بيع الأصول في الصين يلقي بظلال قاتمة على الأسواق الناشئة

أثناء إجراء اختبار "كوفيد" لأحد المقيمين في شنغهاي، الصين. خلال هذه الإغلاقات في أواخر أبريل الماضي؛ هوى اليوان المتداول بالسوق الخارجية مسجلاً أكبر خسارة شهرية له منذ 12 عاماً على الأقل
أثناء إجراء اختبار "كوفيد" لأحد المقيمين في شنغهاي، الصين. خلال هذه الإغلاقات في أواخر أبريل الماضي؛ هوى اليوان المتداول بالسوق الخارجية مسجلاً أكبر خسارة شهرية له منذ 12 عاماً على الأقل المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تنتشر عمليات بيع الأصول على نطاق واسع، من الصين إلى الأسواق الناشئة، مما يهدّد بتوقف مسيرة النمو وهبوط أسعار كل شيء، من الأسهم إلى العملات والسندات.

مع تفشي فيروس "كوفيد" مجدداً، وسياسة الصين الصارمة من أجل احتوائه؛ تتزايد مخاوف المستثمرين العالميين الذين يخشون أن يتردد صدى عمليات الإغلاق في الصين في جميع أنحاء العالم، من خلال خفض الطلب وتعطيل سلاسل التوريد. ويدفع هذا الوضع المستثمرين إلى عمليات بيع، ليس لعملة الصين وسنداتها وأسهمها فحسب؛ ولكن بما يشمل أيضاً أصول أي دولة نامية تعتمد بشكل كبير على التجارة مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

اقرأ أيضاً: توزيعات أرباح بقيمة 86 مليار دولار تُهدّد بخفض اليوان أكثر

أما النتيجة؛ فهي أكبر هبوط في الأسواق الناشئة خلال عامين، بما لا يختلف كثيراً عن الانهيار الذي حصل عام 2015 عندما أدّت مشكلات الصين إلى انهيار سنداتها وعملتها، فضلاً عن محو تريليوني دولار من قيم الأسهم. ومنذ ذلك الحين، تزايد تأثير الدولة على الاقتصاد العالمي، إذ تعد حالياً أكبر مشترٍ للسلع، مما يعني أنَّ تعرّضها للركود قد يؤثر على مصدّري المواد الخام وأسواقهم أكثر من أي وقت مضى.

اقرأ المزيد: الصين تحدِّد سعراً مرجعياً أقوى من المتوقع لليوان بعد موجة من الهبوط

كتب جوني تشين وكليفورد لاو، مديرا الأموال في شركة "ويليام بلير إنفستمنت مانجمنت" (William Blair Investment Management) في سنغافورة، في رسالة عبر البريد الإلكتروني: "نظراً لأهمية الصين في سلاسل التوريد العالمية، وأهميتها بالنسبة إلى آفاق النمو العالمي؛ فإنَّ مزيداً من خيبات الأمل بشأن نمو اقتصادها قد يؤدي إلى مزيد من مخاطر العدوى. ونحن نرى البلدان التي ترتبط بعلاقات تجارية قوية مع الصين أنَّها الأكثر عُرضة للمخاطر".

اقرأ أيضاً: "فيتش" تُخفِّض توقعاتها لنمو اقتصاد الصين

إغلاقات "كوفيد"

عندما وصلت حشود من المسؤولين عن إنفاذ القانون من ذوي البدلات البيضاء إلى شنغهاي وبكين في أواخر أبريل الماضي، للإشراف على اختبارات "كوفيد" الإلزامية لملايين السكان؛ هوى اليوان المتداول بالسوق الخارجية مسجلاً أكبر خسارة شهرية منذ 12 عاماً على الأقل. وبالتزامن مع ذلك؛ تراجع أيضاً مؤشر "إم إس سي آي" لعملات الأسواق الناشئة (MSCI Emerging Markets Currency Index)، الذي يبلغ وزن العملة الصينية فيه 30% تقريباً. وارتفع ارتباط اليوان بالمؤشر على مدى 30 يوماً إلى أقوى مستوى منذ سبتمبر الماضي، مما يؤكد تأثير العملة في عمليات البيع بالأسواق الناشئة. وبعد أن سجّلت شنغهاي أولى حالات وفيات لها منذ آخر تفش للفيروس؛ سادت عمليات البيع بدافع الهلع، لتطال السندات والأسهم.

دفع حجم الخسائر السلطات الصينية إلى التدخل وطمأنة الأسواق بأنَّها ستدعم الانتعاش الاقتصادي، وتعزز الإنفاق على البنية التحتية. كما أبدت إشارات على استعدادها لحلّ المشكلات التنظيمية في قطاع التكنولوجيا. وقد أسهمت هذه التعهدات في تهدئة مخاوف المستثمرين، على الرغم من أنَّ السلطات لم تتخلّ عن سياسة التخلص التام من "كوفيد" الصارمة التي أثارت الذعر في المقام الأول. وفي حين شهد يوم التداول الأخير من شهر أبريل انتعاشاً لليوان، يتوقَّع معظم المحللين أن تستأنف العملة هبوطها.

