فوز ماكرون فرصة لفرنسا والاتحاد الأوروبي

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلوح لمؤيديه بعد أن هزم زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان في الجولة الثانية من التصويت في الانتخابات الرئاسية الفرنسية في باريس في 24 أبريل 2022
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلوح لمؤيديه بعد أن هزم زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان في الجولة الثانية من التصويت في الانتخابات الرئاسية الفرنسية في باريس في 24 أبريل 2022 المصدر: بلومبرغ
Lionel Laurent
Lionel Laurent

Bloomberg Opinion. Writing my own views on Flag of European UnionFlag of FranceMoney-mouth face(Brussels/Paris/London) here: https://bloom.bg/2H8eH0P Hate-love-mail here: llaurent2 at bloomberg dot net

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في عام 2017، خالفت فرنسا الاتجاه الشعبوي، وصوتت لصالح إيمانويل ماكرون ضد مارين لوبان شديدة العداء للتحالف الأوروبي. وفي عام 2022، عادت فرنسا وفعلتها مرة أخرى في وقت يبدو أنَّ سلوفينيا على استعداد لطرد زعيمها القومي أيضاً.

فهل هناك تقدّم ساحق لقيم الاتحاد الأوروبي؟ ليس تماماً، فتقدُّم ماكرون جاء بنسبة أقل من المرة السابقة، فقد حصل على 58% من الأصوات، مقابل 66% في المرة الأولى، كما سجل الإقبال أدنى مستوياته منذ عقود، مما يعكس تزايد عزوف الناخبين.

وبرغم ذلك؛ يبدو أنَّ تأثير "الدومينو" المعادي للنخبة، والذي ظهر بعد خروج بريطانيا من "الاتحاد الأوروبي" والإطاحة بالرئيس ترمب قد بدأ يتلاشى في عالم ما بعد أوكرانيا، وما بعد كوفيد.

صوّت الفرنسيون لصالح بقاء فرنسا في قلب أوروبا، وليست مهمشة، وأن تقدّم الحماية اللازمة لشعبها بشكل أفضل.

لدى ماكرون فرصة سانحة. إذ تتمتّع فرنسا بثقل استراتيجي باعتبارها القوة النووية الوحيدة في "الاتحاد الأوروبي"، كما يتفوق أداء اقتصادها على الاقتصاد الألماني، ويعتمد في أوقات الحرب وارتفاع أسعار الطاقة بنسبة أقل على الغاز الروسي، لكنَّها تبقى في حاجة إلى توجه أفضل.

يدرك المصرفي الذي أصبح رئيساً ضرورة تغيير سياساته الداخلية، إذ لم تعد أجندته الإصلاحية الليبرالية تتفق مع الدعم الذي تقدّمه الدولة ما بعد كوفيد بشكل موسّع. كما يتعيّن عليه التعاون مع الأحزاب المنافسة والنقابات العمالية، وتقديم أوراق اعتماد يسارية أكثر وصديقة للبيئة.

اقرأ أيضاً: يمكن للوسط محاربة الشعبوية بالشعبوية

حتى لو رفض الناخبون دعوة لوبان لإنهاء التعاون الأوروبي والتقارب مع روسيا؛ فقد مكّنتها أجندتها الاقتصادية ذات الطابع اليساري من تحقيق أداء أفضل من عام 2017.

حصلت لوبان على دعم 17% من أصوات الذين صوّتوا لصالح اليساري المتطرف المثير للجدل جان لوك ميلينشون في الجولة الأولى، حيث صوتوا لها في جولة الإعادة، وفقاً لتقديرات "إيبسوس".

يعكس حديث ماكرون الأخير وخطاب النصر استعداده لبناء توجه سياسي أكثر شمولاً، ويتوقف ذلك على نجاحه في تشكيل حكومة مناسبة خلال الأشهر القليلة المقبلة، إذ يتعيّن عليه أن يكون قادراً على حشد أغلبية (من المحتمل أن تكون منخفضة) بعد الانتخابات البرلمانية في يونيو.

يرى كريستوفر ديمبيك من "ساكسو بنك" أنَّ فرص فشل ماكرون في تحقيق ذلك الهدف تقل عن 25%. برغم عدم وجود ضمان ضد الاحتجاجات أو الإضرابات، سيقلل تأمين الأغلبية أو تشكيل حكومة ائتلافية من فرصة الجمود التشريعي، في وقت يزداد مستوى الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي ليبلغ 113% والضغوط لتحسين الأجور، وأداء قطاعات مثل الصحة والتعليم.

