شعار شركة "غوغل" منعكساً على عين شاب المصدر: غيتي إيميجز

"غوغل" تشارك بياناتنا بقدر مذهل

منصات الإعلانات تبث بيانات الموقع وعادات تصفح الأمريكيين والأوروبيين حوالي 178 تريليون مرة

Parmy Olson
Parmy Olson

Parmy Olson is a Bloomberg Opinion columnist covering technology. She previously reported for the Wall Street Journal and Forbes and is the author of "We Are Anonymous."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كشفت "غوغل" عن نظارات ترجمة أنيقة لدى طرحها هاتف "بيكسل" الذكي وساعات وسماعات أذن لاسلكية خلال مؤتمرها السنوي الأسبوع الماضي، الذي عرضت خلاله أحدث برامجها وأجهزتها. لدى استخدام النظارة تظهر الترجمة فوراً عبر عدستيها خلال التحاور بلغة أخرى مع شخص ما.

يبدو هذا الأمر رائعاً جداً، لكنَّ النظارات غير متاحة تجارياً ولا يحتمل أن تجني منها "ألفابت" (Alphabet) مالكة "غوغل" أرباحاً تداني ما تدره عليها الإعلانات، التي جلبت حوالي 54 مليار دولار من إجمالي 68 مليار دولار هي عائدات الربع الأول.

هل ستواصل استخدام "غوغل" في المستقبل؟

لا يمكن أن نقارن مدى انخراطنا في هذا الأمر، بلا علم، مع أي وقت مضى على مدى التاريخ، ففي كل مرة تباشر به تطبيقاً على هاتفك، أو تتصفح الويب؛ تطلق مزاداً حول ما شاهدت في سوق مزدهرة للبيانات الشخصية. من الصعب جداً أن نحدد حجم هذه السوق؛ لكنَّ تقريراً جديداً صادراً عن المجلس الأيرلندي للحريات المدنية، الذي قام بحملة قوية لسنوات في الولايات المتحدة وأوروبا لتقييد تجارة البيانات الرقمية، وضع الآن رقماً لحجم هذه السوق. قال التقرير، الذي شاركه المجلس مع "بلومبرغ أوبينيون"، إنَّ منصات الإعلانات تبث بيانات الموقع وعادات تصفح الأمريكيين والأوروبيين حوالي 178 تريليون مرة سنوياً. كما تبث "غوغل" هذا النوع من البيانات أكثر من 70 مليار مرة يومياً في جميع المناطق، وفقاً لما جاء في التقرير.

عصية على خيالنا

يصعب على البشر تصور مثل هذه الأرقام، على الرغم من أنَّ الآلات تحصيها بلا عناء يومياً، لكن إذا كان من الممكن رؤية بياناتنا الشخصية بنفس الطريقة التي يمكن رؤية التلوث الذى يخرج من مدخنة؛ فسنكون محاطين بسحابة يكاد يصعب تخللها، وتزداد سماكة كلما تفاعلنا أكثر مع هواتفنا. نجد لدى النظر للأرقام بأسلوب آخر، وهو المكان والنشاط عبر الإنترنت، أنَّ شخصاً في الولايات المتحدة يتعرض لنشاط المزايدة نحو 747 مرة يومياً، وفقاً للبيانات. قال المجلس الأيرلندي إنّ مصدره الذي لم يعلنه على صلة بمدير حملة إعلانية تديرها "غوغل". لا يشمل هذا الرقم البيانات الشخصية التي تبثها شبكات الإعلانات التابعة لأذرع شركات "ميتا بلاتفورمز" (Meta Platform) مثل "فيسبوك" أو "أمازون دوت كوم"، مما يعني أنَّ المقياس الحقيقي لجميع بيانات البث قد يكون أكبر من ذلك بكثير.

دعوى قضائية تتهم "غوغل" بتتبع مواقع المستخدمين رغماً عنهم

ما أهمية كل ذلك؟ غالباً ما تكون التطبيقات مجانية ومفيدة، ويسود اعتقاد أن لا عواقب سلبية واضحة للتنقيب عن البيانات رقمياً.

لكن كانت هناك عواقب في الواقع، إذ اعترفت شبكة إعلانية كبيرة واحدة على الأقل بتمرير بيانات المستخدم إلى وزارة الأمن الداخلي وهيئات حكومية أخرى لتتبّع الهواتف المحمولة دون أوامر قضائية، وفقاً لتقرير نشرته أخيراً صحيفة "وول ستريت جورنال". أُتيحت التحركات الدقيقة للأشخاص الذين استخدموا تطبيق المواعدة "غريندر" (Grindr) للعامة للشراء من شركة إعلانات متنقلة، إلى أن توقف التطبيق عن مشاركة بيانات الموقع مع شبكات الإعلانات قبل عامين. لكن في العام الماضي استطاعت نشرة "ذا بيلار" الكاثوليكية تتبّع موقع كاهن على تطبيق "غريندر" باستخدام "السجلات المتاحة تجارياً" من بيانات التطبيق، وراقبه وهو يتنقل بين مكتبه ومنزله وعدد من حانات المثليين قبل نشر قصة عن "سوء سلوكه الجنسي المتكرر". ما تزال كيفية حصول "ذا بيلار" على هذه المعلومات مجهولة، لكنَّ تطبيق "غريندر" قال حينها إنَّ شريكاً إعلانياً قد يكون المصدر.

