العالم يُفرط في اعتماد نظام الغذاء على القمح

يجب أن تبدأ البلدان بإعادة توجيه الإعانات الزراعية نحو الفواكه والخضروات والمكسرات والبقوليات

مزارعون يعملون بالحصاد في أوكرانيا
مزارعون يعملون بالحصاد في أوكرانيا المصدر: بلومبرغ
Jessica Fanzo
Jessica Fanzo

Jessica Fanzo is a Bloomberg Distinguished Professor of global food and agricultural policy and ethics at the Nitze School of Advanced International Studies, the Berman Institute of Bioethics and the Department of International Health of the Bloomberg School of Public Health at Johns Hopkins University.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تسعى أوروبا جاهدة لتنويع امدادات الطاقة بعد صدمة الهجوم الروسي على أوكرانيا، فها هي تنتقل من الغاز الروسي الذي يصلها عبر الأنابيب، نحو الغاز الطبيعي المسال والطاقة المعتمدة على الموارد المتجددة والطاقة النووية. لكن لابدّ أن تدفع هذه الحرب نحو نقلة على صعيد تنويع الدول للإمدادات الغذائية بالطريقة نفسها وللأسباب عينها؛ تعزيز الأمن الغذائي وتحسين التغذية حول العالم.

تنتج روسيا وأوكرانيا معاً 30% من إمدادات القمح العالمية، لهذا دفعت الحرب أسعار القمح وغيره من السلع الغذائية لتحلّق صعوداً. قفز مؤشر أسعار الغذاء لدى منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة بين فبراير ومارس 12.6% ليبلغ أعلى مستوى له على الإطلاق، ما يهدد الناس حول العالم بانعدام أمن غذائي غير مسبوق.

ارتفاع أسعار الغذاء يفاقم المخاطر في الدول العربية

كما يسلّط ذلك الضوء على الحاجة لمراجعة النظام الغذائي العالمي الذي يجعل معظم سكان الأرض يعتمدون على أنواع قليلة من حبوب تُنتج بكميات ضخمة مثل القمح والأرز والذرة.

ينبغي على مزارعي الولايات المتحدة والهند وكندا وغيرها من الدول أن يزرعوا مزيداً من القمح لمعالجة النقص الحالي. كما يجب أن يستبدل الناس حول العالم القمح بالأرز وغيره من الحبوب المتوفرة، كما تتيح الأزمة فرصة لتغيير وجه الزراعة على المدى الطويل والحدّ من الاعتماد على القمح وغيره من المحاصيل الرئيسية الكبرى.

مصاعب ومكاسب

سيكون تحقيق مثل هذا التحول حافلاً بالتحديات السياسية. فكثير من الدول تعتمد سياسة إعانات زراعية تدعم السلع الكبرى مثل الذرة والأرز والقمح والزيوت والسكر والصويا، وتحرص على زراعتها على نطاق واسع باستخدام ممارسات موحدة للإنتاج الزراعي. تقدم الحكومات في الدول التي تزرع ثلثيْ محاصيل العالم دعماً بنحو 450 مليار دولار للزراعة. تنفق الولايات المتحدة وحدها 16 مليار دولار سنوياً على الإعانات الزراعية يؤول 80% منها إلى المزارع الكبرى، التي تبلغ نسبتها 10% من إجمالي المزارع.

غلاء السلع عالمياً بدأ يدمر الطلب ويفاقم خطر الجوع

يعتري هذا النموذج الكثير من الشوائب، فالاعتماد الكبير على نوع واحد أو عدّة أنواع قليلة من الحبوب سيكون خطراً في نهاية المطاف، فهو يصعّب تجاوز عرقلة الإمدادات التي قد تنتج عن النزاعات والأزمات التي تمتد لفترات طويلة وهشاشة الدول، كما أثبت النزاع في أوكرانيا. كما يبرز إلى جانب المشاكل الجيوسياسية تهديد سوء الطقس، وهو تهديد قديم يتفاقم خطره الآن.

