أول متجر يفتتحه زوكربيرغ.. رهان ذكي على "ميتافيرس" لكنه مكلف أيضاً

زائر يجرّب نظارات "أوكولوس" للواقع الافتراضي في معرض برشلونة التقني، مارس 2022
زائر يجرّب نظارات "أوكولوس" للواقع الافتراضي في معرض برشلونة التقني، مارس 2022 المصدر: بلومبرغ
Parmy Olson
Parmy Olson

Parmy Olson is a Bloomberg Opinion columnist covering technology. She previously reported for the Wall Street Journal and Forbes and is the author of "We Are Anonymous."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عندما حوّل مارك زوكربيرغ اهتمامه إلى "ميتافيرس"، كان يضع أمام عملاقة التواصل الاجتماعي "فيسبوك" قمة عالية لتسلّقها، إذ سيتطلب نجاح هذا المفهوم التجريدي أن ينفق عملاؤه المستقبليون أموالهم على تكنولوجيا تُعتبر تجريبية نسبياً.

تتمثل استراتيجية زوكربيرغ حتى الآن في تقليل تكلفة نظارات الواقع الافتراضي "أوكولوس كويست"(Oculus Quest) بشكل كبير، لكن مع ذلك لا يزال مبلغ 300 دولار يُعَدّ كبيراً بالنسبة إلى جهاز لم يجرّبه معظم المستهلكين من قبل.

لذا، فإن شركة "ميتا بلاتفورمز" تحذو حذو شركة "أبل" و"سامسونغ" وشركات التكنولوجيا الأخرى التي كانت من أوائل الشركات التي سعت للوصول إلى الجماهير من خلال منافذ البيع بالتجزئة، في ما يُعَدّ خطوة ذكية لكنها محفوفة بالمخاطر. وقالت شركة "ميتا" مؤخراً إنّ أول متاجرها على أرض الواقع سيفتتح أبوابه في 9 مايو بمدينة بورلينغامي، بولاية كاليفورنيا. وسيقع المتجر في مجمع "ريالتي لابس" (Reality Labs) التابع لشركة "ميتا"، وهو المكتب الذي يعمل فيه مهندسوها لتطوير تقنيات مثل الواقع الافتراضي والواقع المعزز.

من يبني عالم "ميتافيرس"؟ تعرفوا إلى كبير مسؤولي "ميتا" لشؤون التكنولوجيا

دخول عالم التجزئة

يطلّ المتجر الجديد على الخليج ومطار سان فرانسيسكو، ويقع على بُعد 20 إلى 30 دقيقة سيراً على الأقدام من منطقة التسوق الرئيسية في بورلينغامي، ما يشير إلى أن "ميتا" تريد أن يكون متجرها الأول موقعاً يجذب الزوار. كما نشر زوكربيرغ مؤخراً صورة لنفسه في أثناء تجربته لنظارات "أوكولوس" في المتجر، وعرض ما يراه بواسطة النظارة على شاشة عملاقة.

وعلى الرغم من أن "ميتا" ستبيع جهاز الدردشة عبر الفيديو "بورتال" (Portal)، ونظارات "راي بان ستوريز" (Ray-Ban Stories) في المتجر أيضاً، فإنّ غالبية أقسامه ستخصص لعرض نظّارات الواقع الافتراضي "أوكولوس"، حسبما قال متحدث باسم "ميتا". وهذا أمر منطقي بالنظر إلى ما يقال حول التركيز المهووس الذي يصبه زوكربيرغ على "ميتافيرس".

لكن عندما يتعلق الأمر بالتجزئة فإن شركات التكنولوجيا الخمس الكبرى لديها تاريخ متقلِّب. فعلى الرغم من بروز شركة "أبل" التي تمتلك أكثر من 500 متجر حول العالم، فإن "مايكروسوفت" أغلقت منافذها للتجزئة في عام 2020 للتركيز على المبيعات عبر الإنترنت، فيما أغلقت شركة "سوني" معظم منافذها في الولايات المتحدة قبل عدة سنوات.

من جهتها، كافحت "ميتا" أيضاً لبيع نظّارات الواقع الافتراضي "أوكولوس" في متاجر شركة "بست باي" (Best Buy)، التي أغلقت عديداً من محطاتها الخاصة بتجربة نظّارات الواقع الافتراضي خلال عام 2017. بعدما كان يجري عرض "أوكولوس" في مواقع ممتازة ضمن ممرات متجر "بست باي"، لكنّ المحللين قالوا إنّ هذه الأقسام كانت خالية غالباً، وإنّ العملاء على الأرجح شعروا بالحرج من الانغماس في تجربة العالم الافتراضي ضمن متجر كبير.

