خفض النفقات طوق نجاة لوكالات بيع السيارات عبر الإنترنت.. بعد طفرة "كورونا"

السيارات داخل مرآب لصالح شركة "كارفان" في تكساس، الولايات المتحدة
السيارات داخل مرآب لصالح شركة "كارفان" في تكساس، الولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يرغب إيرني غارسيا أن يقوم بما فعله جيف بيزوس مع الكتب، ولكن مع السيارات المستعملة. لكنَّ إحداث تحوّل في مجال بيع منتج يفوق وزنه الألفيّ كيلوغراماً يبدو مهمة أصعب بأشواط من بيع الكتب ذات الأغلفة الورقية. وتعدّ شركة "كارفانا" (Carvana) لبيع السيارات المستعملة عبر الإنترنت التي أسسها غارسيا في عام 2012 أحد أبرز الأمثلة عن الشركات التي حققت نجاحات هائلة خلال فترة الوباء، ثم عادت أسهمها وانهارت لاحقاً. فخلال الأشهر التسعة الماضية؛ خسرت "كارفانا" 92% من قيمتها السوقية، وفقد غارسا ووالده جزءاً كبيراً من ثروتهما كأكبر مساهمين في الشركة. الآن، تنتقل الشركة من استراتيجية تحقيق النموّ بأي ثمن مما كانت تعتمده، نحو نهج يرتكز أكثر على التكلفة من أجل استعادة ثقة المستثمرين والقدرة التشغيلية.

يقول غارسيا، الرئيس التنفيذي للشركة: "الأسواق تستجيب الآن بطريقة تبدو متخوفة جداً من المستقبل"، مضيفاً: "هذه هي الرسالة التي نقرأها ونسمعها بوضوح".

طمأنة المستثمرين

أمضى غارسيا الفترة الماضية وهو يجاهد حتى يُطمئن المستثمرين. في 10 مايو، أبرم صفقة بقيمة 2.2 مليار دولار من أجل شراء "أديسا"، وهي مجموعة من مواقع مزادات السيارات بالجملة، مما سيسهم في تخفيض تكلفة تجهيز السيارات وشحنها بالنسبة له. وبعدها بساعات، كشف غارسيا عن خطة للاستغناء عن 12% من الموظفين وتجميد رواتب المديرين التنفيذيين حتى العام المقبل. ثمّ في 13 مايو، نشرت "كارفانا" خطة تحول من 56 صفحة تضمّنت تخفيضات كبرى في نفقاتها الإعلانية والرأسمالية.

"جيه بي مورغان": حان الوقت لشراء أسهم النمو والقيمة

وبدا أنَّ هذه الخطة الاستراتيجية ساعدت على الأقل في تهدئة المستثمرين، إذا لم نقل إنَّها نالت اعجابهم. فقد ارتفعت أسهم "كارافانا" عند الإغلاق في 17 مايو بنسبة أعلى بنحو الثلث مقارنة بالانخفاض الذي بلغته مؤخراً، في أعلى زخم تصاعدي تسجله منذ أن بدأت الانهيار في أغسطس. ولكن فيما أيّد المحللون بشكل عام إقرار الشركة بالحاجة للقيام بتغييرات تشغيلية كبرى، إلا أنَّ آراءهم انقسمت حول ما إذا كانت "كارافانا" قادرة على تنفيذ خطتها بالسرعة المطلوبة، خاصة خلال فترة العامين التي منحتها لنفسها.

يقول غارسيا: "الواقع يقول إنَّه في كلّ 5 إلى 15 عاماً، يتغير العالم، وعليك التأقلم مع ذلك".

لم يعرب المستثمرون في "كارفانا" عن قلقهم حيال الأرباح إلا مؤخراً. فنموذج العمل الذي تعتمده الشركة والقائم على الحدّ الأدنى من اللمس يبدو مثالياً في ظلّ الوباء. إذ تتم عمليات الشراء عبر الإنترنت، ويتم توصيل المركبات إلى موقف السيارة أمام المنزل، أو إنزالها من برج زجاجي، بطريقة أشبه بشراء كيس رقاقات البطاطا من آلة بيع.

