الموظفون خرجوا من الوباء بمطالب جديدة.. لكنهم يفتقدون القوة اللازمة لتحقيقها

نجح موظفو "أمازون" في أحد مستودعات جزيرة ستاتون بالولايات المتحدة في تشكيل أول نقابة لهم.
نجح موظفو "أمازون" في أحد مستودعات جزيرة ستاتون بالولايات المتحدة في تشكيل أول نقابة لهم. المصدر: بلومبرغ
Kathryn A. Edwards
Kathryn A. Edwards

Kathryn Anne Edwards is an economist at the Rand Corp. and a professor at the Pardee Rand Graduate School.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

خلال فترة التعافي من جائحة كورونا حقق العمال في الولايات المتحدة مكاسب ملحوظة. فالأجور آخذة بالارتفاع فيما بات أصحاب العمل يعرضون المزيد من الحوافز. كما يرى بعض المتحمسين أن العمل من المكتب أمر عفا عليه الزمن، وبدأت تستعيد النقابات العمالية بريقها. ففي وقت سابق هذا الشهر، نجح موظفو "أمازون" الذين يعملون في أحد مستودعات جزيرة ستاتون في تشكيل أول نقابة لهم، وذلك في أعقاب إنشاء أول نقابة لموظفي "ستاربكس" أيضاً، والاضطرابات التي حصلت الخريف الماضي، في إطار حركة "سترايك أكتوبر" التي واجهتها شركات مثل "جون ديري" (John Deere) و"كيلوغ" (Kellogg) وغيرهما.

العمل عن بعد.. ثورة مهنية تغيّر الاقتصادات

هل تغيّر النفوذ؟

فهل يعني ذلك بدء حقبة جديدة يكون فيها العمال هم الجهة التي تمتلك النفوذ؟ من جهتي، أشك في ذلك. فعلى كافة المقاييس المهمة، لا زالت كلمة الحسم بيد أصحاب العمل.

فلنأخذ النهاية المزعومة للعمل من المكاتب. حيث زخرت وسائل الإعلام بالمقالات التي تتحدث عن مطالب جيل الألفية بالعمل عن بعد، متوقعة انهيار القطاع العقاري في وسط المدن.

لكن، إذا تساءلنا: هل يمكن للناس العمل من أي مكان طالما توفر لديهم خدمة إنترنت ثابتة؟ ربما، إلا أن معظم الموظفين الذي كانوا يعملون عن بعد، هم عادوا حالياً إلى المكاتب. وعلى الرغم من أن الاهتمام بالعمل عن بعد تضاعف بعد الجائحة، إلا أن إجمالي البحث عن هذا المصطلح عبر موقع "إنديد" استقرت في العام الماضي عند 5% فقط من إجمالي البحوث.

عادات العمل الجديدة

صحيح أنه تم الترحيب بالعمل عن بعد على أنه يمنح شمولية أكثر لسوق العمل . حيث يتيح مثلاً للأمهات المزيد من المرونة، كما تحدث الموظفون السود عن شعورهم بالمزيد من التقدير وتلقيهم معاملة أكثر عدلاً بسبب هذا النموذج. إلا أن الخبراء الاقتصاديين كانوا واقعيين أكثر حين تنبؤوا بأن الأشخاص الذين يبقون في المنزل سوف يتقاضون على الأرجح رواتب أقل، ولن يتم ترفيعهم بقدر الآخرين. أمّا التغييرات التي طرأت في عادات العمل والتي ستبقى موجودة، فعلى الأرجح أنها سوف تترافق مع ضريبة، تشبه التفاوتات المترسخة حالياً في الأجور.

الموظفون بدؤوا يجيدون تحصيل الترقيات أثناء عملهم عن بعد

من جهة أخرى، يقال إن الموظفين في قطاعي البيع بالتجزئة والضيافة والذين كانوا من أكثر المتأثرين بتبعات الجائحة، باتوا يستفيدون اليوم من تقديم أصحاب العمل مكافآت لهم عند التوقيع على العقود، وأحياناً سداد الأقساط الجامعية عنهم. كما بات أصحاب العمل يعرضون عليهم أجوراً أعلى، حتى يجذبوهم للعودة إلى العمل.

مع ذلك، فثمة أدلة تشير إلى أن موظفي التجزئة والضيافة يُطلب منهم العمل لعدد حدّ أدنى من الساعات للحصول على هذه الميزات، بينما قليل منهم أو حتى لا أحد، يُكلّف بساعات العمل الكافية من أجل التأهل للحصول على هذه المزايا. ولا تزال الجداول الزمنية للموظفين في القطاعين توضع بنظام ورديات غير متوقعة وغير مستقرة، كما كان الوضع في السابق قبل الوباء.

