نحارب كورونا متسلحين ببيانات مغلوطة

زاد هذا الخلل صعوبة تقييم عواقب الوباء وما نحن على استعداد للقيام به لتجنب هذه التكاليف

رسم تعبيري
رسم تعبيري المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أضافت ولاية ماساتشوستس في مطلع يناير خانة جديدة إلى مرقاب فيروس كوفيد-19 لديها، لتبدأ بعد عامين من انتشار الوباء بالتمييز بين من مكث في المشفى نتيجة إصابته بالفيروس، ومن أتاه لأسباب أخرى لكن تصادف أنه كان مصاباً.

لم يتغير شيئ في واقع عمل المستشفيات، حيث ما يزال يتعين عزل المريض الذي أصيب بفيروس "كوفيد" لدى تعرضه لحادث سيارة، لكن التأثير على البيانات كان ضخماً، فقد شطرتها إلى شقين.

هل نطرح الكمامات بعد الاستغناء عنها في السفر جواً؟

رغم تراجع الإصابات والوفيات، ستسجل الولايات المتحدة في الأسابيع القليلة المقبلة مليون وفاة بسبب "كوفيد" وإصابة أكثر من نصف سكان البلاد، كما قد تكون موجات المرض المستجدة حتمية، سواءً بسبب ظهور سلالة جديدة، أو لعوامل موسمية. نأمل أن تكون هذه الموجات أقل فتكاً بفعل جدار مناعة بنته اللقاحات والعدوى السابقة. يتبنى القادة السياسيون وخبراء الصحة والعامة في جميع أنحاء البلاد مواقف جديدة تجاه المخاطر والتكاليف التي هم على استعداد لدفعها لكبح انتقال العدوى.

لكنهم يتخذون هذه الخيارات بناءً على معلومات خاطئة أو أقله قديمة. يرجع ذلك جزئياً لتشرذم نظام الصحة العامة في الولايات المتحدة. زاد هذا الخلل صعوبة تقييم عواقب الوباء وما نحن على استعداد للقيام به لتجنب هذه التكاليف كما خلق فجوة مرهقة الردم وأنتجت انعداماً في الثقة.

طابور اختبار "كوفيد" في مبنى الكابيتول الأمريكي في يناير
طابور اختبار "كوفيد" في مبنى الكابيتول الأمريكي في يناير المصدر: غيتي إيمجز

تساؤل هام

لم تتحسن طريقة قياس مخاطر الفيروس كثيراً على مدى عامين، حتى بعد إنفاق مليارات الدولارات ووفاة نحو مليون شخص. التساؤل عن عدد من تستبقيهم المشافي أمر بالغ الأهمية، حيث تعتمد عليه مستويات جديدة من قواعد الصحة العامة التي تفرضها مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها. إن عاد الفيروس في موجة أخرى، فسيكون من الضروري معرفة مقدار قابلية المجتمعات للتأثر به، لكن أنظمة البيانات الأمريكية تجعل ذلك مستحيلاً. كيف سنكتشف تلك الموجة حين يحجم مزيد من الناس عن الخضوع للاختبار أو يلجأ للاختبارات المنزلية التي لا تُرصد نتائجها؟

لقد تغير الوباء وينبغي أن تتغير طريقة القياس التي تتبعها البلاد.

العلماء مختلفون حول معنى كورونا "المستوطن"

كان رصد المكوث في المشافي أحد أفضل طرق قياس تبعات الفيروس طيلة فترة الوباء، وكانت أعداد المصابين بالفيروس من المتوعكين أقل من عدد المرضى الذين يعانون من أعراض شديدة. إن أعداد الوفيات هي التقديرات النهائية، لكن تأتي متأخرة للغاية بعد أسابيع أو حتى أشهر بحيث تنعدم قيمتها الاستشرافية. يقيّم عدد من تستبقيهم المشافي مدى الضغط الذي يرزح تحته النظام الصحي والتكاليف المالية، إضافة للأثر على من يقضون أسابيع على أَسرّة مستشفيات.

