كيف تعيد شركات إدارة الأصول الكبرى رسم صورتها لتستهدف متوسطي الثراء؟

أكبر شركات إدارة الأصول أطلقت منصاتها الإلكترونية لتستهدف متوسطي الثراء
أكبر شركات إدارة الأصول أطلقت منصاتها الإلكترونية لتستهدف متوسطي الثراء المصدر: بلومبرغ
Ben Schott
Ben Schott

Bloomberg Opinion Columnist · Branding · Design · Consultancy · Jeeves & Wooster · Miscellanies

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ثلاثة من أكبر الأسماء المرموقة في عالم إدارة ثروات النخبة، فتحت أبوابها الرقمية مؤخراً لتستقبل الشريحة الوسطى من الأثرياء:

  • في فبراير من عام 2021، طوّر بنك "غولدمان ساكس" منصة القروض الشخصية التابعة له "ماركوس"وأطلق خدمة "ماركوس إنفست" (Marcus Invest) وهي "منصة استثمار إلكترونية تضم محافظ مدارة من صناديق مؤشرات متداولة مرتبطة وغير مرتبطة بها".
  • وفقاً لأقوال متداولة، أنفق بنك "جيه بي مورغان" في يونيو من عام 2021 مبلغ 700 مليون جنيه إسترليني (899 مليون دولار) لشراء شركة "ناتميغ"، وهي "واحدة من أنجح الشركات الرقمية المنافسة في سوق إدارة الثروات البريطانية".
  • في يناير من العام الحالي، خصص بنك "يو بي إس غروب" 1.4 مليار دولار نقداً للاستحواذ على شركة "ويلث-فرونت" (Wealthfront)، وهي "شركة رائدة في تقديم خدمة إدارة الثروات إلكترونياً تقدم خدماتها إلى الجيل القادم من المستثمرين".

وبالرغم من أن كل واحدة من هذه العلامات تجارية لديها عرض إدارة الثروات الخاص بها، إلا أن جميعها من الناحية الجوهرية هي منصات تداول تتيح "مستشار آلي" (روبوت) للمستثمرين الأفراد، من خلال منصات رقمية تقدم خدمة الاستثمارات الإلكترونية، وهي تقوم على نظام شبه مصمم حسب الطلب بحسب (المخاطر، الأهداف الشخصية، الآفاق الزمنية). وتتقاضى رسوماً تعكس غياب العامل البشري بها، وتشترط رصيداً ابتدائياً منخفضاً.

فبينما تحتاج لفتح حساب مع "غولدمان ساكس لإدارة الثروات الخاصة" إلى 10 ملايين دولار على الأقل من الأصول القابلة للاستثمار، تشترط "ماركوس إنفست" ألف دولار فقط.

جولة داخل "بيكتيت" السويسري.. كيف يُدار البنك السرّي لأثرياء العالم؟

شريحة جديدة من العملاء

فلماذا يتكبد هؤلاء المصرفيون الرائدون –الذين ركزوا على مدى أجيال على فئة الـ1% الأكثر ثراء فقط- العناء لجذب عملاء لا يملكون سوى 0.01% من الثروات؟

توجد دوافع متنوعة ومتداخلة وراء ذلك:

