كيف نفهم بيانات النفط الروسية المتناقضة؟

رافعتان لضخ النفط في أحد الحقول الروسية. إذا كانت روسيا تضخ كميات أقل من النفط، فكيف يمكنها زيادة صادراتها النفطية؟
رافعتان لضخ النفط في أحد الحقول الروسية. إذا كانت روسيا تضخ كميات أقل من النفط، فكيف يمكنها زيادة صادراتها النفطية؟ المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

البيانات المرتبطة بقطاع النفط الروسي، قد تكون محيّرة تماماً.

تورطت روسيا في شبكة من القيود المفروضة عليها منذ غزو أوكرانيا، بداية من حظر الاستيراد بالكامل، وصولاً إلى مشكلات الشحن وعزوف المشترين. ومن الصعب فعلاً قياس التأثير الحقيقي لكل هذه العوامل المتشابكة، خصوصاً أن الإحصاءات الأساسية نفسها، تشير إلى اتجاهات متباينة.

من المنتظر أن يرتفع المتوسط ​​اليومي لتدفقات النفط المنقولة بحراً في روسيا خلال شهر أبريل، بمقدار 450 ألف برميل مقارنة بمستواه في مارس الماضي، ليبلغ أعلى مستوى له في ثلاثة أعوام عند 3.67 مليون برميل يومياً، بحسب تقديرات شركة "كبلر" (Kpler) لتحليل معلومات السوق. في الوقت ذاته، انخفض إنتاج البلاد النفطي بما يفوق 900 ألف برميل يومياً، ليبلغ المستويات التي جرى تسجيلها مطلع عام 2021.

اقرأ أيضاً: ارتفاع صادرات روسيا من النفط الخام رغم انخفاض الإنتاج

في حال كانت روسيا تضخ كميات أقل من النفط، فكيف يمكنها تصدير المزيد من هذه الكميات؟ الجواب يأتي من المنشآت التي تعالج الخام وتحوّله إلى وقود.

قال فيكتور كاتونا، رئيس وحدة تحليل الخام عالي الكبريت في شركة "كبلر": "يعود ارتفاع حجم الصادرات خلال شهر أبريل بطريقة كبيرة، إلى تراجع عمليات تشغيل مصافي النفط".

اقرأ المزيد: صادرات الديزل المخططة من ميناء روسي رئيسي تتراجع 30٪ في مايو

في الوقت الذي سجّل فيه إنتاج النفط الروسي اليومي حتى يوم 29 أبريل انخفاضاً بحوالي 8.8% عن مستويات ما قبل الغزو، هبطت كمية الخام التي جرت معالجتها من خلال مصافي الخام بنسبة بلغت 15.3%، حسب بيانات وحدة "سي دي يو-تك" (CDU-TEK) التابعة لوزارة الطاقة الروسية والتي اطلعت عليها "بلومبرغ".

النفط الذي لم يعد يُعالج في المصافي الروسية، يجب أن يذهب إلى مكان ما. في البداية، جرى تخزينه بصفة مؤقتة في حقول النفط، حيث كان المنتجون يبحثون عن عملاء جدد. وحالياً يجري إرساله للتصدير، ما أسفر عن زيادة شحنات الخام من درجات مثل مزيج سيبيريا الخفيف من ساحل البحر الأسود الروسي، وفق ما قاله جاي مارو، محلل النفط الأساسي في شركة "فورتاكسا" (Vortexa).

السوق المفقودة

يشكّل قطاع النفط الروسي ما يصل إلى 10% من إنتاج النفط الخام على مستوى العالم، وهو يُعدّ المصدر الأكبر لإيرادات ميزانية الدولة. تعرّض القطاع لضغوط غير مسبوقة خلال الأشهر الماضية، في إطار محاولة الدول الغربية وشركائها وقف الحرب في أوكرانيا من خلال الحد من عائدات الكرملين.

أعلنت دول عدة، خصوصاً الولايات المتحدة، حظراً شاملاً على واردات الوقود الروسي، وقد جعلت هذه الخطوة التي اتخذها البيت الأبيض، المصافي الروسية أولى ضحايا العقوبات المفروضة على روسيا.