تغير التعامل

كان الاستبقاء في المستشفيات إجراءً بسيطاً خلال السنة والنصف الأولى من الوباء، فقد أدخلت جميع المصابين أثناء ارتفاع الإصابات بالفيروس. لكن شيئاً ما تغير خلال موجة المرض الناجم عن متحول "أوميكرون"، التي بدأت أواخر العام الماضي. فقد دخل حوالي نصف المصابين بـ"كوفيد" إلى المستشفى لأسباب أخرى.

بحث عديد من الباحثين وإدارات الصحة العامة في هذه القضية، وتفحص فريق من كلية الطب بجامعة "هارفارد" السجلات الطبية للتمييز بين المرضى الذين استبقتهم المشافي لمجرد أنهم مصابون بفيروس "كوفيد"، وأولئك الذين أُدخلوا نتيجة أعراض نجمت عن إصابتهم، كما قام بمثل ذلك فريق من جامعة "كاليفورنيا" في سان فرانسيسكو. بدأت الجامعتان مطلع العام بالتمييز بين من اكتشف الاختبار أنهم مصابون وبين المصابين ممن يعانون أعراضاً دفعت لاستبقائهم في المشافي في تمحيصهما للبيانات.

بيل غيتس يؤلف كتاباً حول كيفية جعل كوفيد-19 الوباء الأخير

توصل الفريقان إلى نفس النتيجة وهي أنه نظراً لانتشار "كوفيد" على نطاق واسع واكتساب مزيد من الناس الحماية من اللقاحات والعدوى السابقة، فقد شكَّل عدد الأشخاص المصنفين على أنهم مصابون فقط دون معاناة أعراض حصة كبيرة من أكثر من 20 ألف شخص كان مركز السيطرة على الأمراض يعتبرهم مرضى جدد يومياً لأن المشافي استبقتهم.

فشل حساب

قال جيفري كلان، الأستاذ المساعد في كلية الطب بجامعة "هارفرد" الذي أجرى إحدى الدراسات: "حين بدأنا النظر في هذا الأمر، أدركنا أن لهذا آثاراً هائلة على تقارير الصحة العامة". يعني هذا أن الدولة فشلت بحساب التكلفة الحقيقية لـ"كوفيد" مع تطور الوباء. لأن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها والعديد من الولايات تستخدم الإستبقاء في المشافي كمقياس أساسي لخطر الوباء، ما يعني أنهم يعتمدون على بيانات غير دقيقة، وهو حال الأفراد أيضاً.

وجدت مراجعة "بلومبرغ" لمرقابات بيانات "كوفيد" لدى كل ولاية على حدة، أنه رغم أن ماساتشوستس، ونيوهامبشاير، ونيويورك تنشر هذه البيانات، إلا أن عدداً قليلاً من الولايات الأخرى لم تجري سوى مسحاً استقصائياً واحداً.

كيف حدث هذا؟ كيف تعقبت ولايات قليلة فقط بانتظام ما يبدو تمييزاً حاسماً لحصيلة البيانات رغم تداعياتها الهائلة على كيفية استنباط المجتمع للمخاطر؟

قد يكون أحد الأسباب هو أن السياسة سممت هذا السؤال، فقد اقتحمت على ما يبدو جميع جوانب كوفيد في الولايات المتحدة. استخدم المشككون، الذين يبشرون بفكرة أن الوباء لم يكن أبداً بالحدة التي يدعيها آخرون، التمييز بين من هم مصابون فحسب ومن يعانون شدة الأعراض منهم.

