مودي حائر بين إسعاد الناخبين الهنود.. أو إطعام العالم

رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، وإلى جانبه المستشار الألماني، أولاف شولتس، في برلين، يوم الثاني من مايو
رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، وإلى جانبه المستشار الألماني، أولاف شولتس، في برلين، يوم الثاني من مايو المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

من المرتقب أن يدفع تهديد الأمن الغذائي المتزايد، رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، إلى مواجهة معضلة: إما الاستمرار في إرسال القمح إلى البلدان التي تضررت من تضاؤل ​​الإمدادات بسبب الحرب في أوكرانيا، أو تخزين المواد الغذائية في الداخل لدرء التضخم المرتفع.

أفادت "بلومبرغ" بأن موجات الحرّ الشديدة، أضرت بإنتاج القمح في كل أنحاء هذه الدولة الواقعة في جنوب آسيا، ما دفع الحكومة إلى البحث في إمكانية فرض قيود على التصدير. ورغم أن وزارة الغذاء أكدت أنها لا ترى أي مبرر حتى الآن للسيطرة على صادرات القمح، إلا أن هذه المسألة ستكتسب زخماً، وستكون لها تداعيات سياسية على مودي، وحزبه الحاكم "بهاراتيا جاناتا".

اقرأ أيضاً: الهند تدرس تقييد تصدير القمح في أحدث ضغط لإمدادات الغذاء

سعى مودي إلى تلميع صورته كزعيم عالمي يمكن الاعتماد عليه، لكنه يواجه إحباطاً في الداخل بشأن التضخم القياسي المرتفع، وهي إحدى القضايا التي أطاحت بالحكومة السابقة، ومهّدت الطريق لصعوده إلى السلطة.

قال مودي هذا الأسبوع خلال مشاركته في تجمع للمغتربين الهنود في ألمانيا: "في الوقت الذي يواجه فيه العالم نقصاً في المعروض من القمح، هبّ مزارعو الهند لتقديم الغذاء إلى العالم. عندما تواجه البشرية أزمة، تقدم الهند حلاً".

اقرأ المزيد: بعد محصول قياسي في آخر 5 سنوات.. موجة حرارة تهدد إنتاج وصادرات القمح الهندي

بعدما أعاقت الحرب الخدمات اللوجستية في منطقة البحر الأسود، التي تمثل حوالي ربع تجارة القمح العالمية، حاولت الهند ملء الفراغ.

مصر، أكبر مشتر للقمح في العالم، اعتمدت مؤخراً الهند كمصدر لواردات القمح. في الشهر الماضي، قال بيوش غويال، وزير الغذاء والتجارة الهندي، إن بلاده تأمل في أن تصبح مصدراً دائماً للقمح، حيث تشحن 15 مليون طن هذا العام، مقارنة بنحو 7.2 مليون في 2021-2022.

أضاف غويال أن المسؤولين يضغطون على منظمة التجارة العالمية لتخفيف القواعد، حتى تتمكن الهند من تصدير كميات من الاحتياطي الاستراتيجي للدولة.

تحديات داخلية

لكن التحديات الداخلية في البلاد أصبحت موضع تركيز أكبر في الأسابيع الأخيرة. فقد تضررت مئات الأفدنة المرزوعة بالقمح خلال شهر مارس، مع ارتفاع درجات الحرارة إلى أعلى مستوى في الهند، ما تسبب في انخفاض محتمل للإنتاج بنسبة 50% في بعض المناطق من البلاد، وفقاً لمسح أجرته "بلومبرغ".

أكياس من القمح في منشأة تابعة لـ"بنجاب غراينز بروكيورمنت كورب" (Punjab Grains Procurement Corp) في منطقة لوديانا في البنجاب، الهند، يوم الأول من مايو 2022. مناطق عديدة في الهند قد تشهد انخفاضاً في إنتاج القمح خلال موسم العام الجاري بنسبة 50%، وفقاً لمسح أجرته "بلومبرغ"
أكياس من القمح في منشأة تابعة لـ"بنجاب غراينز بروكيورمنت كورب" (Punjab Grains Procurement Corp) في منطقة لوديانا في البنجاب، الهند، يوم الأول من مايو 2022. مناطق عديدة في الهند قد تشهد انخفاضاً في إنتاج القمح خلال موسم العام الجاري بنسبة 50%، وفقاً لمسح أجرته "بلومبرغ" المصدر: بلومبرغ

قال فرانك، كبير المحللين في مجموعة "أوراسيا" لتقديم الاستشارات في مجال المخاطر السياسية، إن الأضرار التي لحقت بالمحاصيل ستحدّ من قدرة الهند على سدّ النقص الأوسع في الإمدادات، بغض النظر عمّا إذا كانت الصادرات ستمضي قدماً أم لا.

