المليارات الضائعة تهدد بتحطيم سوق الطاقة البريطانية

تواجه المرافق العامة مأزقاً بسبب فواتير مستحقة بقيمة مليارات الجنيهات الإسترلينية بعد ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء

منازل في حي سكني في نتسفورد، المملكة المتحدة. فرض المورّدون رسوماً أكبر رغم أن الأسر لديها قدرة أقل على الدفع، بسبب الضغوط المفروضة على الدخل والمتمثلة في ارتفاع أسعار المواد الغذائية وضريبة الأجور وارتفاع أسعار الفائدة.
منازل في حي سكني في نتسفورد، المملكة المتحدة. فرض المورّدون رسوماً أكبر رغم أن الأسر لديها قدرة أقل على الدفع، بسبب الضغوط المفروضة على الدخل والمتمثلة في ارتفاع أسعار المواد الغذائية وضريبة الأجور وارتفاع أسعار الفائدة. المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كشفت الحرب في أوكرانيا عن مدى هشاشة قطاع الطاقة في جميع أنحاء أوروبا، لكن السوق البريطانية تبدو خطرةً بشكل متزايد بالنسبة للمورّدين والمستهلكين لأسباب داخلية بشكل أكثر.

تواجه المرافق العامة مأزقاً بسبب فواتير مستحقة بقيمة مليارات الجنيهات الإسترلينية بعد ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء، حيث وقعت الأسر، التي تعاني بالفعل من ارتفاع تكاليف المعيشة، في فخّ الديون. أصبح واضحاً أيضاً أن القيمة التي يدفعها الناس لن تنخفض على الأرجح حتى لو انخفضت أسعار البيع بالجملة بسبب التكاليف المقترنة بإنقاذ عملاء أكثر من عشرين مورداً أصغر حجماً أعلنوا فشلهم عندما ارتفعت الأسعار العام الماضي.

ما زال الوقت مبكراً لتحديد رقم إجمالي لحجم مديونية العملاء، لكن التقديرات الأخيرة توضح أن الصورة قاتمة. وتحذّر شركات مثل "سكوتيش باور" (Scottish Power) التابعة لشركة المرافق الإسبانية "إيبردرولا" (Iberdrola SA) من أن السوق لم تعد مستدامة.

في تصريحات أدلى بها أمام لجنة برلمانية الشهر الماضي، قال مايكل لويس، الذي يدير أعمال شركة "إي أون" (EON SE) الألمانية بالمملكة المتحدة، إن الأموال المستحقة على عملاء الشركة يُتوقَّع ارتفاعها بنسبة 50% لتصل إلى 2.4 مليار جنيه إسترليني (3 مليارات دولار) بحلول نهاية العام.

في الوقت نفسه، تقول شركة "سنتريكا" (Centrica)، وهي أكبر مورد لبريطانيا، إن 10% من عملائها البالغ عددهم 7.2 مليون عميل متخلفون بالفعل عن السداد.

أبراج نقل الطاقة الكهربائية أعلى المباني السكنية في برايتون، المملكة المتحدة.
أبراج نقل الطاقة الكهربائية أعلى المباني السكنية في برايتون، المملكة المتحدة. المصدر: بلومبرغ

تقول الشركات ومحللو الطاقة إن المشكلة هي أن هيكل سوق الطاقة بالمملكة المتحدة تواجه حلقة مفرغة تماماً، كما يحذّر البنك المركزي البريطاني من ركود وتضخم في خانة العشرات. يفرض الموردون رسوماً أكبر رغم أن الأسر لديها قدرة أقل على الدفع، بسبب الضغوط المفروضة على الدخل والمتمثلة في ارتفاع أسعار المواد الغذائية وضريبة الأجور وارتفاع أسعار الفائدة.

قال ديتر هيلم، أستاذ السياسة الاقتصادية بجامعة أكسفورد والمستشار السابق لسياسة الطاقة بالحكومة: "يتضح ببطء أن أزمة تكلفة المعيشة لن تختفي.. فواتير الطاقة هي الأبرز حقاً وسط كافة الفواتير التي يواجهها المواطنون".