  • إجمالي المبالغ المتاحة من الأصول تحت الإدارة. تسمى اختصاراً (AUM). وفقاً لتقديرات شركة الاستشارات "باك-إند بنشماركينغ" (Backend Benchmarking)، ارتفعت قيمة الأصول تحت الإدارية الآلية من 631 مليار دولار في عام 2019، إلى 785 مليار دولار في 2020. ومع توسع إجمالي السوق المتاحة (TAM)، تتطلع شركات إدارة الثروات التقليدية بحسد إلى الأصول تحت إدارة رواد الإدارة الآلية والتكنولوجيا المالية من أمثال "بيترمنت" (Betterment)، و"فيديليتي" (Fidelity)، و"شواب" (Schwab)، و "سيغفيغ" (SigFig )، و"فانغورد" (Vanguard). ذلك دون أن نذكر حتى تطبيقات التداول الرائجة (الأشبه بالمقامرة) مثل "روبن هود" (Robinhood)، الذي بلغت قيمة الأصول المدارة فيه 98 مليار دولار، ووصل عدد مستخدميه النشطين شهرياً إلى 17.3 مليون، في ديسمبر من عام 2021.
  • البساطة. في حين أن العملاء من أصحاب الثروات الكبيرة يميلون إلى استخدام هياكل مالية معقدة في مجالات متعددة، فيجب على الأثرياء من المتقاعدين التعامل مع المعاشات والإيرادات السنوية والعوائد والتصرفات العقارية، فإن الشخص العادي العامل المنتمي للشريحة فوق المتوسطة، كل ما يريده من التداول هو الدخول والخروج من السوق بدون أن يحرق أمواله. وبالنسبة إلى هذه الأهداف المتواضعة، فإن تطبيقات "الاستشارة الآلية" قد لا تكون الوسيلة الأنسب للمهمة وإنما، في ضوء انخفاض رسومها، فهي الخيار المُفضل لدى هؤلاء العملاء.
  • عصفوران بحجر. بمجرد تسجيل المستهلكون دخولهم إلى سوق إدارة الثروات، تخيّل لأي درجة يصبح من الأسهل أن يتم بيع منتجات التجزئة المصرفية الأخرى لهم، مثل القروض والرهن العقاري والتأمين والتداول الرقمي وأيضاً، وحتى ربما العملات المشفرة.
  • تطوير القدرات. من خلال الاستثمار في التكنولوجيا المتطورة، ورأس المال البشري المطلوب للاستشارات الآلية، تضمن البنوك التقليدية في نفس الوقت أن تصبح مجهزة بطريقة أفضل لخدمة المليارديرات العصريين الذين يفضلون هم أيضاً شاشات المعلومات الرقمية وتطبيقات الهاتف المحمول على المكاتب المليئة والمكسوة بخشب البلوط.
  • استهداف الأجيال الجديدة من الأثرياء. أي شخص يعتقد أن أبناء الجيل زد، وجيل الألفية والجيل إكس، ليس لديهم ما يقدمونه للاقتصاد سوى القروض الشخصية وشطائر الأفوكادو، ينبغي عليه أن يتذكر الحسابات الاكتوارية (علم حسابات التأمين) للسكان الآخذين بالتقدم بالعمر. فمع كل يوم يمر، هناك أشخاص من الجيلين إكس وزد يجنون الحصاد المالي الذي زرعه أغنى الأجيال على الإطلاق، ممن ولدوا خلال الفترة من 1946 وحتى 1964، وحالياً تتراوح أعمارهم بين 58 و76 عاماً. ووفقا لبنك "مورغان ستانلي"، تعد تلك "أكبر عملية انتقال للثروات بين الأجيال في التاريخ، إذ أن 30 مليار دولار سوف تنتقل ملكيتها خلال العقود القليلة المقبلة" من جيل لآخر. وكما كانت لافتات المطاعم الأمريكية تكتب في يوم ما: "عميل كوكتيل الحليب اليوم، هو عميل شرائح اللحم غداً"، فإنهم سيكونون عملاء المستقبل.

جيل الألفية يُعيد رسم سوق العقارات الفاخرة

خطط العلاقات العامة

كل ذلك يطرح لغزاً: فإذا لم تكن إدارة الثروة هذه مصممة لخدمة الأثرياء فقط، ما هي أفضل علامة تجارية يمكن وضعها لهذا المنتج؟

بالنسبة للكثير من الغارقين في تقاليد إدارة الثروات، فإن "ويلث تك" تناقض نفسها، فالمرء إما يستطيع الحصول على "اللمسة النخبوية" أو اللمسة التي يحصل عليها العامة. غير أن هذا التفكير المتصلب يصطدم باستمرار مع حاضرنا الديمقراطي المتغير، والذي يتوجه مباشرة إلى المستهلك، حيث المواطنون الرقميون لا يملكون الوقت ولا السمات الشخصية للتحدث بود وليونة مع المستشارين من ذوي القمصان الراقية الذين ورثوا التعامل معهم عن أجدادهم، أو نصح بهم صديق.

في هذه الأجواء الجديدة غير الرسمية، حيث يتنافس الكلام الشفهي مع الضغط على الأزرار، تصبح العلامات التجارية الكبرى مثل "غولدمان ساكس" سيفاً ذا حدين، فهي من ناحية تستند إلى التاريخ والاستقرار والخبرات العميقة، ومن ناحية أخرى تعكس افتراضات ضمنية بالتكاليف المرتفعة والحصرية وترهيب المستهلك.

