انضمام السويد وفنلندا إلى "الناتو" أفضل ردّ عالمي على تنمّر بوتين

قِفُوا هذا المُتنمِّر
قِفُوا هذا المُتنمِّر المصدر: بلومبرغ
Andreas Kluth
Andreas Kluth

Columnist at Bloomberg Opinion. Previously editor-in-chief of Handelsblatt Global; 20 years at The Economist. Author of "Hannibal and Me."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أشبه بالطريقة التي يتصرف بها الأطفال بعضهم مع بعض في ساحات اللعب، عبر التاريخ كان يتعين على الدول أيضاً تحديد الكيفية التي ستتصرف بها إزاء المُتنمِّر. فهل تسترضيه على أمل أن يصبح وديعاً بعد ذلك؟ أم تتجنب استفزازه وتدفع ثمن السكوت على قسوته؟ أم تواجهه بالقوة والإرادة لوقفه واحتوائه؟

وإذا كان المُتنمِّر هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فالخيار الأخير هو الوحيد المقبول.

هذا الأمر الذي أدركه جيداً الناخبون والمشرعون في فنلندا والأحزاب المتعددة في السويد خلال الشهرين الماضيين، إذ بعد أن كان البلدان يتبعان نهجاً تقليدياً محايداً، باتا الآن يتحركان وبسرعة للانضمام إلى "الناتو"، وقد يبدأ البلدان بالتنسيق وتقديم طلباتهما للانضمام إلى الحلف في منتصف شهر مايو، وإذا كان "الناتو" حكيماً فعليه أن يبرم الصفقة على الفور.

تأمين خط المواجهة

كغيرهما من باقي الدول الأربع الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي لم تنضم إلى "الناتو"، وهي: النمسا وإيرلندا وقبرص ومالطا، كان لدى السويد وفنلندا أسباب وجيهة لعدم الانحياز في الماضي.

فسياسة السويد الحيادية تعود إلى قرون مضت، مثل سويسرا، وكانت تلك الاستراتيجية جزءاً من أسباب صمود الدولة، فيما لجأت فنلندا إلى الحياد رداً على الترهيب السوفييتي خلال الحرب الباردة.

إلا أنه في الوقت الحالي الذي يهاجم فيه بوتين أوكرانيا، وأوروبا والنظام الدولي بأسره، من خلال قنابله وأعماله الوحشية وأكاذيبه، لم يعٌد الحياد خياراً، وذلك هو السبب الذي يجعل على الدول الست ضرورة مساندة الغرب بقوة، وخطوة الانضمام هذه هي أكثر إلحاحاً بالنسبة إلى فنلندا والسويد، إذ تشترك فنلندا في حدود برية بطول 830 ميلاً (الميل = 1,6 كم) مع روسيا. وتواجه هي والسويد روسيا على ساحل بحر البلطيق، لذلك فالاسكندنافيون بالفعل موجودون على خط المواجهة، ويحتاجون إلى الحماية التي يقدمها "الناتو" بموجب المادة 5، التي تنص على أن أي هجوم على إحدى الدول هو هجوم على الجميع.

بعد تقارير جرائم الحرب.. أمريكا والاتحاد الأوروبي سيفرضان عقوبات جءديدة على روسيا

في المقابل، سيعزز انضمام دول الشمال الأوروبي إلى الحلف قوة "الناتو"، وذلك في منطقة يُعَدّ الحلف ضعيفاً فيها، حيث يوجد أكثر أعضاء الحلف هشاشة عبر بحر البلطيق: إستونيا ولاتفيا وليتوانيا. وهم معزولون تقريباً عن بقية دول الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي من خلال كالينينغراد الروسية. والحدود البرية الوحيدة بين ليتوانيا وبولندا هي شريط بطول 65 ميلاً، يسمى "ممر سوالكي" يقع بين كالينينغراد وبيلاروسيا، وهو في الواقع ولاية تابعة لبوتين.

من دون السويد وفنلندا سيكون من الصعب على "الناتو" التصدي لهجوم روسيا، والدفاع عن جمهوريات ما بعد الاتحاد السوفييتي الثلاث الواقعة على البلطيق، التي تضم أقليات كبيرة من العرقية الروسية. لكن بالتحالف مع الدول الاسكندنافية، التي تمتلك جيوشاً من الدرجة الأولى، وبالتنسيق من كثب مع الجيوش الغربية الأخرى، سيتحول حينها بحر البلطيق إلى بحيرة يمكن لحلف شمال الأطلسي حمايتها.

الحجج المعارضة

أفضل حجج الآراء المعارضة لعضوية فنلندا والسويد إلى الحلف تقول إنّ انضمام هذه الدول سيمثل تحدياً لبوتين يجعله أكثر عدوانية، وقد يصل إلى حد التصعيد باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية.

لكن بوتين، مستخدماً الحجة الظاهرية المتمثلة بمنع توسع "الناتو"، كان قرر الهجوم على أوكرانيا، مثلما فعل مع جورجيا عام 2008، لذلك سيكون من الصعب عليه الحصول على تأييد أكثر من يخافهم وهم المواطنون الروس العاديون الذين يجب أن يتعاملوا مع استمراره في السلطة، عندما تأتي نتائج أفعاله بعكس الأهداف المصرح بها تماماً، ويتوسع حلف شمال الأطلسي مرة أخرى. وسيكون عليه عمل شيء ما.