احتكار السوق

في غضون ذلك، تشير أدلة وافرة إلى اختلال عميق ومستمر في توازن القوى بين الموظفين وأصحاب العمل. فلنأخذ على سبيل المثال حقيقة تركز أصحاب العمل في فئة صغيرة، حيث يهيمن على سوق العمل الأميركية المحلية العادية بضع شركات (أو ما يوازيها)، وذلك بقيمة تتجاوز بأشواط الحدّ الأدنى الذي تعتبره معايير وزارة العدل كنسبة عالية التركيز في السوق. وعلى الصعيد الوطني، توظف شركتان فقط، وهما: "أمازون" و"ولمارت" نحو 3.9 مليون شخص، أي ما يوازي 3% من القوة العاملة في القطاع الخاص.

فجوة الأجور بين الجنسين في المناصب العليا تزيد بأسرع وتيرة منذ 10 سنوات

يمكن لتركز السوق هذا أن يمنح أصحاب العمل ما يطلق عليه الاقتصاديون تسمية قوة احتكار الشراء (وهو أمر مشابه للاحتكار، ولكن يشير إلى الشاري بدل البائع). وكلّما زاد احتكار الشراء في سوق العمل، تراجع التنافس بين الشركات على الموظفين، وهو ما يصعّب عليهم المطالبة بأجور أعلى أو ظروف عمل أفضل.

تنافسية أقل

ويمارس أصحاب العمل هؤلاء نفوذهم بطرق متنوعة. فيتفق البعض منهم على عدم توظيف عمال الشركات الأخرى. وكانت هذه الممارسة أوقعت سابقاً ستّاً من شركات التكنولوجيا (هي: "أدوب" و"أبل" و"غوغل" وإنتا" و"إنتويت" و"بيكسار") بمشكلات مع وزارة العدل في عام 2010. كذلك، تعتمد بعض سلاسل مطاعم الوجبات السريعة اتفاقيات "عدم اصطياد" لموظفي بعضها البعض، ما يمنع الموظفين من الانتقال إلى شركات منافسة. وعلى الرغم من أن الكثير من هذه الشركات تخلّت عن هذه الممارسات قبل الجائحة، إلا أنه بحسب التقديرات التي تعود إلى عام 2017، فإن واحداً من أصل أربعة موظفين أميركيين هو خاضع أو قد سبق وخضع لقوانين عدم المنافسة في حياته المهنية، وهذه القوانين كما يظهر من اسمها، أمر يحدّ من المنافسة في السوق.

أجور عادلة

ولعلّ الدليل الأكثر إدانة لقوة احتكار الشراء هو الدليل المتعلق بالأجور. ففي مراجعة حديثة، استشهدت وزارة الخزانة الأميركية ببحوث تفيد بأن الموظفين يتلقون أجوراً أقل بنسبة 20% من قيمة أجورهم لو عملوا في سوق تنافسية. ويوازي ذلك خصم 200 دولار من معدل أجر أسبوعي يبلغ ألف دولار.

إلا أن تأثير احتكار الشراء هذا لا ينطبق على الجميع، حيث إنه قد يمسّ ببعض الموظفين أكثر من غيرهم، بينما قد لا يمسّ بعضهم أبداً، وذلك بحسب القطاع الذي يعملون به ووظيفتهم وسوق العمل.

وعلى الرغم من كل الضجيج المحيط بـ"مستقبل العمل"، لا تزال الولايات المتحدة في مرتبة متدنية من حيث القوة التي تمتلكها اليد العاملة في العصر الحديث.

ويجب على الإشارات التي تبيّن أن هذا الوضع قد يتغير، أن تشمل على سبيل المثال وضع ضمانات وحماية الموظفين الذين يختارون العمل بدوام جزئي أو بعقود عمل مرنة، ومنح جميع الموظفين أيام عطل مدفوعة بحال المرض، ومنحهم الحق بمعرفة جداولهم الزمنية منذ فترة أسبوعين مسبقاً، مع فرض غرامات في حال التغيير باللحظة الأخيرة من قبل أصحاب العمل، أو حتى رفع الحدّ الأدنى للأجور المفروض على مستوى الولايات المتحدة، والذي لم يتغير منذ 15 عاماً.

قد يكون صحيحاً أن الموظفين خرجوا من الوباء مع تفضيلات ومطالب جديدة، لكنهم لا زالوا يفتقدون القوة اللازمة لتحقيق ما يريدون.