والينسكي في جلسة استماع لمجلس الشيوخ هذا العام
والينسكي في جلسة استماع لمجلس الشيوخ هذا العام المصدر: بلومبرغ

سؤال قيّم

جرّ هذا التيار الكامن كلان، حين نشرت مجموعته أعمالها. قال: "كان الناس يقولون إننا بلا شك من مناهضي تلقي اللقاح، لأننا نحاول تحجيم مشكلة كوفيد، أو من منظور آخر أن كوفيد ليس مشكلة حقيقة، وأننا ننفق كثيراً من المال عليه.. ليس هذا أبداً ما نحاول تبيانه".

تقريباً كل قرار يتعلق بالصحة العامة هو ضرب من المقايضة. سيقلل نظام العمل من المنزل من العدوى، ولكنه قد يسحق الاقتصاد، وقد يؤدي إغلاق دور رعاية المسنين أمام الزوار لإنقاذ الناس من الموت بسبب "كوفيد"، لكنه سيعزل بينهم وبين ذويهم الذين يعتمدون عليهم. ما عدد المرضى ممن تستبقيهم المشافي الذي ينبغي عند بلوغه فرض مثل تلك القيود؟ ما الثمن الذي سنقبل دفعه كي لا نُجبر على استخدام الكمامات الطبية في المطار؟ ماذا لو ظهر متحول آخر أو جائحة أخرى في المستقبل؟ إن كنت ستختار، ألن تنفعك إتاحة بيانات أفضل؟

اختبار التنفس يُسهل تشخيص كورونا في التجمعات

قال جاي فارما، الذي ساعد بقيادة مركز استجابة "كوفيد" في مدينة نيويورك، وهو الآن أستاذ في كلية طب "وايل كورنيل" ويدير المركز الجديد للوقاية من الأوبئة والاستجابة لها: "هذه أسئلة تتعلق بالأساس بالقيمة. هل تُقدِّر الحفاظ على صحة الجميع في كل الأوقات؟ وما هي التكلفة التي أنت على استعداد لتحملها لذلك؟".

لكن لم تعد الولايات المتحدة تقيس تلك التكاليف بمقياس صحيح، ما يعني أنها لا تقدم لواضعي السياسات أو العامة أفضل معلومات حول الخيارات التي يواجهونها.

لا تحسن في الأفق

لا يتوفر ما يدل على أن الدولة مستعدة لتحسين أدائها في هذا المجال، فالإرشادات الجديدة الصادرة عن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها على مستوى المجتمعات المحلية، التي تعد أساساً للتوصية أو الحد من التدابير مثل استخدام الكمامات الطبية، لا تميز البيانات بين الاستبقاء في المشافي سواء للمصابين بـ"كوفيد"، أو من مكثوا فيها نتيجة لمعاناتهم من أعراض نتيجة الإصابة.

قالت روشيل والينسكي، مديرة مركز السيطرة على الأمراض، في مؤتمر صحفي يوم 25 فبراير، إن المؤسسة قررت عدم مطالبة المستشفيات بهذه التفاصيل. أضافت أن معظم الأماكن لا يمكنها الإبلاغ عن هذه التفاصيل، وأشارت أن المريض الذي يحمل فيروس "كوفيد" يضع نفس عبء السيطرة على العدوى على المستشفيات، لكنه لا تسبب بنفس الضغط على الموارد المحدودة مثل أسرة العناية المركزة وأجهزة التنفس الصناعي وموظفي الرعاية.

لماذا يحتاج العالم أن تبقي الصين على سياسة "صفر كوفيد"؟

بيّنت والينسكي أنها تتوقع أن تتوقف المستشفيات الأمريكية في النهاية عن إجراء اختبار لكل مريض بـ"كوفيد"، وأضافت قولها: "حين يحدث ذلك، لن نكون قادرين على التمييز".

قد يكون هذا صحيحاً، لكنه يناسب أيضاً نمطاً في المؤسسة، التي تراجعت أحياناً عن جمع البيانات التي كانت ستوفر رؤية أوضح. قررت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بعد بضعة أشهر من جهود التلقيح في 2021 التوقف عن احتساب الإصابات الخفيفة لدى من تلقوا اللقاح، ووصفتها بأنها متوقعة وتشتت الانتباه. تسبب هذا القرار بجعل المؤسسة غير قادرة على معرفة متى بدأت فعالية اللقاح تتلاشى.

