هل تنوون الذهاب للشاطئ هذا الصيف؟ استمتعوا به طالما ظل موجوداً

زوار يجلسون على شاطئ جيرسي، الولايات المتحدة.
زوار يجلسون على شاطئ جيرسي، الولايات المتحدة. المصدر: بلومبرغ
Francis Wilkinson
Francis Wilkinson

Francis Wilkinson writes about U.S. politics and domestic policy for Bloomberg Opinion. He was previously executive editor of the Week, a writer for Rolling Stone, a communications consultant and a political media strategist.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

هناك أربعة عوامل تلعب دوراً في موضوع تآكل رمال الشاطئ، وهي الأمواج والعواصف العاتية، والتطوير العقاري والسياسة. حيث تنقل الأمواج والعواصف الرمال وفق ما يفرضه عليها البحر، فهو سيد القرار، تحمل الرمال من مكان وتنثره في مكان آخر. ترميه حيناً على شواطئ مجاورة، وأحياناً أخرى على الحواجز الرملية، وربما تأخذه بعيداً، فلا يعود له أي أثر يذكر.

يستطيع البحر تحريك الحصى الرملية لمسافة 800 متر في اليوم. مثلاً، تفقد ولاية كاليفورنيا أكثر من مليون ونصف متر مكعب من الرمل سنوياً، وخلال رحلته هذه يغوص في وديان تمتد على عمق مئات الأمتار تحت سطح البحر، ولا يعود بعد ذلك إلى الشاطئ أبداً.

من جهة أخرى، يعمل كلٌّ من التطوير العقاري والسياسات معاً من أجل تعويض تقصير البحر في تأمين رغبات الإنسان ببقاء الشواطئ. إلا أن البحر صعب المراس، ومقاومته مُكلفة. فعلى امتداد ساحل المحيط الأطلسي، أنفقت الولايات المتحدة أكثر من ستة مليارات دولار من أجل إعادة ملء الشواطئ التي خسرت رمالها. وبحسب قاعدة بيانات في جامعة غرب كارولاينا، أنفق دافعو الضرائب أكثر من 36 مليون دولار (وفقاً لسعر الدولار في عام 2018) لإعادة ملء الشاطئ في بلدة بالم بيتش وحدها.

إعادة الرمل للشواطئ

تختلف نتائج عمليات إعادة الرمال للشواطئ من مكان لآخر. فبعض الشواطئ تحافظ على الرمال لسنوات طويلة (شاطئ ميامي هو أحد قصص النجاح هذه). أمّا بعض الشواطئ الأخرى فتخسر الرمال بسرعة. في بداية الألفية، كدّست مقاطعة سان دييغو 1.98 مليون متر مكعب من الرمال المستخرجة من البحر على 12 شاطئاً مختلفاً على امتداد المقاطعة في إطار مشروع بلغت تكلفته 46 مليون دولار.

دراسة: تزايد كبير في أعداد السكان في المناطق المعرضة لخطر الفيضانات

إلا أن دراسة لأحد الشواطئ العامة أظهرت مدى شراسة ردة فعل البحر. حيث تم إنجاز مشروع إعادة ملء الشاطئ بحلول نهاية أبريل 2001. وبعد سبعة أشهر من ذلك، في الـ22 من نوفمبر من العام نفسه، ضربت أمواج يصل ارتفاعها إلى أكثر من ثلاثة أمتار الشاطئ لمدة سبع ساعات. وبحلول الصباح التالي، كان الاستثمار العام الذي كلّف ملايين الدولارات قد ذهب إلى زوال لحدّ كبير.

يُشبِّه أحد العلماء البحريين عمليات إعادة الرمال للشواطئ بتضحية "القرابين" المقدمة لبحر نَهمٍ لا يشبع أبداً. مع ذلك، تُصرّ الحكومات على تقديم هذه القرابين لأن البديل سيكون سواحل خالية من الشواطئ، وهو أمر أسوأ بكثير. توافق على ذلك خبيرة السواحل في مؤسسة "سورفرايدرز" (Surfriders) البيئية المتخوفة من تدخلات البشر بشكل عام بالطبيعة، والمعارضة للحواجز الساحلية بشكل خاص. ففي المقابلة التي أجريتها معها، اعتبرت إعادة ملء الشواطئ بالرمال بمثابة الحلّ الأفضل ضمن مجموعة من الخيارات السيئة.

مع ذلك، لا يمكن اعتبار إعادة ملء الشواطئ بالرمال حلاً طويل الأمد لمعالجة ارتفاع منسوب البحار. إذ جاء في تقرير صادر عن مؤسسة "كلايمت سنترال" (Climate Central) أن "الاحترار العالمي يؤدي إلى تقلّص الجبال والصفائح الجليدية، ما يزيد من منسوب المياه في المحيط، كما يتسبّب في زيادة سخونة المحيط، وبالتالي تمدده. وعلى مرّ العقدين الماضيين، ارتفع مستوى البحار حول العالم بما يقارب ضعفيّ سرعة ارتفاعه في القرن العشرين".

