"فاو": 193 مليون شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد حول العالم

الأمن الغذائي يُربك حسابات الحكومات
الأمن الغذائي يُربك حسابات الحكومات المصدر: بلومبرغ
المصدر: الشرق
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كشف التقرير العالمي عن أزمات الغذاء لسنة 2022 عن ارتفاع عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد إلى 193 مليون نسمة خلال عام 2021 ينتمون إلى 53 دولة أو إقليم، مدفوعة بمجموعة عوامل تتكون من النزاعات والطقس المتطرف والأزمات الاقتصادية.

بحسب التقرير الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة (فاو) فإن هذه البيانات تمثل زيادة بنحو 40 مليون شخص منذ سنة 2020، حيث كان يعاني 155 مليون شخص في 55 دولة أو منطقة من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

أطلقت هذه الأرقام أيضاً تحذيراً شديداً إزاء وجود اتجاه مثير للقلق، فقد استمر انعدام الأمن الغذائي الحاد في الصعود بلا هوادة على مدى السنوات القليلة الماضية.

يعزو التقرير هذه الزيادة السنوية بطريقة كبيرة إلى تفاقم حالة انعدام الأمن الغذائي الحاد، خصوصاً في البلدان الأساسية التي تعاني من أزمات غذائية على غرار أفغانستان وإثيوبيا واليمن.

اقرأ أيضاً.. تعثر الإمدادات بسبب الحرب الأوكرانية يثير ذعر الحكومات بشأن الأمن الغذائي

عوامل أساسية

تسببت مجموعة كبيرة من العوامل في زيادة الجوع الحاد في سنة 2021، أبرزها ثلاثة عوامل أساسية:

أولا: ما زال الصراع وانعدام الأمن هو المسبب الأساسي للجوع الحاد في 24 دولة ومنطقة يتضمنها التقرير، وهو ما يشكل ما يزيد على 139 مليون نسمة يعيشون في أزمة أو ما هو أسوأ من ذلك (المرحلة الثالثة فما فوق من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي). تبلغ الزيادة الحالية 40 مليون شخص منذ سنة 2020.

شكلت جمهورية الكونغو الديمقراطية وأفغانستان وإثيوبيا والسودان وسوريا ونيجيريا الجزء الأكبر من الزيادة بنسبة بلغت 80% (من 108 إلى 193 مليوناً) منذ سنة 2016. وقدمت هذه الدول الست نحو ثلثي إجمالي الزيادة.

البنك الدولي: ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة يغذّي الاضطرابات بالشرق الأوسط وأفريقيا

ثانيا: أثرت الأزمات الاقتصادية، جراء التداعيات المعقدة لوباء كوفيد -19، بطريقة أساسية على 21 دولة أو إقليم، وهو ما يشكل نحو 30.2 مليون نسمة يعيشون في أزمة أو ما هو أسوأ من ذلك (المرحلة الثالثة فما فوق من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي).

ثالثا: كانت الظواهر الجوية المتطرفة المحركات الأساسية لانعدام الأمن الغذائي الحاد بالنسبة لـ23.5 مليون شخص يعيشون في أزمة أو أسوأ من ذلك (المرحلة الثالثة فما فوق من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي) عبر 8 دول أفريقية.

يتضح ذلك بطريقة ملحوظة من خلال حقيقة أن ما يصل إلى 14 ألف شخص تعرضوا لمستويات كارثية من الجوع الحاد (المرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي) في مدغشقر في سنة 2021 نتيجة للجفاف الشديد.

تأثير الجوع الحاد على المجتمعات الأكثر هشاشة

وقعت أسوأ أزمات الغذاء في سنة 2021، المرتبة بحسب مستوى الخطورة، في جمهورية الكونغو الديمقراطية وأفغانستان وإثيوبيا واليمن وشمال شرق نيجيريا وسوريا والسودان ودولة جنوب السودان وباكستان وهايتي

يقطن هذه الدول والأقاليم العشر نحو 134 مليون نسمة من أصل 193 مليون شخص يعانون من جوع حاد في سنة 2021، ما يشكل نحو 70% من إجمالي سكان العالم الذين يقعون في مراحل الأزمة الثلاث. كما يعيش فيها 33 مليون شخص في ظل حالة طارئة أو ما هو أسوأ من ذلك (المرحلة الرابعة فما فوق من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي).