هل سنشهد "ميتافيرس" حقاً.. أم الأمر مجرد خيال؟

وقال متحدث باسم "بست باي" إن بعض العروض التجريبية لنظارات "أوكولوس" كان لا يزال قائماً في متاجرها خلال عام 2018، لكن تلك المتاجر جميعها أغلقت في أثناء الوباء.

لكن خطط "ميتا" للقفز نحو البيع بالتجزئة تُعَدّ منطقية الآن. فقبل نحو عشرين عاماً، قفز زوكربيرغ لركوب موجة النمو واسعة النطاق لموقع "فيسبوك"، التي كانت مدفوعة بسهولة تواصل مستخدميه مع أصدقائهم بالشبكة الاجتماعية المجانية وإقناعهم بدخولها من خلال الضغط على رابط واحد فقط.

جذب الزوار وإقناعهم بالتجربة

لكن مهمة تنمية أعمال الواقع الافتراضي "ميتافيرس" التي يواجهها زوكربيرغ الآن، مختلفة تماماً عما حدث مع "فيسبوك"، إذ إنّ بيع الوعود النظرية حول "ميتافيرس" أصعب بكثير. وهي تعتمد على إقناع المستهلكين بشراء نظارات الواقع الافتراضي "أوكولوس"، ولذلك تحتاج "ميتا" من المستخدمين إلى أن يجرّبوا هذه النظارات أولاً، إذ لا يوجد أمر يمكنه نقل تجربة الواقع الافتراضي مثل ارتداء نظّارات الواقع الافتراضي وتجربتها بالفعل (ولا حتى الفيديو الغريب والملوّن بمدة ساعة، الذي نشره زوكربيرغ حول "ميتافيرس" العام الماضي).

باعتباري شخصاً لا يستخدم "أوكولوس كويست" فقط، بل شاهد أيضاً شخصين مختلفين يقرران شراء أجهزتهما الخاصة بعد تجربتها لأول مرة على الفور، فأنا أعلم أنه توجد لحظة "مذهلة" لا يمكن إنكارها عند تجربة الواقع الافتراضي للمرة الأولى. فمثلاً تطبيق "فيرست ستبس" (First Steps) على نظارات "أوكولوس كويست"، يعلم من يرتديها كيفية الاستخدام من خلال أمثلة تتضمن التقاط طائرة ورقية ورميها، مستعملين أيديهم "الافتراضية"، أو الرقص مع إنسان آلي كذلك. إنها تجربة رائعة، لكنها تجربة يصعب إقناع الناس بالقيام بها في مكان عامّ أيضاً، خصوصاً مكان مثل متجر "بست باي" المليء بالناس.

وهذا ما يجعل فتح متجر خاص اختياراً ذكياً من شركة "ميتا"، إذ سيسمح لها ذلك بأن تتحكم في البيئة التي يمكن بها تشجيع المستهلكين على تجربة تقنيتها بشكل فوري. فإذا تمكنت من إنشاء وجهة يتدفق إليها السياح والسكّان المحليون للاستمتاع بتجربة ما -كما هي الحال مع متاجر مثل "إم آند إمز وورلد" (M & M’s World) أو "ذا ليغو ستور" (The LEGO Store)- فإن ذلك قد يساعد في جعل نظّارات الواقع الافتراضي الافتراضية موضوعاً مثيراً يتردد على ألسنة الناس.

يرى فاغنر جيمز أو، كاتب مدونة "صُنع الحياة الثانية" (The Making of Second Life)، الذي يكتب باستمرار حول منصات "ميتافيرس"، أن "ميتا" لا يمكنها التقليل من أهمية الحواجز النفسية التي تحُول دون تعرّف الناس على الواقع الافتراضي، ويقول: "لقد عملت في منصات (ميتافيرس). يتوجب عليك حقاً وضع ذراعيك حول شخص ما والتحكم باتجاه رأسه خلال وضع نظّارات الواقع الافتراضي له".

النجاح في سوق "ميتافيريس"

في الوقت ذاته، يتعرض زوكربيرغ لضغوط متزايدة حتى يجعل المستهلكين يتبنّون رؤيته بشأن "ميتافيرس"، إذ انخفضت أسهم "ميتا" بنسبة 40% منذ فبراير الماضي، عندما كشفت "فيسبوك" أن أعداد مستخدميها النشطين يومياً توقفت عن الزيادة لأول مرة على الإطلاق.