تعاظم المخاطر

أصبحت المخاطر الآن أكبر مع فرصة الحظر على الإجهاض في الولايات المتحدة على نطاق واسع. ماذا لو بدأ المدّعون العامون باستخدام بيانات الهاتف للقضاء على تأييد الإجهاض أو استهداف النساء اللواتي يشترين عقاقير الإجهاض عبر الإنترنت؟

يمكن الحصول على البيانات الحساسة بفعل وجود نشاط فوضوي وجامح لبث البيانات في لحظتها، وهو نهج شائع للغاية في الإعلان الرقمي، وهو جزء من شريان حياة شركات مثل: "غوغل" و"فيسبوك". تُنقل البيانات كما يلي: في كل مرة يفتح فيها مُستخدم الهاتف الذكي تطبيقاً أو موقعاً إلكترونياً يعرض إعلانات؛ يُشارك الجهاز بيانات حول هذا المُستخدم للمساعدة في عرض إعلانات مُخصصة له، فيفوز المُعلن الذي يدفع السعر الأعلى بالمساحة الإعلانية المتاحة.

"غوغل" و"فيسبوك" على موعد مع قيود أشد على تتبع الإعلانات في أوروبا

يمكن أن تذهب البيانات إلى عشرات أو حتى مئات الشركات في كل بث. قالت "غوغل" إنَّها تنقل بيانات المستخدمين الأمريكيين إلى ما مجموعه حوالي 4700 شركة في جميع أنحاء العالم. عادةً ما يشتمل كل بث على بيانات حول موقع الشخص، بما فيها حالة التحديد المحلي جداً، وفقاً لعرض "غوغل" الخاص للمعلنين، الذي شمل السمات الشخصية وعادات التصفح لمساعدة الشركات الإعلانية في بناء ملفات تعريف المستخدمين. تتمتّع صناعة الإعلانات أيضاً بتنسيق طويل تستخدمه الشبكات لتصنيف الأشخاص، بما فيها التصنيفات الشخصية مثل: "اضطرابات القلق" و"المشاكل القانونية" أو حتى "زنا المحارم" و"دعم الإدمانات"، بحسب وثيقة عامة نشرها اتحاد من شبكات الإعلان يضع معايير للصناعة.

أقل تفصيلاً

تُصعب الطبيعة المعقدة والغامضة للأعمال الإعلانية عبر الإنترنت، التي تقدّر بمليارات الدولارات، من معرفة البيانات التي تشاركها "غوغل" عنّا بدقة. أوضح جوني رايان، أحد كبار الباحثين في المجلس الذي أشرف على تجميع أحدث البيانات أنَّ "غوغل" تميل لبث قدر أقل من البيانات الشخصية مقارنة بشبكات الإعلان الأصغر، سواء كان الفارق مهماً أو لم يكن. لكنه بيّن أنَّ "غوغل" هي الأنشط من حيث بث البيانات.

فرنسا تغرّم "فيسبوك" و"غوغل" 210 ملايين يورو بسبب الخصوصية

إنَّ الحجم الهائل للبيانات التي تُبث كل يوم لايعبر عن حقيقة ممتعة، فهي تبرز حقيقة أنَّنا محاطون بأجهزة تجمع بياناتنا ظاهرياً بهدف تحسين حياتنا، لكنَّها تُباع بعدئذ لمن يدفع السعر الأعلى. ليست مكبرات الصوت الذكية، وأجهزة تتبّع اللياقة البدنية، ونظارات الواقع المعزز سوى أمثلة قليلة على الاتجاه المتزايد للحوسبة المحيطة. يمكن استغلال البيانات التي جمعتها هذه الأجهزة بطرق لا نعرفها. نشرت مجلة "فايس" (Vice) الأسبوع الماضي أنَّ شرطة سان فرانسيسكو طلبت لقطات "كروز" (Cruise)، تابعة لشركة "جنرال موتورز"، وتختص بالسيارات ذاتية القيادة، للمساعدة في تحقيق. نفت إدارة شرطة سان فرانسيسكو أنَّها تريد استخدام تلك اللقطات في مراقبة قائمة.

لكن يتيح بث المزيد من البيانات فرصاً أكبر لإساءة الاستخدام، حتى حين يكون الغرض غير ضار مثل الإعلان؛ فإنَّ الحوسبة المحيطة تحمل خطر التحول إلى مراقبة محيطة.