34 متطوعاً اختاروا الإصابة بفيروس كوفيد بشكل متعمد.. إليك ما تعلّمه الباحثون من ذلك

لا يزال العلماء يحاولون إيجاد إجابات حول كورونا
لا يزال العلماء يحاولون إيجاد إجابات حول كورونا المصدر: أ.ف.ب
 Faye Flam
Faye Flam

Faye Flam is a Bloomberg Opinion columnist and host of the podcast "Follow the Science." She has written for the Economist, the New York Times, the Washington Post, Psychology Today, Science and other publications.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كان جاكوب هوبكنز، ذو الـ24 عاماً، يحاول جاهداً تجنّب الإصابة بفيروس كوفيد-19 خلال الأشهر التي سبقت مارس 2021، وذلك ليتمكن من المشاركة في تجربة فريدة من نوعها، خلالها تتم إصابته بشكل متعمد بالفيروس، وذلك في حال نجح في تجنب الإصابة قبل ذلك. حيث أدرج اسمه ضمن قائمة من المتطوعين قبل عام تقريباً، ومرت أشهر حتى حصل أخيراً في 23 ديسمبر الماضي على ردٍّ من أحد المسؤولين عن التجربة. وانتهى به الأمر ليكون أول متطوعٍ يصاب بالعدوى الفيروسية ويكون "المريض رقم 1".

وكما وصف هوبكنز الأمر، فقد استقل سيارة أجرة إلى مستشفى في لندن، بينما كان يرتدي قناعاً طبياً ليتأكد بشكل تام من عدم إصابته بالفيروس حتى اللحظة الأخيرة. وقد وصل في يوم جمعة، وخضع لمجموعة اختبارات على مدى يومين، وفي يوم الإثنين، أتى خمسة من عاملي الرعاية الصحية وهم يرتدون معدات الحماية الكاملة- كانوا يشبهون المشاركين في فيلم "كونتيجن"- وكان معهم محلولاً يحتوي بداخله على فيروس "سارس-كوف-2".

استلقّى هوبكنز على حافة السرير مرجعاً رأسه للخلف حتى يتمكن العاملون من ضخ المحلول الذي يحتوي على الفيروس بأنفه، ليكون بذلك واحداً من بين 34 متطوعاً يقومون بذلك.

تجارب المواجهة

يسمى هذا النوع من التجارب بتجارب "المواجهة". وبفضل هوبكنز والمتطوعين الآخرين، تعلّم الباحثون بعض التفاصيل المثيرة حول كمية الفيروس في الجسم والأعراض وفترة حضانة الفيروس. ونُشرت ورقة بحثية عن النتائج في مجلة "نيتشر" في 31 مارس الماضي.

اختبار التنفس يُسهل تشخيص كورونا في التجمعات

عن نفسي، كنت قد كتبت سابقاً عن تجارب المواجهة البشرية في مايو 2020، ودفعني الأمر لإدراج اسمي ضمن قائمة متطوعين يمكن للعلماء التواصل معهم إذا نُظمت مثل هذه التجارب. حيث كنت اعتقد أني مرشحة جيدة، كوني لا أعاني من أي شئ يجعلني عرضة بشكل غير عادي للإصابة بفيروس كوفيد-19. ونظراً لطبيعة عملي، يمكنني التواصل مع كبار الخبراء في العالم للحصول على المشورة بشأن السلامة والقيمة العلمية لأي تجربة أشارك بها.

حينها لم يكن أحد يدرك مقدار المدة التي سيستغرقها اختبار اللقاحات والموافقة عليها. وكانت تجارب المواجهة استُخدمت سابقاً لدراسة الملاريا والإنفلونزا، وبدت وكأنها طريقة مختصرة محتملة لتسريع وصول اللقاحات ضد كوفيد-19. وبالنسبة لي، كانت التجربة ستساهم في ظهور سلسلة من القصص الرائعة، وعادة ما يقوم الصحفيون بأمور أشد خطراً بكثير من أجل العمل.

لكن حدث تغيير مفاجئ في مجرى الأحداث، حيث تقدمت اختبارات اللقاحات بسرعة قياسية وبدا أن اللقاح الأولي المرشح فعالاً بشكل مثير للإعجاب. وبحلول نهاية عام 2020، قُدمت اللقاحات بالفعل للعاملين في مجال الرعاية الصحية في بعض الأماكن، وكنت اعتقد أنه سيتم إلغاء تجارب المواجهة.

جمع البيانات

مع ذلك، استمرت التجربة التي شارك فيها هوبكنز بالفعل. يقول كريستوفر تشيو، الباحث في "إمبريال كوليدج لندن"، الذي ترأس التجربة: "لقد بدأنا بأقل جرعة يمكن إنتاجها بشكل موثوق". وأضاف أنه في حال لم يصب أحد بالعدوى، فإنهم يزيدون مستوى الجرعة قليلاً، لكن الإصابات تجاوزت 50% بقليل من المحاولة الأولى، حيث أُصيب 18 من 34 متطوعاً.

وقال تشيو إنهم بدأوا للتو في مرحلة التعلّم من البيانات التي تم جمعها. فلم تظهر أي أعراض على 2 من المصابين الـ18، بينما عانى البقية من أعراض خفيفة أو معتدلة، ومعظمها كان عبارة عن التهاب حلق ورشح.

أخبرني تشيو أن أحد أولى المفاجآت الكبرى كانت مدى قصر فترة حضانة الفيروس. حيث استغرق الأمر يومين فقط للتأكد من إصابة المتطوعين المصابين بالفيروس في اختبارات "بي سي آر"، وليس أكثر لتسجيل نتائج إيجابية في الاختبارات السريعة. ولاحظ المصابين ظهور الأعراض بين يومين وأربعة أيام بعد التعرض للإصابة.