وقال كيفن تينان، المحلل لدى "بلومبرغ إنتلجنتس": "شكّل ذلك تحولاً لدرجة أنَّه جعل القطاع بأكمله يتنبّه له".

في البداية لم يظهر أنَّ زبائن "كارفانا" أولوا الكثير من الأهمية للأسعار، واستمروا في شراء المزيد من السيارات على الرغم من ارتفاع أسعارها.

يقول تينان: "لم تكن المفاهيم الاقتصادية الأساسية في مجال الأعمال تنطبق هنا"، وأضاف: "كان الأمر أشبه بادعاء أمر ما حتى يتحقق في نهاية المطاف. وجائزتك تتمثّل في تقييم الشركة وتشق طريقك نحو الربحية على أمل ألا ينهار الأساس". لكن مع تصاعد التضخم، وارتفاع أسعار السيارات المستعملة الأمريكية إلى معدلات قياسية في يناير؛ جاءت ردة فعل من يشتري منسجمة مع الواقع، إذ ما عادوا يرغبون بالمزيد من السيارات.

تراجع الإقبال

باعت "كارفانا" 105 آلاف و185 سيارة بالتجزئة في الربع الأول من العام الذي انتهى في 31 مارس، من خلال تراجع بواقع 7% مقارنة بالأشهر الثلاثة التي سبقت، فيما يعدّ أول تراجع فصلي منذ تأسيس الشركة قبل عقد من الزمن. وقال غارسيا: "كل هؤلاء الأشخاص خرجوا من السوق بسبب الأسعار"، مضيفاً: "بالنسبة لي، أعتقد أنَّ هذه الديناميكية الأساسية التي تتجلّى اليوم".

هل يتسبب صعود الأسعار في حدوث ركود؟ إليك طريقة الاستعداد

مع تراجع إقبال المستهلكين، انخفض الطلب، وواجهت "كارفانا" تحديات في نقل وتخزين فيض المركبات لديها، وهي مسألة تستدعي تخطيطاً دقيقاً حتى في أفضل الأوقات. أضف إلى ذلك العواصف الثلجية والقوة العاملة التي أنهكها وباء كورونا، حتى ترتسم صورة أسوأ بكثير. في بعض الأوقات في العام الماضي، غاب 30% من الفريق التشغيلي في "كارفانا" بشكل غير متوقَّع بسبب المرض، بحسب غارسيا. وقد انهمك فريق العمل الأساسي في تجهيز السيارات وشحنها عبر البلاد، إلا أنَّهم وجدوا أنَّ الزبائن قد غيّروا رأيهم.

لكلّ سيارة باعتها "كارفانا" في الأشهر الثلاثة الأولى من العام؛ خسرت الشركة 3 آلاف و255 دولاراً. بالمقارنة؛ حقق عملاق السيارات المستعملة "كار ماكس" (CarMax) ربحاً بواقع 456 دولاراً للسيارة في الربع الماضي. طرح هذا الأداء سؤالاً صعباً: إذا لم يتمكّن وكيل ماهر يرتكز على البيع عبر الإنترنت على تحقيق الأرباح خلال الوباء، كيف سيبلي في ظلّ ظروف أقل انسجاماً؟ لم يرغب الكثير من المستثمرين بالبقاء لاكتشاف ذلك. وهكذا؛ انضمت "كارفانا" إلى "نتفلكس" و"بيلوتون إنتراكتيف" (Peloton Interactive) وغيرها من الشركات التي حققت نجاحات كبرى خلال الوباء، ثم ما لبثت أن عانت اليوم من مخلفات ما بعد كورونا.

