وسط تكاليف الغذاء القياسية.. كيف تطعم الصين شعبها؟

القطاع الزراعي في الصين يتعرض لعدد من التحديات أبرزها الفيضانات غير المعهودة
القطاع الزراعي في الصين يتعرض لعدد من التحديات أبرزها الفيضانات غير المعهودة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تنهمك الصين منذ أمد طويل في العثور على سبل لضمان وجود ما يكفي من الغذاء لسكانها، ولسبب منطقي.

مع ما يصل إلى خُمس سكان العالم، ومحدودية الأراضي الزراعية وتحدي تغير المناخ المتنامي، شجعت حكومة الرئيس شي جين بينغ المزارعين على رفع كمية المحاصيل إلى أقصاها، والمستهلكين على تقليص الهدر لأدنى مستوى. بَنت الصين مخزونات هائلة للتصدي للعجز وأنتجت بذوراً حديثة لزيادة المحصول.

واشنطن وموسكو تتقاذفان الاتهامات حول المسؤولية عن تدهور الأمن الغذائي العالمي

رغم ذلك، ما زالت الدولة تشتري نحو 60% من كافة أنواع فول الصويا التي تتم تجارتها دولياً، وتصنف كأكبر مستورد لحبوب الذرة والشعير. كما برزت حديثاً كواحدة من أكبر مشتري القمح على مستوى العالم. ويجعل هذا من صعود تكاليف المحاصيل العالمية، وربما حدوث أزمة غذاء عالمية تلوح في الأفق، مصدر قلق كبير للحكومة، خاصة فيما يتعلق بأداء الأسعار المحلية. نستعرض فيما يلي بعض التحديات المرتبطة بالأمن الغذائي التي تتعرض لها الصين:

فول الصويا وزيوت الطعام

يصل استهلاك الصين المحلي من فول الصويا تقريباً لحجم محصول الولايات المتحدة بالكامل، ويتوجب على الدولة استيراد نحو 85% من احتياجاتها. ويتم سحق حبوب الفول لإنتاج زيت صالح للطهي واستخدامات غذائية أخرى، ولتغذية قطعان الخنازير، وهي الأكبر على مستوى العالم. تضاعفت أسعار فول الصويا العالمية خلال السنتين الماضيتين جراء الطقس الجاف في أمريكا الجنوبية ونقص البذور الزيتية. وبدون إنتاج الولايات المتحدة محصولاً وفيراً العام الحالي، فمن الممكن ترتفع أسعاره أكثر.

قال جيم هوانغ، رئيس شركة" تشاينا-أمريكا كوموديتي داتا أنالاتيكس" (China-America Commodity Data Analytics) : "يحمل فول الصويا أكبر المخاطر التضخمية". أوضح في رسالة عبر البريد الإلكتروني أن تزايد أسعار النفط الخام والشحن، علاوة على ضعف سعر صرف اليوان، يؤديان إلى تدهور الموقف.

أسعار الغذاء القياسية تضع الأسواق الناشئة بين مطرقةٍ وسندان

تُعد الصين أيضاً أكبر مستورد لزيت النخيل بعد الهند، كما أنها مشترٍ كبير لزيت عباد الشمس. قفزت أسعار زيت الطهي العالمية إلى مستويات قياسية متأثرة بالجفاف ونقص الأيدي العاملة واندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا. وجاء أحدث صعود في الأسعار عقب حظر إندونيسيا، أكبر دولة مصدرة، لشحنات زيت النخيل.

تبذل الحكومة جهود هائلة لزيادة إنتاج فول الصويا، حيث تشير التوقعات إلى أن المحصول سيرتفع بنسبة 19% في موسم 2022-2023. لكن مع تراجع الإنتاج بالمقارنة مع الاستهلاك، لن يكون لذلك تأثير ملموس على حجم الواردات.