يمكن لموجات الحرّ والفيضانات وموجات البرد أن تقضي على محاصيل القمح والذرة والصويا والأرز. تسبب الطقس المتطرف في ظلّ التغير المناخي بتراجع المحاصيل لدرجة ارتفاع الأسعار إلى أعلى مستوياتها منذ أربعين سنة. يزيد التغير المناخي من خطر حصول مثل هذه الأحداث المناخية المتطرفة في مناطق مختلفة خلال الموسم عينه، فهذه الظاهرة التي تعرف باسم "الإخفاقات المتعددة بسلة الخبز" تهدد حصول مليارات من الأشخاص حول العالم على الطعام.

تدهور الصحة

كما أن الإعانات المالية المخصصة للمحاصيل الكبيرة تتجاهل الحاجة لتعزيز النظم الغذائية الصحية. خذ القمح على سبيل المثال، فالقمح بالحبة الكاملة غير المكرر مصدر رئيسي للنشويات والطاقة والبروتين والفيتامينات، خاصة فيتامينات ب، والألياف الغذائية والمواد الكيميائية النباتية. لكن يشهد الطلب على القمح ارتفاعاً عالمياً بسبب خصائصه الفريدة لناحية الغلوتين، ما يجعله مكوناً مثالياً لصناعة الخبز والنودلز والمعكرونة والكعك والبسكويت وغيرها من المخبوزات والمأكولات الخفيفة. فهذه المأكولات التي تخضع لكثير من التصنيع تشكّل جزءاً كبيراً اليوم من الغذاء العالمي وتفتقر للمغذيات لدرجة أنها تسهم بتدهور الصحة.

أسعار الغذاء تصعد عالمياً نحو أعلى مستوياتها تاريخياً

أسهمت الإعانات الزراعية على مدى خمسة عقود بدعم من بحوث وجهود التطوير في الدول المعتمدة على الزراعة بأن يهيمن الأرز والذرة والقمح على المحاصيل العالمية، حيث تسهم في ثلثيْ الاستهلاك العالمي للطاقة الغذائية. رغم أن المحاصيل البديلة مثل السورغم والدخن والجاودار والبطاطا الحلوة واليام لم تختف، حتى الآن على الأقل، إلا أنها تفقد أهميتها تدريجياً.

يجب على البلدان أن تبدأ في إعادة توجيه الإعانات الزراعية نحو الفواكه والخضروات والمكسرات والبقوليات والأطعمة المغذية الأخرى للتشجيع على بناء امدادات غذائية أكثر تنوعاً وقدرة على الصمود. تبيّن دراسة حديثة أن إعادة توجيه نصف الإعانات الزراعية في جميع أنحاء العالم لدعم زراعة الأطعمة التي تفيد صحة الإنسان وكذلك البيئة، قد يزيد من زراعة الفاكهة والخضروات بما يصل إلى 20% ويحدّ من انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن القطاع الزراعي بنسبة 2%.

الأمم المتحدة: أسعار الغذاء تضع الشرق الأوسط أمام "اختبار فاصل"

إحداث تحوّل في الإعانات الزراعية ليس سهلاً، فالكثير من المزارعين يعتمدون على هذه الإعانات كمصدر رزق، ويرى كثير منهم خطراً شديداً في تغيير ما يزرعون. لكن في ظلّ تفاقم التغير المناخي وعدم استقرار الأوضاع الجيوسياسية، أصبح التغيير ضرورياً. كما سيحتاج الناس ليتفادوا مشاكل صحية مزمنة، مثل السكري وأمراض القلب، لمساعدة من المنظومة الغذائية لتبني نظام غذائي صحي أكثر.

يجب أن تدفع عرقلة الإمدادات التي تسببت بها حرب أوكرانيا الحكومات لتراجع جهودها للتأثير على المحاصيل التي تُزرع وتشجيع إمدادات غذائية أكثر تنوعاً.