بعد خسارة 270 مليار دولار.. انهيار العملات المشفرة يمهد الطريق لهدوء غير مستقر

بالرغم من حالة القلق الشديد التي سيطرت على تداولات العملات المشفَّرة؛ لكنَّه كان أسبوعاً متميزاً.

انهارت العملة المستقرة "تيرا دولار" (TerraUSD) المرتبطة بالدولار، عقب انقلاب الآلية المعقدة المصمّمة لضمان ارتباطها فجأة، مما أدى إلى دخول أكبر الأصول الرقمية في دوامة من البيع، وسط حالة من القلق الشديد، وظهرت مصطلحات مثل "دوامة الموت" في اللغة المستخدمة.

بحلول منتصف الأسبوع؛ تسبّبت الاضطرابات السريعة في انخفاض عملة "تيذر" (Tether) المستقرة، ذات الأصول التي تبلغ قيمتها 80 مليار دولار، وعملاقة السوق والركيزة الرئيسية في العديد من المعاملات، مما دفع مُصدِر العملة إلى طمأنة المستثمرين بأنَّ كل شيء على ما يرام.

بعد انهيار رمزها المشفر.. داعمو "تيرا دولار" يسعون لجمع 1.5 مليار دولار لإنقاذها

كذلك تعرّضت الأدوات المالية المتداولة في البورصة، والمرتبطة بالعملات المشفَّرة للانهيار، فقد انخفض أحدها الذي يتتبّع رمز "لونا" (Luna) المميز المتعثر بنسبة 99% في يوم واحد.

يوم الجمعة، عاد ما يشبه الهدوء إلى أسواق العملات المشفَّرة. لكنَّ الخسائر حادة، وقاربت 270 مليار دولار من القيمة السوقية للأصول المشفَّرة، وفقاً لـ"كوين ماركت كاب" (CoinMarketCap)، في أكثر الأسابيع تقلباً لعملة "بتكوين" منذ أكتوبر الماضي.

أضاف ذلك تساؤلاً أوسع نطاقاً عن ركائز عالم التشفير الأخرى التي قد تنهار قريباً وتتسبّب في انهيار مشابه للسوق؟

تقليص الخسائر

كتب ماتي غرينسبان، مؤسس شركة أبحاث التشفير "كوانتوم إيكونوميكس" (Quantum Economics)، في تقرير نُشر في وقت متأخر يوم الخميس: "التداعيات التي يشهدها القطاع وما تعلمناه عقب الفاجعة هي دروس مهمة وحيوية حتى نمضي قدماً".

برغم ارتفاعها بنحو 8.5% يوم الجمعة؛ ما تزال حصيلة تداولات "بتكوين" خلال الأيام الخمسة الماضية ممثلة لانخفاض بنسبة 13%، في حين فقدت ثاني أكبر عملة "إيثريوم" 20% أيضاً.

على جانب آخر، تلقّت العملات الصغيرة (altcoins) ضربات أكبر، حيث فقد الرمز المميز "لونا"، الذي كان من يُفترض أن تحافظ "تيرا دولار" على ربطه بالرمز، كل قيمته تقريباً.

ينبغي على مؤيدي التشفير أن يتوسلوا سعياً للتنظيم

وبرغم الأسبوع الصعب؛ سجلت العديد من العملات المشفَّرة قفزات كبيرة في نهاية الأسبوع، فقد ارتفعت بالتزامن مع صعود مؤشر "ستاندرد آند بورز500" بنسبة 2.6%، ومؤشر "ناسداك100" بنسبة 4% تقريباً، حيث ارتفعت عملات "سولانا" (Solana)، و"كاردانو" (Cardano)، و"أفالانش"(Avalanche) %17 على الأقل يوم الجمعة، بحسب ما أظهرت بيانات "بلومبرغ".

مع زيادة الفوضى المحيطة بعملة "تيرا دولار"(UST)؛ توقفت "تيرا بلوكتشين" (Terra blockchain) الداعمة لها عن تسوية المعاملات للمرة الثانية في أقل من يوم.