تعليقاً على ذلك، قال سيث باشام، المحلل لدى "ويدبوش سيكوريتيز" (Wedbush): "الشعار المتبّع كان "النموّ بأي ثمن"، وأضاف: "لا أعرف إذا كان هذا الأمر ما يزال قابلاً للنجاح هذه الأيام".

إيرني غارسيا، الرئيس التنفيذي لشركة "كارفانا" خلال الطرح الأولي العام للشركة في بورصة نيويورك عام 2017
إيرني غارسيا، الرئيس التنفيذي لشركة "كارفانا" خلال الطرح الأولي العام للشركة في بورصة نيويورك عام 2017 المصدر: بلومبرغ

خفض التكلفة

أقرّ غارسيا بحصول "تغيير كبير في المعنويات"، فأعدّ خطة تهدف إلى نقل الشركة نحو نموذج مبني على اقتصادات وحدة سليمة. في المستند المقدّم إلى المستثمرين في 18 مايو؛ تعهدت "كارفانا" بتخفيض التكاليف بسرعة من خلال خفض الميزانيات الإعلامية، وخفض اليد العاملة عبر الامتناع عن توظيف عاملين جدد، والتخفيف من خطط إنشاء مستودعات جديدة، والحدّ من الخطط المتعلقة بمشاريع رأسمالية كبرى. وقد تعهدت أن يسهم خفض عدد الموظفين الذي أعلنت عنه في 10 مايو في توفير 125 مليون دولار سنوياً.

تعهد غارسيا أيضاً بتوفير عدد أكبر من السيارات والشاحنات ذات الأسعار المقبولة، بما أنَّه في الوقت الحالي، هناك 3 فقط من كلّ 100 سيارة مدرجة على منصته هي بسعر يقل عن 15 ألف دولار. إلى ذلك، تخطط "كارفانا" لبدء قبول طلبات مشتركة للتمويل، وهي خطوة قد تجذب بعض المشترين ممن تحوم حولهم بعض المخاطر بما أنَّ سجلهم الائتماني لا يعد جيداً.

صفقة شراء "أديسا"

ستسهم "أديسا" التابعة لشركة بيع السيارات بالجملة "كار أوكشن سرفيسز" (Kar Auction) في إنديانا أيضاً في تعزيز اقتصادات الوحدة، ولكن مقابل ثمن لذلك. فمن أجل تمويل الاستحواذ على "أديسا"؛ باعت "كارفانا" سندات بقيمة 3.3 مليار دولار بريع مرتفع بواقع 10.25%.

يقول غارسيا إنَّ مواقف السيارات والمستودعات الـ56 التابعة لـ"أديسا" ستمكّن "كارفانا" من إعداد السيارات وتخزينها في أماكن أقرب إلى المستهلكين. إذ سيكون لدى الشركة منشأة تخزين ضمن نطاق يبلغ نحو 320 كيلومتراً في 94% من سكان الولايات المتحدة، فمن دون "أديسا" هذه النسبة كانت 56%. فيما يعد نقطة مهمة بالنسبة لغارسيا، لأنَّ أي عملية شحن تحت 300 كيلومتر توفر بمعدل 750 دولاراً للمركبة الواحدة. وشرح غارسيا أنَّه "في معظم أنواع التجارة، يمكنك اللجوء إلى شركة لوجستيات تنتمي إلى طرف ثالث، سواء "يو بي أس"، أو "يو أس بي أس"، أو "فيديكس"، ولكن فيما يتعلق بالسيارات، اضطررنا نحن لبناء ذلك".

السيارات على وشك أن تصبح أكثر تكلفة وتلوثاً

هل يمكن لـ"كارفانا" الاستمرار؟ بعض الأسماء الكبرى في "وول ستريت" تراهن على الاحتمالين. في الشهر الماضي، سارعت "أبولو" لإنقاذ صفقة السندات الخاصة بـ"كارفانا"، وزاد صندوق التحوط البارز "تايغر غلوبال مانجمنت" (Tiger) حصصه. في المقابل، قال جيم شانوس في مقابلة مع "وول ستريت جورنال" إنَّ شركته "كينيكوس أسوسياتس" (Kynikos) تراهن على انهيار الأسهم.