ارتفاع البحار

من المتوقع أن تتسارع وتيرة ارتفاع منسوب البحار بشكل أكبر، وربما تتجاوز معظم التوقعات في حال أدى ارتفاع درجات الحرارة إلى ذوبان جليدي قطبي كارثي. (حالياً، أكثر من 60 متراً من الارتفاع المحتمل بمنسوب البحار موجود في الجليد المهدد بالذوبان). وبحسب الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، فإن ارتفاع منسوب البحار سيؤدي إلى "زيادة شديدة في الفيضانات الساحلية خلال الثلاثين عاماً المقبلة من خلال التسبب بزيادة ارتفاع المد والعواصف لتصل إلى مسافات أبعد على الشاطئ". وبحسب دراسة أجراها معهد المسح الجيولوجي الأميركي تعود إلى عام 2017، فإن ثلثي شواطئ جنوب كاليفورنيا سوف تستسلم للبحار بحلول عام 2100.

على الساحل الشرقي وساحل الخليج في الولايات المتحدة، تقبع العديد من الجزر في البحار، وهي تضمّ منازل فخمة تقدر قيمتها بملايين الدولارات، وترتفع ببضع عشرات السنتيمترات فقط عن مستوى سطح البحر حالياً، ما يعني أنها ربما ستغرق لبضع سنتمترات تحت مستوى البحر في المستقبل. فمنذ عام 1979، ارتفع مستوى البحر بسرعة مضاعفة على ساحل نيوجرسي، كما في بقية أنحاء العالم، ويُعزى ذلك بجزء منه إلى ظاهرة انخفاض الأرض. ويُعتَبر معظم شاطئ نيوجرسي عرضة للخطر، بالأخص الجزر الواقعة في الجنوب، فهي مهددة بشكل أكبر من جهة الخلجان المائية. كما أن الواجهات البحرية على امتداد الساحل عرضة هي الأخرى لتوسع البحر وشراسته، ومعها العقارات التي تقدر قيمتها بتريليونات الدولارات.

فقدان الجليد.. مخاطر بيئة متزايدة وأضرار اقتصادية جسيمة

قصور الأثرياء المُهددة

بعض المنازل الفخمة في بلدة ديل في نيوجرسي هي عبارة عن قصور مصممة على الطراز الفيكتوري بمنحنيات بارزة وتمتد أمامها حدائق خضراء، فيما تتميز تصاميم المنازل الأخرى بأسلوب عصري مع خطوط بزوايا حادة وجدران زجاجية، شُيّدت خصيصاً لتمنح سكانها إطلالة مميزة على المحيط، وتُعدّ حكراً على أصحاب الثروات الطائلة. إلا أن كافة هذه القصور في ديل تتمتع بعامل مشترك، فكلّها شهدت ارتفاعاً في قيمتها مؤخراً بفضل فيلق الهندسة في الجيش الأميركي.

حيث نقل الفيلق 697 ألف ياردة مكعبة من الرمال من منطقة إمداد "سي باريت"، وهي عبارة عن رصيف رملي قرب مدينة ساندي هوك في نيوجرسي، ثم قام بضخّها في ثلاث بلدات مجاورة، هي ألينهيرست ولوش أربور وديل. واستمرت عمليات نقل الرمال على مدار أربع وعشرين ساعة "ولم تتوقف إلا في حال هيجان البحر، وللتزود بالوقود ولأعمال الصيانة والإصلاح" بحسب ما أبلغني به المتحدث باسم فيلق الهندسة ناييلي غيريريو. وبلغت تكلفة المشروع 26 مليون دولار، وهو الآن في مراحله الأخيرة.

وانتهى الأمر بالحصة الأكبر من الرمال، أي 620 ألف متر مكعب منها، في بلدة ديل. يقول ستيفن كاراسيا، المسؤول الإداري للبلدة إن حصتها من التكلفة تقدر بنحو مليوني دولار "أي ما يوازي ثلاثة أرباع سعر منزل عادي في البلدة. فيما سيتمّ تسديد بقية المبلغ من قبل الولاية ودافعي الضرائب.

في شمال ديل، تقع بلدة لونغ برانش البالغ عدد سكانها 30 ألف نسمة والتي تضمّ قصوراً أقل عدداً (يُقدّر سعر المنزل فيها بـ600 ألف دولار) وشققاً أكثر. في نهاية أبريل، التقيت هناك بجون ميلر، مدير مجموعة البحوث الهندسية في معهد "ستيفنز" للتكنولوجيا في هوبوكين.