يمتلك الألمان كلمة تعبر جيداً عن هذا المعنى، وهي (Schwellenangst) وتترجم حرفياً "الخوف من العتبة". وهي تعني الخوف من المجهول، وتستخدم مجازياً في قطاع الفنون لتصف التوجّس الذي يجعل المبتدئين يترددون إزاء مجرد تجربة حضور فعاليات الثقافة "الرفيعة" مثل الموسيقى الكلاسيكية والأوبرا والباليه.

"بنك أوف أمريكا": الجيل "زد" سُيغيٍّر توجُّهات الاستثمار إلى الأبد

هذا الخوف من المجهول يضع المصرفيين ذوي الشارات المُنمقة أمام معضلة صعبة، فهل يجب عليهم أن يتمسكوا بتراث علاماتهم أم يبتكروا علامة تجارية مستقلة للتكنولوجيا المالية؟ أم ينبغي عليهم تجربة شكلاً هجيناً يجمع بين الاثنين؟

لعبة شعارات

الأسلوب الهجين كان هو الذي تبنته كلٌّ من "جيه بي مورغان" و"غولدمان ساكس"، حيث ربطا منتجاتهما بتاريخ مؤسسيها. (سميت منصة "ماركوس" تيمناً باسم مؤسس البنك "ماركوس غولدمان" 1821-1904). ومن الملاحظ أن شعار كلاً من "ناتميغ" و"ماركوس" لم يستخدما فقط نفس خط الكتابة التي تستخدمه الشركات المؤسسة، وإنما أيضاً استخدم كلاهما عبارات تعريفية تدل على الشركة الأم. رغم أن هناك اختلافاً مثيراً للاهتمام بين وقع شعاري كل منهما بين الموحي بعالم الشركات: "أحد شركات جيه بي مورغان“ (a JPMorgan company)، والمشير إلى التعاونية: "بواسطة غولدمان ساكس" (by Goldman Sachs).

وبالمثل، فإن موقعي المنصتين على الإنترنت يعكسان فقط ابتعاداً طفيفاً عن الطبيعة الرسمية للشركات، خاصة عندما تتم المقارنة بشكل وطابع "ناتميغ" قبل الاستحواذ عليها.

على النقيض من ذلك، شركة "ويلث فرونت" (اسمها الحالي) لا تركز على ملكية بنك "يو بي إس" لها في موقعها. وتقدم بدلاً من ذلك قصة لطيفة عن المنصة على موقعها، حيث تذكر: "عندما تكلم أندي مع دان هاتفياً" (مؤسسا الشركة)، "اكتشفا أنهما لا يتشاركان فقط رسالة المساعدة في جعل الوصول إلى النصائح المالية ذات المستوى المرتفع أمراً نخبوياً، وإنما أيضاً اتفقا أن البرمجيات تستطيع أن تفتح للجميع فرصاً كبيرة للاستثمار".

خطاب أكثر عصرية

مع ذلك، عندما يتعلق الأمر بخطاب الشركات، نجد أن العلامات التجارية الثلاث جميعها تتمتع بحرية أكثر من شركاتها الأصلية. فأن ترتبط شكلاً بالشركة الأم، يختلف عن كون خطابك مطابقاً لها. قارن خطاب "غولدمان لإدارة الثروات الخاصة" (ذو اللغة الجريئة)...

"إنها ميزة خاصة أن تعطي المشورة لأكثر الناس والمؤسسات تأثيراً في العالم. أسلوب "غولدمان ساكس" بالتواصل الشخصي العميق يتجاوز إدارة الثروة والاستثمار، فهو يتيح شراكة مدى الحياة بهدف النمو. انضم إلينا لتستفيد من الخبرات والفرص والتواصل".

...مع أسلوب "ويلث فرونت" الظريف:

"إذا حاولت أن تفعل أمراً بنفسك، فإنك لن تكون واثقاً أبداً من أنك اتخذت القرارات الصحيحية. وإذا كنت تستعين بالمستشارين، فلن تعرف أبداً ما إذا كانوا يتخذون أفضل القرارات لصالحك أم لصالح أنفسهم. "ويلث فرونت" ترفع مستوى اللعب. لأن الجميع يستحق فرصة متساوية للنجاح".

...ثم هناك صراحة "ناتميغ" المجردّة:

"الاستثمار قد يكون صعباً. فقط اسأل جميع من حاولوا تحدي السوق وفشلوا في ذلك. لحسن الحظ، لدينا الأشخاص والتكنولوجيا والمحافظ اللازمة للمساعدة".