تحسين أداء

لكن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بدأت بخطوات لتحسين أدائها، حيث دفعت للحصول على صلاحيات أكبر لجمع البيانات المحلية، كما أطلقت مركزها الجديد للتنبؤ وتحليل تفشي الأمراض، ووعدت بأن يساعد هذا المركز بتحديث الجهود لفهم الأمراض المعدية وتحسين التنبؤ بها.

تجمع دول أخرى بيانات المستشفيات حول المصابين ومن يعانون الأعراض نتيجة الإصابة. تنشر بريطانيا مثلاً تحديثات منتظمة لذلك. ما فعلته البلدان الأخرى يسلط الضوء على قصور في الولايات المتحدة، التي تعثرت مراراً نتيجة افتقارها لنظام سجلات صحية وطنية في جمع البيانات سواء بالنسبة للمرضى الذين استبقتهم المشافي أو للاختبارات أو حول فعالية اللقاح أو غيرها من المقاييس، التي كان من الممكن أن توفر صورة أفضل حول لوباء.

دول تتخلى عن "صفر كوفيد" بضغط التكلفة الاقتصادية

يُرجح أن تمر الولايات المتحدة بانحسار آخر للفيروس خلال الربيع والصيف، مصحوباً بتخفيف مستمر لحدة قواعد الصحة العامة في جميع أنحاء البلاد. ما يزال فيروس "كوفيد" يجتاح الصين، ويستمر في الانتقال داخل الولايات المتحدة وفي كل مكان آخر حول العالم. الأمر بعيد كل البعد عن نهايته وقد تكون هناك زيادة أخرى في أعداد المصابين، أو ظهور سلالة جديدة ربما تكون أنجح بتخطي لقاحاتنا.

حين يحدث ذلك، هل ستكون البيانات الأقل والأسوأ هي الحل حقاً؟

تباين المناعة

تتخبط الولايات المتحدة في جانب واحد آخر على الأقل.

يُظهر مسح الدم أن أكثر من 90% من الأمريكيين لديهم مستوى معين من واسمات المناعة الوقائية. يتضمن ذلك 66% من السكان الذين تلقوا اللقاح بالكامل، رغم أن أقل من نصف هؤلاء حصلوا على جرعة معززة. أصيب نحو 60% من سكان البلاد بفيروس "SARS-CoV-2"، وفقاً لاستطلاعات مراكز السيطرة على الأمراض.

أصيب بعض الناس ممن لم يتلقوا اللقاح بالفيروس، وتلقى بعضهم اللقاح، ولم يصب به كما تلقى بعضهم اللقاح وأصيب، وثمة من لم يتعرض للعدوى على الإطلاق. يحمل كل من هذه المجموعات مستويات متباينة من الحماية.

رغم أن الولايات المتحدة لديها سجلات تلقيح مفصلة نسبياً، إلا أن هناك بيانات أقل بكثير عن المصابين، وبالتأكيد ليس على مستوى الفرد أو المجتمع. هذا يُصعِّب تحديد مواطن الحماية الأقوى وأين تتلاشى وأين توجد ثغرات بالفعل.

"كوفيد" سرق 28 مليون سنة من حياة سكان 31 دولة في العام الماضي

قد تعني هذه المناعة المتغيرة باستمرار أن بعض الأماكن تتعرض لضربة أقوى من غيرها، وليس دائماً بطرق مباشرة. بدأ الباحثون في ولاية فرجينيا بمتابعة كيفية عمل مستويات المناعة المختلفة في الولاية خلال العام الماضي مع انتشار اللقاحات في جميع أنحاء الولايات المتحدة.

