خروج "ماكدونالدز" من روسيا يشي بإسدال ستار حديدي جديد

يمثل تأكيداً على أن روسيا لم تعد قابلة للاستثمار حتى بالنسبة لسلسلة مطاعم تنتشر في 100 دولة

أشخاص في مطعم "ماكدونالدز" في ساحة بوشكين في العاصمة الروسية
أشخاص في مطعم "ماكدونالدز" في ساحة بوشكين في العاصمة الروسية المصدر: غيتي إيمجز
Therese Raphael
Therese Raphael

Therese Raphael is a columnist for Bloomberg Opinion. She was editorial page editor of the Wall Street Journal Europe.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

حين ظهرت أقواس "ماكدونالدز" الصفراء الذهبية في ساحة بوشكين في موسكو لأول مرة في 1990 لم يهتم الناس أن الشتاء كان في أوجه، وبدا الأمر كما لو كانت ثلوج نارنيا قد بدأت تذوب وتستعيد الطبيعة زهوها. اصطف الروس في طابور طويل لتذوق البرغر الذي كان بعيد المنال فيما مضى.

كان إعلان "ماكدونالدز" يقول: "إن كنت لا تستطيع الذهاب إلى أمريكا، تعال إلى (ماكدونالدز) في موسكو". تسارعت بعدها علامات تجارية عالمية أخرى لتنتشر في شوارع المدن بشعاراتها وواجهات محلاتها. استقدمت الدولة التي كانت ترائي بصورة وهمية عديداً من الواجهات المألوفة التي تمكنت من إضفاء نوع من الشرعية على حكومتها، فمثل هذه الواجهات سواء "ماكدونالدز" أو "هوغو بوس" توحي بأن البلد يتحول إلى الحداثة.

"ماكدونالدز" ستتخارج من روسيا وتتأهب لخسارة 1.4 مليار دولار

اتخذت "ماكدونالدز" قراراً الاثنين بالتخارج من روسيا و"فك قوسها". يختلف الأمر بشكل ملحوظ عن مجرد إغلاق منفذ كما فعلت "ماكدونالدز" وغيرها من العلامات التجارية بعد أسبوعين من غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا. استمر دفع رواتب الموظفين وظلت المتاجر تحمل الشعارات عالياً، وما تزال مدرجة في دفاتر الشركة الأم. يمكن عكس مثل هذه الإجراءات بسهولة بعكس التخارج الشامل. اتخذت علامات تجارية عالمية أخرى نفس القرار كدليل على الرفض دون أن تبلغ اليأس.

تغادر الشركات روسيا الآن حقاً. أعلنت شركة "رينو" الفرنسية لصناعة السيارات الاثنين أنها ستبيع جميع أصولها الروسية إلى كيان تسيطر عليه الحكومة. لا شك أن مزيداً من الشركات سيتبع النهج نفسه. الأمر يشبه بدء الصقيع في نارنيا.

انتصار أمل

أشار كريس كيمبزينسكي، رئيس "ماكدونالدز" التنفيذي، إلى أن دخول الشركة إلى السوق الروسية قبل 32 عاماً كان انتصاراً "لأمل بلد انفتح على العالم بعد عقود من العزلة. وأمل بأن يصبح العالم أكثر ارتباطاً"، بحيث تستطيع الحصول على وجبة "بيغ ماك" في موسكو كما في شيكاغو.

يحتاج الأمل لما يستند إليه. قال كيمبزينسكي إنه أخذ بالاعتبار القيود القانونية على التشغيل وما إذا كانت العلامة التجارية تستطيع تلبية احتياجات العملاء وتسيير الأعمال بحرية، وما إذا كان وجودها يعزز العلامة التجارية أو أنها منطقية من الناحية التجارية وتتماشى مع قيم "ماكدونالدز". كان العائق الوحيد هو: ما مصير 62000 موظف وأصحاب الامتياز والعلاقات المحلية؟ فرضت الأزمة الإنسانية في أوكرانيا التي سببتها حرب بوتين الإجابة في النهاية.

انسحاب "وول ستريت" من روسيا يهدر عشرات السنوات من العمل

بالنسبة إلى الشركة التي أقامت إمبراطورية عالمية باستخدام استراتيجية المحاكاة، فإن ما تصفه الآن باسم "فك القوس" يعني أنه لن يمكن استخدام شعارها واسمها وقائمة طعامها، و هو أمر غير مسبوق. يحتمل أن يكون تنفيذ ذلك فوضوياً، كما أن الشركة ليس لديها جدول زمني. قالت "ماكدونالدز" إنها تتطلع لبيع نحو 850 مطعماً في روسيا إلى مشترٍ محلي. تملك الشركة معظم المنافذ، لكن أصحاب الامتياز يسيطرون على أكثر من 100 منفذ وبعضهم رفض الإغلاق أو إزالة الأقواس الذهبية.

استمرار الرواتب

تسعى "ماكدونالدز" للاستمرار بدفع رواتب موظفيها في روسيا لحين العثور على مشترٍ. لكن هؤلاء العمال وأصحاب الامتياز وشبكة كبيرة من الموردين ومقدمي الخدمات يواجهون جميعاً مستقبلاً غير مضمون وأضراراً تسببت بها حرب بوتين. كما اختفت "جمعيات رونالد ماكدونالد هاوس الخيرية" و"جامعة هامبرغر"، اللتان علمتا مهارات العمل ووفرتا فرصه.

يُرجح أن تحاول كيانات تدعمها الحكومة إقناع الروس بأن شيئاً لم يتغير كثيراً أو أن مطاعم "ماكدونالدز" المحلية ستكون أفضل.

كشفت سلسلة مطاعم روسية جديدة في مارس عن شعارها الذي يشابه شعار "ماكدونالدز" مقلوباً على جانبه حيث اعتمدت حرف "B" في الأبجدية السيريلية.

روسيا تواجه أسوأ انكماش اقتصادي منذ 28 عاماً

يبدو أن ملاحظة توم فريدمان، الصحفي في "نيويورك تايمز"، بأنه لا توجد دولتان لديهما "ماكدونالدز" يمكن أن تتحاربا، صحيحة. ربما نعود لتذكير أنفسنا بقاعدة أكثر اعتدالاً وهي أن البلدان التي لا تتمتع بسيادة القانون والتي لا يخضع قادتها الذين يحكمون مدى الحياة لمساءلة ديمقراطية، قادرة على القيام بأشياء مجنونة.

بالنسبة لشركة تبلغ قيمتها 181 مليار دولار أمريكي، فإن تكلفة غير نقدية تبلغ بين 1.2 و1.4 مليار دولار لاستثماراتها في روسيا ليست ضربة كبيرة، فلم يشهد سهمها حركة تذكر في التعاملات المبكرة. لكن خروج "ماكدونالدز" هو تأكيد إضافي على إسدال ستار حديدي في 24 فبراير. إنه أيضاً تأكيد على أن روسيا لم تعد قابلة للاستثمار، حتى بالنسبة لسلسلة مطاعم برغر تنتشر في 100 دولة. بالنسبة للروس هذه علامة أخرى على عودة الشتاء، ومن يدري كم سيستمر هذه المرة.