"ميتا" تخرج من قائمة أغلى 10 شركات في العالم

في عام 2021، باعت "ميتا" 8.7 مليون وحدة من "أوكولوس" على مستوى العالم، وكان ذلك أكثر من ضِعف ما باعته في العام السابق. وتبلغ حصتها من سوق الواقع الافتراضي 80%، وفقاً لـ"مؤسسة البيانات الدولية" (IDC). لكنها مع ذلك تواجه منافسة من الشركات التي تتمتع بخبرة أكبر في هذه الأجهزة، إذ تستعدّ شركة "سوني" لإطلاق نظّارات الواقع الافتراضي "بلاي ستيشن في آر 2" (PlayStation VR 2) التي ستتمتع بمزايا فريدة مثل تتبع العين والتأثير اللمسي، فيما تعمل "أبل" أيضاً على جهاز الواقع الافتراضي الخاص بها.

ولحسن حظ "ميتا"، غالباً لن تُطلِق كل من "سوني" و"أبل" منتجاتهما حتى عام 2023، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى تأخيرات سلاسل التوريد. لكن الهيمنة على سوق الواقع الافتراضي يمكن أن تنقلب بسرعة، لأن السوق لا تزال صغيرة جداً. فعلى سبيل المثال، قبل بضع سنوات فقط كانت "سوني" هي الشركة الرائدة في السوق من خلال نظّارات الواقع الافتراضي "بلاي ستيشن في آر" الخاصة بها، ولم تكن "ميتا" موجودة على الساحة.

كذلك يوجد في الأفق منافس آخر سريع التطور، وهو شركة "بايت دانس" مالكة تطبيق "تيك توك"، التي تدير أيضاً شركة "بيكو إنترأكتيف" (Pico Interactive) التي تُعتبر الشركة البائعة لنظّارات الواقع الافتراضي الأكثر شهرة في الصين. وقد باعت 500 ألف نظّارة في البر الرئيسي للصين خلال العام الماضي، فيما لا يزال ذلك يمثل جزءاً بسيطاً مما تبيعه "ميتا"، لكن يمكن لشركة "بايت دانس" تسويق منتجاتها بكثافة على "تيك توك" للمساعدة في بناء التجارة الخاصة بها.

التسويق.. عامل أساسيّ

يُعتبر التسويق والتوزيع خطوة حاسمة لمساعدة نجاح زوكربيرغ على هذا الصعيد، لكنها ستكون خطوة مكلفة أيضاً. وكانت وحدة "ريالتي لابس" التابعة له خسرت 6.6 مليار دولار في عام 2020، و10.2 مليار دولار أخرى خلال العام الماضي خلال مساعيها لتطوير أعمال "ميتافيرس". وقالت "ميتا" إنها تتوقع إنفاق مزيد "على مدى السنوات العديدة المقبلة".

وفي حال كررت "ميتا" هذا المتجر الأول وافتتحت متاجر مثله حول العالم، فسيتعين على المساهمين أن يحضّروا أنفسهم لمزيد من الأموال المخصصة للعقارات التجارية، التي ارتفعت أسعارها في العام الماضي.

يمثّل البيع بالتجزئة تحرّكاً مكلفاً بالنسبة إلى زوكربيرغ، لكن من المحتمل أن يكون ضرورياً نظراً إلى كل ما راهن عليه في "ميتافيرس". وبالنظر إلى عدم وجود بدائل حالية من "سوني" أو "أبل" فإنه يحتاج إلى التحرك بسرعة لتجربة وصفته الجديدة -التي ليس لديه خبرة فيها– ولينجح بوضع نظاراته "أوكولوس" على أكبر عدد ممكن من الرؤوس الفضولية ويحقق انتشار صيتها.

ويتمثل السؤال الأكبر في ما إذا كان المستهلكون العاديون، وليس فقط من يمارسون ألعاب الفيديو، يعتقدون أن هذه التجربة الممتعة تستحق إنفاق المال، وذلك في الوقت الذي تتصاعد فيه المخاوف من أزمة تكلفة المعيشة، وفي حين لا يزال التواصل الاجتماعي على "ميتافيرس" فوضوياً وغريباً.

لا يزال في هذا الصدد كثير من الشكوك.