أما المفاجأة الأخرى كانت أن كمية الفيروسات التي ينتجها الأشخاص لا تعكس مستوى شدة أعراضهم، فأولئك الذين ينتجون فيروسات كثيرة يعانون أحياناً من أعراض خفيفة للغاية، أو تكاد تكون معدومة، أما أولئك الذين يمرضون أكثر أحياناً ما ينتجون فيروسات أقل.

فعالية الاختبار

كذلك، فبما أن تاريخ التعرض للإصابة كان معروفاً، فإن البيانات كانت مفيدة أيضاً لفحص فعالية الاختبارات. فبالرغم أن الاختبارات السريعة لا تُظهر العدوى دائماً في وقت مبكر مثل اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل "بي سي آر" الأكثر حساسية، إلا أن تشيو يقول إنها تُظهر معظم الإصابات على ما يبدو في وقت قصير يُحتمل أن يتزامن مع ذروة قابلية انتقال العدوى.

وقال تشيو إن الجميع تعافى سريعاً من كافة الأعراض باستثناء تغيرات حاستي الشم والتذوق. حيث استمرت هذه المعاناة لمدة ستة أشهر تقريباً لدى خمسة متطوعين، بينما استمر تأثر حاسة الشم بعد تسعة أشهر من الإصابة لدى أحدهم.

مخاطر طويلة الأمد

ومنذ إجراء هذه التجربة، ازداد مستوى الوعي بمخاطر استمرار الأعراض أو حتى ظهورها بشكل دائم بعد الإصابة، حيث أشارت دراسات عدة إلى إمكانية حدوث تغيرات طويلة الأمد في القلب والدماغ، رغم أن العلماء ما زالوا يحاولون معرفة ما إذا كانت التغيرات الطفيفة ذات أهمية فعليّة من الناحية الصحية.

لم تُصب بعدوى كوفيد حتى الآن؟ ربما تحمل سرّ القضاء على الفيروس

قال هوبكنز، الذي يعمل في المجموعة الخيرية "سيتيزينس أدفايس" (Citizens 'Advice)، إنه كان على دراية جيدة بمخاطر كوفيد طويلة الأمد، لكنه يعتقد أن تلك المخاطر تتضاءل أمام الفوائد المترتبة على كونه جزءاً من جهود مكافحة الوباء. وهو يشعر أن الباحثين أبلغوه بشكل كامل بمخاطر العدوى وما قد تنطوي عليه التجربة. وأخبرني أنه شخص يُحب المخاطرة بطبيعته، حتى أنه ذهب مؤخراً لممارسة القفز بالمظلات في مدينة دبي. وقال: "أنا أحب هرمون الأدرينالين الذي يفرزه الجسم". كما أنه مهتم بشدة بالبحوث الطبية، وقد تبرع بخلايا جذعية للأشخاص المصابين بسرطان الدم سابقاً.

كانت رحلة إصابته بالفيروس قصيرة، فقد أصيب بالعدوى يوم الإثنين، وثبُتت إصابته يوم الأربعاء، ثم بدأ يشعر بقشعريرة يوم الخميس. حيث قال إنه عانى من أعراض تشبه أعراض الإنفلونزا الشديدة، لكنها لم تدم سوى يومين. ثم بعد أيام قليلة من شعوره بالتحسن، وبينما كان في الحجر الصحي ويخضع للاختبارات، فشل في اختبار حاسة الشم. بينما كان يتمتع بحاسة شم قوية أثناء الاختبارات التي خضع لها قبل إصابته بالعدوى، قبل أن تجعل الإصابة تلك الحاسة معدومة تماماً، لكن الشم عاد إليه بعد أيام قليلة.

معلومات أفضل

تمنح تلك التجارب العلماء مجموعة بيانات خاضعة للمراقبة بشكل فريد، مما يساعدهم على قياس أمور، مثل مدة حضانة الفيروس ودقة الاختبارات والعواقب طويلة المدى للعدوى. وتستطيع هذه البيانات توضيح أي شئ متعلق بسبب إصابة بعض الأشخاص بالمرض وعدم إصابة آخرين به. حيث توفر نوع من البيانات التجريبية الخاضعة للرقابة، والتي كانت هناك حاجة ماسة إليها خلال فترة تفشي الوباء، حين كانت التخمينات المبنية على المعرفة هي الأساس، والتي كان يعلن عنها وسط حالة غير لائقة من عدم اليقين.

تغيّر الوضع كثيراً منذ إجراء هذه التجربة. فنحن نتعامل مع سلالات "أوميكرون-بي إيه.2" و"بي إيه.2.121" و"بي إيه.4" و"بي إيه.5". كما أصبح الجميع تقريباً في المملكة المتحدة والولايات المتحدة يتمتع بقدر ما من الحصانة ضد بعض سلالات الفيروس. لكن بيانات تجربة المواجهة البشرية قد تكون مفيدة للغاية حالياً. حيث تشير هذه البيانات إلى أن الأشخاص الذين ثبُتت إصابتهم بالعدوى قد يبقوا ناقلين لها لفترة أطول بكثير من الخمسة أيام التي يُفترض أن يخضعوا لحجر صحي خلالها. وبالنسبة لأولئك الذين يُحتمل إصابتهم، يمكن تحويل البيانات إلى معلومات أفضل حول وقت استخدام الاختبارات المنزلية أو اختبارات "بي سي آر"، ومدى إمكانية اعتماد الأشخاص على النتائج.

وتثير نتائج التجربة أيضاً إلى أسئلة علمية جديدة، بما فيها سبب مقاومة بعض الأشخاص للعدوى تماماً، حتى عند وضع الفيروس مباشرة في أنوفهم.