كيف ستتعامل النخبة في "دافوس" مع تداعيات الحرب في أوكرانيا؟

مبانٍ مغطاة بالثلوج مضاءة عند الغسق في دافوس، سويسرا
مبانٍ مغطاة بالثلوج مضاءة عند الغسق في دافوس، سويسرا المصدر: بلومبرغ
 Martin Ivens
Martin Ivens

Martin Ivens was editor of the Sunday Times from 2013 to 2020 and was formerly its chief political commentator. He is a director of the Times Newspapers board.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عندما تلتقي نخبة العالم في منتجع دافوس السويسري هذا الأسبوع، لحضور اجتماع الربيع للمنتدى الاقتصادي العالمي، ستفرض الحرب نفسها بقوة على جدول الأعمال.

فقد أدى الوباء إلى توقف هذا الاجتماع الصاخب السنوي الذي يضم القادة والأثرياء. وسيكون الغائبون عنه هم النخبة الروسية الذين يتجولون "خارج دافوس" غير مدعوين غالباً، إلا أنهم منهمكون بكثافة في الاجتماعات الخاصة أو قابعون في منازلهم. فهم حالياً تحت وطأة العقوبات الغربية وقيد المراقبة.

لقد أنهى ذلك قدراً من أكثر الفعاليات صخباً في المدينة، ولكن سيكون هناك ظهور بارزاً عبر الوسائل الافتراضية للرئيس الأوكراني الشجاع فولوديمير زيلينسكي. كما سيطلب فيتالي كليتشكو، عمدة كييف، المساعدة من أجل إعادة إعمار مدينته المدمّرة. كذلك دعا الملياردير الأوكراني فيكتور بينشوك ضيوف المنتدى لمشاهدة جرائم الحرب الروسية.

أبرز القضايا

ستكون هناك جلسات تتناول موضوعات مثل "العودة إلى الحرب" و"الحرب الباردة 2.0" و"إلى أين تتجه روسيا؟" و"العقوبات" وآفاق "الستار الاقتصادي الحديدي" المنسدل بين الغرب المتحد حديثاً وخصومه. ولكن هل ستتعلق قلوب وفود الأعمال بهذا المنتدى؟

سيطلق العبقري كلاوس شواب، مؤسس ورئيس المنتدى الاقتصادي العالمي، "مبادرة تاريخية لتعزيز التعاون العالمي". يبدو هذا أكثر قبولاً بالنسبة إلى التجمع المعتاد، الذي يبشر بالثقة في قوة الاقتصاد العالمي ويحتفي بالثروة التي ينتجها. (فهو مؤتمر نادر حيث يطُلب تحديد ما إذا كنت سأصل في رحلة تجارية أم طائرة خاصة)

قبل النسخة الافتراضية للقمة التي عقدت في يناير الماضي، مع تفشي موجة متحور "أوميكرون" في جميع أنحاء العالم، كشفت نتائج استطلاع أجري بين الوفود المشاركة في المنتدى الاقتصادي العالمي عن مخاوفهم. وقد تحولت الأولويات من القضايا السياسية والاقتصادية إلى المشكلات الاجتماعية والبيئية وقضايا الصحة النفسية.

بيد أن اندلاع الحرب بالأسلوب العتيق لغزو الأراضي في فبراير، وهي الأخطر في أوروبا منذ عام 1945، كان بمثابة صدمة.

وهذا لا يعيد إحياء الاتهام القائل بأن "رجل دافوس" لا يتوقع دائماً التطور الكبير التالي، حيث أخطأت العديد من الحكومات أيضاً في فهم نوايا الكرملين. لكن ذلك يسلط الضوء على عقلية دولية جماعية لا تنسجم مع الحقائق القاسية لسياسات القوة والنزعة القومية.

إساءة التقدير

ينصب اهتمام الرؤساء التنفيذيين للشركات وقادتهم السياسيين على تطور حالة الازدهار الذي جلبته العولمة والتجارة الحرة والسلام، لكنهم يتناسون أن الحرب هي أيضاً سمة من سمات النظام العالمي. وكما هي الحال بالنسبة إلى فقاعات سوق الأسهم، فإن الأمر نفسه ينطبق على الدبلوماسية: إذ أن أولئك الذين يعتقدون أن "الأمور ستكون مختلفة هذه المرة" يتبيّن أنهم مخطئون بالمعنى القاسي للكلمة.

قبل خمس سنوات من الحرب العالمية الأولى، ألّف الاقتصادي والصحفي النابه نورمان أنغيل كتاباً ثرياً في مدح السلام، بعنوان "الوهم العظيم"، والذي يستهدف من خلاله إثبات أن "التكلفة الاقتصادية للحرب كانت كبيرة للغاية بحيث لا يمكن لأحد أن يأمل في كسبها من خلال بدء الحرب التي ستكون عواقبها كارثية". لقد أصبحت الدول مترابطة اقتصادياً من خلال التجارة، لدرجة أنه لا يمكنها شن حرب ضد بعضها البعض، فقد كانت ألمانيا وبريطانيا، في نهاية المطاف، شريكين تجاريين رئيسيين.