...والتي مع ذلك لا تقارن بأسلوبها قبل الاستحواذ عليها من قبل "جيه بي مورغان"، والتي على الأرجح توقف البنك عندها:

"مع أننا لا نزال ننتظر كيف سيغير بنك "يو بي إس" هوية شركة "ويلث فرونت" وخطابها، فإن ما يثير الفضول أن جميع هذه العلامات المعتمدة على الروبوتات، لم يتم حتى الآن ضم أي منها تحت العلامة التجارية الرئيسية لملّاكها. فهل يكون هذا مجرد خطأ؟"

إعادة بناء السمعة

أكثر الأمور التي تسبب التوتر لأي علامة فاخرة تسعى إلى الحصول على قبول شعبي، هي كفاحها لنزع التنميط الطبقي عنها، كما حدث مع شركات مثل "ستيلا آرتواس" (Stella Artois) و"باتاغونيا" (Patagonia) وأكثرها شهرة "بربري غروب" (Burberry)، التي اقتربت علامتها التجارية من الانهيار خلال الألفينيات عندما غمرتها المنتجات المزيفة، والصور النمطية للمتعجرفين الذين لا يرغب مستهلكو الطبقة العاملة بالتشبّه بهم.

بعد غياب.. تجارة السلع الفاخرة تعود إلى الولايات المتحدة

وللدفاع ضد هذا النوع من إضعاف العلامة التجارية (أو حتى تدميرها)، ومنع تدمير اسمها في السوق، طورت نظم تسويق السلع الفاخرة عدداً من الإستراتيجيات التي تجذب الجماهير ونقودهم وتحمي سمعتها الفاخرة بالوقت عينه:

  • خطوط جديدة. تصميمات أقل ثمناً، وهي نسخ ذات خطط ترويج مبهرجة غالباً مقارنة بـ"الخط الأساسي" (منها: "مارك من مارك جاكوب" و"ميو ميو من برادا"، و"فيرسوس من فرساتشي"). وهي أسست بنية جذب اهتمام "المستخدمين اليومين" بدون مضايقة العملاء من النخبة. كذلك في الآونة الأخيرة، ابتكرت علامات تجارية علمانية (ذات طابع جنسي) مثل ("ديور"، و"برادا"، و"إتش أند إم"، و"دولتشي أند غابانا" و "يونيكلو") "خطوطاً محتشمة" ذات طابع ديني، وطرحت "مجموعات رمضانية" لتجذب إليها العملاء المتدينين، فلماذا تضحّي بالأموال؟

هل اللحوم المُصنَّعة في المختبرات حلال؟

  • منتجات في متناول الجميع. منتجات جلدية وإكسسوارات ونظارات ومستحضرات تجميل وعطور تمنح عامة الناس لمسة من المنتجات الفاخرة، أو نفحة منها على الأقل. كشف تحليل مجموع نشاط إيرادات شركة "إل في إم إتش" (LVMH) في عام 2021 أن 9% منها كان من النبيذ والمشروبات الكحولية، و10% من العطور ومستحضرات التجميل، و14% من ساعات اليد والمجوهرات، و19% من سلع التجزئة انتقائية والأنشطة أخرى، بينما جاء 48% منها من الأزياء والمنتجات جلدية.

لذوي الدخل الأقل. منتجات تحمل ملصقات مخفية تقول "صنعت للمتاجر الكبرى" تحقق نجاحاً كبيراًِ، وهي عادة تصنع من خامات أقل ثمناً، وتحمل نسب خصم يصعب تصديقها.

أيضاً، مؤخراً لجأت العلامات الفاخرة إلى تبنّي المفاهيم التالية:

  • التعاونات. حيث أدى ظهور المنتجات ذات النسخ المحدودة (والمخاطر المحدودة) إلى ضجيج إعلامي قاد بدوره إقبال استهلاكي.
  • إعادة الامتلاك. حيث قامت العلامات التجارية الأكثر نخبوية "الحقيقية" (منها "غوتشي" و"فلانتينو" و"جان بول غوتييه") باستعادة السيطرة على "مخزونها الرائج سابقاً" بشراء منتجاتها القديمة من متاجر السلع القديمة ومن يبيعون المنتجات المستعملة عبر الإنترنت. على سبيل المثال: "أنكور من أوسكار دو لا رنتا "تدعوكم إلى: "التسوق من منتجات تعود لعقود تاريخية من الأزياء، وثّقها أمناء الأرشيف لدينا، وتم تجديدها يدويا في الورشات الخاصة بنا".