كانت المصافي الأمريكية من كبار مشتري زيت الوقود الروسي، نظراً لامتلاكها معدات متخصصة يمكنها أن تحوّله إلى بنزين. ثبت أن إيجاد سوق أخرى عقب دخول الحظر حيّز التنفيذ، مسألة شبه مستحيلة، وبالتالي، بدأت مخزونات النفط الثقيل تتكدّس بطريقة سريعة، ما اضطر بعض المصافي الروسية إلى إغلاق عملياتها التشغيلية.

في ظل خسائر الاقتصاد الروسي بفعل العقوبات الأوسع نطاقاً، تتقلص كذلك السوق المحلية للمنتجات النفطية المكررة.

في أحدث تقرير لها، قالت شركة "بتروماركت" (Petromarket) لخدمات الاستشارات، ومقرها موسكو: "يقود مالكو السيارات مركباتهم بقدر أقل بالمقارنة بما كان يُعدّ طبيعياً في أوقات ما قبل الأزمة، وذلك جراء هبوط مستوى الدخل الحقيقي، أو ارتفاع المخاوف من مثل هذا الهبوط". وأضافت: "تأثر الطلب على البنزين سلباً بالهجرة، والبطالة، والإجازات الاجبارية، أو حتى الانتقال إلى العمل من المنزل بالنسبة إلى عدد هائل من الروس، نظراً لأن شركات أجنبية عديدة قد غادرت روسيا بالفعل".

تبيع المصافي الروسية كل البنزين تقريباً الذي تنتجه في أسواقها المحلية، حيث تظهر مؤشرات الأسعار تحقيق نمو في فائض المعروض، حسب شركة "بتروماركت". واعتباراً من 26 أبريل، ارتفعت شحنات البنزين إلى بورصة الوقود المحلية بنسبة 5% مقارنة بشهر مارس الماضي. هبط متوسط ​​أسعار أنواع الوقود المتباينة بنسبة تتراوح بين 8% و10%، وفقاً لشركة الاستشارات.

قال كاتونا من شركة "كبلر"، إن إنتاجية المصافي الروسية تنخفض عادةً في هذا الوقت من السنة، جراء أعمال الصيانة الموسمية، لكن هذا لا يفسر النطاق الكامل لما يجري. فهناك مؤشرات على أن بعض المرافق، قد لا يُعاد تشغيلها بحسب الجدول الزمني المعتاد عقب عمليات الصيانة.

المنشآت الخاملة

اعتباراً من 18 أبريل، كانت هناك 23 فقط من أصل 106 وحدات تكرير روسية خارج الخدمة تخضع للصيانة المخطط لها أو الإصلاحات المخطط لها، فيما كانت 10 وحدات تخضع لعمليات إصلاح غير مخطط لها، إلى جانب 14 وحدة أخرى تخضع لعمليات صيانة شاملة، حسب بيانات شركة "كوموديتيز ماركتس أنالاتيكس" (Commodities Markets Analytics)، ومقرها موسكو. وكشفت البيانات أنه جرى ببساطة وقف عمليات تشغيل 29 وحدة أخرى، فيما كانت 7 وحدات في مرحلة التدوير الساخن.

من المعتاد أن يحدث الخمول عندما يجري إيقاف تشغيل الوحدات لأسباب غير ميكانيكية، على غرار الهوامش غير المربحة، أو نقص الطلب على الوقود المعالج. يعني التدوير الساخن أن المصفاة لا تنتج أي وقود، ولكنها تستمر في إجراء المعالجة الأساسية في حلقة مكررة، حتى يمكن إعادة التشغيل بطريقة فورية في حال اقتضت الضرورة ذلك.

قال كاتونا: "من المفترض الانتهاء من موسم أعمال الصيانة بطريقة تدريجية خلال شهر مايو، لكننا لا نتوقع تعافياً بصورة جلية في الأجل القصير في أحجام عمليات المعالجة الروسية".

يعني ذلك، نقل مزيد من كميات النفط الخام للتصدير. تتوقع شركة "كبلر" أن تكون شحنات النفط الروسية المنقولة بحراً في شهر مايو أقل بصورة طفيفة فقط، مقارنة بما كانت عليه في شهر أبريل، حتى مع مواصلة إنتاج النفط الخام في البلاد التراجع.