تلقى سكان شمال شرق فرجينيا اللقاح بما يشمل ضواحي العاصمة الليبرالية، مبكراً وبكثافة، بينما لم يتلقاه الجزء الجنوبي الغربي من الولاية، أي المناطق الريفية والمحافظة. قال برايان لويس، الباحث في جامعة "فيرجينيا" الذي تتبع الفيروس ورسم كيفية تحوله، حين ضربت سلالة "دلتا" في أواخر الصيف، نجا شمال شرق فيرجينيا إلى حد كبير.

ضربت سلالة "أوميكرون" الولاية بعد بضعة أشهر، وكانت النتيجة مختلفة تماماً. ارتفعت الإصابات في الجزء الشمالي الشرقي من الولاية لكنها كانت أكثر اعتدالاً في الجنوب الغربي. لقد انعكس النمط، فقد حمت اللقاحات الناس من العدوى في وقت مبكر لتتلاشى فعاليتها قليلاً بمرور الوقت. أُصيب عديد من الناس بالمرض في الجنوب الغربي وتوفي كثير منهم، لكن أولئك الذين بقوا كانوا يتمتعون بحماية قوية نسبياً من الفيروس حين عاد.

موجات المستقبل

كيف سيكون الحال إذاً في وقت لاحق من هذا العام ضربت موجة جديدة من "كوفيد" الولايات المتحدة وتضاءلت الحماية المناعية؟ أي أجزاء من الولايات المتحدة ستكون أكثر عرضة للخطر؟ وأيها سيكون أكثر حماية؟

قال لويس: "لا نعرف ما هو مستوى مناعتنا الحالي.. مهمٌ حقاً تسليط الضوء على هذا الفارق". قارن كل مجتمع بقلعة الرملية تتعرض لتغير في المدّ، قائلاً: "تخيل أمواجاً تضرب الشاطئ وكم ارتفاع قلعتك الرملية؟"

مع عدم إنشاء الولايات المتحدة لأي نوع من نظام السجلات الصحية الوطنية أو ربط سجلات اللقاحات الخاصة بها بسجلاتها الصحية، فإن الجهود المبذولة لتقدير مدى مناعتنا خلال بضعة أشهر، أو في الخريف المقبل، متروكة لأشخاص مثل لويس، الذي قال: "سنشهد تراجعاً، ربما أكثر قليلاً مما كان عليه الحال خلال الصيف الماضي.. السؤال الكبير هو، كيف سيبدو هذا في المستقبل؟"

كيف سيساعد دواء كورونا على إنهاء الوباء إن لم يصل للناس؟

قد يبدو صعباً تذكر ذلك، لكن كان هناك وقت لم يتحرى الناس الإصابة في كل مرة ظهرت عليهم أعراض مرضية في الجهاز التنفسي، فقبل ثلاث سنوات كُنتَ تعتبر مجرد "مريض".

في حين أن اختبار "كوفيد" في الولايات المتحدة كان يمثل تحدياً منذ بداية الوباء، إلا أنه يدخل مرحلة جديدة أكثر تعقيداً. انتهت صلاحية تمويل اختبار "كوفيد"، رغم وفرة الاختبارات المنزلية. قد يكون عديد من الإصابات خفيفة، ما يعني أن نسبة أقل من الإصابات تظهر في المستشفيات أو نقاط الرعاية "الرسمية" الأخرى حيث يمكن رصدها. أصبحت إمكانية الاعتماد على أعداد الإصابات اليومية أدنى مما كانت عليه أصلاً.

إن جمعت نتائج انحسار المراقبة وتلاشي المناعة سينتج هو تزايد في الضعف، لكن هناك طرقاً أقل لاكتشاف الخطر.

