بنك اليابان مرتاح لضعف الين كوسيلة لتحقيق هدف التضخم

أحد المتسوقين داخل سوبرماركت "ساميت" في طوكيو، يوم 24 يوليو 2021. ارتفاع الأسعار في اليابان لم تواكبه زيادة في الأجور، الأمر الذي يشكل عبئاً متزايداً على المستهلكين
أحد المتسوقين داخل سوبرماركت "ساميت" في طوكيو، يوم 24 يوليو 2021. ارتفاع الأسعار في اليابان لم تواكبه زيادة في الأجور، الأمر الذي يشكل عبئاً متزايداً على المستهلكين المصدر: بلومبرغ
Daniel Moss
Daniel Moss

Daniel Moss is a Bloomberg Opinion columnist covering Asian economies. Previously he was executive editor of Bloomberg News for global economics, and has led teams in Asia, Europe and North America.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يبدو أن بنك اليابان مرتاح لضعف الين، وأي شك في ذلك مستبعد في هذه الفترة. فها هو البنك يضاعف بطريقة فعالة، الرهان على موقفه النقدي فائق التيسير الذي شرع في صياغته منذ عقود – تماماً كما أصبح الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وأقرانه أكثر اندفاعاً لزيادة أسعار الفائدة.

في بيان له عقب اجتماع السياسة النقدية الخميس، دافع بنك اليابان عن جهوده المبذولة للإبقاء على عوائد السندات الحكومية لأجل 10 سنوات قرب مستوى الصفر، وقال إنه سيشتري قدراً غير محدود من الديون بأسعار فائدة ثابتة في كل يوم عمل، للمحافظة على هذا المستوى. أبقى البنك على توجيهاته بأن أسعار الفائدة ستظل منخفضة أو تتراجع، رغم إعلان محافظ المركزي الياباني، هاروهيكو كورودا، عن تعديل محتمل في هذا الموقف أثناء خطاب ألقاه الأسبوع الماضي. أي شخص يبحث عن إشارة تدل على أن اليابان كانت على استعداد للابتعاد عن وضعيات الطوارئ، سيصاب بالإحباط الشديد. ولذا، لجأ المضاربون إلى بيع الين بطريقة مبررة.

اقرأ أيضاً: محافظ بنك اليابان: يجب مواصلة سياسة التيسير حتى مع هبوط الين

كان الدافع الرئيسي وراء هبوط سعر صرف العملة خلال الأسابيع الأخيرة، اتساع الفجوة في تكاليف الاقتراض بين اليابان والولايات المتحدة، حيث من المتوقع أن يصبح بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أكثر تشدداً في حربه ضد التضخم. وتشير توقعات الأسواق إلى أن رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، سيزيد سعر الفائدة الأساسي بمقدار 50 نقطة أساس خلال الأسبوع المقبل، ويعطي إشارة إلى تنامي الشعور بالقلق حيال صعود الأسعار.

اقرأ المزيد: الدولار يواصل مكاسبه متأثراً بتوجهات بنك اليابان وسط ضغوط أسواق النقد

تعني التدابير الأخيرة لبنك اليابان المركزي، أن كورودا ليس مرتاحاً فقط إزاء تزايد انخفاض سعر صرف الين، والذي هبط بنسبة 11% في مقابل الدولار هذا العام، لكنه يرحب بهذا الانخفاض كوسيلة لتحقيق هدف التضخم الذي طال انتظاره، والبالغ 2%.

هدف التضخم.. أولوية

بات لتحقيق هذا الهدف الأولويةالرئيسية خلال سنته الأخيرة على رأس البنك، تليه مباشرة رعاية الاقتصاد، ليصل إلى وضع صحي بالكامل، عقب حالات الانكماش المتكررة والمتقطعة خلال الأعوام القليلة الماضية. (من المهم أن نتذكر أنه ورغم ارتفاع التضخم في اليابان، إلا أنه لا يعد قريباً من المستويات التي سجلتها الولايات المتحدة في أحدث التوقعات، إذ يتوقع بنك اليابان أن يرتفع مؤشر أسعار المستهلك إلى 1.9% هذا العام، قبل هبوطبه إلى 1.1% في 2023).

خلال مؤتمره الصحفي، سار كورودا بطريقة متوازنة بين زيادة سعر صرف الين والتشجيع على المزيد من ضعف العملة. نفى أن يكون القرار الصادر الخميس قد أدى إلى تحفيز الين للتراجع أكثر - رغم هبوطه إلى 130 يناً مقابل الدولار، للمرة الأولى منذ 20 عاماً بعد فترة وجيزة من صدور القرار. وبينما كان حريصاً على التأكيد على أنه لا يزال يؤمن بأن ضعف الين كان أمراً إيجابياً بصفة عامة للاقتصاد، فقد تأرجح من خلال الإشارة مراراً وتكراراً إلى سلبيات "التحركات المفرطة" بالنسبة إلى الشركات.