ما الذي سيحلّ بروسيا إن لم ينتصر بوتين في أوكرانيا؟

وكغيره من المتنمّرين، يلجأ بوتين إلى أتباعه لإلقاء التهديدات غير المقنِعة إلى حد كبير، إذ قال ديميتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الذي يترأسه بوتين: "لا يمكن أن يكون هناك مزيد من المفاوضات حول إخلاء دول البلطيق من الأسلحة النووية، يجب إعادة التوازن"، فيما لم يذكر ميدفيديف أن كالينينغراد الروسية هي معقل بالفعل للصواريخ والأسلحة النووية الروسية، فلا شيء جديد في ما ذكره.

استفزاز لبوتين

من جهة أخرى، يرى أتباع المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية أن انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو سيتسبب في ما يمكن تسميته "معضلة أمنية". وهي الحالة التي تحدث حين تلجأ الدول إلى التصعيد وخوض الحروب لأنها ترى كل الخيارات الأخرى أسوأ من ذلك. في هذه الحالة، قد تستنتج روسيا منطقياً أنها ستخسر سباق التسلّح التقليدي بسبب توسعّ حلف الناتو، وبالتالي تكون الضربة الاستباقية الخيار الأقل سوءاً بالنسبة إليها.

لكن برؤية هذا الرأي من منظور آخر، نجده يشبه الآراء المعروفة وغير المقنعة -سواء كان ذلك في ساحات اللعب أو في السياسة الدولية- حول وجوب عدم استفزاز المتنمّرين. ومراراً أثبت بوتين أنه لن يتوقف عن تهديد الآخرين أو مهاجمتهم ما دام يعتقد أن لديه القدرة على الإفلات من العقاب. فعلى سبيل المثال، يبدو أن استراتيجية بوتين الجديدة في حربه ضد أوكرانيا تهدف إلى احتلال جسر بري على طول الساحل الأوكراني للبحر الأسود، حتى يتمكن من تأمين الروابط مع الانفصاليين الروس في مولدوفا بعد ذلك.

المواجهة وإظهار القوة

لن يوجد أي بلد في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى ودول البلطيق وحتى القطب الشمالي يمكنه البقاء آمناً ما دام يقع ضمن "دائرة اهتمام" بوتين. وذلك حتى يدرك بوتين أنه في مواجهة قوى عظمى، تمتلك الإرادة لاستخدام قوتها. لذلك ينبغي على "الناتو" الإظهار القوة والإرادة، لا التردد.

في هذه الأثناء، تبقى المشكلة الأكثر إلحاحاً هي النجاة خلال الفترة المستمرة بين تقديم الطلبات من السويد وفنلندا وحتى ضمان عضويتهما في "الناتو"، إذ إنّ المادة 5 ستنطبق عليهما فقط في حال انضمامهما. وحتى إذا سرّع الحلف إجراءات الانضمام فسوف يتعين عليه الحصول على موافقة كل دولة من الثلاثين الأعضاء. وكان انضمام الدول الثلاث الأولى إلى "الناتو" في عام 1999 استغرق نحو 20 شهراً، فيما استغرق انضمام الدول السبع الأخرى إلى الحلف 18 شهراً في عام 2004.

"معهد ستوكهولم": أوروبا تتصدر واردات الأسلحة في العالم خلال 5 سنوات

هذا الوقت سوف يمثل فترة زمنية هي الأكثر إغراءً بالنسبة إلى بوتين لمعاقبة الدول الاسكندنافية، وذلك بهجمات تتنوع بين الهجمات الإلكترونية أو احتمالية استعراض الأسلحة النووية التكتيكية. ولذلك يقع العبء على فنلندا والسويد وكل الدول الثلاثين الأعضاء في حلف شمال الأطلسي في ضرورة التعاون لتقليص تلك الفترة الزمنية التي ليست من مصلحتهم.

ولذلك ينبغي على "الناتو" وجميع الأعضاء الثلاثين الاستعداد من الآن، واعتبار أن الطلبات قد جرى تقديمها رسمياً بالفعل، وإعطاء الضوء الأخضر في القمة التي من المقرر انعقادها في مدريد، يوم 29 يونيو، على أن يجري الحصول على موافقة الهيئة التشريعية من الدول الثلاثين على الفور، بأحسن الأحوال في اليوم التالي.

الأوقات الاستثنائية تتطلب إجراءات استثنائية. وثقة الغرب بقدرة حلف الناتو على حمايته من المتنمّرين لا تكمن في قوته العسكرية فقط، وإنما أيضاً في اتخاذه للإجراءات اللازمة عندما يتطلب الأمر ذلك. ولا يمكن لحلف الناتو أن يبعث برسالة أقوى من أن يصبح حلف الـ32 دولة في 30 يونيو المقبل، أي بعد 4 أشهر فقط من ارتكاب بوتين لواحدة من أسوأ فظائعه الكثيرة.