طرق مراقبة

تحاول بعض الولايات والمدن الأمريكية تغيير ذلك، باستخدام طرق مراقبة جديدة لاكتشاف العدوى دون الاعتماد على مصدر البيانات الأدنى موثوقية وهو الناس. لقد أنشأوا شبكات تختبر عينات مياه الصرف بحثاً عن الفيروس. يطرح المصابون الفيروس في البراز، غالباً قبل أيام ظهوره عبر الاختبار، ويمكن بأخذ عينات من مياه الصرف الصحي اكتشاف الموجة قبل ظهورها عبر الاختبارات.

قالت إيمي كيربي، رئيسة برنامج مياه الصرف الصحي التابع لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها: "تكمن ميزة مراقبة مياه الصرف الصحي في أنها لا تعتمد على السلوك البشري، عدا استخدامهم للحمام. فتظل مقياساً دقيقاً مع تغير آليات الوباء".

كنا نصفق لفرق التمريض.. والآن نتركهم يُستنزفون

كما تخطط مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها للاعتماد أكثر على مراقبة الأعراض، وتتبع زيارات المشافي والعيادات لما يشبه "كوفيد". عمدت إلى ذلك قبلاً، ففي بداية مارس 2020 لم يكن هناك سوى قليل من الاختبارات، أو لم يكن هناك سوى قليل من الطرق الأخرى لتحديد إصابات "كوفيد" على نطاق واسع. لكن سجلت شبكة الصحة العامة الأمريكية، التي تراقب غرف الطوارئ والعيادات بحثاً عن مصابين بمرض تشبه أعراضه الإنفلونزا، ارتفاعاً في عدد المرضى، دون أن تثبت عيناتهم المعملية إصابتهم بها.

أفكار مجزأة

إذا جمعت كل ذلك معاً، فإن ما ستبدأ برؤيته هو تغيير أكبر. تتطور استجابتنا لـ"كوفيد"، أو تُدفع لتتحول من مشكلة صحية عامة إلى فردية، ومن مخاطر مشتركة إلى شخصية. يعني الجمع بين اللقاح والعلاجات المتاحة على نطاق واسع والعدوى السابقة بالنسبة لكثير من الناس أن مخاطرهم انخفضت بشكل كبير عما كانت عليه قبل عام. لكن ليس بالنسبة للجميع. فما تزال البلاد تشهد أكثر من 300 وفاة يومياً. عديد من الفئات الأكثر ضعفاً هم نفس الأشخاص الذين كانوا مُعرضين للخطر في بداية الوباء مثل كبار السن والضعفاء ومن يعانون مسبقاً من أمراض.

قال فارما: "التساؤل فيما إذا كنا جميعاً بمواجهة هذا أم أن كل منا سيكون بمفرده هو النقاش القائم الآن."

الوباء لم ينته.. "كورونا" يقتل الأمريكيين أكثر مما تفعل الأسلحة وحوادث الطرق

ربما يكون هذا التحول أمراً لا مفر منه. لطالما كان الجانب الآخر لأمريكا هو أنها أرض الفرص، بيد أنها أيضاً أرض عدم المساواة. حين لا نتمكن من الاتفاق على مجموعة مشتركة من الحقائق لأننا لم ننشئ البيانات لفهم أين نقف، تبدأ الفردية بالانتصار تلقائياً. لماذا يجب على شخص ما أن يضحي أكثر فيما لا يستطيع حتى أن يوافق على الهدف من تضحيته؟

قال فارما: "الصاخبون في قطاع الصحة العامة والمجتمعات المُهمشة تاريخياً يقولون: إنكم تتخلون عنا وحياتنا بلا أهمية لديكم.. على المقلب الآخر هناك من يقول: أنتم تتوقفون عن تتبع جهات الاتصال لأنها لم تكن مفيدة أبداً. في الواقع، كان الأمر مفيداً حقاً لفترة من الوقت! لقد أنقذ آلاف الأرواح".

أشار فارما أن هذه التحولات تعني إعطاء الأشخاص الأكثر عرضة لخطر أكبر الأدوات اللازمة لحماية أنفسهم، وقارن ذلك بدورة المياه العامة التي لا يدخلها الناس متوقعين أنهم بحاجة لجلب الماء والصابون ومنشفة.