تاريخ من السياحة الشاطئية

تُمثّل مدينة لونغ برانش أحد أقدم المنتجعات الشاطئية في الولايات المتحدة، فكان الرئيس الأميركي يوليسيس إس غرانت يُمضي إجازته فيها. ورسم وينسلو هومر شاطئها، حتى أن الرئيس جيمس غارفيلد توفي في "لونغ برانش" بعد نقله إلى البلدة على أمل أن يساعد نسيم البحر على التخفيف من حدّة إصابة الرصاصة التي تعرّض لها في محاولة اغتياله.

إلا أن البلدة الواقعة على بعد ثمانين كيلومتراً عن مانهاتن خسرت رونقها في نظر الأثرياء، ومعهم بدأت تفقد شاطئها. يقول ميلر إن بحلول الثمانينات ما عاد هناك أي شاطئ يذكر على هذا الخط الساحلي في مقاطعة مونماوث. وقفت مع ميلر على ممر خشبي يطلّ على الشاطئ في يوم عاصف في أبريل. صحيح أن لونغ برانش استفادت من عمليات إعادة ملء الشاطئ في عام 2020، حيث تبدو الرمال غزيرة. إلا أن البحر في فصل الربيع بدا هائجاً، وليس من الصعب تخيّل ما قد يحصل مع هبوب عاصفة شمالية شرقية، أو في حال ضرب إعصار الشاطئ في وقت لاحق من العام.

تخلّلت الشاطئ العديد من مصدّات الأمواج، وهي عبارة عن تكوينات صخرية متعامدة مع المحيط تعترض حركة الرمال على الشاطئ. فتضمّ مقاطعة مونماوث 172 مصدّاً للأمواج، أي ما يوازي تقريباً ما تضمّه المقاطعات الساحلية الخمس الأخرى في نيوجرسي مجتمعة. وسألت ميلر عن سبب قرب مصدّات الأمواج بشكل كبير من بعضها، وأجاب أن "مصدّات الأمواج كانت من أول الأمور التي بناها السكان في محاولة لجعل الشاطئ مستقرّاً، ولم يكونوا يبالون كثيراً لأمر جيرانهم أو البلدات الأخرى"، وأضاف أن الكثير من مصدّات الأمواج هذه "تعود إلى بداية القرن الماضي".

مصدّات الأمواج

تعترض مصدّات الأمواج الانزلاق الطبيعي للرمال نحو الشمال في المنطقة، ما يتيح نشوء شاطئ واسع في الجنوب. وفي غضون ذلك، يتقدم التآكل في الجانب الشمالي من مصد الأمواج، ما يتطلّب المزيد من الجهود، أي بناء المزيد من مصدّات الأمواج مثلاً، من أجل التصدي لخسارة الرمال هناك.

عن ذلك يقول ميلر: "لم تكن هندسة السواحل موجودة حينها، لذا لم يكونوا يدركون ما يجري". وأضاف: "لو كنّا سنقوم بتصميمها اليوم، فسنحاول القيام بذلك بطريقة تمكّننا من التحكم بتدفق الرمال. حيث تقوم الفكرة بأكملها على السعي لإبطاء حركة الرمال نحو الشمال".

في حالة لونغ برانش، نعني بالشمال بلدة ساندي هوك، وهي منطقة ترفيهية وطنية، يفصلها عن البرّ الرئيسي نهر شروسبوري، ومن شبه الحتمي أن ينتهي المطاف ببعض الرمال التي تم وضعها للتوّ في بلدة ديل هناك. ومثل المستثمر غير النشط الذي لا يسحب أرباحه، تراقب ساندي هوك محفظتها وهي تنمو على مرّ الأجيال. وبحسب كلٍّ من الكاتب راسل روبرتس والكاتب ريتش يومانز، كانت منارة ساندي هوك تقع على بعد 152 متراً من الطرف الشمالي للسان الرملي في عام 1764. واليوم، باتت على بعد أكثر من كيلومتر ونصف إلى الجنوب. وبمساعدة فيلق الهندسة في الجيش وتمويل دافعي الضرائب الأميركيين، لا شكّ أن المسافة ستزيد أكثر.

ويبدو ذهاب الرمال إلى المنتزهات الوطنية أفضل بكثير من مشاهدتها تنجرف عن الشاطئ وتغوص في وديان تحت المياه، ولكن المأزق هو نفسه في النهاية، إذ لا يمكن فعل الكثير لإبقاء الرمال في مكانها.