السلع الزراعية

الذرة

على مدى فترة زمنية طويلة، لم تشتر الصين كميات ذرة كثيرة من الخارج، لكن في غضون الأعوام الأخيرة بدأ ذلك الوضع يتبدل مع ظهور البلاد كأكبر مستورد في العالم، مدفوعة بالحاجة إلى إعادة بناء المخزونات وإطعام أعداد الخنازير المتصاعدة بطريقة سريعة. أجبر صعود مشترياتها -كثيراً منها من منافستها الجيوسياسية الولايات المتحدة- الصين إلى تكثيف تركيزها على تحقيق الاكتفاء الذاتي باعتباره هدفاً للأمن القومي.

المحاصيل توسِّع مكاسبها وسط مخاوف بشأن الإمدادات

على العكس مما هو في فول الصويا، رغم ذلك، حيث كانت البلاد تعتمد بصورة هائلة على الإمدادات الخارجية، مثّلت واردات الذرة نحو 10% فقط من الاستهلاك المحلي في العام المالي 2020-2021، وهذه النسبة في طريقها للتراجع إلى ما يصل إلى 6% مع حلول السنة المالية 2022-2023، بحسب بيانات وزارة الزراعة الأمريكية.

تشتري الصين قدراً هائلاً من حبوب الذرة من أوكرانيا، حيث قامت الدولة الواقعة على البحر الأسود بتوريد حوالي 30% من حجم الشحنات العام الماضي، وهي ثاني أكبر مورد لها. لكن تعثرت هذه التجارة جراء الغزو الروسي، وهي أحد الأسباب المحتملة التي تقف وراء تراجع متوقع في الواردات خلال السنة القادمة.

القمح

تقع إمدادات العالم من القمح تحت التهديد نظراً لأن كافة الأسباب بداية من اندلاع الحرب ووصولاً إلى الجفاف والفيضانات وموجات الحر تؤدي إلى هبوط الإنتاج. قفزت أسعار القمح حول العالم إلى مستوى قياسي في شهر مارس الماضي عقب غزو روسيا لأوكرانيا، وباتت أغلى بـ80% مما كانت عليه في العام الماضي، ما أسهم في دفع تكاليف الغذاء حول العالم إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق.

القمح يحلّق عالياً ويؤجج مخاطر تضخم أسعار الغذاء

على غرار الذرة، يُعتبر اعتماد البلاد على الواردات منخفض، حيث بلغ 7% من حجم الاستهلاك في العام المالي 2021-2022. ومع ذلك فهي واحدة من بين أكبر المشترين على مستوى العالم بجانب إندونيسيا ومصر وتركيا. كان هناك شعور بالقلق إزاء الإنتاج في الصين، وفي لحظة من اللحظات قال مسؤول كبير إن الدولة ربما تتعرض لأسوأ ظروف جوية على المحاصيل على مر التاريخ عقب حدوث فيضانات بلغت مستويات قياسية خلال السنة الماضية. بدأ المسؤولون في التحقيق أيضاً عمّا إذا كان هناك أي تدمير غير قانوني للمحصول عقب انتشار مقاطع الفيديو تظهر تدمير قمح غير مكتمل النمو أو حصده عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ماذا بعد؟

كدّست الصين مخزونات هائلة من القمح والأرز والذرة، وبحسب تقديرات وزارة الزراعة الأمريكية، فإن البلاد تحتفظ بنصف المخزونات العالمية لهذه السلع على أقل تقدير، إن لم يكن أكثر. قالت إيريس بانغ، كبيرة خبراء اقتصاد الصين الكبرى في "آي إن جي بنك" (ING Bank)، إن الحكومة ستفرج عن مخزونات في حال تطلب الأمر ذلك للحد من أي تضخم أو عجز في الغذاء. أضافت أن تكاليف الأسمدة تمثل مصدراً للقلق ومن الممكن أن تسفر عن صعود تضخم المواد الغذائية، لكن "لا تصل إلى درجة الوضع المقلق".

على المدى الأطول، طالبت بكين باتخاذ إجراء أقوى لتحقيق الاستقرار في الإنتاج، مع وضع أولويتين هما: البذور الحديثة وحماية الأراضي الصالحة للزراعة. وتستهدف إنتاج بذور معدلة وراثياً لرفع حجم المحصول، وترغب في إيقاف استعمال الأراضي الزراعية في أغراض البناء أو تحويلها إلى ملاعب للغولف.