رغم ذلك، يدرك كورودا بطريقة أساسية أن الإبقاء على سياسة نقدية فائقة التيسير من دون أي ذكر للتشديد المحتمل قبل اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي، من شأنه أن يبعث بإشارة واحدة فقط، وهي أن البنك مستعد لتحمل عملة أكثر ضعفاً. في ظل توجه غالبية مناطق اليابان لقضاء عطلة الأسبوع الذهبي لمدة 10 أيام، من الأفضل الاستعداد لبعض التحركات المتقلبة.

موجة عابرة

نوه كورودا مرة ثانية إلى أن الأسعار المرتفعة حالياً في اليابان، والتي لا تعود لزيادة في الرواتب أو الطلب بل إلى ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج، هي موجة عابرة من التضخم "السيئ" - ولا تعد من النوع الذي يريده بنك اليابان المركزي. ومن دون زيادات قوية في الأجور، سيجد كورودا أنه من الصعب رؤية تضخم قريب من هدفه بأي طريقة مستدامة. ورغم ذلك، كانت هناك علامات الخميس على أن التضخم السيئ نفسه، قد يكون أمراً جيداً. تتحدث توقعات البنك عن الطريقة التي ربما يسفر فيها صعود الأسعار عن تعديل التوقعات في الأجل المتوسط ​​والطويل، وبالتالي زيادة الأجور. بأسلوب آخر، ربما يكسر هذا الاتجاه العقلية الانكماشية التي دامت 30 عاماً، والتي تهيمن على البلاد، ويدشن دورة حميدة من زيادة الأجور والأسعار التي حاول كورودا توليدها منذ ما يصل إلى عقد من الزمان.

حذّر البنك في يناير الماضي من أنه يخشى أن تخفّض الشركات هوامش الربح عوضاً عن رفع الأسعار في مواجهة تصاعد تكاليف الطاقة والاستيراد. ورغم حدوث بعض ما كان يخشاه، إلا أن أسعار كل شيء تزداد رغم ذلك، بدءاً من الجعة ووصولاً إلى صلصة الصويا. وقد أسهم ذلك في تأقلم المستهلكين، الذين لم يشهدوا زيادات مماثلة منذ سنوات طويلة. يكمن التحدي الذي يواجهه المسؤولون في أن ذلك سيشكل عبئاً على المتسوقين قبل رفع الأجور. على الأرجح سيستمع رئيس الوزراء، فوميو كيشيدا، الذي يفتخر بأنه "مستمع جيد"، إلى الكثير من الشكاوى من الناخبين. دعونا لا ننسى أن كبار السن يشكلون نسبة مرتفعة من السكان اليابانيين، وهم يحصلون على معاشات تقاعدية. وبالتالي، فإن زيادة الأجور قد لا تعنيهم كثيراً، وإنما زيادة الأسعار تعني المزيد من الأعباء.

تدابير حكومية

أصرّ كورودا على عدم وجود تباين في وجهات النظر بين البنك المركزي والحكومة. لكن في ظل إعلان كيشيدا عن سلسلة من التدابير خلال الأسبوع الجاري فقط للحد من آثار زيادة الأسعار، قد تتبدل الأمور.

هل فعلاً لا يوجد أمل بأن يُسمع صوت أصحاب الرأي المتشدد حيال أسعار الفائدة في اليابان؟ يتمتع كورودا بتاريخ مثير للدهشة، وربما ما زال يمتلك بعض الحيل المتبقية. في أوائل عام 2016، قلل من وجود فرصة لفرض اليابان أسعار فائدة بالسالب - قبل أن يُفعّل ذلك تحديداً. باتت تكاليف الإبقاء على العائد المستهدف الحالي للسندات لبنك اليابان أعلى، كما يتضح من الحاجة إلى التواجد في السوق كل يومي للدفاع عنه. ما الحجم الذي يرغب كورودا في امتلاكه من سوق الدخل الثابت في اليابان؟

بات مألوفاً القول إنه لا شيء يتغير على الإطلاق في اليابان. ورغم ذلك، فإن تثبيت الوضع الراهن، هو حتماً خبر جديد.

(هذا مقال مشترك كتبه دانيال موس وغيرويد ريدي)