاشها الشهري أقلّ من سعر كيس طعام واحد للكلاب: "لقد وصفنا بمجموعة من الحمقى العاجزين، لكنني كنت خائفة".

قيود أمريكية

لم تفرض معظم المصارف الأمريكية الـ731 الموجودة على شبكة "Zelle" قيوداً على الفينزويليين الذين يشتركون في الحسابات المصرفية، نظراً إلى أنَّهم غير مدرَجين على قوائم العقوبات، وأنّهم استخدموا مستندات، وعناوين بريدية صحيحة عندما سجَّلوا في التطبيق. وقالت شركة "Early Warning" في تصريح: "يمكن للعملاء الانضمام إلى شبكة "Zelle" فقط من خلال استخدام رقم هاتف أمريكيٍّ، أو بريد إلكترونيٍّ مرتبط بحساب في الولايات المتحدة". وقد رفضت وزارة الخزانة الأمريكية التعليق، إلَّا أنَّ أحد كبار المسؤولين، قال متحدثاً بشرط عدم الكشف عن هُوِيَّته، إنَّ التحويلات بين أصحاب الحسابات على التطبيق في الولايات المتحدة لا تنتهك العقوبات.

ومع ذلك، يتوخى بعض المصارف الحذر، ففي يونيو أفادت تقارير أنَّ الشركة الأمريكية "Wells Fargo & Co" قد منعت وصول بعض الفنزويليين إلى "Zelle"، وهو ما أشعل حالة من الذعر على "تويتر".

وعن ذلك تقول أليكساندرا البالغة من العمر 35 سنة، والمقيمة في كاراكاس (لم تفصح عن كنيتها خوفاً من أن تُطرَد من الخدمة)، إنَّ شركة "Wells Fargo" علَّقت فجأة قدرتها على الوصول إلى "Zelle" هذا الصيف لمدَّة أربعة أشهر، وهو ما دفع خبيرة العلاقات العامة إلى إيجاد طرق جديدة لتحصيل راتبها ودفع كل شيء، بدءاً من البقالة حتى مدرسة أطفالها. وهي تستخدم "Zelle" الآن فقط لشراء الدولارات من صراف موثوق به في السوق السوداء، خوفاً من إرسال المال عن طريق الخطأ إلى شخص مرتبط بمسؤول فُرضت عليه العقوبات. وتقول: "تخيَّل، كيف يمكنني الذهاب إلى الولايات المتحدة لأعاود فتح الحساب في ظلِّ الجائحة؟".

أعمال مشبوهة

وقالت شركة "Wells Fargo" في تصريح لها، إنَّها تمنع العميل من الوصول إلى الحساب إذا وجدت استخداماً "يتعارض مع الاستخدام المقصود لهذه المنتجات والخدمات". وتوظف المصارف برنامجاً متطوراً لرصد أدلة الأنشطة التي تتعارض مع قوانين الولايات المتحدة، مثل تبييض الأموال أو إرسال الدفعات إلى الأشخاص الذين ترِد أسماؤهم في القوائم التي أعدَّتها الحكومة للإرهابيين، وتجار المخدرات (في مارس الماضي، اتهمت وزارة العدل الأمريكية مادورو، و14 مسؤولاً حالياً وسابقاً بالفساد وتهريب المخدرات).

ويقول ريتشارد كرون، رئيس شركة استشارات المدفوعات "Crone Consulting LLC"، إنَّه من الممكن أن تكون أنظمة "Wells Fargo" قد وضعت إشارة على بعض التحويلات من حسابات مملوكة لفنزويليين مثيرين للشك، مما أدَّى إلى وقفها.

وكنوع من الحيطة، يحدُّ العديد من الفنزويليين الآن من استخدامهم لـ"Zelle"، ويمشي الأغنياء منهم على خطى أقاربهم ومعارفهم في الولايات المتحدة، ويلجؤون إلى "Venmo" أو "PayPal"، كما جذبت سوق المحافظ الإلكترونية أيضاً أسماء جديدة في مجال المدفوعات الرقمية.