"الأونكتاد" يدعو لإجراءات عاجلة لمساعدة الدول الفقيرة بشراء الغذاء

نوه التقرير إلى أنه عندما يجري تناول مشكلة انعدام الأمن الغذائي الحاد، فإنه يعني الحديث عن جوع شديد لدرجة أنه يمثل تهديداً مباشراً لسبل عيش الناس ويعرض حياتهم للخطر. هذا هو الجوع الذي ينذر بحدوث مجاعة والتسبب في وقوع حالات وفاة على نطاق واسع.

التوقعات المستقبلية لإحراز تقدم غير جيدة نظراً لأن حجم الاحتياج هائل ما يتوجب معه حشد الإرادة السياسية والوسائل المالية لوقف الصعود المطرد للجوع الحاد.

تشير التوقعات إلى أن نحو 181 مليون نسمة موزعين على 42 دولة إقليم من أصل 53 - حيث تتوافر توقعات – يعيشون في أزمة أو ما هو أسوأ من ذلك (المرحلة الثالثة فما فوق من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي) في سنة 2022.

اتجاه طويل المدى

لا ينبغي أن تطغى الزيادة الحادة في سنة 2021 على حقيقة أن الاتجاه طويل المدى لانعدام الأمن الغذائي الحاد على مدى السنوات الست الماضية كان سلبياً دائماً.

يبين التقرير حدوث زيادة أخرى في انعدام الأمن الغذائي الحاد بالمقارنة ليس فقط بالسنة الماضية، ولكن أيضاً بالنسبة للأعوام الخمسة الماضية.

بحسب تحليل عام 2021 الذي أجرته الشبكة العالمية لمكافحة أزمات الغذاء، كانت قيمة المخصصات المالية لقطاعات الغذاء في 55 دولة أو إقليماً تعاني من أزمات غذائية في سنة 2020 هي الأدنى خلال خمسة أعوام من ظهور "التقرير العالمي حول أزمات الغذاء"، رغم بلوغ عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد لأعلى مستوى على الإطلاق.

في الوقت الراهن، في حال إذا لم يجرِ بذل المزيد من الجهد لتوفير الدعم للمجتمعات الريفية، فإن حجم الدمار من حيث تفشي الجوع وفقدان سبل العيش سيكون مريعاً. يوجد احتياج لجهد إنساني على نطاق واسع لمنع حدوث ذلك بصفة عاجلة.

النزاع في أوكرانيا

في حين لا يتضمن التقرير تأثير النزاع في أوكرانيا، إلا أنه يشير إلى أن الحرب أبرزت فعلاً الطبيعة المتشابكة والهشة للنظم الغذائية حول العالم، في ظل انعكاسات خطيرة على الأمن الغذائي والتغذية العالميين.

تعد الدول التي تعاني فعلاً من مستويات مرتفعة من الجوع الحاد عرضة بطريقة خاصة للمخاطر الناجمة عن الأوضاع في منطقة أوروبا الشرقية، خاصة مع اعتمادها بشكل هائل على واردات الغذاء ومدخلات الإنتاج الزراعية ومواجهتها لأزمات أسعار الغذاء العالمية.

تشير التوقعات إلى أن أكثر تداعيات الحرب في أوكرانيا دماراً ستطال الدول التي تعاني من أزمات غذائية وتلك التي باتت على شفا المجاعة، لا سيما فيما يتعلق بأسواق السلع الأساسية التي بلغت الأسعار فيها أعلى مستوياتها مطلقاً، خاصة الدول التي تعاني من أزمة الغذاء التي تواجه فواتير استيراد أعلى.

الحرب في أوكرانيا تفاقم أزمة الجوع وتنذر بكارثة غذائية عالمياً

حصلت العديد من الدول التي تواجه أزمات غذائية كبرى على وارداتها من القمح بالكامل تقريباً في سنة 2021 من كل من روسيا وأوكرانيا، ومن بينها الصومال (أكثر من 90%)، وجمهورية الكونغو الديمقراطية (أكثر من 80%)، ومدغشقر (أكثر من 70%).

مع التدخل في أوكرانيا، تشتد الحاجة إلى التخفيف من آثار أي تراجعات في الواردات أو صعود أسعار المواد الغذائية أو كلاهما.