وكالات بيع السيارات

"كارفانا" ليست استثناءً في عالم بيع السيارات؛ فشركة "فروم" (Vroom) المنافسة التي ترتكز إلى البيع عبر الانترنت، كشفت هي الأخرى عن خطة "لإعادة تنظيم الأعمال" مؤخراً، وقد تضمّنت تخفيضات في عدد الموظفين والنفقات التسويقية. كما أعلنت عن تعيين رئيس تنفيذي جديد، واختارت مسؤول العمليات في الشركة توم شورت لهذا المنصب. ورسالة الشركة للمستثمرين كانت تقول: "نعتزم تفضيل الاقتصاد في المصاريف على النمو".

كما أنَّ إمبراطورية مقايضة السيارات "كارماكس" (CarMax) التي تهيمن على سوق السيارات المستعملة في الولايات المتحدة باعت سيارات بالتجزئة بنسبة أقل بواقع 5% في الربع السابق. وقال الرئيس التنفيذي للشركة بيل ناش في مؤتمر عبر الهاتف في 12 أبريل: "تعتمد الكثير من الأمور على المستهلك حالياً، ولا أدري متى تصبح نتيجة ذلك واضحة".

السوق الرقمية

إنَّ السبيل لإنقاذ الجيل الجديد من وكالات بيع السيارات الرقمية قد يكون في السوق المتبعثرة. فسوق السيارات المستعملة في الولايات المتحدة ضخمة جداً، إذ تسجل نحو 40 مليون صفقة سنوياً، وأيضاً هي مجزأة بشكل كبير. فأكبر 100 وكالة لبيع السيارات تستحوذ على 10% فقط من السوق، كما أنَّ ما بين الثلث ونصف إجمالي المبيعات يتم بين الأفراد.

لتحقيق الازدهار، لا تحتاج شركات مثل "كارفانا" و"فروم" بالضرورة لمصارعة "كارماكس" وغيرها من عمالقة وكالات بيع السيارات مثل "أوتو نايشن" (AutoNation) على حصص في السوق، بحسب باشمان من "ويدبوش". بل يكفي التصدي للوكالات الصغيرة المحلية المثيرة للشكوك والتي تظهر إعلاناتها عند تصفح القوائم اللامتناهية في المنشورات المجانية على موقع "كريغليست". وقال باشمان إنَّ الوكالات الصغيرة المحلية "لا تملك رأس المال والوسائل اللازمة من أجل تقديم عروض للبيع عبر الإنترنت مقتنعة بالقدر نفسه، كما أنَّ المزيد من المستهلكين يسيرون في هذا الاتجاه". في غضون ذلك؛ يقول باشمان إنَّ وكالات بيع السيارات التقليدية "ما تزال تريدكم أن تأتوا شخصياً إليها، من أجل أن يتمكّنوا من إقناعكم بشراء غير ما تبحثون عنه من خلال انتقاد خياراتكم".

تركّز شركة "شيفت تكنولوجيز" المنافسة لشركة "كارفانا" هي الأخرى على شراء سيارات أرخص ثمناً وعلى تحقيق نمو أبطأ. وكبديل عن محاولة التوسع على امتداد البلاد؛ تبقي عملياتها محصورة في الساحل الغربي وتكساس. مع ذلك؛ أعلنت عن خسارة بقيمة 57 مليون دولار في الربع الأول من العام، مقارنة بـ43 مليون دولار في الفترة عينها من العام الذي سبق.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة "شيفت" جورج أريسون: "لن تزول المشاكل بالضرورة خلال عام، ولكن في نهاية المطاف؛ فإنَّ الانتقال إلى الشراء الرقمي وفرصة السوق فيه، هو أمر لا أعتقد أنَّه سيتغيّر".