وكان روبين غاليندو، المكسيكي البالغ من العمر 29 سنة، الذي يصف نفسه بأنَّه محارب للحرّية، قد شارك في تأسيس خدمة المحفظة الرقمية "Airtm" في 2015. ويهدف التطبيق إلى أن يمثِّل "سوقاً موازية للدولار" بحسب قوله، إذ تنشر الشركة أسعار الصرف الخاصة بها، وتسمح للمستخدمين أو "العملاء" بإجراء التحويلات النقدية بين حساباتهم المصرفية الخاصة.

وفي 2018، قال غاليندو، إنه تلقَّى معلومة تفيد أنَّ شرطة الاستخبارات الفنزويلية كانت تخطط لتوقيف موظفيه المحلّيين، لذلك نَقَل الطاقم المكوَّن من 25 شخصاً عبر الحدود إلى كولومبيا، وبعدها إلى المكسيك، إذ يقع مقر الشركة. وقال غاليندو في اتصال عبر الفيديو من مكسيكو سيتي: "يغلقون مكتباً أو يسجنون شخصاً، ومهما كان ما فعلوا، يمكننا أن نتعامل مع ذلك، ونضيف 10 أشخاص بدلاً منه". ويقول، إنَّ لدى "Airtm" عملاء في كل أنحاء أمريكا اللاتينية، إلا أنَّ القسم الأكبر منهم موجود في فنزويلا، إذ يحوِّل نحو 11 مليون دولار أمريكي في الأسبوع.

استخدام سياسي

وحظيت "Airtm" بشهرة كبيرة في أغسطس، وذلك عندما استفاد منها خوان غوايدو، وهو رئيس الجمعية الوطنية التي تقودها المعارضة في فنزويلا، الذي اعترفت به إدارة ترمب، ونحو 60 حكومة أخرى كزعيم فنزويلا الشرعي، إذ استخدم خدمة "Airtm" لتحويل نحو 19 مليون دولار للعاملين في مجال الصحة في الخطوط الأمامية لمعركة فيروس كورونا في البلاد. ومُوِّل ذلك من الحسابات الأمريكية المجمَّدة العائدة إلى البنك المركزي الفنزويلي، من خلال مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأمريكية.

وقال غاليندو، إنَّه سافر إلى ميامي في مارس للعمل على ذلك بالشراكة مع فريق غوايدو الاقتصادي. وكانت العملية بموافقة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأمريكية، التي أُطلق عليها اسم "أبطال الصحة"، وتضمَّنت إرسال ثلاث دفعات شهرية بقيمة 100 دولار أمريكي في المرة الوحدة إلى 62,000 شخص ممن يقفون في الصفوف الأمامية لمواجهة الجائحة. وعندما سمع مادورو بالخطة طالب بحظر عنوان الـ"IP" الخاص بـ"Airtm"، إلا أنَّ المال بدأ يصل مع حلول سبتمبر بمساعدة شبكات خاصة افتراضية، أو استخدام الـ"VPNs"، التي تستعمل للوصول إلى المواقع المحظورة هناك. وقال غاليندو، إنَّه قد دُفِع 60 %من الأموال. وأضاف: "أسَّسْنا تطبيقنا من أجل ذلك، من أجل ذلك بالتحديد. لن نترك فنزويلا في أيِّ وقت قريب".

إحدى المستفيدات من هذه العملية، فيوليتا بلانكو، ممرضة في مستشفى للأطفال في فالينسيا، ويقال إنَّها استغرقت عدَّة محاولات لتحويل الأموال من "Airtm" إلى حساب مصرفي لصديقة في باناما، ولديها فواتير بالدولار. وظلَّت بلانكو مستيقظة هي وزملاؤها حتى الساعة 3:00 فجراً لفهم التعامل مع الخدمة، خلال انقطاع التيار الكهربائي، وشبكة الإنترنت السيئة. وقالت: "لم نكن نعلم ما هو الـ(VPN)، أو المحفظة الإلكترونية".

وتلقَّت بلانكو مبلغ ـ100 دولار أمريكي الأولى في 16 سبتمبر، وكانت قد حصلت قبل يوم واحد فقط على راتبها نصف الشهري البالغ 600000 بوليفار، أي ما يعادل نحو 1.10 دولارات أمريكية، وقالت: "كنت متحمسة للغاية، وخرجت واشتريت دواء ارتفاع ضغط الدم".