للمرة الأولى في تاريخها.. سريلانكا تتخلف عن سداد الفائدة على ديونها

أشخاص يصطفون في طابور لشراء الكيروسين للاستخدام المنزلي في محطة إمداد في كولومبو، سريلانكا في 17 مايو 2022
أشخاص يصطفون في طابور لشراء الكيروسين للاستخدام المنزلي في محطة إمداد في كولومبو، سريلانكا في 17 مايو 2022 المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تخلّفت سريلانكا عن سداد الفائدة على ديونها للمرة الأولى في تاريخها، إذ تكافح الحكومة لوقف الانهيار الاقتصادي الذي أدى إلى احتجاجات حاشدة وأزمة سياسية.

قال محافظ البنك المركزي ناندالال ويراسينغ في إفادة اليوم الخميس إنّ صانعي السياسة قد أبلغوا الدائنين بأن البلاد لن تكون قادرة على سداد المدفوعات حتى تجري إعادة هيكلة الديون، وبالتالي فهي في حالة تخلف استباقي عن السداد.

بلغت مدفوعات كوبون الفائدة المستحقة أصلاً في 18 أبريل 78 مليون دولار إجمالاً على سندات استحقاق 2023 و2028، مع فترة سماح مدتها 30 يوماً انتهت أمس الأربعاء.

كانت سريلانكا غارقة في اضطراب وسط ارتفاع التضخم (الذي يتوقع وييراسينغ ارتفاعه إلى 40% في الأشهر المقبلة) وهبوط العملة، وأزمة اقتصادية جعلت البلاد تفتقر إلى العملة الصعبة التي تحتاج إليها لاستيراد الغذاء والوقود. تفاقم الغضب الشعبي وتحول إلى احتجاجات عنيفة ودفع الحكومة إلى إعلان الشهر الماضي أنها ستوقف سداد ديونها الخارجية البالغة 12.6 مليار دولار للحفاظ على السيولة النقدية للسلع الأساسية.

هل جلبت سريلانكا فيلاً صينياً أبيضَ إلى عاصمتها؟

يمثل ذلك أوّل تخلّف عن سداد ديون سيادية للبلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1948. وتُعَدّ سنداتها من بين الأسوأ أداءً في العالم هذا العام وتتداول في عمق المنطقة المنكوبة، إذ يستعدّ حاملوها لخسائر تقترب من 60 سنتاً لكل دولار في السندات المُصدَّرة.

يحتوي عديد من سندات سريلانكا على ما يسمى ببنود "التقصير المتقاطع"، التي تضع جميع الديون المستحقة بالدولار في حال التخلف عن السداد إذا كان هناك دفعة غير مسددة في سند واحد. بالنسبة إلى الديون المستحقة في عامَي 2023 و2028، يجري تفعيل البند إذا لم يجرِ الوفاء بأي دفعة تتجاوز 25 مليون دولار. جرى بالفعل إعلان الدولة في حالة تخلف انتقائي من قِبل وكالة "ستاندرد آند بورز ريتينغز" في أواخر أبريل.

دور صندوق النقد الدولي

تُجري سريلانكا محادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن خطة إنقاذ، وتحتاج إلى التفاوض بشأن إعادة هيكلة الديون مع الدائنين. وسبق أن قالت الدولة إنها تحتاج إلى ما بين 3 و4 مليارات دولار هذا العام لتخرج نفسها من الأزمة.

قال جويدو تشامورو، الرئيس المشارك لقسم ديون الأسواق الناشئة بالعملة الصعبة في "بيكتيت أسيت مانجمنت" (Pictet Asset Management) التي تمتلك سندات سريلانكية: "إنها ليست مفاجأة.. لقد جرى تمييزها بشكل جيد وجرى تسعيرها في الغالب مع تسعير معظم السندات في الثلاثينيات العالية".

تشديد الائتمان العالمي الناجم عن سلسلة من العوامل (رفع أسعار الفائدة من قِبل "الاحتياطي الفيدرالي"، وارتفاع تكاليف السلع الأساسية، والحرب في أوكرانيا) كان له تأثير مدمر في الدولة منخفضة الدخل، التي تُعَدّ أكبر مصدّر سيادي للسندات الدولارية ذات الدرجة غير الاستثمارية في آسيا. وكل ذلك جاء بعد الوباء الذي أدى إلى انخفاض أرباح السياحة بأكثر من ثلاثة أرباع.

وقال محافظ البنك المركزي يوم الخميس إنه يتطلع لتعيين وزير للمالية للتوقيع على أي اتفاقيات مساعدات. ومع ذلك فقد تحسَّن الوضع السياسي بتعيين رئيس للوزراء، وقال وييراسينغ إنّ ذلك يمنحه الراحة للاستمرار في منصبه، بعدما هدد الأسبوع الماضي بالاستقالة إذا لم تستقر الأوضاع السياسية قريباً.

محافظ البنك المركزي السريلانكي يهدد بالاستقالة مع تفاقم الأزمة الاقتصادية

وشدد وييراسينغ: "مع وجود رئيس الوزراء والحكومة والبرلمان المنعقد، فإن سريلانكا في وضع أفضل، ويبدو أنها تسير في الاتجاه الصحيح". وأضاف أن هذا قد يكون أفضل وقت للاستثمار في سريلانكا لأننا نقدم معدلَ عائد جذاباً".

في يوم الأربعاء، عدّل مصرف "جيه بي مورغان تشيس" نظرته إلى السندات الدولارية في سريلانكا إلى الشراء، وقال إن الأحداث الأخيرة تشير إلى استقرار سياسي في البلاد، ما قد يمهد الطريق للمناقشات مع صندوق النقد الدولي ومحادثات إعادة هيكلة الديون.

وقال وييراسينغ إنّ إعادة الهيكلة قد تستغرق نحو ستة أشهر، على الرغم من أن الوضع يجعل من الصعب التنبؤ بالجداول الزمنية بدقة. وأضاف أن توصيات المستشارين القانونيين لإعادة الهيكلة ستُعرض على مجلس الوزراء قريباً، وأن صندوق النقد الدولي قد يصدر بياناً يوم الجمعة مع اقتراب انتهاء المهمة.

تباينت سندات سريلانكا يوم الخميس، ولكنها أعلى من أدنى مستوياتها القياسية الأسبوع الماضي، ما يشير إلى أن المتداولين يتوقعون انتعاشاً أفضل لقيمتها. انخفض سعر السندات الدولارية المستحقة في عام 2030 بمقدار 0.28 سنت إلى 38.39 سنت لكل دولار في السندات المُصدَّرة، فيما ارتفعت السندات المستحقة في يوليو بمقدار 0.22 سنت إلى 42.78 سنت لكل دولار في هذه السندات، وفقاً لبيانات جمعتها "بلومبرغ". انخفض "مؤشر كولومبو لجميع الأسهم" بأكثر من 3% وسط عمليات بيع الأسهم العالمية.

وقال جويدو تشامورو: "التخلف عن السداد ليس النهاية، يمكن أن يشير إلى بداية جديدة. والآن بدأ العمل الشاق".

آسيا والمحيط الهادئ