ضرائب سوناك تساعد المستهلكين لكنها تخالف وعود الطاقة

ترسو ناقلة الغاز الطبيعي المسال "غاز لوغ جيبرالتور" في محطة استيراد "غرين إل إن جي"، التي تديرها الشبكة الوطنية، على جزيرة آيل أوف غرين بالقرب من روتشستر، المملكة المتحدة.
ترسو ناقلة الغاز الطبيعي المسال "غاز لوغ جيبرالتور" في محطة استيراد "غرين إل إن جي"، التي تديرها الشبكة الوطنية، على جزيرة آيل أوف غرين بالقرب من روتشستر، المملكة المتحدة. المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ليس من المتوقع أن تعالج ضريبة الأرباح الاستثنائية المفاجئة التي فرضتها حكومة المملكة المتحدة على شركات النفط والغاز، بالتوازي مع إعفاء الاستثمار الذي سيسمح لها بتجنب معظم هذه الضريبة، مشكلة توفير احتياجات البلاد المُلحة من الطاقة.

في حديثه أمام البرلمان يوم الخميس، لم يجرؤ وزير المالية ريشي سوناك على النطق بكلمة "ضريبة الأرباح الاستثنائية المفاجئة" –وهي ضريبة كانت أحزاب المعارضة تحثه على فرضها منذ شهور– واصفاً إياها بدلاً من ذلك بضريبة خاصة.

فهي تشير إلى نفس الشيء. سيستمر تطبيق هذه الضريبة حتى تعود أسعار النفط والغاز إلى "مستويات تاريخية طبيعية"، رغم أنه لم يلمح إلى ماهية تلك المستويات المحتملة.

"بي بي" تراجع خطتها الاستثمارية بعد ضريبة أرباح مفاجئة على النفط في بريطانيا

لاشك أن المنح التي ستقدم للأسر مع تطبيق هذه الضريبة مرحب بها، وهناك حاجة ماسة إليها عند أناس يواجهون زيادة كبيرة أخرى في تكلفة الفواتير بنهاية العام الحالي.

وحتى يخفف من وقع الضربة على الشركات، أعلن الوزير أيضاً إعفاء للاستثمار الذي سيسمح لها بتعويض 80% من هذه الضريبة عبر الاستثمارات الجديدة في بحر الشمال. غير أن ذلك لن يساعد في حماية نظام الطاقة في المملكة المتحدة مستقبلاً.

يحتاج الاستثمار في إمدادات جديدة من الطاقة عادة إلى فترات انتظار طويلة. ولا فرق في ذلك بين الاستثمار في حقول النفط والغاز في منطقة بحر الشمال، أو محطات كهرباء نووية صغيرة، أو مزارع لطاقة الرياح. ونحن هنا نتحدث عن سنوات لا شهور، قبل أن تتحول فكرة استثمارية إلى إمدادات جديدة ذات أهمية.

وهناك أمران تحتاج إليهما البلاد بشدة قبل إنتاج المزيد من النفط والغاز.

قدرات تخزين الغاز الطبيعي

ليس في المملكة المتحدة مكان لتخزين الغاز الطبيعي في أشهر الصيف حتى تستطيع تغطية ذروة الطلب في فصل الشتاء. ولأن الغاز وقود شائع الاستخدام في التدفئة المنزلية، فإن الطلب عليه طلب موسمي إلى حد كبير. ويستخدم خلال فصل الشتاء بكمية هي عادة ضعف التي تُستخدم في فصل الصيف.

حتى خمسة أعوام مضت، كانت المملكة المتحدة تخزن الغاز ليتم استهلاكه في فصل الشتاء في حقل مستنفد في بحر الشمال يسمى حقل "روف". وغطت عمليات السحب من المخزون نحو 10% من الطلب على الغاز في البلاد في شتاء عامي 2014 و2015، مع تغطية حقل "روف" نحو 70% من الكمية.

بريطانيا باتت مُتخمة بغاز أكثر مما يمكنها تخزينه

غير أن هذه المنشأة أغلقت في عام 2017، عندما قررت الشركة المالكة "سنتريكا" (Centrica) أن إصلاح المشاكل الفنية التي انتشرت في الموقع بعد أكثر من ثلاثة عقود من تشغيله ستكون عملية باهظة التكاليف. وكان القرار جيداً بالنسبة لشركة "سنتريكا"، غير أنه لم يكن كذلك بالنسبة إلى أمن الطاقة في المملكة المتحدة.