الاستثمار في الزراعة

في المتوسط، يعيش ثلثا الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد في المناطق الريفية، ويعتمدون على واحدة من صور الزراعة من أجل بقائهم على قيد الحياة. حان الوقت لوضع احتياجاتهم وأولوياتهم في القلب من استجابتنا.

اتسم تمويل قطاع زراعة بالضعف الشديد، حيث لم يشكل سوى 8% من المخصصات المالية لقطاع الأمن الغذائي في سنة 2020. بحسب منظمة الأغذية والزراعة فإن الاستثمار في الزراعة وسبل العيش في المناطق الريفية يحقق عائدات تفوق 10 مرات تقديم المساعدات الغذائية.

تعتبر المساعدة الغذائية المقدمة عقب حدوث أسوأ السيناريوهات مسألة ذات أهمية بالغة. لكن في حال لم نشرع في وضع أولوية متساوية للاستثمارات التي تهدف إلى إعادة تشغيل الإنتاج الزراعي المحلي لإنقاذ الأرواح وجعل الزراعة في البلدان الهشة أكثر قدرة على الصمود، فإن سنة 2022 ستكون مماثلة لسنة 2021 تماماً أو أسوأ.

"الفاو" لا ترى مجالاً للتفاؤل باستقرار سوق الغذاء في 2022

يشير التقرير إلى أن موسم الزراعة في المناطق المعرضة للخطر سينطلق قريباً، وأن هناك فرصة مواتية لتحقيق الاستقرار وزيادة الإنتاج الغذائي المحلي. لكن منظمة الأغذية والزراعة تحتاج لـ1.5 مليار دولار حالياً ولا مجال لإهدار الوقت.

في سنة 2021، كفلت البذور التي وفرتها المنظمة في وقت مناسب لموسم الزراعة الأساسي حصول ما يفوق 3.5 مليون شخص في جنوب السودان على إمدادات مستقرة من الغذاء.

في اليمن، باستخدام مبلغ 8 دولارات فقط، يمكن للمنظمة تحصين قطيع مكون من 5 أغنام أو ماعز بجانب التخلص من الديدان، ما ينجم عنه أيضاً حماية أصول تبلغ قيمتها 500 دولار في السوق المحلية. يسهم التخلص من الديدان بطريقة فورية في تحسين إنتاج الحليب، بنسبة 20% على الأقل، وبجانب توفير العلف للماشية، يمكن أن يؤثر بطريقة كبيرة على تغذية الأسرة، لا سيما وسط الأطفال.

سبل إحراز التقدم

تلتزم منظمة الأغذية والزراعة بالعمل مع الحكومات والسكان المتضررين وأصحاب المصلحة على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي لمعالجة كافة أبعاد الأزمات الغذائية.

يتطلب الأمر معالجة الأسباب الجذرية لهذه الأزمات، من بينها الفقر الريفي الهيكلي، والنظم الغذائية الهشة. كما أن المبادرات الإنسانية والإنمائية ومبادرات السلام لتوفير الاحتياجات العاجلة، تعد جوهرية بجانب الاستثمار في بناء القدرة على الصمود.

يتعين الاعتماد على نفس القدر من الطاقة والطموح الخاص بجهود مكافحة وباء كوفيد، حيث توجد حاجة للعمل المشترك من قبل الحكومات الوطنية والمنظمات المحلية ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية وحتى القطاع الخاص لإحداث تغيير في أنظمة الأغذية الزراعية لتكون أكثر شمولاً ومرونة واستدامة.

يحتاج ذلك لتوقع الأزمات من خلال أنظمة الإنذار المبكر الفوري والعمل السريع لدى توقع حدوث تدهور، فضلاً عن تعزيز شبكات الضمان الاجتماعي ليلجأ إليها الناس وقت الأزمات.

يجب عدم إغفال الدعوة، المعززة بالتزام سياسي وتمويل كاف، للتصدي للعبء الثقيل للتغير المناخي الواقع على الفئات الأكثر ضعفاً، ويعني ذلك ضخ استثمارات هائلة في بناء قدرة الناس على الصمود وسبل عيشهم ومجتمعاتهم ليكونوا قادرين على مواجهة الأزمات الحتمية.