غرقت ألمانيا وبريطانيا والقوى العظمى الأخرى في الحرب عام 1914. لكن أطروحة أنغيل الأكثر انتشاراً لم تفقد مصداقيتها. وغالباً ما كان الدمار والأضرار الاقتصادية الدائمة التي سببها الصراع يثبت وجهة نظره، وهي أن: في الحرب الحديثة يخسر الجميع. وقد نال أنغيل جائزة نوبل للسلام في عام 1933، وهو عام صعود هتلر إلى السلطة. وشرعت القوى العظمى، بقيادة الديكتاتوريات الفاشية والشيوعية، في جولة ثانية من الحرب العالمية، والتي كانت أكثر تدميراً من سابقتها.

مقامرة متهوّرة

وفي فبراير الماضي أيضاً، فاقت مخاطر الحرب في أوكرانيا المكاسب المفترضة للغزو، لكن بوتين لا يزال يخوض مغامرة غير معروفة العواقب. لا يخضع القوميون لتحليلات التكلفة والفوائد. فالعواقب طويلة المدى لهذا القرار لا تُحصى، لكن يمكن لروسيا أن تتغلب على العقوبات الغربية على المدى القصير. ولا تكاد المصاعب الأخيرة تُقارن بالصدمة الاقتصادية الناجمة عن تفكك الاتحاد السوفيتي، والتضخم المفرط، وانخفاض قيمة الروبل في عقد التسعينيات من القرن الماضي.

وحتى بعد المقامرة المتهورة من قبل بوتين، فلا يزال العديد من قادة الشركات والزعماء السياسيين في الغرب يعتقدون أن التجارة كلها جيدة، وأن اقتصاد السوق سيحدث تغييراً ديمقراطياً في المجتمعات. لكن الأمر ليس كذلك بالضرورة. إن تحول المواطن السوفيتي إلى الحكم الرأسمالي من قبل قلة لا ترحم بعد سقوط الشيوعية لم يجعل روسيا أقل خطورة على جيرانها.

وكما نرى الآن بوضوح، فإن الصناعيين الألمان الذين يخدمون مصالحهم الذاتية، بقيادة المستشار السابق شرودر، قد حاولوا مضاعفة وارداتهم من الغاز من روسيا لمساعدة قضية السلام. وكان هذا مبدأ "التغيير عبر التجارة"، وهي فكرة مباشرة مستقاة من الكتاب الذي ألّفه أنغيل. وبدلاً من ذلك، فقد حفّز ذلك بوتين على أن يصبح أكثر عدوانية، حيث اعتقد أن اعتماد ألمانيا على غازه من شأنه أن يعوق المقاومة ضد طموحاته الإقليمية.

كذلك، يعد تبني الصين الناجح لاقتصاد السوق أحد الأحداث الكبيرة على مدار حياتنا. ومع ذلك، فقد صاحب هذه الثورة أيضاً قمع شرس في الداخل، وصعود دولة المراقبة ودبلوماسية "المحارب الذئب" في الخارج.

سياسة المصالح

ذات مرة، كتب إي. إتش. كار، وهو مؤرخ كبير لسياسات القوة، قائلاً: "إن الشعوب الناطقة بالإنجليزية أتقنوا فن إخفاء مصالحهم الوطنية الأنانية تحت ستار الصالح العام". فلنتأمل كيف أعلن رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون ومستشاره جورج أوزبورن، قبل 10 سنوات، عن "حقبة ذهبية" جديدة للعلاقات مع الصين، على أساس الروابط التجارية المعززة وآمال تحرير التجارة في بكين.

واليوم، تتبادل الدولتان الإهانات فيما يتعلق بمعاملة هونغ كونغ، بينما وقّعت بريطانيا اتفاقية دفاع مع الولايات المتحدة وأستراليا لاحتواء القوة البحرية الصينية في المحيط الهادئ.

في دافوس، يلقى الرئيس الصيني شي جين بينغ خطابات تستهدف تهدئة مشاعر الرأسماليين المتعطشين للسوق. وفي المنتدى الاقتصادي العالمي في عام 2017، تحدث زعيم الحزب الشيوعي عن مزايا التجارة الحرة العالمية لجميع البلدان. وفي يناير من هذا العام، قال إن العالم يجب أن "يتخلى عن التحيّز الأيديولوجي ويتبع بشكل مشترك طريق التعايش السلمي، والمنفعة المتبادلة، والتعاون المربح للجميع".

يحق لشي أن يطرح أفضل القضايا لصالح نظامه، ومَن يمكنه الاعتراض على التعايش السلمي؟ لكن تصرفات بكين الأخيرة أظهرت أن الغرب قد يرغب في إنهاء حالة الترحيب بها في جبال الألب.

لقد أصبح أنغيل في نهاية حياته مناصراً قوياً لـ "الناتو" والسلام من خلال الأمن الجماعي. عند ذلك، كان متشكّكاً في أن البشرية سوف تسمو فوق الرغبة المُلحّة للحرب. ومن خلال "قمتهم السحرية" في دافوس، يتعين على الوفود المشاركة الذين يعقدون صفقات مع أعداء الغرب التخطيط لتوقع السيناريو الأسوأ حتى عندما يأملون في الأفضل.