التجربة الأوربية

في هولندا، حيث إدارة السواحل أمر ضروري من أجل البقاء، يتم وضع الرمال على الحواجز الرملية، وترك البحر يوزعها على امتداد الساحل. إلا أن التجربة الأوروبية لا يُعوَّل عليها دائماً. ففي جزيرة سيلت الألمانية في بحر الشمال، تمت إعادة ملء الشواطئ الممتدة على 40 كيلومتراً من الساحل 18 مرة بين عامي 1972 و2000. وقد بلغت التكلفة الإجمالية لذلك حوالي 115 مليار يورو، أي ما يقارب الثلاثة ملايين يورو للمتر الواحد.

بالطبع، حصل كلّ ذلك قبل ارتفاع منسوب البحار في القرن الواحد والعشرين. يقول ميلر: "على المدى الطويل، سوف يجعل ارتفاع منسوب البحار عملية تغذية الشواطئ أقل كفاءة من حيث التكلفة"، ولكنه أضاف أنه "على المدى القصيرة، في والمكان والزمان الحاليين، أعتقد أن الأمر لا يزال مفيداً".

وفي ظلّ ارتفاع المدّ، لا شكّ أن الحكومة ستواصل تكديس الرمال، بالأخص على الساحل الشرقي، حيث الأفق أقل سوداوية بالمقارنة مع كاليفورنيا.

توقعات بارتفاع مياه السواحل الأمريكية بوتيرة أسرع من المائة عام الماضية

ماذا يحمل المستقبل؟

في كتابهما "الشاطئ الأخير" (The Last Beach) الصادر في عام 2014، كتب أورين بيلكي وجي أندرو كوبر:

"نتوقع أن تستمر عمليات إعادة ملء الشواطئ إلى حين يتعذّر ذلك بسبب ارتفاع تكلفة الحفاظ على الشاطئ نتيجة ارتفاع منسوب البحار والافتقار إلى الرمال المناسبة ونقص التمويل الحكومي بسبب تغير الأولويات. فحين تصبح المدن الكبرى مهددة بارتفاع منسوب البحار، تصبح حمايتها أولوية أهم من الحفاظ على الشواطئ السياحية".

وبالفعل، قد يكونان على حق. فانحسار الشواطئ في ظلّ ارتفاع التكلفة قد يجبر ساحل الولايات المتحدة على الإقرار بالواقع نوعاً ما. فليس بالإمكان الاستمرار في تخصيص الأموال العامة ليستمتع الأثرياء في ديل وبالم يتش بمنازلهم على الشواطئ. وبالفعل، كان أثرياء آخرون من أصحاب المنازل الشاطئية في شمال كارولاينا وكاليفورنيا قد شاهدوا منازلهم تذهب في البحار.

ولكن نظراً إلى جاذبية الشاطئ، وقدرة أمريكا المذهلة على إنكار الواقع، فإن التيقظ لموضوع مستويات البحار أو لعدم جدوى استثمار الأموال العامة في شواطئ حصرية قد يستغرق عقوداً طويلة. فبين عامي 2010 و2017، سمحت ولايات فلوريدا ونيوجرسي وكارولاينا الشمالية، التي ُتعدّ الولايات الأكثر عرضة لمخاطر ارتفاع منسوب البحار والعواصف الخارقة، ببناء 9 آلاف منزل في مناطق الفيضانات.

ليس من الصعب فهم المنطق خلف ذلك، فثمة مردود مالي منه، ومناصرو المناخ نادراً ما يكونون بين الذين يجنون هذا المال. تظهر دراسة تعود إلى عام 1923 أجراها مجلس التجارة والملاحة في نيوجرسي أن الولاية خسرت 10 كيلومترات مربعة من واجهتها البحرية خلال القرن الماضي. ولكن بعد قرن من ذلك، ها هو شاطئ جيرسي حيّ يرزق ويحقق إيرادات بمليارات الدولارات من السياحة والأنشطة الاقتصادية المرتبطة بها. إذاً لأي حدّ يمكن أن يسوء الوضع؟

لعلّ النقطة الأهم أن العقارات الشاطئية على كافة السواحل تتركز في أيدي أصحاب المال والنفوذ. إلا أن ارتفاع منسوب البحار والمدّ الجامح وطاقة الأمواج تشكل خصماً شرساً، سوف ينهش الشاطئ، ومعه سترتفع التكلفة التي يتكبدها الأثرياء لإشباع شهيتهم. وفي معركة الإرادة، البحر سينتصر لا محالة.

في غضون ذلك، لن يتردد المتنفّذون في المجال العقاري والسياسي في استخدام سلطاتهم الواسعة من أجل توجيه الموارد العامة لخدمة غاياتهم. حيث يمكن للسياسة أن تكون قاسية، ومن الواضح أن القطاع العقاري يمكنه ذلك أيضاً.