شكوك بشأن النمو

يعتبر هدف بكين للنمو خلال عام 2022، والبالغ 5.5%، محل شكوك حالياً، وهو ما دفع بالمحللين، من "ستاندرد تشارترد" (Standard Chartered) إلى "إتش إس بي سي هولدنغز" (HSBC Holdings)، لتوقُّع خسائر للعملة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. ويمكن أن يخفّض هذا بدوره معدلات النمو في بلدان مثل جنوب أفريقيا والبرازيل، عندما تتأثر فقط بالعوائد الأمريكية المرتفعة، ودوامة التضخم، والحرب في أوكرانيا أيضاً.

قال بريندان ماكينا، محلل العملات في "ويلز فارغو سيكيوريتيز" (Wells Fargo Securities) في نيويورك: "إذا تباطأ الاقتصاد الصيني بشكل ملحوظ؛ فإنَّ كلاً من عملات الأسواق الناشئة واليوان، قد تشهد فترة من التقلّبات المرتفعة والمستمرة".

آلام السلع

محا الراند الجنوب أفريقي مكاسب بلغت أربعة أشهر في أسبوعين فقط، في حين سجل الريال البرازيلي والبيزو الكولومبي والبيزو التشيلي بعضاً من أشدّ الانخفاضات بين نظيراتها من العملات الأخرى. وتفاقمت خسائر تجارة الفائدة، لتتوّج أسوأ أداء منذ نوفمبر الماضي.

وسرعان ما تحوّل مديرو الأموال إلى خفض توقُّعاتهم بشأن عملات الأسواق الناشئة. فقد خفّض "إتش إس بي سي" توقُّعاته لتسع عملات آسيوية، مستشهداً بالمتاعب الاقتصادية التي تواجهها الصين. وقالت "تي دي سيكيوريتيز" (TD Securities) و"نيوبرغر بيرمان" (Neuberger Berman)، إنَّ عملة كوريا الجنوبية "وون" والدولار التايواني، سيتعرضان لضغط أكبر.

قال براشانت سينغ، مدير محفظة ديون الأسواق الناشئة في "نيوبرغر بيرمان" في سنغافورة: "ما نزال نحافظ على موقف حذِر بشأن العملات الآسيوية، ونتوقَّع المزيد من التقلبات إلى أن تزول مخاوف النمو ".

اضطراب الأصول

تدفع خسائر العملة أيضاً إلى عمليات بيع في السندات المحلية، والتي انزلقت مسجلةً أسوأ أداء لها في أربعة أشهر على الإطلاق هذا العام، فقد كان الأداء في أبريل الماضي وحده هو الأسوأ منذ ذروة الوباء في مارس 2020. كان التراجع الرئيسي هنا هو في الصين مرة أخرى، ذات الوزن البالغ 41% ضمن مؤشر "بلومبرغ" لفئة الأصول. وسجلت السندات الحكومية أكبر تراجع شهري منذ الأزمة المالية لعام 2008، في حين تسببت في خسائر من خانتين رقميتين في بلدان متنوعة مثل جنوب أفريقيا وبولندا وتشيلي.

كذلك لم تنجُ الأسهم من التراجع، فقد انعكست هزيمة أسهم التكنولوجيا الصينية المُدرجة في هونغ كونغ على نصف العالم البعيد في جوهانسبرغ. إذ تراجعت أسهم شركة "ناسبرز" (Naspers) التي تمتلك 28.8% في "تينسنت هولدنغز" (Tencent Holdings) إلى أدنى مستوى لها في خمس سنوات. وأدى الركود الذي استمر ثلاثة أسابيع، والمدعوم بشكل جزئي من الذعر بسبب حالات "كوفيد" في الصين (وجزئياً بسبب ارتفاع العائدات الأمريكية) إلى محو 2.7 تريليون دولار من القيمة السوقية لأسهم الأسواق الناشئة.

يُذكر أنَّ النشاط الاقتصادي الصيني تقلّص بشكل حادّ في أبريل، فقد أدى إغلاق شنغهاي إلى تزايد المخاوف بشأن المزيد من الاضطراب في سلاسل التوريد العالمية. وتراجع نشاط المصانع إلى أدنى مستوى في أكثر من عامين، مع انخفاض مؤشر مديري مشتريات التصنيع الرسمي إلى 47.4 نقطة من 49.5 نقطة في مارس الماضي، وفقاً للبيانات الصادرة عن المكتب الوطني للإحصاء يوم السبت الماضي.

قال منصور محي الدين، كبير الاقتصاديين في "بنك أوف سنغافورة" (Bank of Singapore): "إنَّ تباطؤ الصين سيؤدي إلى تفاقم التوقُّعات التي تطغى عليها تحديات بالنسبة إلى الاقتصادات الناشئة التي تواجه ارتفاع أسعار الطاقة، وتشديد السياسة النقدية من جانب البنوك المركزية الرئيسية".