هل ننتظر من أي شخص قد يحتاج كمامة طبية أن يكون لديه واحدة في جميع الأوقات، سواء لحماية نفسه أو الآخرين؟

قال فارما: "عليك أن تنتقل إلى النهج الفردي، لكن علينا أن نجعل هذا الانتقال، كما يجب أن يكون".

أدوات الضعفاء

يعتبر بيل هانيج، الأستاذ المساعد في علم الأوبئة في كلية تي أتش تشان للصحة العامة في جامعة "هارفرد"، أقوى دفعاً. قال هانيج: "حين تقول إن الضعفاء لديهم أدوات، هل يملكونها حقاً؟... إن كنت تواجه صعوبة بالحصول على رعاية صحية، كيف ستحصل على اختبارك السريع؟ إن أجريت اختباراً سريعاً، فكيف تحوله إلى وصفة طبية؟"

أطلقت إدارة بايدن برنامج "الاختبار بغرض العلاج" الذي من شأنه أن يسمح للأشخاص المصابين بـ"كوفيد" بالحصول بسرعة على أقراص مضادة للفيروسات. فيما يستمر قصور إتاحة الكمامات الطبية بلا مقابل، فضلاً عن نفاد أموال الطوارئ الخاصة باللقاحات والأدوية والاختبارات. كما اشترت الحكومة جزءاً فقط من الأقراص التي قد تحتاجها في حال وقوع موجة جديدة.

ما هو مصير مراكز اختبارات فيروس كورونا بعد نهاية الجائحة؟

تراود هانيج، بريطاني الجنسية، أحلام حول الوباء. فقد حلم حين ساءت الأمور أنه خرج بلا كمامة، ولدى عودته إلى الداخل وجد نفسه يحدق في كوم من الكمامات، ولا يستطيع أن يجد كمامته بينها. لدى تراجع موجة الوباء، حلم أنه كان يركب قطاراً في لندن كما كان عليه الحال قبلاً.

قد تبدو أحلام هانيج تضاهي أي سبل قياس "كوفيد" هائلة الهدد، التي يشوب كل منها عيوبها، لفهم وجهة الفيروس والفعل الذي تتطلبه. تأثرت الاستجابة لـ"كوفيد" أحياناً بالشعور بقدر تأثرها بالحقيقة. لقد تعلق الأمر بالقيم، ولم تتفق الدولة أبداً على ماهية هذه القيم، لا قبل الوباء ولا بعده.

هل ستؤدي البيانات الأفضل إلى محادثة أسهل حول القيم؟ ربما. لكن انظر بعمق شديد وما ستجد ليس صورة جديدة ومثالية لـ"كوفيد" بل هو ظلم نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، الذي كان مستوطناً قبل الفيروس بفترة طويلة. حيث تتحول بيانات الوفاة إلى أشخاص لم يخضعوا لفحص السرطان بسبب إغلاق المستشفيات. وتشير معدلات اللقاح المنخفضة إلى حقيقة أن خُمس الأمريكيين ليس لديهم طبيب رعاية أولية للتحدث معه حول ترددهم. لا تكشف مستويات طاقة المستشفى عن عدد مرضى "كوفيد" فحسب، بل تكشف أيضاً عن مدى عمق انهيار القوى العاملة في مجال الرعاية الصحية.

يشير هذا المشهد غير المثالي إلى أن مرحلة توطن "كوفيد" ستكون وزناً إضافياً من شأنه أن يرجح كفة الميزان ضد مصلحة من ضيعهم نظام الرعاية الصحية على الدوام، إما بسبب سوء الحظ أو سوء المورثات أو ويلات الزمن أو الفقر أو الظروف، وهي كل ما يجعلنا أشد مرضاً فتخرجنا في نهاية المطاف من هذا العالم، لكن بعضها أسرع من سواها.