الروابط الأوروبية

على صعيد المشهد الأوروبي؛ يتعيّن على ماكرون أيضاً تحقيق توازن بين الاهتمام بالأوضاع الداخلية وإثراء قوة فرنسا خارجياً، وسط تراجع التوحد حول العقوبات ضد روسيا، وزيادة وتيرة انضمام أعضاء "الاتحاد الأوروبي" إلى "حلف الناتو" (الذي وصفه ذات مرة بأنَّه مصاب "بسكتة دماغية")، وتحوّل مركز الثقل السياسي شرقاً، مع فشل باريس في بناء رأس مال دبلوماسي قبل ذلك.

يعتبر التحول المناخي، وتنظيم منصات التكنولوجيا، وسد الثغرات الضريبية للشركات من النقاط الرئيسية على جدول الأعمال أيضاً.

برغم ذلك، تبقى هناك فرصة أيضاً. يعتبر الثقل الجيوسياسي بالنسبة إلى فرنسا أمراً ضرورياً لتعزيز الموقف المؤيد لأوكرانيا، خاصة عندما يتعلق الأمر بدعم كييف مالياً وعسكرياً، فضلاً عن خفض الاعتماد الأوروبي على النفط والغاز الروسي. تتمتّع باريس بقدرة وحيوية على دفع برلين بشأن تلك القضايا، فالمستشار الألماني أولاف شولتس، كان أول زعيم أجنبي يتصل بماكرون بعد إعادة انتخابه، بينما يتعرّض لضغوط من تحالفه لاتخاذ موقف أوضح بشأن فلاديمير بوتين.

الاقتصاد الألماني سيواجه ركوداً إذا أدت حرب أوكرانيا إلى حظر الطاقة

يتسبّب فك الارتباط القائم على الطاقة في المنطقة، واتجاه فرنسا نحو تعزيز قدراتها الدفاعية في ارتفاع التكاليف. كما يتعيّن على ماكرون الذي أعيد انتخابه أن يستغل الزخم السياسي من أجل استعادة روح خطة الاتحاد الأوروبي البالغة تريليون دولار للتعافي من الجائحة، وأن يدفع باتجاه مزيد من الإنفاق والتضامن من خلال الاقتراض المشترك، وفقاً للاقتراح السابق بالشراكة مع ماريو دراغي الإيطالي.

وسط تلك التغيرات ستبقى أحزاب اليمين واليسار المتطرف في فرنسا قائمة، ومن المرجح أن تحظى بحضور سياسي أكبر، خاصة مع الانقسامات بين اليسار واليمين في القرن العشرين، والتي خرج على أنقاضها اثنان من بين ثلاث كتل تصويتية كبيرة، إلى جانب الوسطيين المؤيدين لماكرون. مع عدم تمكّن ماكرون من الترشح لولاية ثالثة؛ سيبقى هناك خطر حدوث مواجهة استقطابية أخرى في عام 2027.

ترى كاثرين فيشي، مديرة "كاونتبيونت" أنَّ لوبان تواجه ضغوطاً كبيرة أيضاً، بعدما خاطرت بالرهان على كل شيء، واتبعت استراتيجية محايدة تلغي أثر السياسة السامة المتعلّقة بالفريكسيت (خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي)، والإطاحة بماضي حزبها الفاشي من خلال التقاطها مقاطع فيديو مع القطة، وتخصيص ميزانية للهدايا.

يشير حصول لوبان على أكثر من 40% من الأصوات إلى أنَّ فشلها في تحقيق أداء متفوق في يونيو كان مفاجئاً، خاصة مع وصولها إلى المنافسة على منصب رئيس الجمهورية.

دخل ماكرون التاريخ بصفته أول رئيس فرنسي تتم إعادة انتخابه منذ عام 2002، ولن يغير من الأمر وجود مؤشرات كثيرة على انقسامات عميقة في المجتمع، والتردد في تبني موقف الرئيس من أجل "ثورة" ليبرالية، وإذا فشل في الوفاء بوعده بتحقيق مزيد من الحماية في الداخل وزيادة الثقل في الخارج؛ فستكون بالفعل فرصة كبيرة ضائعة.