"بتكوين" تنخفض دون 30 ألف دولار لأول مرة منذ يوليو 2021

قالت "تيرا فورم لابس" (Terraform Labs) في تغريدة على حسابها المحقق على منصة "تويتر"، إنَّ المدققين، والكيانات المسؤولة عن التحقق من المعاملات على "بلوكتشين" قد اتخذت خطوة "للتوصل إلى خطة لإعادة تشغيل" منصة "تيرا".

قال ميهير غاندي، الشريك في "بي دبليو سي" ورئيس أعمال تحويل مدفوعات الشركة في الهند: "لقد صدمنا عندما رأينا إغلاق منصة ضخمة مثل (تيرا)، هذا أمر غير مسبوق". وأضاف: "عالم العملات المستقرة يبدو مثيراً للقلق".

رقابة العملات المستقرة

شهدت المزيد من العملات المستقرة التقليدية مثل"تيذر"، و"يو إس دي سي" (USDC)، و"بينانس دولار" (Binance USD)، التي تحتفظ باحتياطات من الدولار، وأخرى لدعم ربطها بالدولار، تداولات تطابق تداولات الدولار يوم الجمعة، مما يشير إلى أنَّ انهيار العملات المرتبطة بعملة "تيرا دولار" لم يقوّض الثقة في مثل تلك الرموز. ومع ذلك؛ تراقب الجهات التنظيمية التطورات، وقد تعهدت بتكثيف الرقابة عليها.

رئيس "كوين بيس" للعملات المشفرة يستبعد الإفلاس رغم المخاطر

هناك تحديات أخرى تواجه العملات المشفَّرة، ليس أقلها ميلها إلى الارتباط بشكل أكبر مع تداولات أسهم التكنولوجيا، إذ بلغ معامل الارتباط بين تداولات "بتكوين" ومؤشر "ناسداك 100" لمدة 40 يوماً في الوقت الحالي مستوى 0.82 ليقترب من تسجيل أعلى مستوى قياسي، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ"، ويشير معامل الارتباط 1 إلى أنَّ هناك أصلين يتداولان في تناسق تام، في حين تشير القراءة -1 إلى أنَّهم يتداولون بشكل معاكس تماماً.

تشديد السياسة النقدية

أدى الارتباط الوثيق بالأسهم إلى تقويض الرأي القائل بأنَّ الأصول المشفَّرة إحدى وسائل تنويع الاستثمارات الناجحة في أوقات التوتر، وبدلاً من ذلك؛ بدأت التراجع بالتزامن مع باقي الأصول الأخرى، وسط بيئة تشديد السياسة النقدية.

أكد رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يوم الخميس أنَّ الاحتياطي الفيدرالي سيرفع على الأرجح أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية في الاجتماعين المقبلين، ويحتمل أن يذهب إلى أبعد من ذلك.

اعترف باول، الذي يحاول الحد من أسرع وتيرة تضخم على مدار 4 عقود، في مقابلة مع برنامج الإذاعة العامة "ماركت بليس"(Marketplace)، أنَّ الاحتياطي الفيدرالي كان يتعيّن عليه التحرك مبكراً.

قال إدوارد مويا، كبير محللي السوق في"أواندا" (Oanda)، في رسالة بالبريد الإلكتروني، في وقت متأخر يوم الخميس، إنَّ انخفاض عملة "بتكوين" إلى ما دون 30 ألف دولار نتج عنه "نقطة دخول رئيسية للعديد من المستثمرين المؤسسيين".

وأضاف مويا: "كانت الثقة تتضاءل في العملات المشفَّرة، ولكن يبدو أنَّنا نقترب من نهاية عمليات البيع في السوق، فقد عادت عملة (بتكوين) للارتفاع من مستوى 25,424 دولار، لكن ذلك لن يستمر ما لم تستقر الرغبة في المخاطرة قريباً".