صُمِّم سقف أسعار الطاقة بالمملكة المتحدة في الأساس لحماية المستهلكين من الزيادات الحادة؛ لكنه ارتفع بنسبة 54% ليسجل مستوى قياسياً في الأول من أبريل، ما أثر على 22 مليون شخص. ويتوقع ارتفاع نسبته مرة أخرى في التسوية القادمة في أكتوبر. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى معاناة 40% من السكان من فقر الوقود، وربما يؤدي لظهور مزيد من الفواتير غير المسددة، بحسب شركات إمداد الطاقة.

انهيار 3 شركات طاقة جديدة في بريطانيا بسبب ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي

بريطانيا في انتظار خسائر ضخمة حال قطع علاقتها مع عملاق الغاز الروسي "غازبروم"

بينما يطالب بعض الساسة بفرض ضريبة على الشركات لدعم المستهلكين، تقول الصناعة إنها لم تعد تتمتع بالوسادة المالية التي كانت لديها من قبل. سجلت هوامش أرباح مبيعات الطاقة والغاز الطبيعي للأسر أرقاماً سلبية في المتوسط منذ عام 2019، حيث بقي المبلغ الذي يمكن تحصيله سراً في ظل المنافسة بين المورّدين وسقف أسعار الطاقة، بحسب تقرير صادر عن "أوكسيرا للاستشارات" (Oxera Consulting LLP).

سجلت شركة "سكوتش باور" خسارة بنحو 250 مليون جنيه إسترليني من مبيعات الطاقة للأسر خلال العام الماضي، كما خسرت شركة "إي دي إف إنرجي" (EDF Energy) أموالاً أيضاً. وأظهرت "بريتش غاز" (British Gas)، التابعة لشركة "سنتريكا"، صورة متباينة بشكل أكثر، فقد سجلت خسائر من بيع الكهرباء، لكنها جنت ما قيمته 222 مليون جنيه إسترليني من إمدادات الغاز.

قال جوش باكلاند، الشريك في شركة "فلينت غلوبال" (Flint Global)، إن "المشكلة ستزداد حدة.. وبالنسبة للمورّدين لم يعد هذا النشاط التجاري ذا هامش ربحي مرتفع، لذلك فإن ارتفاع الديون المعدومة قد يكون ضاراً للغاية". وأشار مستشار الطاقة الحكومي السابق إلى أنه "لا يوجد حل سريع وفوري".

ضرر لأعوام

يفترض البنك المركزي البريطاني أن أسعار الطاقة ستظل مرتفعة بعدما وصفه بأكبر صدمة منذ أزمة السبعينيات، وسيستمر ذلك في دفع التضخم وكبح النمو الاقتصادي وإلحاق الضرر بالأسر لأعوام.

يحمي الحد الأقصى لأسعار الطاقة الأسر، التي لا تخضع لتعريفة محددة المدة، من إدراجها ضمن الصفقة الأغلى سعراً. جدير بالذكر أن مستوى سقف الأسعار يُعدَّل مرتين سنوياً بناءً على الأسعار في الأشهر الستة السابقة، فهو يمنع الشركات من الاضطرار لاستيعاب تكاليف جملة مرتفعة لأجل غير مُسمَّى، لكنه يؤجل مدى سرعة تمرير أسعار أقل للمستهلكين، وبشكل أساسي فهو مجرد تأجيل ليوم الحساب.

اقرأ أيضاً: "ضربة جديدة" لشركات الطاقة البريطانية بعد توقف إمدادات الغاز للعملاء

حدّد وزير الخزانة ريشي سوناك حزمة بقيمة 9 مليارات جنيه إسترليني تتضمن خصماً مسبقاً قدره 200 جنيه على أسعار الطاقة المخصصة للمنازل بدءاً من أكتوبر. وقال إن الحكومة قد تزيد من مساعداتها قبل الشتاء المقبل، لكنها لن توسع نطاق إجراءاتها على الأرجح قبل ذلك الحين.