لم تعبأ الحكومة في ذلك الوقت بخسارة الموقع الوحيد الكبير لتخزين الطاقة في البلاد. فلم تر وزارة الأعمال والطاقة والإستراتيجية الصناعية بالمملكة المتحدة خطراً يهدد أمن الطاقة في البلاد وسط زيادة إنتاج الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة وأستراليا، ضمن زيادة أخرى في المعروض. والآن، يبدو ذلك التهاون في غير محله.

منذ ذلك الوقت، لم تبد الحكومات المتعاقبة استعداداً لتقديم الحوافز الضرورية للإحلال، تاركة المملكة المتحدة عرضة لتقلبات الأسعار الفورية. وهو أمر جيد عندما تكون الإمدادات وفيرة، غير أن الأمر يختلف عندما تكون محدودة بشدة كما حدث الشتاء الماضي وربما يتكرر ذلك في الشتاء القادم أيضاً.

في الأسابيع القليلة الماضية، وافقت المملكة المتحدة على استيراد كمية من الغاز الطبيعي المسال كبيرة بما يتجاوز قدرتها على الاستهلاك– وبدون توافر مكان لتخزينها عند الاستلام.

أسعار الغاز في المملكة حالياً تنخفض بمقدار الثلث عن مستوى الأسعار في أوروبا، مع استجابة السوق لزيادة المعروض. ولو كان حقل "راف" مفتوحاً، أو تم استبداله بمنشأة جديدة، لأمكن تخزين الكمية الزائدة حتى وقت الحاجة إليها، كما يحدث في مختلف أنحاء أوروبا. وبدون ذلك، فإن أزمة الغاز في الشتاء المقبل ستكون جزئياً من صنع أيدينا.

تحرك عاجل بشأن كفاءة استخدام الطاقة

يقوّض دعم الاستثمار الجديد في النفط والغاز أيضاً اتفاقية المناخ "كوب 26" (COP26) التي تم التوصل إليها في جلاسكو منذ ستة أشهر فقط. وقد دعا التجمع الذي استضافته المملكة المتحدة دول العالم إلى "التخلص على مراحل من دعم الوقود الأحفوري الذي يفتقد إلى الكفاءة".

ستساعد معالجة مشكلة الفاقد في الطاقة عبر تطوير مخزن يعاني من سوء العزل، الأسر على تخفيض فواتير استهلاك الوقود بشكل أكثر من الاستثمار في إنتاج مزيد من النفط والغاز في بحر الشمال. فسيشعر الناس بتأثير ذلك في وقت أقرب وسيستمر زمناً أطول.

لماذا تُنفق بريطانيا 37 مليار جنيه إسترليني لجعل أزمة إمدادات الطاقة أسوأ؟

سيؤدي تحسين العزل واستخدام مراجل أكثر كفاءة (أو مضخات حرارية بمجرد مراجعة ضرائب الوقود لمعاقبة استخدام الغاز الطبيعي كثيف الانبعاثات الكربونية مقارنة مع استهلاك الكهرباء الخالية من الكربون) إلى تقليص فواتير الكهرباء ويخفض استخدام الغاز على مدى عقود.

في نفس الوقت، تتراجع اكتشافات الغاز والنفط في منطقة بحر الشمال بالمملكة المتحدة وسوف يستمر إنتاجهما فترة قصيرة تتناسب مع ذلك، ولذا فإن أي مكاسب تتعلق بأمن معروض الطاقة هي مكاسب عابرة.

كان بإمكان الحكومة أن تؤسس صندوقاً لكفاءة استخدام الطاقة، مع تقديم تعويضات ضريبية عن المدفوعات التي تضخها شركات النفط والغاز في هذا الصندوق، حتى يقدم منحاً ودعماً لتمويل التحسينات. لو فعلت، لكان ذلك منهجاً مفيداً أكثر بكثير من مخالفة الوعود التي قطعتها على نفسها منذ ستة أشهر فقط في مؤتمر المناخ "كوب 26".