للمفارقة، قد تكون الثروة هي الشيء الوحيد المحصن ضد التنميط الطبقي، لأن النقود هي ما يشكل جوهر المكانة الذي لا يمكن اختزالها بصفة ما، حيث تشكّل "رموز المكانة" إما تمويهاً عن أمر ما أو تأكيداً له. فمن الجدير بالملاحظة أن النظام الغذائي الذي يتبعه وارين بافيت من غذاء غير صحي وشراب "كوكاكولا" تعتبر مركز أسطورته التي تجعل منه "حكيم مدينة أوماها"، والتي يصرف من خلالها الانتباه عن ثروته البالغة 128 مليار دولار. لكن اختيارات الأطعمة نفسها من قبل دونالد ترمب يُسخر منها، وترى على أنها أمر غريب وفيه "تدمير للذات"، وهي تؤكد الرأي الذي يراه بأنه "شعبوي، ورخيص، وربما غير مستساغ بالنسبة لمعظم الناس".

قد يكون لدى وارن بافيت ودونالد ترمب خيارات غذائية متشابهة، لكن ذلك لا يجعل النظرة إلى كليهما متوافقة
قد يكون لدى وارن بافيت ودونالد ترمب خيارات غذائية متشابهة، لكن ذلك لا يجعل النظرة إلى كليهما متوافقة المصدر: أ.ف.ب

ويعد القرار الذي اتخذته كلٌّ من "غولدمان ساكس" و"جيه بي مورغان" و"يو بي إس" بإبقاء منصاتها التي تستخدم "الاستشارات الآلية" بعيدة عن علامتها الرئيسية، أمراً يشير إلى إدراكها الجيد لموضوع التنميط الطبقي، والمخاطر الذي يشكله ذلك على مصداقيتها بين شريحة الـ 1% من السكان. لكن. ما لم تكن إيلون ماسك، فهناك دوماً شخص ما يسبقك على سلم الثراء، وهناك المليارات من الناس الذين تسبقهم أنت بدورك. وهكذا، بدلاً من التعلق بأسماء "ماركوس" و "ناتميغ" و"ويلث فرونت"، هل كان يمكن لملاك هذه المنصات اتباع نهج أكثر تفاؤلاً؟

العلامات التجارية الهرمية

يقوم التصنيف الهرمي على قبول (أو الرضوخ أمام) عدم المساواة.

في وقت كتابة هذا المقال، عرضت الخطوط الجوية البريطانية "بريتيش إيروايز" تذاكر رحلات الطيران للذهاب والعودة من لندن إلى نيويورك، مقابل 520 جنيهاً إسترلينياً للدرجة الاقتصادية، و970 جنيهاً إسترلينياً للدرجة المميزة، و3 آلاف و900 جنيه إسترليني لدرجة رجال الأعمال، و4 آلاف و600 جنيه إسترليني للدرجة الأولى.

قليل من الركاب الذين "ينعطفون يساراً" لدخول قسم الدرجات المتميزة على متن الطائرة، سيشعرون بالذنب تجاه أولئك المحاورين في القسم الآخر، بما يكفي لتبادل المقاعد معهم (الرفاهية في هذه الدرجات هي بالتأكيد أكثر عند مقارنتها مع الدرجة الاقتصادية). وبالمثل، قلة من الجالسين على المقاعد الرخيصة يملكون القدرة المالية لتحمل تكلفة السفر في المقدمة، وأولئك الذين يفعلون منهم، من المفترض أنهم واعون بالثمن الذي يتطلبه ذلك.

ومع أن بعض الأبحاث من عام 2016 تشير إلى أن "زيادة حوادث التوتر على متن الطائرات يمكن تفسيرها من منطلق عدم المساواة"، إلا أنه يبدو أن معظم العملاء "يعرفون إلى أي مكان ينتمون"، كما تشير لذلك قصيدة من عام 1848 بعنوان "كل الأشياء براقة وجميلة":

الرجل الغني في قلعته

الرجل الفقير عند بوابته

خلقهما الله، أعلى أو أدنى

ورتّب مكانة كلاهما.