ويرى هيلم، من جامعة أكسفورد، أن خطة المستشار البريطاني، التي تم الكشف عنها في فبراير، "بلا فائدة".

قال كيث أندرسون، الرئيس التنفيذي لشركة "سكوتش باور" لراديو "بي بي سي" في 9 مايو، إن حجم المشكلة تجاوز ما يمكن أن تتعامل معه الصناعة. ودعا إلى إجراء "تحوّل كبير ومهم في سياسة الحكومة". وأوضح: "سينتهي بنا الأمر برؤية الناس يعانون انقطاع الكهرباء وارتفاع الديون بشكل هائل، وستضاف تكلفة الدين في النهاية للفواتير المستقبلية". و"ستشهد فرض قيود وضغوط كثيرة على مقدمي الخدمة الباقين في السوق لأنه، كما قلت: إلى متى قد تستمر الشركات في تكبّد خسارة عاماً بعد عام؟".

مهندسون يصلحون خطوط الكهرباء في إيدزيل، أسكتلندا.
مهندسون يصلحون خطوط الكهرباء في إيدزيل، أسكتلندا. المصدر: غيتي إيمجز

تحافظ الحكومات الأوروبية الأخرى على قبضتها الأكثر إحكاماً على ارتفاع الأسعار. ويمكن اعتبار شركة "كهرباء فرنسا "(Electricite de France SA) المملوكة بحصة أغلبية للحكومة، مثالاً على ذلك، إذ يمكن تأميم بعض أصولها للمساعدة في سداد الديون من تدابير مثل وضع سقف للسعر المُقدّم لمساعدة الأسر.

تدخّلت الحكومة البريطانية لإنقاذ عملاء الشركات التي أعلنت إفلاسها بسبب ارتفاع الأسعار العام الماضي. ظهرت معظم هذه الشركات -وبعضها لديه بضع مئات من العملاء فقط- نتيجة إلغاء القيود التنظيمية للسوق، الأمر الذي سمح لأي شخص تقريباً بإنشاء شركة لتوريد الطاقة. وتشير الجهة التنظيمية للطاقة "أوفجيم" (Ofgem) إلى أن دافعي الفواتير سيكونون مثقلين بالأعباء في النهاية.

من المتوقع أن تتحمّل شركة "بالب إنرجي" (Bulb Energy)، أكبر مورّد أعلن فشله، تكاليف قدرها 2.2 مليار جنيه إسترليني بحلول نهاية عام 2023، بحسب توقعات مكتب مسؤولة الميزانية في المملكة المتحدة. وتقدر "أوفجيم" أن فشل الشركات الـ25 الأخرى سيكلف المستهلكين نحو 2.4 مليار جنيه إسترليني، والتي سيتم استحقاقها من خلال الفواتير.

ثمة أمر آخر أيضاً، حيث ستحدّ "أوفجيم" من التأثير المالي على الشركات التي استحوذت على عملاء المورّدين الفاشلين نظراً لأن الأسر ستسعى على الأرجح للحصول على صفقة أرخص عندما تنخفض الأسعار إلى ما دون الحد الأقصى للسعر. ويتضمن ذلك إدخال الشركات لرسوم مستحقة الدفع لكسب العملاء الذين ينتقلون بين الشركات. تندرج التكاليف المستمرة المرتبطة بهدف بريطانيا لتحقيق صافي انبعاثات صفرية ضمن المزيج أيضاً، حيث تُمرَّر تكاليف بناء الطاقة المتجددة للمستهلكين.

قال باكلاند: "عليك أن تفترض ارتفاع الأسعار لمدة عام أو عامين.. لا يمكننا ترك الشركات في حالة ترقب وانتظار، والعملاء دون إشراك في الأمور، مع الحث على إزالة الكربون من أنظمة الطاقة بالمنازل. إنه أمرٌ غير معقول".

غاز طبيعي