يقدر استهلاك القمح في ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، بنحو 107.9 مليون طن، وفقاً لوزارة الزراعة الأمريكية.

قال غباغيدي: "مع التأثير الحالي لموجات الحر، فإن إعلان الهند (إطعام العالم) من خلال تصدير فوائض القمح - إذا حصلت على إذن من منظمة التجارة العالمية - يبدو الآن أجوفاً".

ضغوط التضخم

مع تعطل سلاسل التوريد بسبب الحرب، والارتفاع الهائل في أسعار الشحن، والظواهر المناخية القاسية، يرتفع التضخم المحلي أيضاً، خصوصاً بالنسبة إلى الحبوب وزيوت الطعام. وفي علامة على القلق، رفعت الهند سعر الفائدة الرئيسي في خطوة مفاجئة يوم الأربعاء، ما أدى إلى تراجع السندات والأسهم. وقد ارتفع تضخم أسعار التجزئة في مارس، إلى أعلى مستوى في 17 شهراً عند 6.95%.

في مؤتمر صحفي عقده عبر الإنترنت، قال محافظ بنك الاحتياطي الهندي، شاكتيكانتا داس، إن ضغوط التضخم أصبحت أكثر حدة، لا سيما بالنسبة إلى أسعار الغذاء. فقد بلغ متوسط ​​أسعار التجزئة للقمح حوالي 29 روبية للكيلوغرام في 5 مايو، أي بزيادة تبلغ نحو 7 % على أساس سنوي. أما الدقيق المصنوع من الحبوب، فيجري تداوله بما يقرب من 33 روبية، بزيادة 8% عن العام الماضي، حسب بيانات حكومية.

قالت شيلب شيخا سينغ، الأستاذة المساعدة في "معهد جيري لدراسات التنمية" في مدينة لكناو الهندية: "هذه معضلة سياسية كبيرة تواجه حكومته: الاستفادة من فرصة إبراز مودي كزعيم عالمي، في مقابل نقص الغذاء المحلي المحتمل الذي قد يؤثر على شعبيته وآفاقه الانتخابية".

مزرعة قمح في منطقة لوديانا في البنجاب الهند يوم الأول من مايو 2022. تسببت موجة الحر الشديدة في إشعال النيران بالحقول في الهند، ما أدى إلى انخفاض الإنتاج في ثاني أكبر دولة تزرع القمح، وخفض بالتالي التوقعات بالنسبة إلى الصادرات التي يعتمد عليها العالم لسدّ النقص في الأسواق.
مزرعة قمح في منطقة لوديانا في البنجاب الهند يوم الأول من مايو 2022. تسببت موجة الحر الشديدة في إشعال النيران بالحقول في الهند، ما أدى إلى انخفاض الإنتاج في ثاني أكبر دولة تزرع القمح، وخفض بالتالي التوقعات بالنسبة إلى الصادرات التي يعتمد عليها العالم لسدّ النقص في الأسواق. المصدر: بلومبرغ

أولوية لسمعة مودي

مع ذلك، قالت سينغ إن حزب "بهاراتيا جاناتا"، من المرجح أن يعطي الأولوية لحماية سمعة رئيس الوزراء كرجل دولة على الساحة العالمية، حتى في الوقت الذي تخوض فيه حكومته الانتخابات المحلية المقررة في أواخر هذا العام، وتجري موازنة لمحاسن ومساوئ تصدير المزيد من القمح.

منذ توليه منصبه في عام 2014، سعى مودي إلى لعب دور أكبر على صعيد الشؤون العالمية، سواء من خلال تحفيز الاستثمار الأجنبي عبر تحرير قوانين الضرائب في الهند، أو من خلال توفير الملايين من اللقاحات المضادة لفيروس "كورونا".

كشف ذاك القرار، النتائج المرتبة على تجاوز القدرات. عندما ضرب "متحور دلتا" الهند في عام 2021، سارعت الحكومة إلى تعزيز إمدادات اللقاحات المحلية، بعدما كانت قد أرسلت الكثير منها إلى الخارج.

قالت الحكومة الهندية الخميس، إنها لا ترى سبباً في الوقت الحالي لفرض قيود على صادرات القمح. لكن الحسابات قد تتغير. فإنتاج القمح في طريقه للانخفاض إلى 105 ملايين طن في موسم 2021-2022، وفقاً لآخر التقديرات، مقابل توقعات سابقة أشارت إلى أنه سيبلغ 111 مليون طن (أعلى مستوى على الإطلاق)، مقارنة مع محصول الموسم السابق البالغ 109.6 مليون طن.

قالت سينغ، إن قرار رفع أو خفض صادرات القمح، هو بيد مكتب رئيس الوزراء في نهاية الأمر. وأضافت: "صورة مودي مهمة، والحزب يستثمر فيها بكثافة".