لذلك، ليس مصادفة أن خطوط الطيران مازالت تستخدم كلمة "الدرجة" للفصل بين المسافرين، أو أن تلك "الدرجة" مازالت مستخدمة في الإنتاج الواسع لعلامات السيارات الفاخرة.

هذه الانقسامات الطبقية تختلف عن تقسيمات أخرى حسب العلامات التجارية والسعر، التي تمنح المستهلكين مزايا أكبر أو تعطيه حالات استخدام مختلفة.

خلافاً للطبقة الاجتماعية، التي تُحدد مع ميلاد الشخص، فإن الدرجات المحددة في التسويق تحدد حصراً بناء على الثروة، ونتيجة لذلك، يمكن أن تتغير باستمرار. (عميل من الطبقة المتميزة اليوم، قد يصبح عادياً غداً). هذا التغيّر يمنح العلامات التجارية القائمة على أساس هرمي، إمكانية توظيف رسائلها لتكون شاملة وعابرة لفجوة المداخيل، دون إحباط الأقل ثراءً أو مضايقة ذوي الثراء الفاحش.

درجات من "المساواة"

لنأخذ مثلاً العلامة التجارية الهرمية كنموذج مثالي "أمريكان إكسبريس"، التي تقدم مجموعة من فئات البطاقات بدرجات مختلفة مصنفة بحسب الألوان: البلاتينية (695 دولاراً سنوياً)، والذهبية (250 دولاراً سنوياً)، والخضراء (150 دولاراً سنوياً)، والزرقاء (0 دولار سنوياً). تستخدم هذه الشركة شعاراً قائماً على المساواة بشكل غير متوقع وهو: "أنواع كثيرة من البطاقات. نوع واحد من العضوية".

وحيث إن الثروة عامل لا يمكن عدم الأخذ به (بدرجة أو أخرى)، لا تخفي "أميركان إكسبريس" هرميتها أو تضفي عليها أقنعة. ويبدو حقاً أن نظام البطاقات مختلفة الألوان الذي تستخدمه يناسب الجميع: يشعر الأقل ثراءً أنهم في نفس النادي مع كبار الأثرياء (ترويج يستخدم "تأثير الهالة")، في حين أن الأثرياء إما أن يشعروا بالارتياح لكونهم متقدمين على الآخرين، أو لا يبالون بحاملي البطاقات الزرقاء تماماً كما يشعرون اتجاه ركّاب الدرجة الاقتصادية في الطائرة.

تثق "أمريكان إكسبريس" في تصنيفها الهرمي إلى حد أنها تلعب مع عملائها من خلال التلويح بوجود عضوية "قيادية" متاحة من خلال "الدعوة فقط" (برسوم انضمام تبلغ 10 آلاف دولار + 5 آلاف دولار سنوياً) بينما ترفض التعليق على امتيازاتها، أو إذا كانت هذه العضوية ذات "البطاقة السوداء" مستوحاة حقاً من الكوميدي جيري ساينفيلد.

قد لا يكون مستغرباً أن تختار بنوك "غولدمان ساكس" و"جيه بي مورغان" و"يو بي إس" ترويجاً غير تقليدي ذي نفس مستقلّ عصري، عندما يتعلق بروبوتات إدارة الثروات للشريحة ذوي الثروة المتوسطة. فعلى كل حال، هؤلاء الشبّان يحبون الأسماء الودودة مثل "ماركوس"، وخطوط الكتابة التي توحي بسهولة التواصل معها، ونوع الكتابة الترويجية اللطيفة لحملات المبيعات، كما نرى ذلك في الموجة غير المنتهية من الصور ذات التصاميم البسيطة والنفس العصري التي تتدفق عبر حسابات "إنستغرام" الخاصة بنا.

غير أنه لا يسعك إلا أن تشعر بأن هذه الشركات قد فوّتت أمراً ما.

فإدارة الثروة الحقيقية، على خلاف المضاربات اليومية وضجيج الكريبتو، تقوم على الخبرة والحكم الصحيح والتوقيت. وهذه كلها سمات تتمتع بها البنوك العريقة بدرجة كبيرة، وهي الأمور التي تحاول اكتسابه الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية، ويبدو أن استعارة أساليب ترويج العلامات التجارية من الأخيرة بهدف بيع خدمات الأولى، خياراً غريباً. فليس كل علامة تجارية يمكنها أن تكون هرمية، إلا أن تلك التي تسطيع فعل ذلك، عليها القيام به.